توقفت عند ماكينة الحساب بالصيدلية لمحاسبة العاملة على الفوط الصحية التي أشتريها عادة، لكني وجدت أن سعرها قد ارتفع أربعون جنيهًا مرة واحدة، وأصبح سعرها فجأة 120 جنيهًا.
وحين سألتها عن سبب الزيادة، قالت: "ارتفعت أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية من أول الشهر".
ثم طرحت عليّ العاملة أنواعًا أخرى يقل ثمنها تقريبا عشرون جنيهًا.
لكن الأنواع الأقل سعرًا، ليست بدائل جيدة، بالعكس، فنحن نعرف جميعنا أن هذا الفارق هو ما تدفعه النساء القادرات ماديًا بديلًا عن التردد على الأطباء وشراء الأدوية المعالجة والتي يكون سعرها أضعافًا مضاعفة عن أسعار الفوط الصحية.
لكن ماذا تفعل، صباح، ابنة حارس العقار الذي أسكنه -مثلًا- حين تذهب لشراء الفوط الصحية وتجدها ارتفعت كل تلك الجنيهات، وكيف كانت تدفع من قبل؟!.
طبقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023، بلغت نسبة المشتغلات في الزراعة والصيد 18.1%، وفي الخدمات ومحلات البيع 18.3%.
وبلغت نسبة من يعملن بالوظائف الفنية ومساعدة الأخصائيين 10.8%، كما أن معدل تشغيل الإناث المشتغلات -15 سنة فأكثر- سجل 13.1%.
ووفق هذه الأرقام، وبالنظر إلى أهمية توفير الفوط الصحية "جيدة الصنع"، صعبت الحكومة من الأزمة بإعلانها مع بداية تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتحرير سعر الدولار في عام 2016، في الجرائد الرسمية بقائمة بالمنتجات التي سيتم رفع الدعم عنها وأطلقت عليها مصطلح "السلع الاستفزازية" ومن بينها "الفوط الصحية".
اقرأ أيضاً: تكريم يأتي من خارج مصر.. نوال السعداوي في مناهج تونس التعليمية
نزيف العاملات
تتطلب غالبية المهن التي تعمل بها فئات كثيرة من النساء في مصر، جهدًا وحركة، والوقوف لساعات طويلة خلال اليوم.
وبزيادة المشقة التي تعاني منها الفتيات أثناء الدورة الشهرية، يجب أن تتوافر لديهن فوطًا صحية جيدة ومقبولة.
ومع ارتفاع الأسعار في مقابل الرواتب الزهيدة التي تتقاضاها العاملات والبائعات الجائلات، يبقى السؤال: "ماذا تفعل هؤلاء النسوة أيام الدورة الشهرية، دون الفوط الصحية بعد أن ارتفعت أسعارها إلى هذا الحد، وهل تظل قضية فرعية".
تقول "أم حنان" بائعة الألبان من مركز أم خنان بجنوب الجيزة: "تزوجت صغيرة السن، عندما جاءني الحيض لأول مرة، كنت وقتها ابنة 13 عام، واعتدت استخدام "الخرقة" أي القماش، وعلمت بناتي استخدامها، لكنهن اتجهن للفوط الصحية وتعودن عليها لسهولتها ونظافتها، ومع ارتفاع أسعارها في الفترة الأخيرة، عدن مرة أخرى لاستخدام القماش، فبيوتهن أولى بكل مليم".
يبلغ متوسط عمر الدورة الشهرية ما يقرب للـ 37 عامًا، بمعدل 13 دورة في العام، أي 6 أعوام بالكامل من عمر المرأة الواحدة.
معيار الجودة
الفوط الصحية تتصل مباشرة مع الجلد، والأنواع الرديئة منها -التي قد تلجأ لها النساء الأكثر فقرًا- قد تؤدي إلى تراكم البكتريا والفطريات ما يسبب العدوى، حيث أن سوء امتصاص الفوطة يزيد من نسبة التعرق ما يؤدي إلى تعزيز نمو أنواع من البكتيريا، مثل "المكورات العنقودية الذهبية" و"الإشريكية القولونية".
تعاني النساء من الحيض شهريًا، بمتوسط 5 أيام، إذا لم تتوافر لديها الراحة وسبل الحماية في تلك الفترة، قد تعاني أيضًا من عدة أمراض -لعدم استخدام فوط صحية مناسبة- مثل التهابات المسالك التناسلية والبولية، والتي قد تؤدي إلى العقم أو مضاعفات الولادة، أو حتى التهاب المهبل الجرثومي، وتكون عرضة للعدوى من الأمراض المنقولة جنسيا عند الزواج.
تتفاقم بعض الحالات في البيئات الفقيرة وقد تؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية وتقرحات الأعضاء التناسلية وفي حالات قد تصل إلى مضاعفات خطيرة تؤدي إلى استئصال الرحم.
لا يمكن التعامل مع جودة الفوط الصحية على أنها "رفاهية"، فالأنواع الجيدة منها تحافظ على حموضة المنطقة التناسلية حتى لا تكون أكثر عرضة للإصابة بعدوى الجهاز التناسلي.
تقول البائعة المتجولة (ش.سيد) من مركز الصف بمحافظة الجيزة لـ فكّر تاني: "أضطر لشراء الفوط بالواحدة من البقال قبل الشغل، فلن تتحمل "القماشة" الوقوف في الشارع طويلًا، وسعرها بقى غالي عليا".
"أنا يوميتي بتقضي احتياجاتي بالعافية، ولما بتيجي -العادة- احتاج فلوس أكتر لشراء الفوط الصحية، فأعمل مدة أطول لتوفيرها رغم حاجتي للراحة في ذلك الوقت".
سلع استفزازية
أصدرت الحكومة المصرية عام 2016 قرارًا بزيادة التعريفة على عديد من السلع المستوردة والتي وصفتها وقتذاك بـ السلع الاستفزازية، وضمت تلك القائمة حمالات الصدر والفوط الصحية والتي زادت تقريبًا بنسبة 100 %.
في أحد التجمعات النسائية تساءلت واحدة من السيدات عن معنى "السلع الاستفزازية، وكيف يتم وصف -حمالات الصدر- بهذا الاسم، فهل نستطيع أن نسير في شوارع المحروسة دون ارتدائها؟! ألن يجعلنا ذلك عرضة لمزيد من المضايقات، إن لم يصل للاغتصاب.
وتقول إحدى السيدات: "يبدو أن كل ما يخص النساء أصبح استفزازيًا، وإذا اعترضنا نظرا لحاجتنا الشديدة إلى تلك السلع، تحولنا إلى نسويات يختلقن المشكلات، وبالتأكيد أن أزمة زيادة الأسعار، معقدة أكثر على النساء غير القادرين ماديًا على مواكبة الزيادات".
تعول السيدة (م.عبد السميع) ثلاث بنات بعد وفاة والدهن، ويعيشن بمنطقة ترسا في الجيزة، ومع ارتفاع أسعار الفوط الصحية، تقول: "لا استغناء عنها أيام المدرسة، القماشة ليست كافية، فيتغيبن في الأيام الأولى للدورة الشهرية ويستخدمن القماشة في البيت، وطبعًا يفوتهن دروس كثيرة، لكن ما باليد حيلة".
اقرأ أيضاً: وإذا شكت عُنِفت.. "تمارا" ورحلتها اليومية في المواصلات العامة
تستمر الدورة الشهرية من 5 إلى 8 أيام شهريًا، تحتاج النساء إلى تغيير الفوطة الصحية على الأقل من 4 إلى 5 مرات في اليوم الواحد.
الفوط الصحية.. سر خطير
الحديث في مصر عن الدورة الشهرية واستخدام الفوط الصحية هو أمر جديد على مجتمعنا، فالكلام عنه "عيب"، يظل أمر يجب إخفاؤه، سر من أسرار البنات، في شرائها حرجًا شديدًا، ويتم التعامل معها ضمن التابوهات.
تقول آية منير، المؤسس والمدير التنفيذي لمبادرة سوبرومان، " أنا من مدينة الزقازيق، وكنا نشترى الفوط الصحية من السوبر ماركت في كيس أسود ومن الصيدلية في ورق الجرائد، وكأنه سر خطير، أو وصمة عار، أما في الأرياف فالمعلومات حول النظافة واستخدام الفوط الصحية قليلة جدا وقد تكون معدومة، ومع سوء الأحوال الاقتصادية الوضع متدهور للغاية".

مضيفة أن النساء في مصر يكافحن كي يجدن البدائل الأرخص مع الحرص على استمرارهن في مقاطعة منتجات بعينها لمناصرة القضية الفلسطينية ما يجعل الاختيارات محدودة جدا.
وأوضحت أنه مع بداية الأزمة ناقشت مبادرة "سوبروومان" البدائل المتوفرة للفوط الصحية مثل الـ "شورتات المستدامة" و"أكواب الحيض" ومدى صلاحيتها للفتيات، ورغم الارتفاع الجنوني لأسعار الفوط الصحية إلا أن بعضها رديء الصنع ويسبب مشاكل صحية فيؤثر ذلك على قرار الاختيار.
وأضافت منير: "جمعنا تبرعات لشراء الفوط الصحية لنساء غزة إبان الأحداث الأخيرة، ولاحظنا أن الجمعيات المتبرعة تضع بالكرتونة علبة واحدة فقط، وهي بالطبع لا تكفي سيدة واحدة، لكن كان هذا نتيجة ارتفاع الأسعار"
تقو منير: لماذا لا نحصل على الفوط الصحية في "التموين الشهري" الذي تصرفه الحكومة؟
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر التغيرات المناخية على "النساء" في الدول النامية
اقترحت آية منير بعض الحلول لتلك الأزمة: "أقترح أن تدعم الدولة الفوط الصحية، فهي احتياج أساسي، وكما تدعم الشاي والزيت والسكر، فمن حق السيدات كمواطنات أن تحصل على دعم على هذه المنتجات، أما العاملات من الطبقة المتوسطة المؤمن عليهن، أقترح أن تكون الفوط الصحية ضمن برنامج التأمين الصحي".