كواليس صفقة الاستحواذ على مُشغلة منجم السكري.. لماذا “أنجلو جولد”؟

أثار عرض استحواذ شركة “أنجلو جولد أشانتي” الجنوب إفريقية على حصة شركة “سنتامين” المُشغلة لمنجم السكري جدلًا كبيرًا وانقسامًا بين فريقين؛ أحدهما اعتبر الصفقة مجرد نقل ملكية لا يعني الاقتصاد المحلي شيئًا، وفريق أبدى ضيقه من السياسات الاقتصادية الحكومية.

تُمكن الصفقة، التي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، والتي سيصوت مساهمو سنتامين عليها بشكل نهائي نهاية أكتوبر المقبل، شركة “أنجلو جولد” من تحقيق مكانة أكبر عالميًا، إذ تنقلها من سادس أكبر شركة ذهب على مستوى العالم إلى المركز الرابع، مع تعزيز إنتاجها السنوي بنحو 450 ألف أونصة.

تعمل “سنتامين” بمصر منذ عام 1994، ويُعد منجم السكري، الذي يمتد على منطقة تبلغ 160 كيلو متر أهم أعمالها، باحتياطات تصل إلى 15.7 مليون أوقية، هي من أكبر الاحتياطيات بالعالم. كما أنها حصلت على ترخيص للتنقيب عن الذهب في 19 موقعًا بمساحة إجمالية تصل إلى 3 آلاف كيلومتر،

يقول يوتشن تيلك، رئيس مجلس إدارة “أنجلو جولد”، إن الصفقة تضيف إلى محفظة شركته منتجًا بارزًا للذهب في مصر، وتقدم إمكانات جيولوجية هائلة يمكن تطويرها، إذ ترفع هذه الصفقة إنتاج شركته لحوالي 3 ملايين أوقية من الذهب سنويًا.

تمتلك شركة “أنجلو جولد” مناجم ذهب في عدة دول بما في ذلك البرازيل وغينيا وغانا وتنزانيا وأستراليا، لكنها تراهن على منجم السكري في المزيد من الإنتاج، عبر الإنفاق على عمليات الاستكشاف والتطوير داخل منطقة امتياز السكري، بما يبشر بإطالة عمر المنجم أو يزيد من إنتاجه.

صراع القروش في عالم الذهب

تأتي صفقة “السكري” في خضم حركة استحواذات كبرى في سوق شركات الذهب عالميًا، مع توقعات بارتفاع ضخم لأسعار المعدن النفيس عالميًا، مع بدء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تخفيض الفائدة، الأمر الذي يحوّل اتجاه قدر كبير من الاستثمارات نحو الاستثمار الآمن بعيدًا عن الدولار.

في الشهر الماضي، دفعت شركة “جولد فيلدز” العالمية 2.16 مليار دولار لشركة “أوسيسكو” الكندية للتعدين، مع علاوة تقريبية بنسبة 55% على متوسط ​​سعر التداول المرجح للحجم لمدة 20 يومًا.

كما اشترت شركة “نيو مونت” المتخصصة في الذهب شركة “نيوكريست” الأسترالية مقابل 19 مليار دولار العام الماضي، ما يرفع إنتاج الأولى من المعدن النفيس، وكذلك 50 مليار رطل من احتياطيات النحاس – وهو معدن حيوي للاقتصاد الجديد للطاقة.

ومع ارتفاع أسعار الذهب، ماطلت شركة أنجلو أمريكان، المقيدة ببورصة لندن، في عرض استحواذ شركة “بي إتش بي جروب” للتعدين عليها رغم ارتفاع قيمة العرض لـ 49 مليار دولار.

لماذا تثير صفقة “السكري” المخاوف؟

رغم أن شركة “أنجلو جولد” جنوب إفريقية وهيكل إدارتها معروف، لكن المخاوف أثيرت بشأنها، مع نقل إدراجها الأساسي من جوهانسبرج إلى نيويورك، خلال العام الماضي، باستهداف مجموعات أثقل من المساهمين، بحثًا عن تعزيز التقييم.

لدى شركة “أنجلو جولد أشانتي” مجلس إدارة موحد، يعمل تكوينه على تعزيز توازن القوى والسلطة، ويمنع أي مدير من الهيمنة على عملية صنع القرار، ويتضمن ذلك المجلس خبرات من جنسيات مختلفة.

قدمت الشركة إغراءات لكل مساهم في “سنتامين”، التي ستغادر بورصة لندن بعد الاستحواذ عليها، ليحصل كل مساهم على 0.07 سهم جديد في “أنجلو جولد”، و12.5 سنت نقدًا، ما يمنحهم إجمالي 16.4% من الكيان المشترك (الشركة الموسعة التي تضم سنتامين مع إيجي جولد).

تكلفة تشغيل مرتفعة

يقول أسامة زرعي، المدير الإقليمي لشركة جولد إيرا العاملة في مجال صناعة الذهب، إن تكلفة التشغيل لكل أوقية يتم إنتاجها من منجم السكري في الربع الأول من 2024 تبلغ 1167 دولارًا، وهو رقم أعلى من النسبة المستهدفة بقيمة 6.06%،؜ والتي تبلغ 1100 دولار للأوقية. وهذه التكاليف تتضمن الأعباء التشغيلية وتغطية العمولات “الكوميشن والبونص” للعاملين بالمنجم.

وبحسب بيانات شركة “سنتامين” لبورصة لندن، فإنها أنتجت 2.635 مليون أوقية من الذهب، ووظفت في المتوسط ​​33.658 شخصًا بما في ذلك المقاولين عام 2023، كما أنتجت 3.6 مليون أوقية من الفضة كمنتج ثانوي لعملياتها.

وفي 2021، أعلنت شركة “سنتامين” ارتفاع الاحتياطي بأكثر من مليون أوقية في منجم السكري، تدعم خططها لإنتاج 500 ألف أوقية من الذهب سنويًا في السنوات العشر المقبلة.

وتتضمن التكلفة في منجم السكري: المعدات الجديدة وتغير أسعارالوقود ونترات الأمونيوم وكذلك أعباء تصليح المعدات الثقيلة”، ما أدى لتراجع مستهدف إنتاج المنجم بنسبة 10.31% لتبلغ 104.821 أوقية مقابل 116.874 أوقية مستهدفة.

تملك مصر حاليًا ثلاثة مناجم للذهب هي “إيقات” و”السكري” و”حمش”، بينما تتولى شركة لوتس جولد الكندية حاليًا أعمال البحث والاستكشاف للذهب بالقطاعات الواقعة في مناطق وادي زيدون وأم سمرا وسقديد وأم سليم بالصحراء الشرقية، بهدف الوصول إلى كشف تجاري جديد.

هل تتضرر حصة الحكومة في “السكري”؟

بحسب شركة “سنتامين مصر”، فإن إيرادات الشركة ارتفعت في عام 2023 بأكثر من 10% إلى 892 مليون دولار بعد زيادة الإنتاج العام الماضي بنسبة 12% إلى 450 ألف أوقية، وبرامج خفض التكلفة وزيادة الأسعار العالمية 10% عن عام 2022.

بلغت النفقات الرأسمالية الفعلية للمنجم 202 مليون دولار مقابل مستهدف 272 مليون دولار، وكان يفترض سداد دفعة مقدمة للربط الكهربائي بين المنجم في الربع الرابع من 2023 ولكن تم تأجيله للعام الجاري.

وكشف مسؤول بوزارة البترول أن الاستحواذ على “سنتامين” هو في حقيقته مفيد للحكومة ماليًا، بما سيضخه الكيان الجديد من استثمارات أكبر تستهدف زيادات في الإنتاج وأعمال الكشف.

ويضيف المصدر، لـ “فكر تاني”، أن حصة الحكومة بلغت العام الماضي 139 مليون دولار بزيادة 134% تقريبًا، منها 27 مليون دولار إتاوة.

ومن المتوقع أن تركز الشركة الجنوب إفريقية، بعد الاستحواذ، على المناطق الشرقية لمنجم السكري، والتي أظهرت نتائج جيدة في نوفمبر 2023.

تنص اتفاقية منجم السكري على 50% من إجمالي الأرباح النقدية المحققة خلال الفترة فضلًا عن إتاوة 3% من صافي مبيعات المنجم.

في 30 نوفمبر 2023، أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا يقضي بدستورية قانون يحول دون طعن أطراف ثالثة على الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة المصرية والمستثمرين، وذلك بعد تعرض اتفاقية امتياز منجم السكري، التي أقرها البرلمان بين الفرعونية لمناجم الذهب التابعة لسنتامين ووزارة البترول والثروة المعدنية والهيئة العامة للثروة المعدنية في 1994 لطعن بالبطلان في 2011.

تقول حنان رمسيس، الخبيرة المالية، إن الشركات واجهت تحديات مرتبطة بالسوق المحلية وكذلك السوق العالمية خاصة أسهمها في بورصة لندن بعد خروج شركات الذهب الروسية في أعقاب الحرب الأوكرانية واندماج شركتي راند جولد وبريك جولدن.

أضافت أن تلك التحديات انعكست على حجم أعمال التنقيب الخاصة بالشركة لكن الصفقة أيضًا تثير تساؤلات للشارع المصري لديه تساؤلات تحتاج لإجابة :لماذا لا يتم منح حق انتفاع لوقت محدد لمناجم الذهب على أن تعود ملكيتها للدولة؟.. وكيف يجب ان تعامل الدولة مع أصولها.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة، إن مصر لديها عقد خاص بمنجم السكري يتضمن حقوق الدولة بمنتهى الوضوح وحصلنا على حصتنا بشكل كامل.

وأضاف “مدبولي”، في مؤتمر صحفي عُقد الأربعاء بمجلس الوزراء: “ما يخص حصة مصر لا يحدث عليها أي نوع من النقاش ولا الجدل، ممكن أن ينظر للأمر على أنه استثمار أكبر في المنجم وبالتالي تزيد حصة مصر”، متابعًا بأن “وزارة البترول في تواصل مستمر مع شركة سنتامين من أجل معرفة التفاصيل الكاملة”، مشيرًا إلى بيان مفصل سيصدر قريبًا بهذا الشأن.