كان الخميس هو اليوم المنتظر، بعد شهر من المحادثات عبر الإنترنت. الآن حان موعد "الفيرست ديت" بين خلود صاحبة الـ 27 عامًا، وإسماعيل مهندس الاتصالات.
منذ بداية اليوم، كانت خلود منشغلة بإعداد نفسها بعناية لهذا اللقاء الخاص، بحماس وتوتر كانت تتهيأ. جلست أمام مرآتها، تراقب بعناية كل تفصيلة في مظهرها، بعد أن قلّبت خزانة ملابسها رأسًا على عقب. استقرت أخيرًا على قميص كاجوال أنيق مع بنطال جينز وحذاء بسيط. تعتقد "خلود" أن البساطة هي الخيار الأفضل لهذا الموعد. هذا ما أكدته لها أيضًا صديقتها داليا، بئر أسرارها ومصدر نصائحها.
نظرت خلود إلى نفسها في المرآة وابتسمت، ثم أرسلت رسالة أخرى لداليا، تسألها عما يُمكن أن يدور في هذا اللقاء. ترغب في أن تكون المحادثة ممتعة وسلسة، لذا جهزت جيدًا لدورها في هذا الحديث الذي سيجمعها بإسماعيل.
الفريست ديت.. حسسني بالمسؤولية
أحد أهم الأمور التي كانت تشغل تفكير خلود قبل هذا اللقاء الأول: من سيتحمل تكاليف الموعد في البداية. هكذا تقيس علاقتها في بداياتها، وتحدد مصيرها.
وصلت خلود إلى المطعم الذي اتفقا عليه في مدينة 6 أكتوبر. كانت الأجواء دافئة ومريحة، مع إضاءة خافتة وموسيقى هادئة تُضفي على الخلفية ما يحتاجه هذا اللقاء من رومانسية.

وصل إسماعيل، وكان يرتدي أيضًا ملابس كاجوال. الآن توتر خلود يهدأ قليلًا، فالأمور تمام وكلاهما مال إلى جعل الأجواء أكثر راحة وطبيعية.
جلسا معًا على طاولة صغيرة في زاوية هادئة من المطعم، حيث بدأت المحادثة تسير بسلاسة. تحدثا في كل شيء تقريبًا، وتبادلا الاهتمامات الشخصية والقصص الطريفة التي مروا بها في حياتهما.
اقرأ أيضًا: “محمد” وخطيبته يبحثان عن “عُلبة كبريت” تكفيهما
كان مؤشر الإعجاب بين الثنائي يتأرجح إلى قمته، آذنًا بمزيد من التقارب، قررت خلود ألا تحسمه قبل "الشيك".
جاءت لحظة الحساب.
لم يُخيب إسماعيل ظن خلود. تقدم لدفع الحساب بابتسامة دافئة، فشعرت خلود أخيرًا بالراحة والامتنان.
لا ترى خلود في ارتياحها هذا شيئًا من المادية. تقول في حديثها لـ "فكر تاني": "الموضوع مالوش علاقة بالمادية خالص.. بس ببساطة تحمل فاتورة اللقاء الأول تشير عندي إلى مدى قدرة الرجل على تحمل المسؤولية".
في 2017، أجرت مجلة "Money" استبيانًا حول من يجب أن يتحمل تكلفة الموعد الأول. وكانت النتائج مفاجئة: 78% من المشاركات رأين أن الرجل هو المسؤول عن دفع فاتورة أول لقاء، حتى النسويات منهن رأين أن الرجل عليه تحمل تكلفة "أول ديت" لأسباب تتعلق بالتركيز التاريخي للثروة في أيدي الرجال.

الراجل اللي يدفع.. طب ليه؟
بخلاف خلود، تعيش يُمنى صاحبة الـ 26 عامًا التي تعمل D Artist3، حياتها وفقًا لمبادئ تقليدية تربت عليها. بالنسبة لها العلاقة محكومة بمفهوم القوامة، والرجل مُطالب بتحمل تكاليف جميع اللقاءات والمناسبات، حتى بعد الزواج.
هذا هو الجزء الأساسي من رؤيتها للعلاقات الرومانسية، كما تُصرح لـ "فكر تاني".
ذات يوم، وبعد أن تعرفت على شخص جديد يُدعى سامر عن طريق أصدقاء مشتركين بينهما، وافقت يُمنى على الخروج معه لتناول العشاء في أحد المطاعم بمسقط رأسها في محافظة المنيا.
اختارت يُمنى فستانًا أنيقًا مع حذاء مريح، إذ أرادت أن تكون هذه البداية مثالية.
اختار سامر مطعمًا راقيًا في وسط المدينة، يتميز بإضاءة دافئة وجدران مزينة باللوحات الفنية. "المكان كان يضج بالحياة"؛ تقول يمنى.
كانت البداية جيدة. تبادلا الأحاديث واطلعا على اهتماماتهما المشتركة.
استمتعت يُمنى بهذا اللقاء، إلا أن فكرة من سيتحمل تكلفة العشاء لم تغب عن ذهنها. بالنسبة لها، كان هذا اللقاء اختبارًا غير مباشر لرؤيتها عن القوامة في العلاقة.
عندما جاء النادل بالفاتورة، تقول يُمنى: "نظرت لسامر بهدوء. هذا هو الاختبار الحاسم. وبثقة وهدوء، أمسك بالفاتورة وقال: العشاء عليّ". شعرت يُمنى وقتها بارتياح داخلي. بالنسبة لها، لم يكن الأمر مجرد مجاملة، بل تأكيدًا على دور الرجل في العلاقة، كما تؤمن به.
بعد العشاء، خرجا من المطعم وتحدثا في طريقهما عن خططهما للمستقبل. كان الليل هادئًا والهواء منعشًا، وبدت المدينة تحت أضواء الشوارع وكأنها لوحة أخرى تنتظر من يُمنى أن تلاحظ تفاصيلها.
رغم التقدم الكبير في مطالب المساواة بين الجنسين، تبقى مسألة دفع الفاتورة ذات أهمية في تقييم العلاقات وتكوين الانطباعات.
اقرأ أيضًا: لماذا تخلى المصريون عن “نصف دينهم”؟
وفقًا لموقع "سيكولوجي توداي"، هناك عوامل متعددة تلعب دورًا في هذا السياق، منها تكلفة الوجبة، واختيار مكان اللقاء. فعلى سبيل المثال، دعوة الرجل لشريكته لتناول وجبة غالية في مطعم فاخر تختلف عن دعوتها إلى مطعم شعبي. كما أن اختيار مكان اللقاء يمكن أن يشكل الانطباع الأول ويؤثر في بناء الأحكام المسبقة.
وقد توصلت الباحثة ماريسا كوهين في دراسة أجرتها عام 2016 إلى أن النساء غالبًا ما ينجذبن إلى الرجال "السخيين" الذين يصرون على دفع الفاتورة في أي لقاء.
المشاركة في الحساب
رغم أن البعض يضع للتقاليد حساباتها التي تفرض على الرجل تحمل تكاليف اللقاءات الأولى، هناك من يعتبر المشاركة في الحساب طبيعية، خاصة في ظل انتشار مفهوم العلاقات الحديثة متوازنة الأدوار.
تتفق نورا صاحبة الـ 26 عامًا مع هذا الرأي، فهي ترى أن الرجل يجب أن يكون القائد في العلاقة، سواء في الحياة اليومية أو المواقف الاجتماعية. وهي من وجهة النظر هذه ليست من أنصار المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وتعتقد أن لكل منهما دورًا خاصًا في الحياة. ومع ذلك لا تجد أي مانع في المشاركة في دفع حساب أول لقاء رومانسي.
تروى نورا لـ "فكر تاني" تفاصيل أول موعد غرامي لها، فتقول: "كان طارق شابًا محترمًا هادئًا، عرفته في لقاء عائلي. اختار مطعمًا صغيرًا في حي من أحياء القاهرة، وكان اللقاء مليئًا بالحديث العميق والمزاح. شعرتُ براحة كبيرة معه، وقد أظهر لباقة واحترامًا شديدين خلال الحديث. وعندما جاء وقت الفاتورة، أمسك بالورقة، وكان على وشك دفع الحساب، لكنني طلبت منه أن أشاركه الحساب هذه المرة".
تفاجأ طارق، كما تروي نورا، ثم قال لها بلطف: "لا، هذا ليس ضروريًا، اللقاء الأول عليّ". أجابته: "أعلم، وأنا لا أطلب هذا من باب المساواة أو الالتزام، ولكن أحيانًا أحب أن أكون لطيفة وأعبر عن تقديري بطريقتي الخاصة".
قدّر طارق موقفها، وشعر بامتنان كبير لهذا العرض. لكنه أصر على أن يدفع في النهاية.
في سياق تطور العلاقات الاجتماعية وتغير المفاهيم المتعلقة بتقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، بدأت بعض المطاعم في تبني سياسات جديدة تتماشى مع هذه التغيرات.
في أسكتلندا، وضع أحد المطاعم قواعد جديدة تتيح للزبائن دفع الفاتورة بالتساوي، وذلك لتفادي أي إحراج قد ينجم عن تحمل التكاليف في المراحل الأولى من العلاقة. ووفقًا لصحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية، فإن النادل سيقدم فاتورتين عند الطاولة، ويطلب من كل طرف دفع نصف القيمة إذا اختاروا الدفع بالتساوي.
الفيرست ديت والفجوة المالية بين النساء والرجال
في مسألة الاهتمام بالمظهر، تتكلف النساء -في الأغلب- مبالغ مالية أكبر من الرجال، إذا ما نظرنا إلى أدوات التجميل والعناية الشخصية والملبس. وهو ما لا يتناسب في الأساس مع فارق الدخل المادي بينهما.
تظهر إحصاءات النشرة السنوية للتوظيف والأجور وساعات العمل الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، عن زيادة في متوسط أجر الرجال من 940 جنيهًا في عام 2020 إلى 981 جنيهًا في 2021، فيما انخفض متوسط أجر النساء من 776 جنيهًا في 2020 إلى 746 جنيهًا في 2021 في كل القطاعات.

أنا راجل يبقى أدفع
بين غالبية الرجال يرتبط مفهوم الرجولة بتحمل تكاليف اللقاءات الرومانسية، خاصة في اللقاء الأول.
يقول طارق خالد، شاب من المنصورة، يبلغ من العمر 28 عامًا ويعمل كجرافيك ديزاينر: "مهما كانت الظروف لا أرى غير تحملي للتكاليف دائمًا.. أنا ما أقبلش بنت تدفع لي سواء كانت خطيبتي أو صديقتي. رجولتي ما تسمحش غير إني أنا اللي اتكفل بكل المصاريف".
يروي طارق لـ "فكر تاني"، كيف التقى في إحدى المرات فتاة جديدة عن طريق أصدقاء مشتركين.
يقول: "قررنا الذهاب في أول موعد معًا. وفي ذلك اليوم، لم أكن في أفضل حالاتي المالية. ورغم ذلك، لم أجرؤ على التفكير بأن أطالبها بدفع ولو جزء من الحساب. جلسنا معًا في أحد المطاعم البسيطة، وطلبنا بعض المشروبات. وبينما كنت ألاحظ الأسعار في قائمة الطعام، كان ذهني مشغولًا بكيفية التوفيق بين ما في جيبي وما يجب أن أظهره من كرم ورجولة".
عندما أتى وقت الحساب، يقول طارق: "أخرجت محفظتي دون تردد، وعندما رأت الفتاة ذلك، عرضت أن تساهم في الدفع، لكني رفضت طبعًا".
مش مهم مين يحاسب
على النقيض، لا يجد عبد الرحمن سيد، شاب من القاهرة في 26 من عمره، يعمل مهندس سلامة وصحة مهنية، مشكلة في أن تتشارك الفتاة معه في مصاريف لقاءاتهما إذا كانت قادرة على ذلك، مؤكدُا في حديثه لـ"فكر تاني"، أن هذه الصراحة والشفافية تساعد في بناء علاقات قائمة على الثقة والتفاهم.
عبد الرحمن الذي يؤمن بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، خاض تجربة الخطوبة مرتين، وارتبط عاطفيًا أربع مرات، وهو يرى نفسه شخصًا عمليًا متزنًا في التعامل مع العلاقات العاطفية، خاصة في ما يتعلق بالمال.
يقول لـ "فكر تاني": "بالنسبة لي، في أول لقاء، من غير المقبول أن تدفع الفتاة، فالمبادرة من الرجل تعبر عن اهتمامه واحترامه للشخص الآخر". ولكن إذا تطورت العلاقة وأصبح الوضع المالي صعبًا بعض الشيء، لا يمانع أن تشاركه الفتاة في المصاريف، بشرط أن تكون على دراية بذلك مسبقًا. على أن أعوضها في يوم آخر ما دفته سابقًا، سواء بهدية أو مفاجأة لطيفة".
وقد أظهرت دراسة أجراها EliteSingles عام 2019، استطلعت آراء 300 ألف شخص، أن 63% من الرجال يعتقدون أن تكاليف اللقاء الأول مسؤولية الرجل وليس المرأة، بينما أيدت 46% فقط من النساء هذا الموقف.