البورصة المصرية تنضب من الشركات الكبرى.. وتلكؤ في طرح بدائل

في الأعوام ما بين 2000 الى 2010، كانت البورصة المصرية من بين أنشط البورصات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لاسيما تميزها بين بورصات الأسواق الناشئة المشابهة، حتى أن رأسمالها السوقي اقترب آنذاك من نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي وزاد عن 650 مليار جنيه، مع اعتبارات أن سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار وقتها لم يكن يزيد عن 5.2 جنيه لكل دولار.

ورأس المال السوقي هو عدد أسهم الشركات المدرجة بالبورصة، مضروباً في سعر أسهمها في ذلك الوقت.

شركات خرجت طواعية

وخلال العشرة سنوات الأخيرة، لجأت العديد من الشركات الكبرى للخروج و الشطب الاختياري من البورصة، تلك الشركات كانت تحظى بإقبال من المستثمرين الأجانب و مستثمري الخليج، وتحظى باهمية كبرى كونها تتمتع بأحجام تعاملات وتداولات كبيرة، وعدد أسهمها كبير يسمح للصناديق الأجنبية ذات الاموال الضخمة من سهولة شرائها وبيعها، كما يسمح كذلك لأصحاب رؤوس الأموال من العرب.

شركة إلكترولوكس مصر
شركة إلكترولوكس مصر

ويتذكر المتعاملون بالبورصة شركات كبرى كانت أسهمها تتمتع بصيت واسع في البورصة المصرية، وأصبحت الآن تاريخ، أبرزها (أوليمبك اليكترك جروب التي تم شطبها بعد استحواذ الكترولوكس السويدية عليها،اوراسكوم للإنشاء والصناعة التي استحوذت عليها شركة(كونستراكشون NV)، وأوراسكوم تليكوم التي سميت فيما بعد (جلوبال تليكوم) وتم شطبها بعد استحواذ شركة فيون الهولندية عليها، وموبينيل التي تم شطبها بعد استحواذ أورانج الفرنسية عليها، وفودافون، والبنك الوطني المصري.

أما خلال الخمس سنوات الأخيرة فخرجت شركات الوطنية للذرة، والقومية للأسمنت،  والنصر للمحولات “الماكو”، و اميكو ميديكال للادوية، وبنك الاتحاد الوطني، وباكين، “و عز الدخيلة” التي اشترى رجل الأعمال أحمد عز حصة الحكومة المصرية، وقام بشطبها قبيل عام من الآن..والحقيقة أن القائمة طويلة.

شركات على المحك

قبل عدة أسابيع استحوذت شركة الكترا الإماراتية على حصة التداول الحر في “السويدي اليكتريك” المصرية، ما جعل الشركة مهددة بعدم استيفائها قواعد الإدراج والقيد في البورصة، ومن ثم يتم شطبها، رغم نفي الشركة لذلك خلال في بيان للبورصة خلال جلسة تعاملات الأحد 11 أغسطس الجاري، كذلك الحال مع شركة القاهرة للتعليم (سيرا) وذلك في حال تمت صفقة الاستحواذ عليها من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة السيادية).

شركة الكترا الإماراتية
شركة الكترا الإماراتية

ولازالت الشائعات تلاحق الكيانات الكبرى ذات الأسهم الشهيرة وصاحبة السيولة العالية في البورصة المصرية، فقبل بضعة أيام أثير أن شركة حديد عز ستحذو حذو قرينتها “عز الدخيلة”، ويقوم المساهم الرئيسي بشراء حصة التداول الحر المتداولة في البورصة، وشطبها وإخراجها هي الأخرى من البورصة، غير أن شركة “حديد عز” نفت هذه الشائعة في بيان أرسلته للبورصة المصرية، وقالت ليس لدينا معلومات جوهرية غير معلنة.

السوق ينضب من الأسهم الكبرى

معتز عشماوي
معتز عشماوي

يرى خبراء ومحللون أسواق المال أن حالة نضوب متتابعة تشهدها البورصة المصرية من الأسهم ذات السيولة والتداولات العالية، والتي تحظى باهتمام الاجانب والعرب والمؤسسات المالية الكبرى.

يؤكد معتز عشماوي العضو المنتدب لدى عربية أونلاين للأوراق المالية المملوكة لبنك الاستثمار القومي المصري، في حديثه لـ”فكر تاني”، أن حالة أن هناك بعض الشركات الكبرى فضلت الخروج من البورصة بسبب ممارسات الاقلية من المساهمين، ويقول إنه عاش ذلك بنفسه مع خروج شركة الإسكندرية للأسمنت، وبنك الكويت الوطني.

وأضاف عشماوي أن بعض الشركات الكبرى تفضل الابتعاد عن قيود الإفصاحات والتزامات الإدراج في البورصة، وتفضل البقاء خارجها.

الأفراد فقط لا يصنعون أسواق مال عميقة

رنا عدوي
رنا عدوي

تقول رنا العدوي، الرئيس التنفيذي لـ أكيومن لإدارة المحافظ والصناديق: “يبدو أن رغبة الدولة وجديتها في تعميق البورصة وسوق المال ليست كافية، فالاعتماد على تسويق الأفراد لجذب مزيد من شرائح الأفراد للبورصة لا يصنع أسواق مال عميقة”.

ترى العدوي أنه لزاما على الدولة الترويج للبورصة وثقافة التعامل والاستثمار بها بين كل فئات المجتمع بدلا من لجوء الكثير من المواطنين للدولرة واقتناء الذهب، وكذلك الترويج للبورصة خارجيا .

وتؤكد أن ما سبق سيخلق بيئة داخل سوق المال تشجع كل الشركات الكبرى و”المالتي ناشيونال” على الإدراج بالبورصة المصرية و ستحافظ بالتبعية على بقاء الكيانات الكبرى المهددة بالشطب والخروج من السوق المالية المصرية.

الأسواق الناشئة المشابهة تتفوق

مالك سلطان
مالك سلطان

مالك سلطان خبير أسواق المال يرى أن أسواق الخليج استحوذت على اهتمام المستثمرين الأجانب، فالطروحات بأسواق السعودية والإمارات كبيرة ومتعددة وسنويا تشهد هذه الأسواق طروحات ضخمة تجذب آلاف من المتعاملين والمستثمرين الأجانب.

يقول سلطان في حديثه لـ”فكر تاني”: “لن ننسى أرامكو السعودية التي قفزت برأسمال البورصة السعودية لأرقام تاريخية، و سوقي الإمارات (دبي- أبو ظبي) تشهدان طروحات متعددة، وللأسف البورصة المصرية متأخرة جداً في هذه الشأن ورأسمالها السوقي لا يتجاوز الآن 18% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل أكثر من 80% و 100% لبعض بورصات الخليج.. أمر محزن لبورصة مصر التي كانت في مقدمة بورصات المنطقة في وقت سابق”.

بدائل محدودة وسعر الصرف أحد الأسباب

للأسف تخارج الشركات الكبرى وعدم دخول بديل لها يخلق عزوف من المستثمرين الأجانب والعرب أصحاب رؤوس الأموال الكبرى، هكذا يقول محمد عبدالحكيم رئيس قسم البحوث بشركة فيصل للأوراق المالية، والذي يرى أيضاً أن انخفاض قيمة الجنيه المصرى أدى إلى إعادة تقييم الشركات، خاصة التي ترتبط أعمالها بأسعار المواد الخام عالميا، إذ ارتفاع أسعار الخامات محليا بالتوازى مع قدرة المنتجين على تمرير ارتفاع التكلفة للمستهلك، قد أثر إيجابا وبشكل ملحوظ على إيرادات المنتجين وبالتالى على أرباح هؤلاء المنتجين وتدفقاتهم المالية.

ومع توقعات استمرار هذا الاتجاه، أصبحت أسعار الأسهم الحالية وتوقعاتها المستقبلية جاذبة للمستثمرين، وفق عبد الحكيم ، ومع تمسك الشركاء الاستراتيجيين بحصصهم في تلك الشركات؛ أصبح سعي المستثمرين الجدد نحو الاستحواذ على الحصص المتبقية بما فيها الأسهم حرة التداول محموما لدرجة تجعل الأسهم حرة التداول أقل من اشتراطات البورصة المصرية، ما جعل التوجه نحو الشطب الاختيارى بديلا مطروحا بقوة.

محمد عبد الحكيم
محمد عبد الحكيم

يضيف عبد الحكيم أنه بخصوص التأثير فلا شك أن اتساع السوق وما يوفره ذلك من بدائل استثمارية سيتأثر سلبا، الأمر الذي من شأنه انخفاض جاذبية سوق رأس المال.

البدائل من وجهة نظر عبد الحكيم  تتمثل فى إقبال الاستثمار غير المباشر على تلك الشركات وازدياد الطلب عليها من قبل عدد أكبر من المستثمرين، مما يرفع أسعار تلك الأسهم ويقلل من جاذبيتها للاستحواذ من ناحية ويحافظ على الحصص حرة التداول فى النطاق المطلوب من الجهات المنظمة من ناحية أخرى، إضافة إلى العمل بشكل أكبر على تشجيع الشركات الكبرى على طرح أسهمها فى البورصة، ولا شك أن ارتفاع الأسعار وبالتالي المضاعفات سيكون من الأمور المشجعة للملاك المؤسسين على الطرح جنبا إلى جنب مع تيسير الأمور التنظيمية والتشريعات المتعلقة بهذا الشأن.

ويعد العامل الأبرز لانتعاش طلبات الاستحواذ على الشركات المصرية هو أنها تتداول بأقل من قيمتها العادلة، ما يجعلها هدفا ثمينا لصفقات الاستحواذات.

شركة صافي
شركة صافي

تفضيل البيع لمستثمر استراتيجي

ويظل مسلسل التخارجات مهدداً البورصة المصرية، لأن الشركات التى تتخارج لا تقابلها طروحات جديدة، فقد أعلنت الحكومة لأكثر من مرة طرح عدد من الشركات الكبرى، على مدار الخمس سنوات الماضية، مثل (وطنية، صافي، العاصمة الإدارية.. وغيرها، لكنها تتراجع في كل مرة لأسباب متعددة، أبرزها ظروف جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية، ويظن الخبراء أن الحكومة تفضل البيع لمستثمرين استراتيجيين عن الطرح في البورصة.

الحقيقة أن البورصة ليست مكانًا للمضاربات فقط، فهي أداة سهلة للتمويل والتوسع وزيادة رؤوس أموال الشركات وقاعدة المستثمرين بها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة