الفيلم التسجيلي " الملاذ الأخير " للمخرجة المصرية يارا الغندور، والذي عرض في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في اليوم العالمي للجوء الموافق العشرين من يونيه، يتناول توثيق حركة اللجوء الواسعة من الأوروبيين لمصر خلال أربعينات القرن الماضي.
يعتمد الفيلم بجانب الصور والوثائق علي استطلاع أراء عدد من الخبراء وأساتذة التاريخ، ويتناول حركة اللجوء الواسعة من الأوروبيين الهاربين من الحرب إلي مصر.

ويستعرض الفيلم الأخطار التي واجهت اللاجئين في البحر المتوسط قبل وصولهم إلى معسكرات اللجوء في السويس ثم إجراءات تسجيلهم كطالبي لجوء ونقلهم الى المدن وإجراءات إلحاق الأطفال بالمدارس وإيجاد عمل للكبار.
أهمية هذا الفيلم في الفترة الحالية أنه يلقي الضوء على جانب تاريخي هام للجوء، فالسنوات الأخيرة وخاصة منذ الحرب السورية، تشتكي الدول الأوربية مما أطلقت عليه " أزمة اللجوء " حيث استقبلت أوروبا أعداداً كبيرة من اللاجئين الهاربين من مناطق النزاع عبر البحر المتوسط، وهو نفس الطريق الذي سلكه قبل عقود اللاجئ الأوربي، لكن الفرق بين المرحلتين التاريخيتين يبدو شاسعاً على مستوى الحقوق الإنسانية للاجئين.
كانت مصر الملاذ الأول للاجئ الاوروبي في الأربعينات، وكان يحظى اللاجئين بكامل حقوقهم ويتم توفير كل احتياجاتهم رغم أن مصر كانت واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي، حتي أن جزء من اللاجئين استقر في مصر لفترات طويلة وكونوا جاليات أشهرها اليونانية والإيطالية، ومصر هنا مثال لما حدث في دول شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس.
لكن أوروبا الآن قد وضعت سياسات وإجراءات جديدة تهدف لتقليل اللجوء إلي أوروبا، وهي الإجراءات التي تتجاهل تماما الحقوق القانونية للاجئين والتي نظمتها المواثيق الخاصة باللاجئين في عشرينات و ثلاثينات القرن العشرين قبل صدور اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951. وهي الاتفاقية التي شاركت فيها المفوضية الأوروبية.
أصدرت عدد من الدول الأوروبية قوانين جديدة تتضمن إجراءات معقدة للجوء، وتعمل على تطبيق سياسة " الترحيل لبلد ثالثة " والتي تعني ترحيل اللاجئين لبلد غير موطنهم الأصلي مثل رواندا أو السنغال، حيث تدفع أوروبا مبالغ مالية لحكومات الدول الثالثة وتقيم معسكرات استقبال لا تختلف عن المعتقلات وبلا أي حقوق أو حماية.
كما تدفع أوروبا مبالغ كبيرة لدول شمال إفريقيا لتقوم بدور صد اللاجئين عبر البحر المتوسط، ومؤخراً عُقد في ليبيا مؤتمراً دولياً كبيراً بعنوان " منتدى الهجرة غير النظامية " ، وحضره سياسيون من دول أوروبية في مقدمتها إيطاليا بجانب عدد من الدول الإفريقية وممثلين لجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، وطالبت دول مثل تونس وليبيا بشكل واضح بالحصول على مبالغ كبيرة لمنع اللجوء إلى أوروبا.

تتجاهل أوروبا ربما عمداً أن اللجوء ليس الأزمة، بل هو نتيجة للحروب والصراعات التي تسببها الصراعات السياسية، ورغم استفادة أوروبا كثيراً من اللاجئين خاصة العمال المهرة والفنيين، إلا أنها وجدت أن توجيه غضب شعوبها من الأوضاع الاقتصادية تجاه اللاجئين أفضل بالطبع من توجيهه تجاه الحكومة، فقامت بتغذية اليمين المتطرف الذي شهد صعودا قياسيا في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
علينا الآن أن نجد وجه التشابه بين أوروبا ومصر في قضية اللجوء، فمصر الرسمية، التي قبلت اللاجئين قديماً ووفرت لهم الملاذ الآمن تضيق الآن باللاجئين السودانيين والسوريين، وتضعهم في مرمى الغضب الشعبي رغم الاستفادة المالية من الاتحاد الأوروبي لصد الهجرة، فاللاجئين هنا وهناك هم الحلقة الأكثر ضعفا حاليا ومن السهل تحملهم تبعات الأزمات الاقتصادية الحادة.
وبعيداً عن الجانب السياسي للجوء، يأتي الجانب الإنساني في المقدمة بالنسبة للشعوب، فمن يقاوم السياسة الأوروبية الهادفة لطرد اللاجئين لمعسكرات الاعتقال هم الشعوب الأوربية الذين أسقطوا اليمين في الانتخابات البريطانية والفرنسية، وهم المواطنون الذين كونوا منظمات أهلية للدفاع عن حقوق اللاجئين في ألمانيا وإيطاليا، وبالطبع هم المصريون الذين يقدمون المساعدة للاجئين رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.