القانون.. والعابرين جنسيًا

 

عادة ما يوصم الأفراد من  مجتمع الميم عين إما بالمرض النفسي أو بتبني أفكار أوروبية وغربية بعيدة عن مجتمعاتنا بغية الإفساد وربما محاربة الدين. نشأت هذه الفكرة المغلوطة بالأساس نتيجة التجهيل المتعمد وحظر النقاش المجتمعي بشكل عام حول النوع الاجتماعي والتوجه الجنسي ورفض حقوق الأقليات الجندرية، حيث تعمل المعايير الاجتماعية السائدة القائمة على العقلية الأبوية الذكورية والغيرية وكراهية النساء والأقليات الجندرية اللامعيارية على إذكاء تلك الروح إلا أن تلك الأفكار عارية  تمامًا من الصحة، فعلى الصعيد  النفسي  نشرت” منظمة الصحة العالمية في إصدار التصنيف الدولي للأمراض عام ٢٠١٨ ” وأيضًا “جمعية علم النفس الأمريكية في عام٢٠١٢ “ما يفيد بأن اضطرابات الهوية الجندرية لا تصنف كاضطراب نفسي .

 

أما بخصوص الادعاء بتبني أفكار أوروبية فقد صدر أول قانون جنائي في مصر عام ١٨٧٥ تحت اسم قانون تحقيق الجنايات، أما القانون الجنائي الحالي صدر عام ١٩٣٧، خضع هذا القانون للكثير من التعديلات منذ صدوره ومع ذلك لا يزال القانون الجنائي المصري أو قانون العقوبات متخمًا بالمواد التمييزية وتقوم فلسفته على غياب المساواة الجندرية.

الجدير بالذكر أنه في وقت صدور هذا  القانون الجنائي كانت معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت مظلة الاحتلال الأوروبي ومن هنا ظهرت القوانين التي تستخدم حتى الآن لإدانة الأفراد من مجتمع الميم عين وفقا لقوانين دول الاحتلال ووفقًا لما اتفق عليه اصطلاحا وقتها باسم “الفجور الأخلاقي” أو “الجنس المخالف للطبيعة” كما ورد في القانون الجنائي الفرنسي ومع الوقت تغيرت وسقطت القوانين ووجهات النظر في تلك الدول  سواء  بعد الاستقلال أو نتيجة  تغيير التوجهات السياسية والفكرية، وهو ما يؤكد أن بداية سن هذه القوانين كانت على يد الاحتلال الأوروبي.

عندما كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني، تم سن قانون لما يسمى ب ” مكافحة الفجور “وقد تم تعديل هذا  القانون عدة مرات حتى وصل للقانون ١٠لسنة ١٩٦١ وقد ذكر وفقًا للغة المستخدمة في هذا القانون “أنه جاء على عجالة لحماية الأخلاق” في فترة انتهاء الاستعمار. ففي ذلك الحين أراد البرلمانيون أن يمنعوا الفجور حيث أنه كان في نظرهم يمثل الخضوع الثقافي للاحتلال  إلى جانب ما فيها من خطيئة  (بحسب اعتقادهم ) على الرغم من  أن بداية هذه القوانين قد تم برعاية ومباركة  الاحتلال فعليا!!

ومن هنا  سن البرلمان في هذا الوقت  قانونا يمنع  ويدين العلاقات الرضائية بين أفراد مجتمع الميم عين. نص القانون على معاقبة “اعتياد ممارسة الفجور”  بالسجن 3 سنوات بالإضافة لغرامة. هذا النص القانوني هو الأساس الذي يستخدم حتى الآن للقبض وتوجيه تهم” الفجور” للمجتمع الكويري  بالإضافة لقوانين أخرى  ك “الفسق”  استنادا للمادة (  ٢٦٩ مكرر) و”الفعل الفاضح “استنادا للمادة (٢٧٨ ) ومع الوقت أصبح لفظ الفجور _ مع عدم وجود ضوابط كافية _  أداة وصم وفرض سيطرة اجتماعية و إدانة أخلاقية

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ١٩٤٨ ينص على “جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق” كما تنص  “مبادئ يوغياكارتا”  فيما يتعلق بالتعبير الجندري والميول الجنسية على أنه لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو المهينة بناء على التوجه الجنسي أو الهوية أو  النوع كما تحث كافة  الدول على اتخاذ الإجراءات التشريعية والإدارية للحماية ضد التمييز الجندري ومنع التحريض وضمان جميع حقوق الإنسان دون تمييز على أساس التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية، بما فيها الحق في السكن، والعمل، والتعليم، والحق في أعلى مستوى ممكن من الصحة واتخاذ تدابير فعالة للحد من التمييز، ومع ذلك  يتعرض الكثير من الأفراد الكويريين والعابرين والعابرات بشكل خاص إلى العديد من أشكال  التمييز في حالات  الاحتجاز، خاصة فيما يتعلق بالاحتجاز في أماكن غير متناسبة مع تعبيراتهم الجندرية مما يمكن أن يتسبب في التعرض للعنف أو الانتهاكات.

لهذا فمن الضروري تسهيل إجراءات تغيير خانتي الاسم والنوع الاجتماعي  وضمان أن يصبح الاعتراف القانوني بالهوية الجندرية  بغض النظر عن إجراء جراحات التأكيد الجندري للأشخاص العابرين، وأن يكون الاعتراف القانوني بالجندر بناء على التشخيص الطبي بالجندر ديسفوريا أو الانزعاج الجندري  عنصرًا جوهريًا وحق أصيل بالإضافة للحق في الخصوصية وحرية التعبير والحماية من العنف  والانتهاكات  وعدم التعرض  للوصم بسبب التعبير  الجندري غير النمطي لأن  الاعتراف بالهوية الجندرية للشخص العابر إنما هو في حقيقة الأمر  تصحيح وليس عاملا قابلا للتغيير.

وينبغي التأكيد على ضرورة احتجاز العابرين في حالات الاعتقال والسجن في أماكن تتناسب مع تعبيراتهم الجندرية وعدم توجيه خطابات وضمائر معاكسة لا تتناسب مع الهوية الجندرية أو التعرض للسخرية والإهانة وضمان عدم احتجاز النساء العابرات في سجون الرجال أو العكس، وإصدار إرشادات واضحة بشأن التعامل مع ذلك  وتحديد خطوط واضحة للشكوى من العنف القائم على النوع الاجتماعي الموجه ضد الأشخاص العابرين في حال التعرض له  أثناء الاحتجاز وضمان معرفتهم بهذه الآليات، على أن تعامل  هذه الشكاوى بسرية وسرعة وجدية وبإجراءات واضحة وإمكانية  تقديم الشكاوى دون خوف  .

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة