"زوجتك نفسي".. حق يكفله الشرع والقانون

"قررنا أن نتزوج على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وشاهديّ عدل؛ فهو أولًا، المذهب المعمول به في القانون المصري، والوحيد الذي يُتيح للمرأة البالغة أن تُزوج نفسها دون وليّ، على عكس المذاهب الثلاثة الأخرى".

بعد أن أتمت مريم خمسة وعشرين عامًا، قررت تزويج نفسها، وعدم اللجوء لأي من أقاربها -الذين يختلفون عنها في الأفكار- حتى لا يتدخلون في قرارها.

"في البداية لم يكن الزواج في نيتي. كنت أراه بشكله -التقليدي- لا يتناسب معي، لكن وجدت شريكًا لحياتي أرتضيه زوجًا، فقررت خوض التجربة كما أريدها، وليس كما يُملي عليّ المجتمع، فزوّجت نفسي".

بدأت مريم وخطيبها -آنذاك- رحلة البحث عن مأذون يقبل إتمام الزواج دون وليّ أو وكيل عن العروس.

ذهبا إلى مأذون رشحه لهما أحد الأصدقاء، كان يرى أن ليس من حق المرأة تزويج نفسها دون وكيل في كل الأحوال، فحضور وكيل من أهل العروس أمر واجب، خاصةً بعدما عرف أن مريم تركت بيت عائلتها منذ أكثر من عام تقريبًا.

اقرأ أيضًا:تلاقي اللي سايقة واحدة ست!

العرف السائد في تزويج المرأة نفسها

يحتكم القانون المصري إلى المذهب الحنفي في قوانين الأحوال الشخصية. ورغم أن القانون لا يمنع تزويج المرأة نفسها، إلا أن المأذونين قد اتفقوا فيما بينهم ألا زواج للمرأة دون وكيل، وتستثنى من ذلك فقط المرأة الثيب التي سبق لها الزواج.

تتفق مذاهب الشافعي والمالكي والحنبلي على أنه لا يجوز تزويج المرأة نفسها، وإن حدث فيكون عقد الزواج باطلًا. وبينما يحتكم المصريون منذ الحكم العثماني إلى المذهب الحنفي في أمور زواجهم، يظل راسخًا داخل وعي الكثير منهم أن النساء لا يتزوجن إلا بولي أو وكيلٍ عنها.

ولذا كانت رحلة مريم وخطيبها إلى ذاك المأذون محكومة بالفشل. فبعد أن وافق الرجل على تزويجها من دون ولي أمرها، اشترط وجود وكيل عنها من أهلها، معتقدًا أنه بذلك يحميها من الوقوع في الخطأ.

"عُدنا مرةٍ أخرى للبحث عن مأذون، وذهبنا إلى كثيرين، كانوا حقًا لا ينكرون القانون وحق المرأة في تزويج نفسها، لكنهم يغلّبون العُرف السائد بينهم برفض الأفكار التي تشجع وتؤكد على قدرة المرأة على اتخاذ قرار زواجها وحدها، ومن ثم ظلت ردودهم تتراوح بين الرفض مأذونًا تلو آخر، حتى أن أحدهم رد على الشريكين بحزم شديد: ده نقاش هياخد وقت طويل وأنا مش فاضي". 

استمر الحال، حتى وجدت مريم أخيرًا مأذونًا اتفق رأيه مع القانون ومذهب الإمام أبو حنيفة. لم تكن لديه أفكار نمطية أو آراء مسبقة عن فكرة تزويج المرأة نفسها، فبارك بمنتهى الهدوء زيجتهما وأتمّها.

قررت خوض التجربة كما أريدها وليس كما يُملي عليّ المجتمع فزوّجت نفسي
قررت خوض التجربة كما أريدها وليس كما يُملي عليّ المجتمع فزوّجت نفسي

ما يقوله القانون عن تزويج المرأة نفسها

من الناحية القانونية، لا مُحاسبة على عقود الزواج من دون وليّ أو وكيل، بحسب المأذونة الشرعية أمل سليمان، إلا أن الشرع يشدد على ضرورة وجود ولي للمرأة البكر، مثل الأب والأخ أو الجد. أما المطلقة فلها حرية اختيار الوكيل، ولا يشترط أن يكون من أسرتها المباشرة، إلا إذا رغبت هي في ذلك.

وفيما يتعلق بالمذهب الحنفي، توضح سليمان لـ فكّر تاني: إن هذا المذهب يُجيز للمرأة البكر البالغة تزويج نفسها، ولكن هذا لا يعني أن بإمكانها أن تتزوج دون أي تدخل من العائلة. ويُفضل أن تختار وكيلًا من أقاربها، إذا لم يقم وليها الأصلي بدوره، والفقه الإسلامي عمومًا لا يدعم الفكرة الكاملة لزواج البنت بنفسها من دون ولي.

وتُشير المأذونة إلى أنها شهدت أثناء عملها, بعض الحالات لفتيات أتين من محافظات مختلفة، هاربات من أسرهن بهدف الزواج دون علم الأهل. وتوضح أنه وفقًا للوائح المتعلقة بالمأذون، لا يمكن إتمام عقد الزواج إلا إذا كانت الفتاة مقيمة في دائرته، ما يزيد من تعقيد الموقف لهؤلاء الفتيات في حال أردن الزواج بمن يرغبن من غير ولي.

اقرأ أيضًا:الـ "مانسبريدنج".. رجال يتمددون ونساء ينكمشن

الولي.. وسيلة إجبار وهدم أسر

لا يجوز تزويج المرأة نفسها
لا يجوز تزويج المرأة نفسها

في عشرينياتها، حاولت سمر الزواج برجل أرادته، وحين رفض أهلها، قررت أن تُزوج نفسها، لكنهم أجبروها على الزواج بآخر، وبينما تتم الآن عامها الأربعين، وهي أم لطفلتين، تقول لـ فكّر تاني: لم تكن زيجة جيدة على الإطلاق، ذقت من العنف أنواعه كافة، وسيل من ضرب وإهانات أنا وبناتي!.

حالت فكرة ولي الأمر دون أن تمارس سمر حقها في رفض الزواج برجل لا ترغب فيه. قال لها أحد المأذونين الذي لجأت إليه في محاولاتها الزواج ممن تُحب: من دون وليّ أو وكيل يُصبح زواجك زنا. هذه الممارسات الضاغطة عليها أرضختها أخيرًا لإرادة أهلها، لكنها لم تمنع مشاعر الندم من التسلل إلى نفسها طوال عشرين عامًا تلت.

استطلاع: 76% يؤيدون تزويج المرأة نفسها

أظهر استطلاع رأي (بعينة عشوائية) أجراه فريق منصة فكّر تاني أن 76.2% من المشاركين يؤيدون حق المرأة في تزويج نفسها دون الحاجة إلى إذن ولي، بينما عارض 23.8% من المشاركين الفكرة. وشارك في الاستطلاع حوالي 50 شخصًا، أغلبهم من النساء من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية.

تم تقسيم الأسئلة لقياس مواقف المشاركين بين القبول والمعارضة، إضافة إلى استكشاف الأسباب التي تفسر كل موقف.

رأى المؤيدون أن حرية اتخاذ القرارات حق أساسي لأي إنسان بالغ، معتبرين أن المرأة المؤهلة عقليًا يجب أن تكون مسؤولة عن قراراتها، وأن هذا يعفي الأهل من أي مسؤولية عن نتائج الزواج، سواء كان الزوج مناسبًا أم لا.

وأضاف بعض المشاركين أن المرأة كائن حر ومستقل، ويجب أن تتمتع بحرية اتخاذ القرارات لتعزيز إنسانيتها، كما اعتبروا أن اشتراط وجود ولي قد يؤدي إلى زواج مبكر أو استغلال جنسي أو فرض خيارات لا تعكس إرادتها الحرة. وشدد آخرون على أن شروط الزواج مثل البلوغ والرشد يجب أن تطبق بالتساوي بين الرجل والمرأة، وإذا كان القانون يشترط وليًا للمرأة، فيجب أن يشترط وليًا للرجل أيضًا لضمان المساواة.

أما المعارضون، فقد رأى بعضهم أن وجود الولي ضروري لحماية المرأة من الاستغلال، مشيرين إلى طبيعتها العاطفية التي قد تجعلها عرضة للخطر. وأكد آخرون أن الولي يمثل دعمًا وحماية للمرأة وليس تحكمًا بها، إلا أنهم أشاروا إلى إمكانية مراجعة رأيهم في حال كان الولي ظالمًا أو غير متوفر.

تأتي العادات الاجتماعية والأفكار التقليدية مقيدةً لحقوق المرأة
تأتي العادات الاجتماعية والأفكار التقليدية مقيدةً لحقوق المرأة

للنساء حق تزويج أنفسهن بالشرع ونص القانون، لكن تأتي العادات الاجتماعية والأفكار التقليدية مقيدةً لحقوق المرأة، تقف حائلًا أمام تطبيق الشرع والقانون على أرض الواقع. ويبقى الخلاف قائمًا بين من يرفض هذه الفكرة بدعوى "حماية المرأة"، وبين من يرونها قادرة على اختيار شريك حياتها.

وبوجود هؤلاء وهؤلاء، فإن النقاش حول هذه القضية سيظل مفتوحًا، خاصة في ظل التغيرات الاجتماعية المستمرة التي تشهدها مصر حاليًا.

اقرأ أيضًا:صحفيات السودان.. صمود في زمن الحرب

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة