"الأرض ما زالت، بأذنيها دم من قرطها المنزوع،
قهقهة اللّصوص تسوق هودجها.. وتتركها بلا زاد،
تضيع صرختها بـ حمحمة الخيول"
في ليلة من ليال العام 2018، خرجت "ريمة" إلى أعلى دارها تغزل ثوبها الجديد، على ضوء القمر الوليد، استرقت السمع حيث تعلو أصوات الرجال في الخارج، تَجمّع كل رجال القرية إلاّ والدها الذي كان قد فارق الحياة قبيل هذا العام بأشهر قليلة. بكت "ريمة" حين علمت أن وقت الرحيل قد حان وأن ثوبها المجدول سيبقى دون اكتمال، مُعلقًا على نُولها الخشبي.
"لم يبق من شيء يقال.
يا أرض:
هل يلد الرجال؟"
في يوليو عام 2015، خرج اللواء علاء فتحي أبو زيد -محافظ مطروح-، مؤكدًا عدم وجود نية لتهجير أهالي "رأس الحكمة" التابعة للمحافظة إداريًا. لكنّ في مارس من العام التالي، ظهر المحافظ رفقة اللواء كامل الوزير -رئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وقتئذٍ- وهما يُسلّمان تعويضات لـ40 أسرة من أهالي قرية رأس الحكمة، شرق مدينة مرسى مطروح، بإجمالي 10 ملايين جنيه، قيل إنها تعويضًا عن إجبارهم على إخلاء أراضيهم لإقامة منطقة سياحية على ساحل البحر. لم يلق الخبر رواجًا حينئذٍ لدى المواطنين من خارج مطروح أو بين رواد منصات التواصل الاجتماعي المتعددة.
"وعيونها تخبو من الإعياء، تستسقي جذور الشوك،
تنتظر المصير المُرّ.. يطحنها الذبول"
لم تعلم "ريمة" وقتئذٍ وكانت في الـ15 من عمرها أن الدور سيأتي على منزلها وأسرتها، سيأتي رجال السُلطة ويجبرونها ورجال عائلتها على التوقيع بالتنازل عن أرضهم ومنازلهم، مقابل تعويضات زهيدة، وذلك بداعي المنفعة العامة، وضخ استثمارات في أرض طالما كانت لهم. أغلقت قصتها مع أرض نبتت فيها، وجهزت حاجياتها وأغراضها استعدادًا للرحيل في أي وقت، بعد أن تهدّم منزلها وتركوها تحل ضيفةً وأسرتها لدى الجيران.

وبين "ريمة" وذكرياتها يقف السُكّان مهمومين بالغد والمصير، يستدعون في شجن مقولة الشاعر أحمد فؤاد نجم "حد ضامن يمشي آمن أو مآمن يمشي فين"، فما قصة رأس الحكمة وإلى ماذا انتهت؟
حرب على الملكيّات
قبل التطرق إلى ما يحدث في مدينة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الجديد، تجدر الإشارة إلى أن الدولة وأجهزتها التنفيذية عَمدت منذ سنوات إلى نزع الملكيات الخاصة بالمواطنين. كان هذا من منطلق قانون المنفعة العامة.
يقول حقوقيون مهتمون بملف الحق في السكن، إن السُلطة الحالية تَعمُد إلى إزالة المواطنين من السُكّان الأصليين من الطبقات الفقيرة والمتوسطّة من المناطق التي تجدها جاذبة ومميزة (مثل: مثلث ماسبيرو، وجزيرة وراق الحضر، وسور مجرى العيون، والطريق الدائري، وبعض جزر أسوان النيلية)؛ رغبة في استكمال مخطط المشروعات الاستثمارية التي ستدر دخلًا ضخمًا، يساعدها إما في سداد جزء من أقساط فوائد الدين الخارجي، أو استكمال الإنشاءات الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة وشبكة الطرق الخاصة الموصلّة إلى مناطق استثمارية ومدن جديدة، وذلك من خلال "قانون المنفعة العامة"، كأداة طالما اقترن اسمها بأي قرارات إزالة أو تهجير، خاصة خلال السنوات التي تلت صعود نظام السيسي إلى سُدّة الحكم منذ العام 2014.
تستند السُلطة في تحركاتها إلى القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع الملكيّة للمنفعة العامة أو التحسين، والقانون رقم 10 لسنة 1990 بخصوص الشأن ذاته، وتعديلاته اللاحقة. وهَدَف منح السلطة التنفيذية الحق في إخلاء مناطق، أو شق طريق حيوي أو غيرها من المشروعات التي تخدم المواطنين.
وقد توسعت السُلطة الحالية في استخدام المنحة التشريعية إلى الحد الذي شعر فيه المواطن بأنه بات مهددًا في مسكنه الخاص وأرضه. كما أن التعويضات المدفوعة للمتضررين لا تتناسب مع قيمة ما يفقدونه من ممتلكات وأراضٍ.

وحسب منصة العدالة الاجتماعية، فإن القانون رقم 10 لسنة 1990 نظّم "نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، وقد اشترط القانون تعويض أصحاب العقارات أو الأراضي الصادر بحقها قرار نزع للمنفعة العامة. وتمت موافقة البرلمان على مشروع تعديل قانون المنفعة العامة في فبراير 2018، لكن لم يذكر القانون مَن يُحدد ما المنفعة العامة أو على أي أُسس يتم تحديدها".
وتعقيبًا، يقول المحامي الحقوقي علي أيوب، في حديثه إلى "فكّر تاني"، إن المُشّرع قصد بالقانون مسألة نزع الملكية لتحقيق المنفعة العامة، لكنّ الحكومة تستغل القانون وتنزع الملكيات الخاصة والجماعية، دون تحقُق تلك الشروط. مثلًا، محاولة نزع ملكية أراضي جزيرة ورّاق الحضر أو نزع ملكية أرض متحف بورسعيد، بحجة المنفعة العامة وإقامة مشاريع تخدم الدولة، ويكون ذلك دون تقديم تعويضات عادلة. يضيف: "دومًا لا تقدم الحكومة تعويضات عادلة، ما يضطر الأهالي للجوء للقضاء الذي ينتدب خبراء يقيّمون قيمة الممتلكات ويحددون قيمة تعويض عادلة، لكنها في الأغلب لا تطبق".
خلال حفل "إفطار الأسرة المصرية" في أبريل 2022، كلّف الرئيس السيسي، حكومته بتنفيذ إجراءات عاجلة لتحسين المناخ وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والصحة، والتعليم، والتحول الرقمي، وفي يونيو من نفس العام، أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، "وثيقة ملكية الدولة"، التي تضم القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصّتها فيها. وتستهدف تمكين القطاع الخاص من نحو 65% من حجم الاقتصاد الكُلي.
اشتملت الوثيقة على بدائل، من بينها؛ طرح الأصول المملوكة للدولة في البورصة؛ لتوسيع قاعدة الملكيّة سواء بشكل كُليّ أو جزئيّ، وضّخ استثمارات جديدة للقطاع الخاص في هيكل مِلكية قائم للدولة عبر دخول مستثمر استراتيجي، أو زيادة مشاركة القطاع الخاص في هيكل الملكية، وإبرام عقود الشراكة مع القطاع الخاص من خلال عقود: الامتيازات، والبناء والتشغيل والتحويل (T.O.B)، والبناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية (T.O.O.B)، أو البناء والتشغيل والتملك (O.O.B)، والتصميم والبناء والتشغيل (O.O.B.D)، والبناء والتمويل والتشغيل والتحويل (T.O.F.B)، إلى جانب عمليات إعادة هيكلة المؤسسات العامة وخصخصتها. وشكّلت الوثيقة، السبب الرئيس في موافقة صندوق النقد الدوليّ على قرض مصري بقيمة 3 مليارات دولار حينئذٍ، حسب المُعلن من الحكومة المصرية.
تاليًا، وفي مايو من عام 2023، شكلّت الحكومة المجلس الأعلى للاستثمار، ويترأسه السيسي، لإزالة أي معوقات قد تَحول دون تنفيذ المشاريع الاستثمارية أو تخالف رغبات المستثمرين. ومَنحت الجنسيّة للأجانب في مقابل الاستثمار بمبالغ لا تقل عن 350 ألف دولار، وإيداع 100 ألف دولار آخرين في خزينة الدولة، أو مقابل وديعة بقيمة 500 ألف دولار من الخارج.

جاءت تلك القرارات، تمهيدًا لسلسلة من نزع الملكيات الخاصة، أو التنازل عن أصول مملوكة للدولة، في مقابل صفقات استثمارية بعضها مُعلن، وآخر لم يتم الإعلان عنه بعد. ومنها صفقة بيع كُليّ أو جزئي لأراض مدينة "رأس الحكمة" في محافظة مطروح على الساحل الشمالي المصري.
رأس الحكمة.. ماذا يحدث؟
في أغسطس 2018، وقّع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، والمؤسسة العامة للتخطيط العمراني والمجتمعات العمرانية الجديدة، اتفاقية، أُعلن خلالها عن إطلاق مشروع "رأس الحكمة"، امتثالاً للأجندة الحضرية الجديدة وأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030. ووفق موقع "المستوطنات البشرية" فاز التحالف الدولي، المُكوّن من شركة CallisonRTKL البريطانية، وشركة Distance Studio Consultants المصرية، كشركاء للمنظمة والحكومة المصرية في التخطيط للمدينة الجديدة وعدد آخر من مدن الجيل الرابع الذكية.

وفي يوليو من عام 2021، أُعلن عن ضخ الدولة ومستثمرين 7 مليارات جنيه لتطوير مناطق بالمدينة، التي تتسم بموقعها الجغرافي الاستراتيجي على البحر المتوسط بين شرق مدينة العلمين وغرب مرسى مطروح -التي تتبعها إداريًا وتبعد عنها نحو 65 كيلو مترًا-، وهي عبارة عن خليج بحري يقع في الساحل الشمالي الجديد ضمن شريط ساحلي بطول 50 كيلومترًا، امتدادًا من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح.
الأرض تطوى في بساط "النفط"،
تحملها السفائن نحو "قيصر" كي تكون إذا تفتّحت اللّفائف:
رقصة.. وهديّة للنار في أرض الخطاة.
فالحقّ مات!"
يقول يوسف.غ -من سكان مدينة رأس الحكمة-، إن ما يتم تداوله بخصوص بيع الدولة لأراضي مدينتهم، ليست مجرد شائعة؛ وإنما هو أمر يتم التجهيز له منذ سنوات. مؤكدًا أن مستثمر إماراتي كبير، يُرَّجِح أنه محمد العبّار -مؤسس شركة إعمار العقارية (تتوزع ملكيتها بين مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية بنسبة 22.27 في المئة، وشركة دي إتش 7 بنسبة 7.45 في المئة، ومحمد راشد العبار بنسبة 0.033 في المئة، وجمال خلفان بن ثنية بنسبة 0.0005 في المئة، وباقي الأسهم حرة التداول في البورصة)- وتدور حولها شبهات حول تأثير أعمالها المضر بيئيًا والذي أدى لتآكل الشواطئ المصرية في الساحل الشمالي، زار المدينة الأسبوع الماضي، في طائرة خاصة، هبطت في القصر الرئاسي، وسط استقبال من مسؤولين مصريين بارزين، في عملية استكشاف للمدينة التي ينتوي شراء مساحات ضخمة من أراضيها.
في الأول من فبراير الجاري، تداول مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي، عددًا من المنشورات التي تفيد بأن الحكومة المصرية قررت بيع مدينة "رأس الحكمة"، لمستثمرين من دولة الإمارات العربية المتحدة في مقابل 22 مليار دولار، ما لقى استنكارًا شديدًا بين المواطنين، متسائلين عن كيفية بيع مدينة بأكملها لأجنبي.
@w___095 #ليبيا_طرابلس_مصر_تونس_المغرب_الخليج #مصر_السعوديه_العراق_فلسطين #مرسي_مطروح #الامارات_العربية_المتحده🇦🇪
في الوقت نفسه، قالت "الأهرام أونلاين"، إن القاهرة تجري مفاوضات مع شركات وصناديق عالمية بشأن اتفاقية تطوير المدينة، نقلًا عن مصدر مجهّل، أكد أنه سيتم الإعلان عن الخطة قريبًا خلال الأسبوع الجاري. بينما انتشرت أنباء أخرى إلى أن الدولة ستعلن قريبًا عن مخطط للمدينة، تحصل بمقتضاه على 42 مليار دولار على 7 سنوات. ويأتي المشروع برأسمال أجنبي يشمل جوجل وأمازون وشركات إماراتية، وأغلب المطورين المصريين مثل أوراسكوم وطلعت مصطفى وحسن علام.
ووفقًا لموقع خريطة مشروعات مصر، حددت خطة التنمية الحضرية "مصر 2052" ضرورة إنشاء العديد من المدن الذكية المستدامة الجديدة من الجيل الرابع. وتعتمد كل مدينة -وفق المخطط-، على الأنشطة السياحية، والخدمات الترفيهية، والصناعات التكنولوجية المتقدمة، والأغراض التجارية، والمراكز الإدارية للشركات الدولية. إضافة إلى خدمات تعليمية ورعاية صحية، وتقوم خطة التنمية على إشراك مستثمرين أجانب ومحليين عبر استثمارات مليارية. وتشمل هذه المدن: مدينة العلمين، و رأس الحكمة، والنجيلة، وجرجوب.
في البداية، سادت حالة من التوتر بين المواطنين، ثم صرّح مسؤولون حكوميون أن مصر تعمل على إنهاء مخطط تنمية المدينة، بالشراكة مع صناديق استثمار عالمية ذات خبرة واسعة وقدرة تمويلية، لوضع المدينة على خريطة الاستثمار العالمي خلال 5 سنوات مقبلة، في مساحة تقدر بنحو 180 كيلومتر مربع. لكنهم نفوا أن تكون الدولة قد نفذّت أية اتفاقات أو تعاقدات عليها في الوقت الحالي يتم إبرامها مع رجال أعمال إماراتيين.
ووفق موقع خريطة مشاريع مصر ووزارة الإسكان، فإن مخطط المدينة يُقسّم إلى 7 قطاعات؛ القطاع الأول يضم منطقة سياحية شاطئية و مشروعات عمرانية، والثاني منطقة سياحية بيئية ريفية، والثالث أراضي زراعية، والرابع منطقة مثلث المدينة ويتضمن مشروعات سياحية بإجمالي نحو 1650 فدانًا، والخامس يضم منطقة الاستراحات ومشروعات سياحية وسياحة المؤتمرات ومركزًا للأبحاث، والقطاع السادس، النواة الأولى للمدينة ويتضمن منطقة سياحية شاطئية، فيما يضم القطاع السابع منطقة الهضبة التي تحتوى على تجمعات بدوية، على أن يصل ارتفاع منطقة الهضبة بالمخطط لنحو يقترب من 70 مترًا عن سطح البحر. وخصصت الدولة نحو 5.4 كيلو مترات من إجمالي مساحة المدينة لتكون مساحة بناء متعددة الاستخدامات والارتفاعات، إضافة إلى بناء نحو 10652 وحدة سكنية وتنفيذ 50 فندقًا سياحيًا. إضافة إلى نحو 7.3 كيلو مترًا، لإنشاء مجتمعات حضرية ذات أنشطة متنوعة يمكن بيعها للقطاع الخاص.
مدينتنا
يفضي عبد ربه. ص -من سكان المدينة-، إلى "فكّر تاني"، بأساريره. يقول: "هنا ولدت وترعرعت، تعيش أسرتي في المدينة لعدة أجيال متتالية، ولا نرغب في الرحيل عنها، لكن أصبحت كل الأمور مُبهمة بالنسبة لنا الآن، فلا مخطط معلن يشي بمصيرنا كسكان أصليين للمدينة".
ويتابع: "في البداية، تم نزع ملكية بعض الأسر من مساحة تُقدّر بحوالي 150 فدان، وتقع ما بين استراحة الرئاسة على ساحل رأس الحكمة واستراحة الملك فاروق، وتم تسويرها بسور ممتد في المنطقة، وتهجير أهلها منها، وهم الوحيدون حتى اللحظة الذين هُجرّوا بالفعل من منازلهم وأراضيهم، واضطروا لبناء منازل أخرى في منطقة مجاورة. ثم بدأت الحكومة في نزع الملكيات من مساحة عرض 2 كيلو في 25 كيلو متر بطول الشاطئ، والتفاوض في منح تعويضات خاصة عن الأراضي بسعر ما بين 147-150 ألف للفدان الواحد، ومع ارتفاع مواد البناء ومستلزماته، وجد الأهالي صعوبة في بناء منازل جديدة بنفس المستوى والمساحات".
ويستطرد: بعد تحديد المرحلة الأولى في عام 2018، وبدء منح المواطنين التعويضات المتفق عليها، بدأت الزيارات من مسؤولين الآن، لتحديد مساحة 2 كيلو جديدة متاخمة للشاطئ من منطقة كوبري "فوكا" إلى قرية "باغوش"، لنزع ملكيتها أيضًا.
ويضيف: "مَن تم نزع ملكيته في منطقة الاستراحات وغادر لمنطقة جديدة، الآن معرض لخطر التهجير مجددًا، بعد تحديد المنطقة الجديدة كهدف للمرحلة الثانية من الإخلاء والتي ستبدأ بحلول أيام من الآن. والغريب أن الحكومة لم توضح للمواطنين مصيرهم بعد الإخلاء الثاني، خاصة من تكبدوا مشقة بناءات جديدة".
وتتراوح الملكيات ما بين 70 فدان إلى بضعة فدادين للأسرة الواحدة، مظهرًا استيائه بشأن قيمة التعويضات التي لا تتوافق مع ارتفاع الأسعار وتكوين حياة في منطقة جديدة، خاصة وأن هناك مستثمرين شرعوا بالفعل بعيدًا عن اتفاقيات الدولة في شراء بعض الأراضي من مناطق أخرى بالمدينة، بأسعار السوق التي قد تصل إلى مليون جنيه للفدان الواحد، في المقابل ثبتت الحكومة قيمة التعويض للفدان الواحد بنحو 150 ألف جنيه للفدان منذ عام 2018. سواء كان المنزوع ملكيته حاملًا عقد الملكية الأزرق أو من واضعي اليد. مختتمًا أن "هناك ممارسات بدأت منذ سنوات، منها قطع الخدمات اللازمة من كهرباء ومياه ورصف طرق في المنطقة البحرية".
في حين يقول يوسف. غ وقريبه صادق، في مقابلة هاتفية معنا، إن وزارة النقل، هندست صفقة البيع ونزع الملكية، ولم يعرض عليهم في حكومة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أي عروض بخصوص تهجيرهم. مشيرين إلى أن التفاوض يجرى الآن لإخلاء مساحة تقدر بـ2 كيلو بطول الساحل في عرض 40 كيلو في الداخل. فيما تم إخلاء 365 فدان كمرحلة أولى، وتم خصم ضرائب لصالح صندوق "تحيا مصر" من قيمة التعويضات المخصصة لهم.
ويضيف صادق: لا نعترض على ضخ استثمارات بالمنطقة، و أزمتنا الحقيقية في تقدير قيمة التعويضات، الآن الدولار في السوق السوداء ما بين 67- 74 جنيهًا، وبالتالي فكل مواد البناء والمستلزمات ارتفعت للغاية، ولا تكفي الأسرة مليون جنيه لبناء منزل جديد، بخلاف تعويضهم عن أراضيهم الزراعية التي امتلكوها ومثلت ثروتهم ورأس مالهم. وننتظر كامل الوزير في زيارة هذه الأيام لتنفيذ الصفقة.
ويشير أبو فهد. ق -من سكان رأس الحكمة-، إلى أن التعويضات غير مجزية، خاصة وأن التفاوض لا يزال دائرًا بشأن التعويضات المخصصة للمنازل، واتفق ممثل الدولة على منح تعويضات بقيمة 2000- 2500 جنيه للمتر للمنزل ذو السقف الخشبي، بينما يمنح صاحب المنزل الخرساني نحو 4000-5000 جنيه للمتر، وفق تقدير المسئول.
ويضيف أن المنطقة المستهدفة في المرحلة الأولى تضم نحو 3 آلاف أسرة ومنزل، يعمل معظمهم في زراعة التين والزيتون، الهام بالنسبة للسوق المصرية المحلية وتعتمد على مياه الأمطار، ولا تستهلك مياهًا تحمل الدولة تكاليف إضافية. مقدرًا أن ما بين 200- 300 فدان يمتلك أصحابها عقود الملكية الزراعية الزرقاء، بينما باقي المساحة في المرحلة الأولى هي ملكيات "وضع يد". وحسب "القاسمي" فقد هُدم في المرحلة الأولى وحتى الآن نحو 1000 منزل.
عودة، يعلق المحامي الحقوقي "أيوب" على القرارات، قائلًا إن المادة 151 من الدستور المصري، قاطعة في حظر التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وأن هذا الحظر قد جاء لحكمة "ألا تتجرأ أي سلطة على الإقتراب أو المساس بجزء من الوطن ولا ينفع فى ذلك إجازة من مجلس النواب أو موافقة من الشعب، فالكل مقيد بهذا الحظر شعبًا، وسلطات أمام الأجيال السابقة واللاحقة". مشيرًا إلى القرار الجمهوري رقم 226 لسنة 2023، وبموجبه: "يُنشأ مجتمع عمراني جديد يسمى مدينة رأس الحكمة الجديدة، على مساحة 40697.59 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، ناحية مطروح، ويرمز لها بالرمز (أ)، مع تخصيص المساحة للقوات المسلحة، نقلًا من الأراضي المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. فيما تخصص مساحة 1499089 فدان ويرمز لها بالرمز (ب) لصالح محافظة مطروح، لاستخدامها في إقامة مشروعات تنموية، وتخصص مساحة 20128.51 فدان ويرمز لها بالرمز (ج) لصالح القوات المسلحة، وأخيرًا تخصص المساحات التالية لصالح وزارة النقل، وتتمثل في مساحة 2421.85 فدان ويرمز لها بالحرف (د)، لاستخدامها في مسار القطار الكهربائي السريع، ومساحة 111.88 فدان، ويرمز لها بـ(ه)، لاستخدامها في إقامة محطة رأس الحكمة للقطار الكهربائي السريع. وأخيرًا مساحة 25.47 فدان، ويرمز لها بـ(و)، لإقامة محطة رأس الحكمة للقطار الديزل.
ويضيف "أيوب" أن ما تم تداوله على السوشيال ميديا خلال الأيام القليلة الماضية، مبهم للغاية، حيث أُشير إلى أن الصفقة التي ستتم على مراحل تمتد لـ7 سنوات، ستسهم في حل أزمة الدولار المحلية نسبيًا، بعد ضخ نحو 22 مليار دولار قيمة لها. منوهًا أن النائب البرلماني السابق والصحفي، مصطفى بكري، قال في مداخلة تليفزيونية أنه سوف يتم ضخ 43 مليار دولار وليس 22 مليار، دون الإعلان عن شكل الاستثمارات أو مشروعات التنمية المقترحة، "ماذا سيكون شكل الصفقة، هل هو بيع أم حق انتفاع -التي لا يجوز أن تكون أكثر من 30 عامًا-، أم مشاركة، لا نعلم. لكن لو كان القرار للبيع فهو محظور بحكم الدستور، لأن المنطقة تقع في محافظة حدودية".
مختتمًا أنه يخشى من إعلان ضم أراضي رأس الحكمة إلى الصندوق السيادي المصري، وبموجب القرار حينئذٍ من الممكن أن يبيع الصندوق الأرض لمستثمر أجنبي دون النظر لمواد الدستور. خاصة وأن قرار سابق أخضع المنطقة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بالفعل، ما يسهل ضمها للصندوق، وبالتالي سهولة منحها للغير أو مستثمر من دولة عربية.
ولا تزال هناك حالة من التخبط في الأوساط الشعبية المصرية والإعلامية، ناتجة عن عدم شفافية الحكومة ومشاركتها خطتها الاستثمارية مع المواطنين ووسائل الإعلام.