قضايا العابرات في الشهر العالمي للمرأة

في مارس، الشهر العالمي للمرأة، لا بد من ذكر كل المصاعب التي تخوضها المرأة لمجرد العيش في بيئة آمنة، ولعل أبرز قضايا المرأة التي يتعمد تهميشها هي قضية العابرات جنسيًا، فالعابرات لا زلن يتعرضن للتنكيل والتنمر والملاحقة عن طريق الأسرة والمجتمع وحتى الدولة وذلك على مستوى العالم.

ذكر تقرير صادر عن “ترانس جندر يوروب” العام الماضي أن 375 شخصا من العابرين جنسيًا على مستوى العالم تم قتلهم خلال عام 2021، مقابل 350 عام 2020،  والصادم أن 70 % من جرائم القتل جرت في أمريكا الوسطى والجنوبية، وللمرة الأولى أبلغ عن حالات قتل في اليونان وكازاخستان وملاوي، ومعظم الضحايا كانوا من النساء العابرات ذوات البشرة الملونة، أو العاملات في الجنس.

اقرأ أيضًا: القانون.. والعابرين جنسيًا

وبحسب تقرير صدر عام 2021 عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” فالعابرون جنسيًا في مصر ولبنان وتونس يفتقرون إلى سبل واضحة للحصول على اعتراف قانوني بنوعهم الاجتماعي، ما يزيد من تعرضهم للاعتقال التعسفي والتمييز ضدهم في الرعاية الصحية والإسكان والتوظيف، بينما في عام 2022 فهناك 54 % من القتلى من العابرات جنسيًا كانوا من السود و26 % من حالات القتل تمت على يد صديق/ شريك جنسي/ فرد من العائلة.

بين سجن الجسد وسجن الغرفة

حسب مقال نشر في “بي بي سي عربية” أنه في إحدى الأيام وصلت رسالة من “نورو” إلى بريد مؤسسة “ترانس رسكيو” تحكي واحدة من القصص الصادمة التي تنقل أحوال العابرين جنسيًا في المجتمعات المختلفة، تقول”نورو” بدأت معاناتها من الصغر، فكانت دائمة الشعور بأن جنسها ليس كما هو مكتوب في  شهادة الميلاد.. “كنت أعلم أنني بخير، وأنه ليس بي أي خطأ”، لكن عائلتها لم توافقها الرأي فضربوها وأخذوها إلى دجال، الذي أخبرهم أن تعويذة ألقيت عليها جعلتها على تلك الصورة.

قررت “نورو” أن تهرب، فذهبت إلى محطة الحافلات وانتظرت هناك طويلًا، وعندما وصلت شاحنة مفتوحة تنقل الفحم تشبثت بمؤخرتها، غير مهتمة إلى أين تتجه هذه الشاحنة، لم يكن ذلك مهما، فهي تريد الذهاب إلى أي مكان. وصلت “نورو” إلى مدينة “مومباسا-كينيا” على شاطئ البحر وبدأت العمل كنادلة، وكانت تتعرض للتهديدات والألفاظ المسيئة فور علم الناس بأنها عابرة جنسيًا، وفي يوم من الأيام علمت أن هناك ثماني نساء عابرات في حاجة للدعم، فقررت العمل مع “ترانس رسكيو” حتى تساعد المزيد من العابرات. و عند ذهابها تفاجأت بما شاهدته هناك ولم تكن مستعدة نفسيا لذلك، وجدت ثماني نساء محشورات داخل غرفة صغيرة، لا توجد فيها تهوية، وفي حرارة “مومباسا” التي لا ترحم، تقول نورو “كن يحترقن، وقد أصبن بصدمة نفسية”. كان رجل قد عثر على النساء على الشاطئ وأشفق عليهن، وأعطاهن الغرفة، ومن الواضح أنهن كن ناجيات من اعتداءات جسدية وجنسية متكررة من قبل عدة رجال، وبالكاد كان لديهن قليل من الطعام، واضطررن للنوم جالسات في الغرفة، يحاولن بشدة البقاء في حالة تأهب خوفًا من العثور عليهن ومهاجمتهن.

اقرأ أيضًا: حركة الأشخاص ذوي الإعاقة في معركة الدستور

اتصلت نورو ب”آن” و”جيني”، اللتين رتبتا على الفور نقل المجموعة ووفرتا لها النقود للطعام والإيجار، لكن للأسف، لم تكن النساء الثمانية آمنات في المكان الجديد، فقبل أيام فقط تعرضت اثنتان منهن لهجوم من قبل مجموعة من الرجال أثناء سيرهما على الشاطئ، وقتلت إحداهما.
جدير بالذكر أن مؤسسة ترانس رسكيو تأسست على امرأتين عابرتين جنسيًا تعيشان في هولندا، إحداهما أمريكية والأخرى بريطانية وهما الآن مصدر للحصول على المساعدة بالنسبة للأشخاص العابرين جنسيًا المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم، وتعملان بميزانية صغيرة غالبًا من مدخراتهما، وهما تسعيان الآن إلى تحويل منزل في كينيا إلى ملجأ للفارين من العنف.

عواقب نفسية جسيمة

عام 2019 قام المعهد القومي للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية بنشر دراسة تم العمل عليها وجمع بياناتها منذ عام 1999 وحتى أبريل 2018، وكانت الدراسة تهدف إلى رصد تشخيص العابرين والعابرات جنسيًا بالمشاكل النفسية وذلك بناء على ملاحظة أنماط نفسية سائدة بينهم، كاضطراب ثنائي القطب واضطرابات القلق والاكتئاب. كان من الطبيعي ملاحظة هذه الأنماط، فالعابرون جنسيًا يعيشون العديد من الصراعات مع المجتمع ومع التعايش مع النوع الاجتماعي الذي يفرضه المجتمع عليهم، هذه الاضطرابات النفسية تعتبر واحدة من العواقب التي لاتعد ولا تحصى نتيجة الجهود المضنية لمجرد العيش في سلام. تمت الدراسة بمتابعة 10270 عابر وعابرة على مدار عقدين من الزمن، من بين هؤلاء تم تشخيص 72,2 % منهم بالاكتئاب ومن بينهم 73 % يعانون من القلق- معظمهم يعانون من القلق مع اضطراب نفسي آخر-.

نماذج ملهمة

من الطبيعي الاحتفاء بالمرأة في المطلق دون نسيان العابرات أو كتم أصواتهن فهن من الأقليات المهمشة حتى اليوم إلى أن هناك بعض العابرات اللواتي استطعن تخليد أسمائهن في تاريخ مجالات مختلفة ومن هؤلاء:

1- ليلي إلبي: فنانة تشكيلية من الدنمارك وكانت أول عابرة جنسية تخضع لعملية العبور الجنسي وقد توفيت نتيجة مضاعفات العملية. تركت ليلى العديد من لوحات الفن الإنساني بالإضافة إلى مذكراتها “من رجل إلى امرأة” التي بنى عليها الفيلم الشهير Danish Girl في 2015.

لي لي إلبي

 

2- رينيه ريتشاردز: كانت من ألمع لاعبات التنس في السبعينيات حتى وصلت إلى النهائيات المزدوجة للسيدات وقد درست البصريات قبل دخولها إلى التنس.

رينيه ريتشاردز
3- حنان الطويل: ممثلة مصرية تركت بصمة مميزة بخفة ظلها على الرغم من قلة أعمالها الفنية. تعددت الأقاويل حول وفاتها حيث توفيت في مستشفى العباسية للأمراض العقلية والسبب الحقيقي مجهولًا حتى اليوم.


4- روبرتا كويل: كانت حياتها مليئة بالمغامرات فقد كانت قائدة سيارات سباق. فيما بعد كانت من طياري قناصة الصفوف الأولى في الحرب العالمية الثانية.

روبرتا كويل

هل هناك مستقبل بلا عنف؟

من الملاحظ أن أكثر ما يعاني منه العابرات هو نظرة المجتمع لهن، النظرة التي تؤدي بنهاية الأمر إلى التنكيل بهن، بالتنمر والملاحقة والقتل، وفي حالات كثيرة في الدول العربية تتم ملاحقتهن من الدولة نفسها وتوجيه تهم غير حقيقية لهن وفي هذه الحالة يعتبر إعادة النظر في القوانين الموجودة بمثابة المصباح في نهاية النفق المظلم. فيما بعد يبقى الأمل في أن تغير الدول نظرتها للنوع الاجتماعي الذي لا يؤخذ به في الكثير من المواد القانونية، ومن هنا فسن قوانين جديدة تأخذ في اعتبارها الأقليات الجندرية قد يساهم في الحد من ارتكاب الجرائم ضدهم.

في مصر، يعتبر أحد أسباب المعاناة للعابرات هو بطء وتيرة الإجراءات الورقية التي تتطلب موافقة رجال الدين، وهي خطوات تسبب المزيد من التوتر والقلق الذي يصاحبهم حتى يتم إثبات هوية العابر/ ة، ومن المقترحات التي قد تزيد من تحسن أوضاع العابرين/ ات هو تقليل الرسوم المدفوعة في هذه الإجراءات والعمل على تسريع وتيرتها، حتى تتمكن العابرات بعد اكتمال الأوراق الخاصة بهن من حل أزمة قلة الدخل وشح فرص العمل.
اليوم يلقى ملف المرأة اهتمامًا من الدولة فيتم دعم المؤسسات الداعمة للمرأة ومتابعة أحوالها، ومن هنا توجد ضرورة لتوجيه الاهتمام بالعابرات،  عن طريق توفير مسكن آدمي للمعنفات من العابرات يستقبلهن كأقلية جندرية، ومتابعة أحوالهن الصحية والمادية.

العبور الجنسي ليس تجربة سهلة، فالعابر/ ة يحتاج إلى علاج هرموني مدى الحياة بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العمليات الجراحية والمتابعة الدورية، لذلك فدمجهم في منظومة التأمين الصحي قد تكون خطوة أساسية مثل توفير المسكن ومصدر دخل مناسب.أيضًا هذه الخطوات في البداية تحتاج إلى توظيف وتدريب كوادر مؤهلة للتعامل مع العابرين/ ات بشكل آدمي غير صادم ولديهم وعي كامل بهذه التجربة.

أخيرا، في الشهر العالمي للمرأة، كل الأماني لعالم آمن على كل النساء.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة