حرية الصحافة والإعلام في أزمة كبيرة واستمرار تأخيرها ليس في صالح أحد
أمامنا طريقان: إما أن نغلق التواصل مع أسباب الأزمة أو نتفاوض معهم ونقنعهم بمسارنا
الحرية تحقق مصالح جميع الأطراف وجانب من السلطة بدأ يدرك ذلك ويتفاعل بشكل أو بآخر
الإعلام الإيجابي هو ما يعبر عن الناس أما قصره على السلطة فهو خطر على الدولة
على الدولة أن تطبق نصوص الدستور حتى لا يصبح "دستور النوايا الحسنة"
العمل النقابي هو عمل تفاوضي بالأساس ومختلف جذريًا عن العمل الحزبي
نخلع العباءة الحزبية لا السياسية على باب النقابة والصحفي سياسي بالأساس
أزمة تغطية الجنازات ظهرت لأننا تركنا "صحافة الحياة" وذهبنا إلى "صحافة الموت"
مبادرة أسر السجناء رسالة مهمة ينبغي أن تتلقاها الدولة وتتجاوب معها بشكل إيجابي
مهم وجود صحافة "البلشي" الفقيرة و"ساويرس" الغنية بجوار صحافة السلطة والصحافة القومية
مكتبي مفتوح للصحفيين الإلكترونيين.. وقضيتهم قضيتنا وهناك عدة مسارات للحل
عملنا على 3 مسارات في دعم القضية الفلسطينية والنقابة بيت الزملاء الموجودين بالقاهرة
تصوير - محمد الراعي:
في واقع إعلامي شديد التعقيد، وإحساس عميق لدى "كل الأطراف" بضرورة التغيير واستعادة حرية الصحافة بمصر، وداخل بيت يبدأ أصحابه بإعادة ترتيبه على أرضية من "الحوار" كان من الأهمية بمكان أن نلتقي بالكاتب الصحفي خالد البلشي نقيب الصحفيين.
شعرنا أنه من واجبنا أن نقف عند لحظة ثمينة، يتحدث فيها الصحفيون داخل نقابتهم بصوت عالي، لا خوف، ينتقدون نقيبهم: أين ملف الحريات؟
أين زيادة البدل؟
لماذا تضع يدك بيد "الشركة المتحدة" التي "تحتكر" الإعلام؟
ماذا عن ملفات الصحة والسكن والمرتبات للصحفيين؟
لماذا لا تتحرك النقابة في ملف السجناء؟
لماذا تتجاهل النقابة مطالب الصحفيين الإلكترونيين؟
تيارات مختلفة تتصارع داخل النقابة، الأمر إيجابي، كما يراه النقيب، ولكن كيف تتم إدارة هذا المشهد؟
البلشي، الحاصل على جائزة نيلسون مانديلا للحريات عام 2017، المريض بالأمل، كما يؤكد، الذي تغلب على آلام متراكمة لديه من وقائع الحجب والتضييق في سنوات مضت، مضى بعد فوزه نقيبًا للصحفيين المصريين في بناء تجربة نقابية مختلفة وجديدة، باتت مثار اهتمام ونقاش الكثير في دوائر السلطة والمعارضة.
وفي حوار شامل، أوضح البلشي، منطلقات تجربته الجديدة في النقابة، المنطلقة من التفاوض لا التصادم، والتراكم لا الاستعجال، ورسم خارطة طريقه كاملاً، وأجاب على انتقادات بعض أبناء تياره النقابي، وطمأن الخائفين على مستقبل النقابة، وأطلق رسائل وطنية عدة لمن يهمه الأمر، عسى أن يحقق هدفه في أن يكون 4 شارع عبد الخالق ثروت عنواناً لنجاح الأمل في وطن في أشد الحاجة إلى فتح المزيد من نوافذ الأمل، كما يعتقد.

فإلى تفاصيل الحوار..
الصحافة مهنة يسارية بطبعها
في كتابه "بين الصحافة والسياسة"، يقول الكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل: "العلاقة بين السياسة والصحافة والإعلام بصفة عامة معقدة في كل الدنيا، وفي العالم الثالث أكثر تعقيدًا." هل تتفق؟
الصحافة بشكل عام هي أحد أدوات كشف مكامن الخطر والنقد وتصحيح الأوضاع، ولغياب حرية الصحافة منذ فترة طويلة لأزمات كثيرة في العالم الثالث، ستستشعر هذا التعقيد المبني على تراكم الأزمات.
الصحافة مهنة يسارية بطبعها، ودائمًا يجب أن تكون على يسار السلطة، ليس لأن اليسار تصنيف سياسي، ولكن لأن اليسار في مفهومي الشخصي هو البحث عن الأفضل، ومساحات أوسع للناس في الحركة، ومزيد من العدالة.

الصحفي، مهما كانت الأوضاع جيدة، لن يتوقف عن البحث "عما بعد"، فما بالك والأوضاع معقدة وصعبة، والناس مضغوطة. الأزمة تتفاقم بين السلطة والصحافة في العالم الثالث، بسبب حرص الأولى فرض قيود على المهنة وإخراج الصحفي عن السياسة بالأساس، ما يعقد المساحات أكثر.
"الصحفيين" هي النقابة الوحيدة من بين النقابات المهنية في مصر، التي يبيح قانونها العمل السياسي، لا الحزبي.
نفصل بين العمل السياسي والعمل الحزبي، ونخلع عباءة الأحزاب على سلم النقابة، كما تعلمنا من كبار المهنة وشيوخها.
لا نخلع العباءة السياسية. فالصحفي سياسي بالأساس، يعبر عن الناس. فالحرية سياسة وأكل العيش سياسة، والنقد سياسة، والاشتباك بين السلطة والناس سياسة. والصحفي جسر بين الطرفين في حال الأوضاع الصحيحة، ولكن إذا لم تكن كذلك، يظهر انحياز الصحفي بوضوح لطرف على حساب طرف آخر. ومكمن الخطر الشديد أن ينحاز الصحفي للسلطة وقت معاناة الناس.
وأي عاقل يجب أن يستشعر خطورة عدم رضا الناس، وأي سلطة في أي مكان تتجاهل هذا المستوى تدفع الأمور إلى التصاعد على نحو أكبر وأشد خطورة.
الأمر معقد بشدة، بغض النظر عما قاله "هيكل"، والصحافة ستظل في تفاوض حاد إن لم يكن صراعًا، مع أي سلطة لا تريد الحرية، وأي حكومة لا تلبي احتياجات الناس بشكل كامل، وأي نظام لا يتوائم مع أحلام الناس.
الأزمة كبيرة
ما تقديرك لأوضاع الصحافة والإعلام في مصر خلال العقد الأخير؟
نحن في أزمة كبيرة ممتدة لحرية الصحافة والإعلام وقدرتهما على الحركة والتعبير عن مختلف الآراء منذ فترة طويلة، وبداية الحل في الاعتراف بالأزمة.

ستسمع في الجانب الرسمي أسبابًا عدة لتلك الأزمة المريرة. البعض سيقول: إننا كنا في فترة انتقالية، والبعض الآخر سيتحدث عن وجود ظروف تمنع بالأساس عمل الصحفيين في البلد، والبعض لا يؤمن بأهمية وجود صحافة حرة، أو يتهم الصحافة دائمًا بالتجاوز، إلى أخر التوصيفات والتبريرات التي لن أعلق عليها، فقد أعياها التعليق. ولكن من المهم رصدها لنعرف كيف نتجت الأزمة.
تخرج الصحافة عن مسارها الطبيعي عندما تضيق كل الأبواب ومساحات الحركة. وعندما تحدثوا إليّ في أزمة تغطية الصحافة للجنازات، قلت لهم بوضوح: تعالوا نتحدث عن المشهد الأوسع ونجيب عن سؤال: لماذا صارت الجنازات مشهدًا رئيسيًا في الصحافة؟
لقد تركنا صحافة الحياة وذهبنا إلى صحافة الموت.
الأزمة تكمن في أننا توهنا في مسارات فرعية، ليست هي أساس الصحافة التي يجب أن تكون معبرة عن الناس جميعًا، وصوتًا للجماهير كلها، ومرآة عاكسة لتنوعات المجتمع بمختلف ألوانه، مع عدم إغفال وجهة نظر الطرف الآخر في كل قضية، ما يقتضي حرية إصدار واسعة وبسط مساحات جديدة لكل الأطراف، بحيث يستطيع كل طرف التعبير عن ذاته.
يجب أن يرى المواطن أمامه صحافة معارضة أو خاصة أو "مستقلة" - بين قوسين - أو صحافة حكومية.
من حقه أن يشهد صورة متكاملة لكل أنواع الصحافة، ومن حقنا أن يكون هذا المشهد متواجدًا في الصحافة المصرية في أقرب وقت.
فتح كل الأبواب والمساحات
ولكن، بعض دوائر السلطة تتحدث عن أن الحقيقة ليس ملك الصحافة والصحفيين/ات فقط
في تجربتي في صحيفة "البديل"، كنت أتحدث مع الزملاء والزميلات عن أننا نقدم وجهًا واحدًا من الحقيقة، وليس كل الحقيقة. وهذا إيماني الراسخ دائمًا، فنحن يجب أن نتحرى الحقيقة والدقة والموضوعية، ولكننا لن نبلغ درجة الكمال.
أتحرى الحقيقة وأنقل وجهًا لها، لأنه قد يظهر في لحظة من اللحظات وجه آخر يغير شكل الحقيقة. هناك من يتحدث عن "عين النسر أو الصقر" في إشارة إلى ضرورة أن تنظر الصحافة من أعلى إلى الواقع، ولكن حتى هذه النظرة لا تتيح للصحافة أن ترى ما يحدث تحت "الترابيزة".

ولكن لا أقبل تحت لافتة "أن الحقيقة لها أوجه متعددة" أن يتم فرض الصوت الأوحد أو تشديد القيود، فذلك يساوي تغييب الحقيقة وتسلط رأي واحد.
والحل هو فتح كل الأبواب والمساحات والسماح لكل الآراء، وإعطاء الفرصة لكل الأطراف للحضور في المشهد العام، وبالتحديد في الصحافة. فيجد الناس صحافة "البلشي" الفقيرة، وصحافة "نجيب ساويرس" الغنية، بجوار صحافة السلطة والصحافة القومية.
وأتمنى أن نصل في وقت لاحق إلى حلمنا الأهم: "صحافة مملوكة للناس". على الأطراف المختلفة أن تتحمل النقد، فالنقد ليس هدفه الهدم، بل بات ضرورة للبناء، وتوسيع مساحة الحرية، واكتشاف مواطن الخطر، التي قد تكون سبيلًا للنجاة.
جيب المواطن يشعر
مع غياب هذا النقد باتت الصحافة المصرية موصومة بالنفاق والتزييف في أحيان كثيرة..
هنا مكمن الخطورة الحقيقية لمن يفهم..
عندما ترتفع الأسعار في السوق، يشعر جيب المواطن بذلك. وعندما لا تعكس الصحافة المصرية هذه الحقيقة وتدعي أن "الدنيا زي الفل" أو تكتب أن "مصر يوجد بها أقل سعر بنزين في العالم"، يفقد المواطن الثقة في الصحافة ويبحث عن مصادر أخرى.

تلك إشارة سلبية وخطيرة تهدد قيمة الصحافة المصرية وحضورها بين الناس، كما أن تأثيرها السلبي على المحيط العربي ليس مفيدًا للبلد.
الإعلام سلاح مهم، وقد ظهرت قوته بوضوح خلال العدوان الصهيوني على غزة.
الغلاء لا ينتظر خبرًا يُكتب في جريدة أو موقع إلكتروني، ومعاناة الناس لن تغيرها أرقام مزيفة لا تناسب الواقع ولا تعبر عنه. ولا يضر الدولة وجود إعلام يعبر عن الناس وينتقد ما يرى من سلبيات.
قيمة المهنة
في ضوء تجربتك واتصالاتك.. هل ترى أفقا لاستقلال الصحافة والإعلام بمصر؟
لا أفق لاستقلال الصحافة والإعلام في مصر طالما لم تؤمن كل الأطراف، بما فيهم الصحفيات والصحفيون، بأهمية وقيمة هذه المهنة.
تسبب الوضع الحالي في أزمة إحباط كبيرة نتيجة ما جرى في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تقزّم أهمية المهنة. أصبح من الصعب على الصحفي أن يفتح بيتًا أو يعيش من مهنة الصحافة، ولذلك نجد الصحفيين المهنيين يحاولون البحث عن مصادر دخل أخرى أو وظائف بديلة.

باتت الصحافة سلعة لا يشتريها الناس، لأنها لا تعكس واقعهم. ورغم ذلك، هناك أمل في التغيير.
أنا رجل معجون بالأمل ومريض به.
عندما دعت النقابة إلى المؤتمر العام السادس، استشعرت تجاوبًا مهمًا لمحاولة إنقاذ المهنة.
حتى عندما نُقلت إلى جانب من السلطة طبيعة الأزمة وحجمها، بدأ يتفاعل بشكل أو بآخر، حتى لو لم يرضِ قطاعات واسعة.
مع استمرار الضغوط، استشعر جميع الأطراف خطورة الأزمة، وبدأوا في البحث عن المخرج والحل.
قد نرى استقلالًا حقيقيًا عندما ننهي الملفات الصعبة، ونضع ضوابط وقواعد عامة حاكمة لحرية الصحافة والرأي والتعبير، وننهي أزمة حبس الصحفيين على ذمة قضايا الرأي أو ممارسة المهنة، ونضع قانونًا لحرية تداول المعلومات. كما يجب أن نوجد مؤسسات صحفية قوية تستند إلى منظومة اقتصادية حقيقية لا تمس حق الناس، بناءً على إيمان عميق بأن الصحافة صناعة استراتيجية كبرى لمصر، يجب دعمها لا هدمها.
بناء مسار جديد
أجرينا في "فكر تاني"، العديد من الحوارات مع قيادات في المشهد العام، وهناك إشادة لافتة بتجربتك.. ما نقطة الانطلاق في هذه التجربة؟
كان هدفي واضحًا منذ البداية، وهو أن تعود النقابة معبرة عن جميع الصحفيين، لا معبرة عني شخصيًا أو عن تياري السياسي "اليسار".
هذه هي طبيعة النقابة، حيث يوجد فارق ضخم يجب أن يدركه الكثيرون بين نقابة تضم أطرافًا متعددة ورؤى مختلفة وتيارات سياسية عدة، وبين الحزب السياسي.
أعمل معظم الوقت في مجال له علاقة بالمعارضة السياسية واليسار، ولذلك كان لابد أن أطرح هدفًا نقابيًا واضحًا، وهو أن تواكب النقابة أحلام كل أبنائها وأطرافها وتياراتها. يكفي ما مررنا به من أيام صعبة وصعوبات، ولنزرع بذور الأمل من جديد.
أشير هنا إلى أن البعض يتحدث طوال الوقت عن أن تياري السياسي لا يخلق قيادات أو مديرين أو مسؤولين ناجحين، وقد كان هذا تحديًا.
لذلك، عندما أدير وأحقق النجاح بمعيار الناس، فإن هذه رسالة سياسية تفيد بأن هذا (الفريق السياسي/اليسار) قادر على تقديم نماذج في الإدارة والنجاح، ويسعى لتحقيق مصلحة الجميع، وليس مصلحة فئة معينة أو تيار محدد فقط.
في ظل إدراكي لهذا السياق والوضع الراهن وقراءتي السياسية للمشهد، وقدرتي على التعامل مع أطراف مختلفة ومتنوعة، قررت بناء مسار جديد يقترب من تحقيق أحلام كل الصحفيين. مسار يؤمن بأن لكل مرحلة وسائلها وأساليبها، وأن التعبير عن الجميع هو واجب الوقت والوسيلة للنجاح. ذلك لأن اليسار الذي أؤمن به وأنتمي إليه وُجد ليعبر عن كل الناس، ويأخذ خطوات أوسع من أجلهم، ويحقق مصالح عامة لهذا المجتمع.
لا يعني ذلك أن مساري صحيح بنسبة 100%، فأنا منفتح على جميع الرؤى والمسارات، بل وعلى الانتقادات لتحسين مساري وتطويره بهدف الوصول إلى ما أريد، بعيدًا عن أصحاب المصالح الخاصة أو أصحاب الألسنة المتغيرة بتغير العهود والعصور.
ثلاث أسس للتجربة
ما هي مرتكزات تجربتك حتى الآن؟
عند دخولي المكتب، كنقيب، قطعت على نفسي ثلاث وعود كانت بمثابة مرتكزات لتجربتي. الأول هو التفرغ للنقابة، وهو وعد صعب، لكن الظروف ساعدتني على تحقيقه. بعد أن أجبرني الحجب والإغلاق على إيجاد مورد آخر للعيش خلال السنوات العشر الأخيرة، تحررت مبكرًا من قيود أكل العيش، ما منحني الوقت الآن للتفرغ للنقابة.
"كتر خير من فعل ذلك"، فقد رأيت كل شيء بوضوح أكبر واتساع أكثر. وما كنت أزعم أنني أعرفه، عرفت عنه أكثر. بات المجتمع الصحفي أمامي بكل آلامه التي أعرفها والتي تعرفت عليها، ما سهل الطريق أمامي لتكوين وجهة نظر أعمق للأمور وساعدني على إعادة ترتيب أولوياتي.

الوعد الثاني هو أن أتفاوض، وهو ما أعلنته بوضوح في حملتي الانتخابية. كنت حريصًا على توصيل هذه الرسالة طوال الوقت، وأن نحتفي بفتح باب جديد في مكان ما.
رغم ذلك، بدأ البعض يمتعض عندما رآني في صورة واحدة مع بعض رجال الدولة، على الرغم من أنني كنت واضحًا في هدفي منذ البداية. تعهدت للجمعية العمومية بالتمسك بالتفاوض لا بالتصادم، انطلاقًا من إيماني بأن هذا هو الطريق الصحيح للعمل النقابي، ولأنه الخطوة الأولى اللازمة لتجاوز أزمة عميقة مستمرة لم تنجح معها الأساليب الأخرى.
قد يبدو هذا الكلام كرسالة إلى حملتي الانتخابية، وهذا صحيح، ولكنه في ذات الوقت رسالة لكل الأطراف. أتفاوض من موقع أصحاب الحقوق، ولم ولن أتنازل عن حدودي النقابية الواضحة وأسسي العامة الرئيسية، وفي القلب منها حرية الصحافة. ليس من الضروري أن أقفز 10 خطوات دفعة واحدة، ولكنني أسير بخطوات تراكمية (خطوة، خطوتان، ثم خطوة) بهدف الوصول إلى أهدافي في نهاية الطريق.
الجمعية العمومية استفزت من الأوضاع الصعبة، واختارتني بـ (50% + 22 صوتًا)، يجب أن نقرأ هذه الأرقام جيدًا، مع طلب جزء منها ألا أورطها في صدامات، بينما يرى جزء آخر أنني أُمثل خطورة على مصالحه. لذا، كان من الضروري أن ننتبه إلى رسائل الجميع ونمضي في تفاوض تراكمي.
كنا في وضع سلبي (سالب 3) وأصبحنا بالتفاوض في وضع إيجابي (موجب 3). لن أستعجل الوصول إلى 10 من 10، فالتراكم سيؤدي إلى النجاح في وقت لاحق.
الوعد الثالث هو أن أفتح جميع الملفات النقابية بالتوازي، مع عدم الإعلان عن تحقق أي شيء إلا بعد صدور قرار به. لن أستعجل الإعلان عن إنجاز قبل التأكد من إقراره.
بهذه الوعود الثلاثة: التفرغ، والتفاوض، والعمل المتوازي في جميع الملفات، حققت بعض الأهداف التي رآها الناس نجاحًا وتجربة جديدة كما يقولون.
في هذا الإطار، كنت ولا أزال حريصًا على التواصل الشهري مع الصحفيين ومسؤولي تغطية نشاط النقابة، لإطلاع الجمعية العمومية بكل ما يستجد. يكشف هذا بدوره مساحة حرية النشر في مؤسساتهم، التي كانت حريصة في وقت سابق على تغطية أنشطة النقابة بدقة من (2013 - 2017)، ومن ثم أعمل على تحفيزهم من جديد للتواجد والنشر.
كلنا سجناء ولا أستثنى أحدًا
ماذا اكتشفت في هذه التجربة إلى الآن؟
رأيت بنفسي عمق الأزمة المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية في الوسط الصحفي، وتوابع استمرار الإغلاق الذي كان ولا يزال شديد الخطورة. يجب على جميع الأطراف إدراك خطورة هذا الوضع والعمل على إيجاد حلول له.
كما رأيت أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تأخرت بسبب تصدر قضية الحرية، يجب أن تعود بشكل عاجل لتكون أساسية وكبيرة في خطابي كنقيب للصحفيين، وكأحد المنتمين إلى اليسار. يجب أن يتم ذلك دون تجاهل لمطالب الحريات والعدل، ودون التركيز الأحادي عليها.

اكتشفت أننا جميعًا سجناء، ولا أستثني أحدًا.
نحن سجناء تجربة 25 يناير ولم نخرج منها بعد، والتي ستظل حلمًا كبيرًا أكله الذئب، ونحن عنه غافلون أو مقصرون، بشكل أو بآخر، ويريد البعض تكرارها مرة أخرى.
من ناحية أخرى، الطرف الآخر سجين في لحظة 28 يناير 2011، ولا يزال مقيمًا في تلك اللحظة، ويبذل قصارى جهده لمنع تكرار هذا المشهد.
العصر اختلف، والأدوات اختلفت، والسلطة اختلفت. السلطة السابقة كانت "شاخت على مقاعدها" بتعبير "هيكل"، بينما السلطة الحالية تركز على تجذير بنيانها.
علينا أن ندرك تبعات اختلاف الأدوات والعصور. هذا لا يعني أنني أترك سلم النقابة رمز الاحتجاج في عهد مبارك، فأنا لم أقل بهذا. كان من أهدافي استعادة سلم النقابة وتحقيق هذا الهدف. لكن حاليًا، أرى أن استخدام سلم النقابة بعد استعادته ينبغي أن يكون بشكل مختلف.
سلم النقابة كان ولا يزال رمزًا لقيمة الصحافة، الذي يأتي إليه الناس من كل مكان ليُسمع صوتهم. لكن كيف نستخدمه ونستعيده بمساحات أوسع؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نبحثه بجدية كأعضاء نقابة.
الفكرة ليست في سلم النقابة الآن، الفكرة تكمن في الصحفيين الذين لا يجدون ثمن العيش والمعيشة، في ظل نسب البطالة التي تنهش فيهم، وصحف طردت عددًا كبيرًا منهم بسبب الظروف الاقتصادية وعدم قدرتها على التوزيع. المهنة تتطور في مساحات غير المساحة الأولى التي بُني عليها بنيان النقابة، ولذلك أهتم جدًا بالصحافة الإلكترونية وأسعى إلى التجاوب مع ثورة الصحفيين الإلكترونيين الذين يرون أن المستقبل معهم، في حين أن القانون لا يعترف بهم. ولكن للأسف، جميعنا سجناء طريقة تعبير واحدة.
قد أكون متهاونًا كما يراني البعض، أو "مزودها" كما يراني البعض الآخر، ولكن ما أراه هو أهمية اللحظة الراهنة في سرعة الاستجابة لحقوق الصحفيين. يهمني أنني على الأقل أسعى إلى تحقيق أحلامهم بأقصى الإمكانيات المتاحة، مع الأخذ في الاعتبار أن العمل النقابي هو عمل تفاوضي بالأساس ومختلف جذريًا عن العمل الحزبي.
حرية الصحافة ستحقق مصالح جميع الأطراف، واستمرار تأخيرها ليس في صالح أحد.
الإعلام الايجابي
ولكن الموالاة ترى أن هذا وقت "الإعلام الإيجابي" وفقط.. كيف تقيّم ذلك؟
الإعلام الإيجابي هو الذي يعبر عن الناس. أما قصره على السلطة، فهو خطر على الدولة. لابد من تغيير هذه المفاهيم الخاطئة، وأعتقد أن البعض تلقى الرسالة بشكل جزئي مؤخرًا، وبدأ في معالجة ذلك.

الإعلام الإيجابي الذي يركز على الإيجابيات فقط أنتج إعلامًا ضعيفًا وغير موثوق به، ما أدى إلى أزمة ثقة كبيرة بينه وبين الجمهور. نتيجة لذلك، توجه الناس إلى الإعلام الآخر، الذي لا تحكمه ضوابط مؤسسات الدولة، لأنه يقدم جزءًا من الحقيقة ويغلفها بوجهات نظر متنوعة، ما جعله يكسب المعركة حتى الآن.
لابد من وجود إعلام يعكس آمال الناس، ويناقش ما يحدث، ويعبر عن كل الأطراف بمهنية وموضوعية واحترافية. هذا يتطلب وقتًا وتوسيعًا للمساحات المتاحة. في البداية، قد نواجه خطوطًا حمراء، ولكن الأهم هو أن نبدأ، ثم تدريجيًا نصل إلى ما نريد مع إدراك الجميع لفوائد نجاح التجربة كما يجب أن تكون.
رفع سقف الخطاب
هل يمكن أن يتحقق هذا في ظل طرف يرى ضرورة الاحتكار والسيطرة الكاملة وطرف آخر يرى حتمية رفع السقف في التعبير مرة واحدة؟
بدأتُ في فترةٍ من حياتي في مناخٍ شبيه بالمناخ الحالي، وفي مكانٍ شبيه بالمنصات الحالية التي تحاول أن تخبط رأسها بالسقف مرةً تلو أخرى، كان اسمه "مجلة اليسار". ولأنَّ سقفنا كان عاليًا جدًا، وتحدثنا فيه وقتها عن الولاية الرابعة لمبارك والأحزاب الكرتونية، كنا لا نصل إلى قطاعاتٍ كثيرة.
لذلك، بدأتُ أدرك مبكرًا أنَّ وجود مؤسسة صحفية قوية اقتصاديًا مع سقف مناسب يتوسع ليصل لجميع الناس، أولى من الانتظار في مؤسسة فقيرة بسقفٍ يصل إلى السماء. وهو ما حاولتُ معالجته في تجربة "الدستور" منذ العدد الأول إلى العدد الأخير لي بعد اختلافي مع التجربة ومغادرتي لها إلى تجربة "البديل"، التي ضمت جيلاً جديدًا أكثر تطويرًا وتفاعلًا وإدراكًا للحظة وقتها، مرورًا بتجارب "الوادي" و"البداية" وغيرهما.

والآن، وصلنا من مرحلةٍ كنا نكتب فيها عن "استفتاءات الرئاسة" أيام مبارك، حيث كان هناك عنوان صحفي "حتى حيوانات حديقة الجيزة تعرف أن استفتاء الرئاسة مزور"، إلى مرحلةٍ يلتزم فيها الصحفي بالبيان المرسل دون بذل أي جهدٍ فيه، نتيجة الضغوط الشديدة والخوف، اللذين خلقا حالة من الرقابة الذاتية في نفوس الصحفيين، ويأسًا من أي محاولة لتطوير سقف الحرية. فباتت الصحافة عبارة عن موضوعات بلا معنى حتى لا تمس أي سقف، ما ساهم في الركود.
تغيير هذا الوضع أصبح ضرورة مهنية.
وفي المقابل، فإن الطرف الثاني الذي أدار الملف في الفترات الأخيرة برؤية أمنية لها ضرورات محددة، لا تقبل بأي سقف من التعبير، بدأ مع الزمن والمستجدات والتطورات يستشعر الأزمة. فالصحفي الذي يلتزم بضوابطه ممنوع من التغطية في الشارع، وعليه قيود كثيرة تزعجه حتى في عمله الملتزم باللا سقف. والأمر ذهب أبعد من ذلك، وبدأ يمس كل من يصور في الشارع، حتى الأفلام، فالعراقيل والأعباء تزيد، ما جعل هذا الطرف يتحرك خطوة للأمام.
وهذه نقطةٌ من نقاط الأمل التي نبني عليها، رغم أننا في خصومة مستمرة مع السيطرة على الإعلام بشكل عام. ولكن المسيطر الآن أدرك، ولو متأخرًا، أهمية أن يأخذ خطوة للأمام، وهو ما يجب أن نشجعه عليه لأخذ مزيد من الخطوات.
يجب أن ندرك جميعًا أهمية رفع سقف الحرية وتوسيع المدى، وعدم التوقف عند المتاح، لأن هذه المساحة لم تقدم شئً كما قلت، بل أضرت. وطموحي أن تشهد الأوضاع الصحفية والإعلامية حلحلةً جذرية في السنوات القادمة بما يطور الأجيال الجديدة ويعيد للصحافة دورها ومكانتها.
المؤتمر العام السادس
هل يستطيع المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين أن يستوعب هذه الأفكار والطموحات؟
المؤتمر العام السادس للنقابة هو جزء مهم لتفعيل هذه الأفكار ووضع طموحات الصحفيات/ين موضع التنفيذ، بناءً على نقاش جماعي يشارك فيه مختلف الأجيال، خاصة جيل 2004، وجيل الصحافة الحزبية، والجيل الجديد.

وأنا حريص على تمثيل جميع الأطراف في هذا المؤتمر، بما فيهم السلطة، رغم خصومتنا في مجال الحريات، ونسعى لتصفيتها مع كل استجابة لمطالب الصحفيين. يمكننا أن نكون شركاء في تطوير المهنة إذا رغبت السلطة في ذلك، ومن مصلحة مؤسسات الدولة التعاون في هذا الجانب، بل وفي كل الجوانب.
نسعى لاستقبال المحبطين والغاضبين والمتطلعين إلى مستقبل أفضل للمهنة وكارنيه النقابة، وكذلك الراضين عن السلطة، على طاولة واحدة، ليأخذ كل طرف مساحته ويقول ما لديه في نقاش يهدف إلى الخروج مما نعاني منه.
وفي هذه المساحة، أعلم أن هناك قطاعًا غاضبًا من كل شيء، وقد لا يعجبه هذا المسار في المؤتمر، ولكن أقول لهم: "كنت أحد الغاضبين من كل شيء، ولكن لابد أن نفعل شئً ولا نتوقف عند الغضب. خاصة أنني لست معبرًا عن الغاضبين فقط، بل معبرًا عن جميع الأطراف في النقابة".
الشركة المتحدة ونقابة الصحفيين
في هذا الإطار.. كيف رأيت غضب البعض من تيارك النقابي من مشاركة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في حفل جوائز الصحافة المصرية؟
دعونا نضع مبادئ عامة، وفي مقدمتها: هل سنرتضي الديمقراطية داخل "النقابة" أم لا؟
من المبادئ الديمقراطية أن ينتقد البعض قرارًا أو موقفًا، ولا أغضب من النقد الموضوعي، ولكن أرفض شخصنة الأمور.
يمكنني أن أقدم كل مبرراتي في هذا الشأن، وقد لا يراها البعض موائمة، ودوري هو الاستمرار في الإقناع.

يرفضون "الشركة المتحدة" لأنها جزء من السلطة، والسؤال: نتفاوض مع من إذا لم نتفاوض مع مؤسسات الدولة؟
أمامنا طريقان إما أن نغلق التواصل مع كل من كان سببًا في الأزمة الحالية وما يترتب على ذلك من توابع أو نتفاوض معه ونقنعه بمسارنا. هل تتفق مع هذا؟
بدأت القصة مع جوائز الصحافة المصرية، حيث أنشأنا مجلس أمناء للمسابقة لحمايتها من أي تدخلات نقابية أو شبهة انحياز من مجلس نقابة يتسم بتنوع كبير. تم الإعلان عن النتائج، واختار المجلس الإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح لجائزة حرية الصحافة المصرية لهذا العام، تقديرًا له وللقضية الفلسطينية. ثم بحثنا عن راعٍ لزيادة قيمة الجوائز، إذ لا يليق أن تكون جوائز نقابة الصحفيين في مصر بقيمة مالية لا تتجاوز 150 دولارًا، بينما جوائز أماكن أخرى، تكون بمبالغ ضخمة.
طرقنا أبواب الوزارات والبنوك، قبل الشركة المتحدة، التي تمتلك بالمناسبة 30% أو 40% من مؤسسات الصحافة الموجودة في النقابة، ولكننا لم نحصل سوى على دعم من وزارة البيئة، التي منحتنا 40 ألف جنيه لدعم جائزة البيئة في المسابقة لعامين. بنك ناصر لم يتفاعل معنا هذه المرة نتيجة لأمور إدارية، رغم أنه يشارك معنا في أنشطة أخرى.
في الوقت نفسه، وصلتنا رسالة من الشركة المتحدة بتحملها دعم المسابقة المطلوب، ومساهمتها معنا في تنظيم حفل نقابة الصحفيين على الوجه الذي يليق بالنقابة وبمصر. ثم فوجئنا بحالة حرجة لإحدى الزميلات تتطلب عناية طبية فائقة واستثنائية، تتخطى مليون جنيه، وصندوق النقابة مساهماته لا تزال بالآلاف ولا يمكنه تحمل مبالغ بهذا الحجم.
كنت في موقف صعب، فتوجهت إلى مخاطبة جهات عديدة، بما في ذلك "المتحدة" مجددًا، فجاءني ردها بعد دقيقتين بدعم الحالة والمسابقة معًا.

ماذا أفعل كمسؤول؟ هل أرفض إنقاذ حياة زميلة؟ تجدر الإشارة إلى أن "المتحدة" تتحمل منذ فترة مع النقابة مصروفات علاج بعض الحالات الحرجة شديدة الخطورة، مثل السرطان والعناية المركزة.
في نهاية المطاف، خرجت جوائز النقابة باسمها، دون أي اسم آخر. وفي حضور "المتحدة" وضيوف النقابة من مسؤولي الدولة، عرضت مطالبنا كافة، وفي القلب منها الإفراج عن الصحفيين المحبوسين، ورفع الحجب عن المواقع، ومعالجة الأزمة الاقتصادية. تجاوبت نشرات الأخبار في قنوات "المتحدة" مع هذه المطالب، وقدموا عرضًا كاملاً عن الحدث.
استقلال النقابة
أنصارك يقولون إنهم يخشون على استقلال النقابة.. ألا تخاف ذلك؟
حضور "المتحدة" لم يمس استقلال النقابة، ولم تفرض أي شروط، ولم تغير البرنامج.
لم ولن يكون أحد بديلاً عن نقابة الصحفيين، ويجب أن تُقدَّر الأمور بقدرها، ولا رعاية بدون استفادة، ولكن أي استفادة يجب ألا تمس استقلالنا، وهو ما تحقق.
من حق الغاضبين من مجموعات الاستقلال النقابية أن يغضبوا، ومنهم من لم يغضب في هذا الموقف، ولكن عليهم أن يراجعوا الموقف منذ دخولي نقابة الصحفيين نقيبًا حتى اليوم، ليعرفوا ماذا تغير وماذا تحقق.
ألا يتذكرون نزع "الكفن" كما كان يسميه الناس من على وجه النقابة، وفتح الدورين الأول والرابع، وعودة سلم النقابة، والندوات والنشاط، وإعلان قائمة للمحبوسين والمخاطبات الرسمية بحقوقهم، واستضافة ذويهم، ودعمهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وتكريم المفرج عنهم، والإفطار الجماعي، وغيرها من الأنشطة؟

وفي المقابل، لا يجب أن ننسى أن هناك قطاعات سعيدة بما تم في حفل الجوائز، وهم صحفيون أيضًا وأعضاء في الجمعية العمومية، وهو ما نحتاج إلى موازنته وتقديره. فالنقابة ملك للجميع.
يجب ألا نغفل أيضًا وجود طرف لا يزال يسيطر عليه القلق من عودة النشاط والحركة داخل النقابة، لأنه غير معتاد على ذلك، وهو ما يجب أن نتعامل معه بحكمة في ضوء رؤية المشهد ككل.
بعض الأشخاص قالوا بعد ذلك إنني لن أتمكن من التفاوض مع هذه الشركة مرة أخرى، لكن في اليوم الثالث بعد الحفل، تفاوضت مع الشركة المتحدة على عودة 3 مفصولين، وعادوا لوظائفهم.
هذا التفاوض المستمر مع جزء من مؤسسات الدولة يقودنا إلى مفاوضات أخرى في قضايا أخرى ظهرت منها حتى الآن تطورات ملموسة في ملف الإسكان، والموافقة على تعيين الصحفيين المؤقتين. والشكر هنا حاضر بقوة للمهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة. وما زالت الملفات مفتوحة على التوازي مع الجميع.
الخدمات والحريات
جدلية ملفي الخدمات و الحريات في نقابة الصحفيين.. كيف تٌوازن بينهما؟
لا أستطيع ترك ملف أو تقديم ملف على آخر؛ أنا أعمل، كما قلت، على التوازي في مسار مفتوح على جميع الملفات، قائم على التفاوض.

هذه وزنة صعبة ومتعبة وتضعني في إرهاق مستمر، لكن هناك مشهد يساعدني، وهو أن الجميع يرى أثر تراجع الحريات على الخدمات وأكل العيش.
الصحفي الذي يواجه ظروفًا اقتصادية صعبة من حقه زيادة دخله، والصحفي الذي يؤمن بالحرية الكاملة يرى أن إقرار الحريات هو باب لإصلاح الاقتصاد للجميع. وأسرة الصحفي الذي يعاني من الحبس من حقها أن يعود إليهم.
دوري هو الوصول إلى نقطة نجاح في جميع الملفات، وهذا لن يحدث إلا بتضافر كل الجهود والتعاون المشترك.
منذ بداية التحرك في ملف الحريات، كانت هناك خطوات جيدة مستمرة حتى تلقى الصحفيون في الفترة الأخيرة، قبل وبعد القبض على الصديق أشرف عمر، رسالة بإعادة جهود هذا المسار إلى الوراء مرة أخرى. وهذه رسالة غير موفقة، وعلى الطرف الآخر أن يدرك أهمية ترك المسار مفتوحًا، بحيث ينبت في أرضه كل يومين إفراج أو إفراجين حتى تصفية الملف.
أي محاولة لإغلاق هذا المسار ستفتح جبهات أخرى كانت أطرافها ترتضي على مضض استمرار فتح المجال ببطء، تقديرًا للتجربة التي أسير فيها، وأثمرت كما يرى الناس نجاحًا من الضروري أن يتوسع ويمتد في ظل عمق الأزمة الاقتصادية بين الصحفيين، التي دفعتني في بعض الأوقات إلى غلق الباب على نفسي والدخول في موجة حزن شديد.
من واجبي أن أدافع عن مطالب هؤلاء وهؤلاء، ووجود الطرفين ضرورة.
بشأن مفاوضات زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا.. هل هناك أنباء سارة قريبًا؟
البدل بشكل أساسي هو حق لأعضاء الجمعية العمومية للتدريب والتطوير، وهو خطوة واجبة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية. والمطالبة بزيادة مناسبة هو حق كامل للصحفيين/ات. منذ اختياري نقيبًا، واصلت التفاوض، فتمت زيادة 600 جنيه ثم 300 جنيه، وأطالب بالمزيد ليتواكب مع متغيرات قيمة الجنيه. في هذا الإطار، قابلت رئيس الوزراء ووزير المالية السابق، وتحدثت مع كل الأطراف في الدولة في محاولة إقناع مستمرة.

الطرف الثاني يقول إن الزيادة كانت تقرر مع الانتخابات، ولكن النقابة حصلت عليها مرة إضافية بعد الانتخابات. ونحن نقول له: هذه إضافة بسيطة، والصحافة صناعة استراتيجية يجب دعم تطويرها مثل باقي الصناعات، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وصلت المخاطبات إلى مرحلة دراسة الزيادة، وهذه المحطة التي نقف عليها حاليًا، ولم نسكت. فقد جددنا المخاطبات مع وزير المالية الجديد أحمد كوجك، والمفاوضات جارية.
ترتيب البيت الداخلي
هل هناك جديد في مشروعات الإسكان ومدينة الصحفيين والخدمات الداخلية؟
نسعى إلى مشروعات جديدة في الإسكان في الفترة المقبلة، وسنعلن عن أي مشروعات في حينها. وقد تم اتخاذ خطوات حقيقية وجادة في مشروع مدينة الصحفيين بمدينة 6 أكتوبر.

نتحرك على مستويات عديدة لإنهاء ما تبقى من أوراق وإجراءات يتطلبها نجاح المشروع.
لدينا رغبة جادة في إنهاء هذا الملف المتأخر، كما فعلنا في ملفات معطلة أخرى داخل النقابة، مثل تفعيل التواصل مع الصحفيين في المحافظات وتكوين اللجان الفرعية والتفاعل النقابي معها في كل أزمة، وإجراء انتخابات صندوق التكافل التي لم تُجرَ منذ 9 سنوات، رغم أن هذا الصندوق يدير خزينة أموال الصحفيين. وقد تم إجراء انتخابات للُشعب والروابط، ونحن في انتظار إجراء انتخابات النقابة الفرعية في محافظة الإسكندرية قريبًا.
مشروع العلاج يشهد تطويرًا شاملاً يجري على مسارات متوازية. كما بدأنا في خطوات مشروع الأرشيف الرقمي للصحافة المصرية وكنوزها عبر العصور وتطوير المكتبة.
خلاصة القول، إن كل ما يصب في صالح تطوير بيت النقابة الداخلي وتحقيق مطالب الصحفيين/ات سأفعله مع مجلس النقابة. وما نطلبه فقط هو استمرار الجمعية العمومية للنقابة كسلطة فوقي، في الحضور والمشاركة والتفاعل والنقد.
جدل لجنة القيد
البعض يتحدث عن ضرورة تطوير لجنة القيد.. ما رأيك؟
الوضع في لجنة القيد صعب نتيجة الظروف العامة. هناك مطالبات بغلق القيد من جهة، ومطالب أخرى تشكو من قلة الأعضاء الجدد من جهة أخرى، في ظل وجود علامات استفهام على بعض الأماكن التي تطلب القيد، مما يتطلب مراجعة دائمة من قبل مجلس النقابة الذي ينظر للأمر بعناية.

كانت هناك اتهامات للجنة القيد السابقة بالإفراط في أعداد المقبولين، وقابلها الآن اتهامات بمبالغة لجنة القيد الحالية في القيود. الأزمة تكمن في وراثة ما فات، ما دفع اللجنة الحالية إلى تشديد المراجعة.
ومع ذلك، ندرس جميع الشكاوى التي ترد وننظر باستمرار في تطوير أداء اللجنة ووضع معايير واضحة.
كما أن لجنة التدريب تبذل جهدًا كبيرًا، سواء على مستوى الدورات التي شاركت فيها مؤسسة هيكل وآخرون على مستوى مهم، أو على مستوى فتح ستوديو النقابة وصالة التحرير للعمل الكامل.
الصحفيون الإلكترونيون
هل هناك حل لأزمة قيد الصحفيين الإلكترونيين بالنقابة في واقع بات رقميًا بامتياز؟
قضية الصحافة الإلكترونية هي واحدة من الملفات التي حملتها على عاتقي مبكرًا، ولذلك أشعر بهمومها. ومع ذلك، يحتوي الملف على بعض التعقيدات التي نحاول حلها من عدة أبعاد

أولًا: لدى النقابة ملف انتساب مغلق تمامًا، حيث تخشى الجمعية العمومية من فتحه خوفًا من دخول أعداد ضخمة لنقابة الصحفيين، ما قد يؤثر سلبيًا على وضع النقابة. ويجب التعامل مع هذا الأمر بحذر، لأنه مرتبط بالأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تعزز هذه المخاوف.
ثانيًا: نواجه أزمة منتحلي الصفة، وهي واضحة في الأقاليم والمحافظات. نظرًا لأن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بوجود أوسع على مواقع التواصل الاجتماعي، أخذوا مساحات الصحافة التقليدية، سواء الإلكترونية أو الورقية.
ثالثًا: طرحت أن يتم حل هذه الأزمة بدخول الصحفيين الإلكترونيين ضمن قيد الانتساب، وفق ضوابط ولائحة واضحة. وقدمت اللائحة التي تشمل ثلاث مراحل: أساتذة الجامعات، الصحفيون في الخارج المعترف بهم عالميًا دون اعتراف من نقابتهم في مصر، والصحفيون الإلكترونيون. وتمت الموافقة على ما يخص الأكاديميين والصحفيين في الخارج لأنهم شريحة محدودة وممارستهم في مهنة الصحافة واضحة. أما الجزء الثالث الخاص بالصحافة الإلكترونية، فهو لا يزال قيد النقاش والمشاورات، وحاضر في المؤتمر العام السادس للنقابة.
رابعًا: لدينا مسار تشريعي يتعلق بتعديل قانون النقابة، وهو أمر صعب حاليًا لأنه يثير مخاوف لدى قطاعات كبيرة من الجمعية العمومية من تكرار تجربة قوانين تنظيم الصحافة على قانون النقابة. ومع ترتيبات المؤتمر العام السادس، وعندما تحدثنا عن تعديلات معينة كإجراء مؤقت، وجدنا عددًا من النواب من أبناء النقابة لا يفضلون مناقشته حاليًا لعدم وجود ضمانات تتوافق مع مطالب النقابة.
سيتصدى المؤتمر العام لهذا النقاش، وسنصل إلى رؤية واضحة وموقف محدد، نعرضهما على الجمعية العمومية القادمة.
أريد أن يطمئن جميع الصحفيين الإلكترونيين بأن قضيتهم هي قضيتنا، وهي موجودة في مسارات تحركنا. فتحنا لهم أبواب النقابة وتحدثنا عن الصحفيين غير النقابيين في قوائم المحبوسين، ولن نتركهم بأي حال من الأحوال.
مكتبي مفتوح لهم، كما كان مفتوحًا للصحفيين المؤقتين الذين نجحنا، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للصحافة والمهندس عبد الصادق الشوربجي، في تمرير حقوقهم. إدارة المعركة من على السوشيال ميديا فقط، دون الحضور إلى النقابة والنقاش، لن تحقق المطلوب في النهاية.
أقول لهم: "تعالوا إلى النقابة، وافتحوا دوائر نقاش مع زملائكم وزميلاتكم حول هذه القضية التي باتت حاضرة بشكل ما لدى الجمعية العمومية. فقد مضى زمن غلق.. النقابة وصوتكم مسموع".
ملفات عالقة
هناك ملفات عالقة للصحفيين المفرج عنهم.. المنع من العودة للعمل والمنع من السفر واستمرار البعض على قوائم الإرهاب.. متى تغلق تلك الملفات؟
نعمل على مسارات متوازية لحل هذه الملفات، مع استمرار التواصل في سبيل تصفيتها. من بين هذه المسارات، مشروع الدمج للمفرج عنهم، الذي تشارك فيه الشركة المتحدة للإعلام وأطراف أخرى، بهدف توفير فرص عمل ومساندة لهم.

التقينا كل الأطراف المعنية، بما في ذلك النائب العام المستشار محمد شوقي، حيث قمنا بالتحرك قضائيًا في بعض القضايا المتعلقة بالاستمرار على قوائم الإرهاب. كما طرحنا هذه الملفات في الحوار الوطني وقدمنا مخاطبات عدة بشأن السيارات والأموال المحتجزة. نأمل في إنهاء هذه القضايا في أقرب وقت ممكن، وتبقى قضيتنا الأولى هي الإفراج عن كافة الصحفيين المحبوسين.
التنسيق بين النقابات
البعض يرى نجاح النقابة في أنشطة دعم فلسطين، وعدم توفيقها بعد في تفعيل مسار التنسيق مع النقابات المهنية في هذا النطاق أو غيره.. ما تعليقك؟
منذ بداية العدوان على قطاع غزة، بدأنا التحرك في مسار التنسيق، حيث استضفنا النقابات المهنية الأخرى مثل الأطباء والمحامين والمهندسين والبيطريين في الأنشطة التضامنية مع القضية الفلسطينية. كما نظمنا نشاطًا مماثلًا في نقابة الأطباء.

التنسيق بشأن القضية الفلسطينية لم يستمر لأسباب تخص النقابات الأخرى، ولكنه مستمر في أنشطة نقابية مختلفة. على سبيل المثال، لدينا تجربة تنسيق ناجحة مع نقابة المحامين في مشروع العلاج، وتنظيم تنسيق مع نقابة المهندسين في عدة مسارات، وكذلك مع الأطباء.
نحرص أيضًا على التعاون مع النقابات العمالية، وشاركنا في نقاشات حول العمل والأجور مع أطراف ذات صلة.
وفيما يخص القضية الفلسطينية، شهدت الأنشطة والفعاليات حضورًا سياسيًا من القوى السياسية، ما يؤكد حرصنا على أن تكون رسالة نقابة الصحفيين مستمرة في السياق النقابي والعام والوطني والعربي والقومي.
3 مسارات لدعم القضية الفلسطينية
هل النقابة قدمت موائمات في أنشطتها لدعم القضية الفلسطينية لتحقيق توازنات مع سقف السلطة؟
في مسار دعم القضية الفلسطينية، دشنا نشاطًا قائمًا على ثلاثة مسارات رئيسية:
أولًا: التضامن والاحتجاج، حيث كان لدينا طموح لحراك أكبر. إلا أن هذا الطموح تداخل مع قضايا وملفات داخلية مطروحة في النقابة في ذات الوقت، فاعتمدنا مبدأ العمل المتوازي، وواصلنا الحركة حتى تاريخه بما يحقق مصالح الجميع.
ثانيًا: رصد الانتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين والإعلان عنها، والمشاركة في مسار الملاحقة القانونية الجنائية لقادة الكيان الصهيوني.

ثالثًا: التعاون مع نقابة الصحفيين الفلسطينية والنقابات المماثلة على مستوى العالم. في هذا الإطار، تعاونت النقابة مع لجنة الصحفيين الفلسطينيين في مصر، حيث احتضنت نقابة مصر الزملاء الفلسطينيين الموجودين بالقاهرة. كما عملنا على توفير كارنيهات علاج لمائة صحفي فلسطيني منهم، وتواصلنا في أبواب دعم متعددة أخرى كأنهم أبناء النقابة.
وبالمناسبة، هناك جهد مبذول أيضًا مع الأشقاء الصحفيين السودانيين، إلا أن الأزمات الداخلية عطلت التعامل مع نقابة الصحفيين السودانية في الوقت الحالي.
مستقبل الحوار الوطني
نذهب إلى الحوار الوطني.. لماذا شاركتم كنقابة؟ وما جدوى الاستمرار؟
قرار المشاركة في الحوار الوطني هو قرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، ولا أملك أمامه إلا التنفيذ. فهذا تكليف من الجمعية العمومية، وأنا ملتزم بتنفيذه.

البعض لا يزال يعول على سلم نقابة الصحفيين ليكون منطلق التغيير السياسي.. كيف ترى ذلك؟
هذا يعد افتئاتًا على السياسة ومسارات العمل السياسي. على مدى عمرها، كانت نقابة الصحفيين دائمًا جزءًا من الطليعة، ولم تكن يومًا الطليعة بمفردها أو السند السياسي لحزب معين.
لن تكون النقابات بديلًا للأحزاب. نعم، نحن نواجه أزمة حزبية كبيرة، ولكن لا يمكن تحميل النقابات مسؤولية هذه الأزمة. يجب على الجميع أن يعمل على تفعيل مساراته وتطوير البناء الداخلي للأحزاب.
اختياري في النقابة كان في جزء منه نوعًا من الاختيار الجريء، بهدف تحقيق التغيير. لكن عندما فزت، خشى البعض أنني سأقود ثورة من على سلم نقابة الصحفيين، وهو أمر ليس حقيقيًا بالمرة، وليس من ضمن برنامجي.
نقابة الصحفيين ليست حزبًا سياسيًا، ولن تكون كذلك. إنها تعبر عن أبنائها، الذين من بينهم المنضوين تحت الأحزاب، سواء كانت معارضة أو سلطة. في بعض الأحيان، يأتيني تساؤلات من الطرفين حول سبب وجود شخصيات من الطرف الآخر. أقول لهم إن هذه هي نقابة الصحفيين، وهذا هو تاريخها الذي يستوعب أبناء الوطن جميعًا في أنشطة النقابة المختلفة.
أؤكد أن الأحزاب التي لا تجد مكانًا لها في المجال العام، لن يكون سلم نقابة الصحفيين هو الحل لأزماتها. يجب عليها البحث عن آليات مختلفة للعمل السياسي لتوسيع مجاله. وهذا لا يعني تقليلاً من سلم النقابة ورمزيته، بل يعني أن تقوم الأحزاب بدورها أولًا.
خلل الحركة المدنية
سياسيًا.. كيف ترى الحركة المدنية الديمقراطية؟
الحركة المدنية تعاني من خلل واضح، إذ إنها تعبر عن طرف معارض يؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية، لكنها مليئة بالتناقضات الإيديولوجية. فمن المفارقات أن تجتمع الحركة في قصر رجل الأعمال أكمل قرطام، الذي تورط في فصل الصحفيين واعتداءات على حقوقهم، وصدر ضده أحكام بالتعويض لم تُنفذ.
لقد أشرت إلى هذه النقطة للحركة المدنية عندما كنت خارج النقابة، وأعيد التأكيد عليها الآن. لا أفهم كيف يمكن لأحزاب اليسار المشاركة في اجتماعاته، بينما هو مناهض لمبادئها.

لا أفهم كيف يتشارك الطرفان في الانتخابات، وما هي الأفكار التي تجمعهما تحت مظلة واحدة؟ وكيف يمكن لليسار قبول هذا الوضع؟ وما هو البرنامج الذي يمكن أن يوحد اليسار مع الليبراليين لمواجهة طرف ثالث إذا اقتضت الظروف؟
أنا معنيّ بوجود تيار اليسار واستمراره، ولذلك أرى أهمية دراسة الأوضاع الراهنة بدقة. فاليسار يمتلك برنامجًا هامًا للعدالة الاجتماعية، ويجب أن يكون مستعدًا للتفاعل مع الوضع الحالي كقوة فاعلة ومؤثرة.
حق الناس
أحزاب اليسار دشنت مؤخرا جبهة "حق الناس".. هل هذه الخطوة تصحح ذلك الخلل؟
من الضروري أن يدشن اليسار جبهة تعلن أهدافه وتدعو إلى مبادئه، وتجمع حولها جميع الأطراف التي تؤمن بأفكاره.
كما يجب على التيار الليبرالي تدشين جبهة أخرى تدافع عن مبادئه. أذكر هنا تدشين "التيار الحر" في وقت سابق، فقد كانت خطوة عاقلة وضرورية.
للأسف، الأزمة السياسية عميقة، وأتمنى أن تنتبه الكيانات إلى بناء قوتها الداخلية أولاً، بدلاً من الانشغال بالتحالفات الكبيرة قبل توطيد قوتها الداخلية.
على السلطة أن تسمح للأحزاب بالعمل والحركة في الشارع، وأن تجري انتخابات المحليات الغائبة منذ سنوات طويلة، وأن تغير قانون الانتخابات الحالي الذي لا يساعد على انتخاب نواب معبرين عن جميع الناس. كما يجب أن تستمع للحلول المطروحة، فمصر بحاجة إلى تحرير العمل السياسي من قيود تعسفية لا تخدم الوطن.
صراع الأجيال
كيف ترى المشكلة الجيلية في الحياة الحزبية حاليًا؟
المشكلة الجيلية في الأحزاب تعكس مرضًا عميقًا.
هناك تيار قديم يسعى لمواصلة فرض نفسه، وجيل جديد يحاول البحث عن مساحته، وعندما لا يجدها، يواجه صعوبة في التفاعل. لذلك، من الضروري أن نستوعب بعضنا البعض.
وهنا لا يمكن إغفال أن السلطة تتحمل مسؤولية عدم وجود حياة سياسية طبيعية.
مبادرات إيجابية ومهمة
في حواره مع منصة "فكر تاني".. طرح المفكر الدكتور زياد بهاء الدين فكرة تحديثه مبادرته لاستعادة المسار الديمقراطي.. هل مصر بحاجة إلى مثل هذه المبادرات الآن؟
هذه المبادرات تعد إيجابية ومهمة جدًا، ولكنها ستنجح فقط إذا وجدت سندًا سياسيًا واجتماعيًا متنوعًا.
مبادرة مثل "أسر سجناء مصر السياسيين" تتميز بالتجمع حول مصلحة بعينها وهدف محل إجماع وطني، ومثار تعاطف الكثيرين، مما يعزز من فرص نجاحها. لابد من دعمها بقوة، وهو ما أعلنته عقب صدورها من هذا المنطلق.
عندما تطالب أم بخروج ابنها من السجن، تحت أي شرط، فهذا يعكس وجعًا عميقًا ورغبة في الحصول على حقها حتى وإن كان الخروج منقوصًا.
هذه الرسالة يجب أن تتلقاها السلطة وتتجاوب معها بشكل إيجابي، لأنها تعبر عن قطاع يتوسع، وله مطالب مشروعة.
دستور النوايا الحسنة
بعد مرور عقد من الزمان على إصدار دستور 2014.. كيف تراه؟
مؤمن بأن هذا الدستور هو مرجعيتي، حتى وإن كانت لدي العديد من الملاحظات عليه. يجب على مؤسسات الدولة أن تطبق نصوصه، حتى لا يتحول إلى "دستور النوايا الحسنة."
على مستوى نقابة الصحفيين، للأسف، هناك قوانين مكملة للدستور لم تُصدر حتى الآن.

أين هو قانون منع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، مثلاً؟ كنت ممن شارك في إعداده، وكنت عضوًا في لجنة ثلاثية شاركني فيها الكاتب الراحل الصحفي الأستاذ حسين عبد الرزاق والدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب فيما بعد.
تنص الفقرة الثانية من المادة 71 من الدستور على أنه "لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية. أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف، أو بالتمييز بين المواطنين، أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون." ومع ذلك، لا يوجد قانون حتى الآن، رغم أنه جاهز.
وأين هو قانون حرية تداول المعلومات؟ لماذا لم يصدر بعد، رغم أنه من القوانين المكملة للدستور؟ أين هو قانون العدالة الانتقالية؟ وأين مفوضية منع التمييز؟
فتح نوافذ الأمل
في الختام، هل أنت متفائل بمستقبل مصر؟
أنا مريض بالأمل، وطالما في قلبي نبض سأظل متفائلًا.
أتمنى أن يكون 4 شارع عبد الخالق ثروت هو عنوان لنجاح الأمل.
مسارات التاريخ والأحداث في تطور مستمر، وحتى إذا كانت هناك فترات صعبة، فإنها ستمر.