يبدو سؤال العنوان مخاتلًا مراوغًا، لكن لا بأس، فلنذهب معًا في تخيل سيناريو افتراضي لما حدث حتى إعلان الرئيس الأمريكي بايدن، نزوله من على مسرح الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ثمة نكتة بالغة الدلالة، بأن صحفيًا مصريًا “على الأرجح من الموالين المصفقين المسبحين”، التقى بصحفي أمريكي، فأراد الأخير إغاظته فقال: “إنني أتمتع بأعلى مستويات الحرية في بلادي، حتى إنني أستطيع أن أهاجم الرئيس من دون أن يمسسني ضر، فقال الصحفي المصري: “وأنا أيضًا أستطيع أن أهاجم الرئيس الأمريكي ولن يحدث لي ما يسيئني”.
هكذا إذن.. أستطيع أن أهاجم الرئيس الأمريكي، فأكتب كلامًا “لا يهدرُ وقتَ الرقباء/ لا يُتعبُ قلب الخلفاءْ/ لا تخشى أن تنشره/ كلُّ وكالاتِ الأنباءْ”.. فإلى ما حدث، على سبيل التفكه وأيضًا المقارنة المستترة بين السطور.
المشهد الأول
دلف الرئيس بايدن قاعة الاجتماعات في البيت الأبيض، وعلى محياه ترتسم قسمات الجدية والصرامة، ومضى ماشيًا بخطى ثقيلة تبدو عليها آيات الوهن، ثم استدار فجأة ومد يده للمصافحة.
في الحقيقة لم يكن ثمة إنسان ليصافحه الرئيس؛ لقد مدّ راحته لمصافحة الهواء.
وقف الرئيس في منتصف القاعة برهةً، حملّق في السقف كأنه يراه للمرة الأولى، وابتسم ابتسامة ساخرة لا تأويل لها، ثم استأنف سيره نحو طاولة مستديرة، فجلس إلى كرسي على رأسها، وشرع يعبث بأصابع مرتعشة بخصلات شعره الأبيض.
تنفس الصعداء عميقًا، ثم نظر في أوراق بيضاء أمامه برهةً، مطأطَّأ الرأس كأنه يغرق في هم ثقيل، فيما خيّم صمتٌ وترَّقبٌ على المجتمعين، إلى أن تكلم بصوته محشرج كمزلاج باب قديم: “أهلًا بكم.. يسعدني أن ألتقي بكم بناءً على طلب الحزب، لمناقشة ما تودون طرحه، وإن كنت لا أعرف شيئًا عن فحوى هذا الاجتماع الطارئ، ولا الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال”.
ومضى قائلًا: “على كل حال، آمل أن تكون مناقشاتنا مثمرة ومفيدة، لمستقبل الحزب، والولايات المتحدة، وأرجو أن تتأكدوا أن عقلي وقلبي مفتوح لكل ما سيقال”.
اقرأ أيضًا:ثلاثية الشعب والحاكم والنكتة
أرسل شاك شومر، رئيس الديمقراطيين في الكونغرس، من تحت نظارته السميكة نظرة مضطربة، إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس، فأطرقت صامتة وهي تواري شيئًا من خجل، في حين استغرق الرئيس في تأمل أسقف القاعة مجددًا، وكأنه انفصل فجأة عن المكان والزمان.
تحدَّث شومر بعد برهة لم تَطُلْ: “سيدي الرئيس، إن الحزب يرى عدم الدفع بك إلى الانتخابات الرئاسية، وهذه الرؤية لا تنبثق من تشكيك في إخلاصكم، ولا لسوء أدائكم في الفترة الرئاسية الأولى، بل إننا نقدر بعمقٍ ما قدمته من جهد، وما أنجزته من إنجازات، لكن كما تعلم يا سيدي، هناك متغيرات محورية تستدعي الدفع بوجه جديد”.
احتقن وجه الرئيس فتحسسَّ بطرف سبابته اليمني شحمة أذنه، واستقر الذهول على وجهه، وقال كمن يحدث نفسه: “لكنني تعهدت بالمضي في سباق الرئاسة، لا أريد الانسحاب من أمام ذاك المتعجرِّف ترامب؛ هذا الذي ينعتني بالعجوز المخرف، أنا صاحب الخبرة السياسية العريضة، أصغر سيناتور في تاريخ الكونغرس، وأكبر رئيس في التاريخ الأمريكي، وأول نائب رئيس لامرأة سوداء”.
قاطعه شومر: “سيدي الرئيس لقد كنت نائبًا للرئيس باراك أوباما، وهو بالطبع رجل، يبدو أن هذه زلة لسان”.
رد بايدن بتعجب: وماذا قلتُ إذن؟ هل تحسبني أخرِّف؟ نعم كنت نائبًا للسيدة أوباما”.
شرع رئيس الديمقراطيين يجادل، فإذا بالرئيس الأسبق باراك أوباما، يرفع يده مُبديًا رغبته في الحديث، فأومأ له برأسه موافقًا، فقال بنبرة متأنية كأنه يتحسس كلماته: “سيدي الرئيس، تعلم جيدًا حجم التقدير الذي أكنه لشخصك، وقد عملنا معنا إذ كنت نائبي، ولقد استفدت من خبراتك بخاصة في شؤون السياسة الدولية، لكن اسمح لي مع كامل الاحترام، أن أقول إن الناخب الأمريكي لديه مخاوف بشأن كفاءتك الصحية، ولدينا في الحزب أزمة حقيقة، إذ فقدنا أصوات كتلة كبيرة من الناخبين الشباب، ممن يناهضون الحرب في غزة، كما لم نكسب أصوات الجماعات المؤيدة لتل أبيب، ذلك أن ترمب يطرح نفسه باعتباره رجل الضرورة لإسرائيل”.
واستطرد الرئيس الأسبق بلهجة غاية في التهذيب: “هي ظروف موضوعية ليست من صنعنا، والمؤسف أن استطلاعات الرأي تظهر ارتفاع شعبية المرشح الجمهوري، بخاصة بعد مناظرتكما، ومن ثم فإن خوضك الانتخابات سيكون ذا انعكاسات سلبية على مستقبل الحزب، فضلًا عن التداعيات المتوقعة على مسارات الديمقراطية الأمريكية، بالنظر إلى شخصية ترمب المتسرعة الهوجاء”.
عندئذٍ التقط شومر طرف الحديث: “سيدي الرئيس بكل أسف، لا أعتقد أن بوسعنا التراجع عن هذه القرار، ونحن نريد أن تعلن بنفسك خروجك من حلبة المنافسة، حفظًا لمكانتك في أوساط الحزب، وتقديرًا لتاريخك السياسي الطويل”.
نظر بايدن في عيني محدثه شزرًا، وصاح في وجهه بصوته الجهوري: “كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه اللهجة؟ ليس يعنيني مديحك اللزج، إنما يعنيني أن الحزب الذي التحقت به منذ شبابي المبكر، وخدمته بكل تفانٍ يتخلى عني في هذا الوقت، إنني لا أستطيع استساغة ذلك، ولا حتى تخيله، وها أنا أعلن بكل وضوح أنني سأواصل السباق الانتخابي إلى نهايته، وسأخرج في مؤتمر صحفي بعد الاجتماع، لأعلن للأمة الأمريكية أنني لن أنسحب مهما يكن”.
ثم خرج من القاعة غاضبًا، وهو “يُبرطم” بكلام كالطلاسم، فلحق به الرئيس الأسبق أوباما بعد أن قال للحضور: “ابقوا في أماكنكم، سأقنعه بالعودة فأنا أفهمه جيدًا”.
المشهد الثاني
بعد نحو عشرين دقيقة، دخل الرئيسان معًا؛ الحالي والأسبق، متأبطين ذراعي بعضهما، وهما يبتسمان ابتسامة واسعة.
استأنف بايدن الحديث: “أعتذر على انفعالاتي، لم أنم نومًا عميقًا بالأمس، لقد أجريت اتصالًا هاتفيا بالرئيس الأوكراني بوتين، هذا الرجل لطيف جدًا، تحدثنا حديثًا وديًا للغاية”.
اقرأ أيضًا:شايلوك في مروج الجليل.. تزييف التاريخ الفلسطيني في الأدب الأمريكي
تنفست نانسي بيلوسي رئيسة الكونجرس السابقة، والسياسية المخضرمة بعمق، قبل أن يتدفق صوتها حاسمًا: “سيدي الرئيس إن بوتين هو الرئيس الروسي وليس الأوكراني، لكن ليس هذا موضوعنا، كل ما أرجوه أن تكون متأكدًا من أن الأمر ليس شخصيًا، كما أوضح لك الزملاء، إن قرار الدفع بمرشح آخر قد اتخذناه بعد مشاورات مطوّلة، ولا رجعة فيه”.
ومضت تقول: “لا أحب أن تصل الأمور إلى هذا مسار يؤثر سلبًا على تماسك الحزب، وإن اختيارنا مرشحًا آخر، في حين تصر على عدم التنحي، لن يكون مناسبًا لمكانتك السياسية، سيقول الأمريكيون وأنت بلا شك تعرف مزاجهم المتقلِّب، إن حزبه قد رفع يديه عنه، وإنني أربأ بك عن هذا الموضع المحرج، وظني أن الأحرى في هذا الوقت أن تنظر إلى ما سجلته في سيرتك الذاتية، إنها مسيرة مشرفة تستحق يا سيدي الحفاظ عليها”.
عزيزي الرئيس إنني أحدثك بهذه الدرجة من الصراحة، رغم ما قد تبدو عليه نبرتي من خشونة، حرصًا على تاريخك، وكذلك إيمانًا بأن مصلحة الحزب تقتضي إنكار ذاتك، وعندي يقين أنك ستتفهم الأمور، ولن يأخذك شيطان العناد إلى ما يتنافى مع المصلحة العامة للولايات المتحدة، وكذلك الحزب الديمقراطي الذي لا نشكك في إخلاصك لمبادئه”.
جال الرئيس الأمريكي بعينيه في وجوه الحاضرين، ابتسم له الرئيس الأسبق أوباما، وبدت بيلوسي في غاية الصرامة، أما كامالا هاريس التي لم تنبس ببنت شفة، فقد تشاغلت بتقليب أوراقها، في حين ابتسم شومر ابتسامة باهتة.
كانت اللحظات ثقيلة، على الرجل الثمانيني، وعلى المجتمعين كذلك، لكنه أدرك أنه لن يستطيع فرض كلمته؛ لقد أسقط بين يديه، فالرأي للكل وليس لواحد لا شريك له.
أغمض عينيه ثم تمتم بصوت إلى التأوه أقرب: كما ترون، سأعلن انسحابي، وأقدر لكم تعاونكم.
انتصب الرئيس واقفًا، ليغادر القاعة وسط تصفيق الحضور.
المشهد الثالث
الرئيس الأمريكي يلقي خطبة لإعلان انسحابه: “أيها الشعب الأمريكي العظيم، لقد كان أعظم شرف في حياتي أن أكون رئيسكم، وبينما كنت أعتزم السعي لإعادة انتخابي، أعتقد أنه من مصلحة حزبي وبلدي أن أتنحى وأركز فقط على أداء واجباتي كرئيس للفترة المتبقية من ولايتي”.
واستطرد قائلًا: “الآن، اسمحوا لي أن أعرب عن عميق امتناني، لجميع أولئك الذين عملوا بجد لإعادة انتخابي، وأود أن أشكر نائبة الرئيس كامالا هاريس، لكونها شريكة استثنائية في كل هذا العمل، واسمحوا لي أن أعرب عن تقديري العميق للشعب الأمريكي، على الإيمان والثقة التي منحني إياها، إنني أؤمن اليوم بما كنت أؤمن به دائمًا، وهو أنه لا يوجد شيء لا تستطيع أمريكا فعله عندما نقوم بذلك معًا”.
امريكا وتنحى بايدن
نموذج حى للديمقراطيه واحترام ارادة الشعوب والحياة الحزبيه السليمه برغم الكيل بمكالين بالسياسه الخارجيه لاعتبارات توراتيه وووو الا ان الداخل يدار لحساب الشعب ولايخلوا من سيطرة لراس المال وتزيف الوعى عن طريق إعلام مستعمل
اما بجمهوريات الدرك الأسفل القمعيه فهذة احلام ان تنتقد ابو دبورة ونسر وكاب ويلفق لك اوهام وأكاذيب وينكل بك.