قُتل إسماعيل هنية أثناء زيارته إيران، في ليلة اغتيالات شهدتها منطقة الشرق الأوسط، ليلحق بالقائد العسكري في "حزب الله" بلبنان فؤاد شكر، ومن بعدهما الإعلان عن استهداف محمد الضيف قائد الجناح العسكري لحماس، والذي لم تتأكد بعد أنباء اغتياله بعملية إسرائيلية جديدة، تشير إلى إصرار الدولة العبرية على إشعال المنطقة بحرب إقليمية شاملة.
كان "هنية" في طهران لحضور مراسم تعيين الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان. وأكد الحرس الثوري الإيراني -في بيان رسمي- أن "هنية" قُتل مع أحد حراسه الشخصيين، وسيم أبو شعبان، في حادثة الاستهداف، التي ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن التحقيق جارٍ في تفاصيلها، في وقت أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، أمرًا بشن هجوم مباشر على إسرائيل، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية وعربية عن مصادر إيرانية.
تداعيات الحادثة وتساؤلات حول خلافة هنية
وفرة القيادات هي إحدى حقائق المقاومة الفلسطينية على طول تاريخها، إلا أن الوضع المعقد الذي تعيشه الحركة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة يفرض تساؤلًا حول خليفة هنية، الذي قد تستقر عليه الحركة خلال الفترة المقبلة.
إسماعيل هنية كان الرئيس الثالث للمكتب السياسي لحركة حماس، وقد شغل منصبه منذ عام 2017 وحتى مقتله. سبقه في المنصب خالد مشعل، الذي شغل الكرسي في الفترة من 1996 وحتى 2017.
احتمالات خلافة هنية
وفقًا لتقارير ومحللين سياسيين، قد تتجه حماس لاختيار رئيس جديد للمكتب السياسي من بين ثلاث شخصيات بارزة.
يقول الدكتور حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الأمة" بغزة، لموقع "الحرة"، إن "قرار تنصيب رئيس مكتب سياسي قد يتم في أسرع وقت، كما حصل عندما اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين، حيث تم انتخاب عبد العزيز الرنتيسي خلال 24 ساعة".
ويضيف الدجني أن "مؤسساتية الحركة تجعلها قادرة على تجاوز أي خلل في الهرم التنظيمي". وتبرز هنا ثلاثة أسماء رئيسية كمرشحين لخلافة هنية: خالد مشعل، خليل الحية، ويحيى السنوار.
خالد مشعل: العودة المؤقتة
يرى الدجني أن تكليف خالد مشعل لمنصب الرئيس بشكل مؤقت حتى انتهاء الحرب في غزة قد يكون أحد الاحتمالات.
مشعل هو أحد الأعضاء المؤسسين لحركة حماس في عام 1987، ويبلغ من العمر 67 عاماً. ولد في الضفة الغربية ورحلت عائلته إلى الأردن بعد حرب عام 1967، وأمضى بعض الوقت في الكويت وسوريا قبل أن ينتقل إلى قطر.
مشعل يشغل حاليًا منصب رئيس مكتب إقليم الخارج، أحد الأقاليم الثلاثة (غزة، والضفة، والخارج)، ويمتلك خبرة طويلة في رئاسة المكتب تزيد على 21 عامًا.
مشعل يتمتع بشبكة علاقات واسعة داخل وخارج حركة حماس، وسبق له أن قاد محاولات لتحسين العلاقات بين الحركة والعديد من الدول العربية.
مشعل يُعتبر وجهًا مقبولًا لدى العديد من الدول العربية، ولكن يُنظر إليه بحذر من قبل طهران ومحورها، خصوصًا أنه يرى ضرورة الحفاظ على مسافة مع الجانب الإيراني والتقرب من الدول العربية قدر الإمكان.
هذا الموقف لا يناسب رئيس المكتب السياسي في غزة، يحيى السنوار، ومؤيديه في قيادة حماس.
خليل الحية: دور مهم في المفاوضات
يعتبر الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني ساري عرابي أن حماس قد لا تتمكن من إجراء الانتخابات في الوقت الحالي، لذا قد يتم اختيار نائب رئيس الحركة بطرق مختلفة. خليل الحية هو أحد الأسماء البارزة لهذا المنصب.
الحية يلعب دورًا مهمًا في المفاوضات بين حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يسعى للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
هذا القيادي المحافظ تعرض لمحاولات اغتيال عديدة من قبل إسرائيل، حيث قضى ثلاث سنوات في سجونها ونجا من عدة محاولات اغتيال بين عامي 2007 و2014، لكن تلك المحاولات أودت بحياة 19 فرداً من عائلته.
الحية، الذي كان من مقربي الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس وزعيمها حتى وفاته، يُعرف بأنه رجل محافظ ومتدين متشدد.
درس أصول الدين في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة وتخرج منها عام 1983، ثم واصل دراسته في مجال الدين والشريعة في الأردن حيث نال شهادة الماجستير عام 1986 في السنة وعلم الحديث.
عاد الحية إلى غزة بعد دراسته، لكنه غادر مجددًا بعد عشر سنوات إلى السودان لاستكمال تعليمه. تحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الخرطوم في العلوم الإسلامية عام 1997.
لعب الحية دورًا مهمًا في المفاوضات التي نظمت في 2012 و2014 مع الجانب الإسرائيلي في القاهرة، حيث اكتسب خبرات إضافية.
في 2022، قاد وفدًا من حماس إلى دمشق لمقابلة الرئيس بشار الأسد بهدف إحياء العلاقة مع سوريا. بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، لعب الحية دورًا مهمًا في الحرب الإعلامية، وانكب على الاهتمام بالمفاوضات.
في نوفمبر 2023، ترأس وفدًا إلى لبنان للقاء زعيم حزب الله حسن نصر الله وبحث معه مسألة الرهائن.
في فبراير، ترأس وفدًا جديدًا إلى القاهرة لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
يحيى السنوار: المهندس العسكري
يحيى السنوار يعتبره الإسرائيليون مهندس عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر 2023، التي كبدت إسرائيل خسائر بشرية وعسكرية كبيرة وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية. لذلك، أعلنت إسرائيل أن تصفيته أحد أهداف عملية "السيوف الحديدية" على قطاع غزة.
السنوار يوصف بأنه شخصية حذرة ونادراً ما يظهر علنًا، كما يتمتع بمهارات قيادية عالية وتأثير قوي على أعضاء الحركة. أسس مع خالد الهندي وروحي مشتهى، بتكليف من الشيخ أحمد ياسين، عام 1986 جهازاً أمنياً يُعرف باسم "مجد".
اعتقل السنوار لأول مرة عام 1982 بسبب نشاطه الطلابي وكان عمره حينها 20 عامًا.
وضع رهن الاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر، ثم أُعيد اعتقاله بعد أسبوع من إطلاق سراحه وبقي في السجن 6 أشهر من دون محاكمة. وفي عام 1985 اعتقل مجددًا وحكم عليه بـ8 أشهر.
في 20 يناير 1988، اعتقل مرة أخرى وحوكم بتهم تتعلق بقيادة عملية اختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل 4 فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع إسرائيل، وصدر بحقه 4 مؤبدات (مدتها 426 عامًا).
وخلال فترة اعتقاله، تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى "حماس" في السجون لدورتين تنظيميتين، وساهم في إدارة المواجهة مع مصلحة السجون خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما في ذلك إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
استثمر السنوار فترة السجن التي استمرت 23 عامًا في القراءة والتعلم والتأليف.
تعلم اللغة العبرية وغاص في فهم العقلية الإسرائيلية، وألف عددًا من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية. أطلق سراحه عام 2011، وكان واحدًا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ضمن ما سمي بصفقة "وفاء الأحرار".
السيناريوهات المحتملة
في ظل الظروف الحالية التي فرضتها الحرب الدائرة في قطاع غزة، قد يكون من الصعب على حماس تنصيب رئيس جديد للمكتب السياسي في الوقت الراهن.
يرى بعض المحللين السياسيين أن في الأحوال الطبيعية كان يحيى السنوار سيفوز بالمنصب خلفًا لإسماعيل هنية، لكن بسبب صعوبة التنسيق بين الداخل والخارج، وانشغال الداخل بإدارة الأمور في القطاع، فإن حظوظ خالد مشعل تتزايد.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الضغوط الإسرائيلية على قطاع غزة، يبقى من الصعب التنبؤ بالمسار الذي ستسلكه حماس في اختيار قائدها الجديد. التنظيمية القوية لحماس تمنحها القدرة على التعامل مع الأزمات الداخلية، ولكن التحديات الخارجية المستمرة قد تؤثر بشكل كبير على قراراتها المستقبلية.