هل يعرف القانون المصري جرائم الكراهية؟

تقع مصر كما يعلم الجميع في منطقة على صفيح ساخن، بل إنه في الواقع ساخن جدًا. فعلى حدود مصر الثلاثة الشرقية والغربية والجنوبية تمتلئ المناطق بالصراع والعنف المسلح سواء كان ذلك ناتج عن حروب أهلية أو حروب على العزل الأبرياء، ونتيجة لذلك شهدت مصر تدفقات ضخمة في أعداد اللاجئين الهاربين من ويلات هذه الحروب ومآلاتها.

في الأسبوع الماضي، صرح الرئيس المصري أن مصر تستضيف عدد 9 ملايين لاجئ من 133 دولة، تصل التكلفة الاقتصادية لتلك الاستضافة حوالى 10 مليار دولار أمريكي سنويا، بينما رصد التقرير الصادر عن المفوضية الأممية للاجئين التابعة للأمم المتحدة في يناير الماضي أن المسجل لديها من طالبي اللجوء في مصر هم حوالى 600 ألف لاجئ وطالب لجوء من 62 جنسية مختلفة، زاد عليهم 215 ألف طالب لجوء سوداني حتى منتصف يناير الماضي، بزيادة قدرتها المفوضية بنحو 242% مقارنة بعام 2022، بتمويل مباشر يصل لــ 151 مليون دولار أمريكي رصدته المفوضية لمكتبها في مصر.

تهدف المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين مع شركائها من المجتمع المدني في مصر إلى تبني حوارا مجتمعيا بهدف حماية هؤلاء اللاجئين الذين يعانون أصلا من مشكلات وصدمات اجتماعية ونفسية نتيجة الصراعات التي واجهوها أثناء فرارهم من مناطق الحروب، وعلى الرغم من ذلك ينتشر خطابا من الكراهية والازدراء والتعالي على هؤلاء اللاجئين عبر وسائل الاعلام الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتلخص هذا الخطاب في محاولة إظهار تلك الفئة بالعبء الثقيل على الدولة المصرية، والادعاء بأنهم سبب في زيادة البطالة بين المصريين على الرغم من أن الأرقام الرسمية للحكومة تظهر انخفاضا في معدل البطالة بنحو 0,3% في الربع الأخير من العام الماضي.

أما بالنسبة للادعاءات الخاصة بالمشكلات الاقتصادية التي يتسببون بها، فيكفي المواطن أن يأخذ جولة في شوراع مدينة نصر أو وسط البلد ليرى المساهمة الاقتصادية للمقيمين السوريين في مصر من افتتاح محال لأنشطة تجارية مختلفة، يعمل بها مصريون، وتدفع مصروفات تراخيصها وضرائبها للحكومة المصرية والتي تدفع في بعض الأحيان بالعملة الصعبة، إذ يقدر البنك الدولى المساهمة الاقتصادية للسوريين في مصر بنحو مليار دولار أمريكي موزعة على مجالات مختلفة.

ليس السوريين فقط الذين يساهمون في ضخ الاستثمارات للاقتصاد الرسمي أو غير الرسمي في مصر، بل قدر البنك الدولي أيضا مساهمة المستثمرين اليمنيين بنحو 5 مليارات دولار أمريكي في مجال العقارات، وفى الفترة الأخيرة يساهم السودانيين أيضا بضخ أموالهم في أنشطة تجارية مختلفة خاصة في محافظة الجيزة.

تؤدي هذه الحملة الإعلامية التي لا نعرف إذا كانت ممنهجة أم غير ذلك، والتي تبني على كثير من المغالطات إلى تضخيم خطاب الكراهية بين المصريين واللاجئين والمقيمين من الجنسيات المختلفة، حيث كشفت دراسة صادرة عن المجلة العلمية لبحوث الصحافة الصادرة عن جامعة القاهرة عن استخدام لغة عنصرية ومهينة تجاه اللاجئين واستخدام متكرر للاطروحات والاستمالات التي تشجع المواقف المعادية والتمييزية تجاههم، وقد أوضحت النتائج أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين على موقع تويتر قد اتخذ عدة مظاهر وأنماط جاء في مقدمتها التحريض على الكراهية وتقييد الحقوق بنسبة (33.5%)، يليها إلقاء اللوم بنسبة (25.2%)، ثم التحقير والإزدراء بنسبة (21%)، ثم السخرية بنسبة (11.2%)، ثم إظهار التفوق بنسبة (5.7%)، وأخيرًا التحريض المباشر على العنف بنسبة (3.4%).

كل هذه المقدمات تؤدي إلى سؤال بات من الضروري طرحه، وهو هل يحمي القانون المصري تلك الفئة من جرائم الكراهية؟

للأسف لا يعرف القانون المصري جريمة الكراهية بمفهومها في القوانين والشرعة الدولية لحقوق الانسان، وذلك على الرغم من النص على عدم التمييز بكافة أشكاله وأنواعه في المادة 53 من الدستور، إلا أن ذلك لم يتم ترجمته إلى تشريع عقابي خاص.

ينص المبدأ 12 من وثيقة كامدن - وهي وثيقة صادرت عام 2009 وعرفت بمبادئ كامدن لحرية التعبير والحق في المساواة وقد استندت لمناقشات العديد من الخبراء والأكاديميين وممثلين المجتمع المدني - نص المبدأ 12 على: (أ) إن كلمتى "الكراهية" و"العداء" تشيران إلى مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء والعداوة والبغض تجاه المجموعة المستهدفة؛ (ب) إن كلمة "دعوة" تعنى وجود نية لترويج البغض للفئة المستهدفة وبطريقة علنية؛ (ج) إن كلمة "تحريض" تشير إلى تصريحات بشأن مجموعات قومية أو عرقية أو دينية تؤدى إلى خطر وشيك لوقوع تمييز أو عداء أو عنف ضد أشخاص ينتمون إلى هذه المجموعات.

وهو تعريف يمكن اعتباره شامل لتعريف دافع الكراهية والتحريض الذي يصاحب الجريمة، يمكن البناء عليها في القانون المصري، وخاصة أن جرائم الكراهية تتكون في النهاية من جنايات أو جنح منصوص عليها بالفعل في القانون المصري كالضرب والإيذاء البدني، وهتك العرض، والتحرش، والقتل إلا أن الدافع ورائها يكون استهداف الضحية بسبب عضويته الفعلية أو المفترضة في جماعة معينة من الناس على أساس تمييزي.

لذلك نحن نوصي بشدة بضرورة وضع سياسة شاملة، تتضمن أحكامًا عقابية رادعة، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة خاصة في ظل زيادة أعداد اللاجئين إلى مصر باعتبارها الدولة الأكثر أمان بين دولة المنطقة والمناسبة اقتصاديا لكثيرين منهم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة