أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة بين الاغتراب والدمج

 مرت ثلاث سنوات علي صدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي مناسبة مهمة لمحاولة معرفة مدي تأثيرها علي أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر.

تضمنت الاستراتيجية ثمانية محاور خاصة بتمكين ذوي الإعاقة من الوصول للحقوق الاساسية، وذلك انطلاقاً من المحور الأول، وهو رفع الوعي المجتمعي بحقوقهم وإعداد قاعدة بيانات موحدة ومحدثة عن أوضاعهم علي كل المستويات، ووضع خطط فاعلة لضمان حقوقهم، ثم محاور حقق العمل والتعليم والصحة والرعاية والتأهيل وحق الوصول.

جانب من مؤتمر اطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر - مواقع الكترونية
جانب من مؤتمر اطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر – مواقع الكترونية

يمثل المحور الأول الأساس أو الشرط الضروري لتمكين ذوي الإعاقة من الوصول لحقوقهم، خاصة أن مجال الإعاقة يعاني من فوضى معرفية ومعلوماتية تمثل بذاتها حاجزًا كبيرًا يعيق تطوير مجال الإعاقة. أدركت حركة الإعاقة هذه الشرط منذ عقود، وجرت بالفعل العديد من المحاولات لبحث أوضاع ذوي الإعاقة في مصر. كنت شريكًا رئيسيًا في أحد تلك المحاولات التي لم تكتمل لأسباب كثيرة، والحقيقة أن هذه الدراسة مازالت تمثل لي حلما بعيدا.

لكني اكتسبت خلال التجربة التي استمرت طوال عام 2009، خبرة ميدانية ومعرفة ملموسة بأوضاع ذوي الإعاقة خاصة في محافظات الصعيد، ورأيت بنفسي الكثير من الحالات التي كشفت عن جانب صغير من عالم الإعاقة المجهول والمدهش في بعض الأحيان، وأدركت أن الإعاقة كقضية مجتمعية وليست فئوية، لن تحقق أهدافها بالأدوات التقليدية سواء من الإعلام الذي مازال يتخبط في استخدام المصطلحات الخاصة بمجال الإعاقة أو بالندوات والمؤتمرات التي تنظمها المؤسسات الرسمية والمدنية.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. 3 سنوات على ربيع القاهرة المعطل

لفهم الإعاقة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، يجب رؤيتها في سياق اهتمام الدولة بذوي الإعاقة خلال العقد الأخير، وهو اهتمام لا يمكن إنكاره، فقد تطورت البينية التشريعية لمجال الإعاقة بدرجة كبيرة جدا، بداية من النص علي حقوق ذوي الإعاقة في دستور 2014، والإقرار بالإعاقة كأحد صور التمييز، وبعد ذلك صدور قانون حقوق ذوي الإعاقة 10 لسنة 2018. وهو العام الذي أعلنه رئيس الجمهورية عاما لذوي الإعاقة، ثم إعادة تنظيم المجلس القومي لشئون الإعاقة في 2019، ثم صدور قانون 200 لسنة 2020، بإنشاء صندوق ” قادرون باختلاف ” بالإضافة إلي العديد من القرارات الوزارية الخاصة بتسهيل المعاملات الرسمية لذوي الإعاقة.

ان إلقاء نظرة سريعة علي المنظومة القانونية لمجال الإعاقة نجدها أكثر من مكتملة، بل ربما نرى بعض التدخلات والتناقضات مثل تداخل الاختصاصات بين مجلس شئون الإعاقة مع وزارة التضامن، ثم جاءت الاستراتيجية لتضع حقوق ذوي الإعاقة كمكون أصيل لحقوق الإنسان. علينا أن نقر بالفعل بإنجاز منظومة قانونية جيدة لمجال الإعاقة، ولكن السؤال الهام هنا هو، ما مدي تأثير ذلك علي الأوضاع الواقعية لذوي الإعاقة في مصر؟

علينا هنا أن نعود للمحور الأول في الاستراتيجية، وهو رفع الوعي والمعلومات والتخطيط، من الملفت في مصادر المعلومات الرسمية مثل هيئة الاستعلامات أو وزارة التضامن وغيرها من مصادر، أن مشكلة الرؤية أكبر مما نتصور، فما زالت المؤسسات الحكومية تستند لمصادر معرفية تم تجاوزها تاريخيًا مثل وثيقة القواعد الموحدة في شأن تكافؤ الفرص أو تصنيف منظمة الصحة العالمية للعجز فالاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة لها طبيعة خاصة تختلف عن كل المواثيق الحقوقية حيث تتبنى رؤية تقدمية تختلف جذريًا عن ما سبقها، وهي الرؤية التي تبناها قانون 10 لسنة 2018.

اقرأ أيضاً: التعليم والصحة في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. 3 سنوات بلا أثر ملموس

ماذا عن باقي محاور الاستراتيجية؟

حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2023، بلغت نسبة البطالة بين النساء ذات الإعاقة 90.4% وبين الذكور 57.5%، كما أن 72.9 % لا يجدون فرصة عمل، 35.2% يعملون دون تكليفهم بأي عمل، وهذه النسبة الأخيرة تكشف عن غياب كبير للوعي بحق العمل فأكثر من نصف الملتحقين بعمل من ذوي الإعاقة يتقاضون أجرًا دون عمل، أي تحول إلحاقهم بالعمل لدعم خيري.

وحسب التقرير السابق، فإن 49.9 من ذوي الإعاقة أميين، و10.3 يعرفون القراءة والكتابة، ومن أكملوا التعليم الثانوي 17.1%، أما من حصلوا علي شهادات جامعية فكانوا 5.2% فقط، وتكشف هذه الأرقام عن استمرار الحواجز التي تعيق ذوي الإعاقة من الوصول للتعليم، ويرجع ذلك لغياب خطة واضحة للدمج التعليمي وندرة الكوادر التعليمية المدربة علي الدمج.

أما حواجز التنقل والوصول فلا تحتاج لدليل، فما زالت حواجز الطرق والمواصلات دون تغيير تقريبًا ربما باستثناء الخط الثالث لمترو الأنفاق، والغريب أن حركة الإنشاءات الواسعة لا تلتزم بكود الإتاحة الذي يعد شرطًا للحصول علي ترخيص البناء، والأغرب عدم إعادة تأهيل المباني خاصة تلك التي يستخدمها ذوو الإعاقة وليس أدل علي ذلك من عدم تأهيل مبنى وزارة التضامن ذاته أو مكاتب التأهيل في المحافظات.

اقرأ أيضاً: حقوق المرأة في “استراتيجية حقوق الإنسان”.. كلام نظري يفتقد التطبيق

الاستراتيجية الوطنية تتضمن بالفعل أهم المحاور التي يجب علي الدولة تنفيذها لدمج وتمكين ذوي الإعاقة، لكنها لا تتضمن أي خطط تنفيذية وجدول زمني، وهو الأمر الذي يصعب معه تقييم تأثيرها علي الواقع، وبالتالي لا تختلف عن المنظومة القانونية لمجال الإعاقة، وتصبح توجيهات منفصلة عن الواقع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة