كان من المتوقع أن يؤثر التوتر المتصاعد في البحر الأحمر على الحركة البحرية في قناة السويس. خاصة مع تهديدات جماعة الحوثي اليمنية باستهداف السفن التابعة لإسرائيل، بالقرب من مضيق باب المندب، حيث طريق المرور إلى القناة. ومع ذلك، ووفقًا للبيانات الرسمية الأخيرة الصادرة عن هيئة قناة السويس، عبرت 2264 سفينة من الاتجاهين في نوفمبر الماضي، مقابل عبور 2171 سفينة خلال ذات الشهر من العام الماضي.
قناة السويس.. أرقام قياسية
في 25 نوفمبر، قالت وكالة "بلومبرج" الأمريكية إن للتطورات الأمنية في مضيق باب المندب تأثيرات على حركة الملاحة العابرة للبحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس.
في حين أن بيانات مصرية رسمية صدرت الخميس الماضي، كشفت عن أرقام قياسية جديدة على صعيد أعداد السفن والحمولات الصافية والعائدات المحققة خلال نوفمبر الماضي.
وبحسب بيانات صادرة عن الهيئة العامة لقناة السويس، سجلت القناة زيادة في عدد السفن العابرة خلال نوفمبر بلغت 4.3%، مقارنة بالشهر ذاته في العام الماضي. كما بلغ إجمالي الحمولات الصافية 135.5 مليون طن مقابل 125.2 مليون طن خلال نوفمبر من العام الماضي، بفارق 10.3 مليون طن بنسبة زيادة قدرها 8.2%.
وفي المقابل، نمت عائدات قناة السويس خلال نوفمبر الماضي، بنسبة 20.3%، إلى 854.7 مليون دولار مقابل 710.3 ملايين دولار خلال نوفمبر 2022.
التصعيد في البحر الأحمر
وذكرت وكالة "الأناضول" التركية، إن هذه الأرقام القياسية تحققت، بينما أعلنت جماعة "الحوثي" اليمنية، الأحد، استهدافها سفينتين إسرائيليتين بمضيق باب المندب غرب اليمن بصاروخ بحري وطائرة مسيّرة.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في بيان الأحد، أن "سفينة حربية أمريكية وعددًا من السفن التجارية تعرضت لهجوم في البحر الأحمر"، دون توضيح من يقف خلف الهجوم، وفق ما ذكرته وكالة "أسوشييتد برس".
وفي 19 نوفمبر، أعلن الحوثيون الاستيلاء على سفينة الشحن "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني تضامنا مع "المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة"، بحسب المتحدث العسكري الحوثي يحيى سريع.
فيما أعلنت شركة الشحن البحري الإسرائيلية "زيم"، الأربعاء الماضي، تحويل سفنها عن قناة السويس، بدعوى الأوضاع في بحر العرب والبحر الأحمر.
ويعني ذلك، أن حركة الملاحة للشركة ستنتقل عبر قناة السويس ومنها إلى البحر المتوسط ثم مضيق جبل طارق، ومنها جنوبًا عبر المحيط الأطلسي، مرورًا برأس الرجاء الصالح، جنوبي جنوب إفريقيا، ومنها إلى آسيا.
كيف بدأت توترات البحر الأحمر؟
بدأت التوترات في البحر الأحمر في 19 أكتوبر - بعد أقل من أسبوعين من إعلان إسرائيل الحرب على غزة - عندما اكتشفت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" ودمرت أربعة صواريخ كروز للهجوم البري و15 طائرة دون طيار أطلقها الحوثيون في اليمن (أحد محاور المقاومة التي تضم حماس الفلسطينية وحزب الله في لبنان ومجموعات أخرى في سوريا والعراق)، باستخدام صواريخها ومدفع سطح السفينة.
وقال الحوثيون إن الهجمات تستهدف إسرائيل، التي لا تزال في حالة حرب على قطاع غزة، وسط حشد عسكري أمريكي في المنطقة لدعم الإسرائيليين.
اقرأ أيضًا: قناة السويس.. صندوق سيادي جديد يخرج عن الموازنة
وفي بيان أوردته وسائل إعلام متعددة، قال مسؤولون حوثيون إن قواتهم ستواصل "منع السفن الإسرائيلية من الإبحار في البحر الأحمر و(خليج عدن) حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على إخواننا الصامدين في قطاع غزة".
ولم ينف المسؤولون الإسرائيليون الذين تحدثوا إلى الصحفيين هذه الصلة بشكل مباشر.
ومنذ 7 أكتوبر، تشن إسرائيل حربًا مدمرة علي قطاع غزة، خلفت حتى عصر الإثنين، 15 ألفًا و899 شهيدًا فلسطينيًا، و42 ألف جريحًا، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.
هل يتصاعد الرد الأمريكي؟
في تقريره الصادر أمس، نقل موقع "ميلتري" المعني بالتقارير العسكرية الأمريكية، عن القيادة المركزية الأمريكية، أن المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" ردت على أربع هجمات ضد ثلاث سفن تجارية منفصلة قبالة سواحل اليمن، وأسقطت طائرات مسيرة استهدفتها. بينما قالت المتحدثة باسم البنتاجون سابرينا سينج، للصحفيين يوم الإثنين، إنه "لا يزال من المهم فهم (حقيقة) ما يحدث في إسرائيل وداخل غزة والتركيز عليه لم ينتشر إلى صراع إقليمي أوسع".
وهذا خامس حادث في المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة تشعر فيه سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية بالتهديد بما يكفي لاتخاذ خطوة نادرة نسبيًا بإطلاق أسلحتها أو تواجه صواريخ تحلق في جوارها.
ووفق الموقع الأمريكي، فإن التهديد محسوس على أسطح سفن البحرية في المنطقة. فعلى الرغم من أن سينج شددت على أن البنتاجون ليس لديه مؤشرات على أن الطائرات المسيرة أو الصواريخ في أي من الحوادث الخمس استهدفت سفن البحرية الأمريكية، فقد تم الاستشهاد بالدفاع عن النفس في كل حالة. ويؤكد الحادث الأخير مع طائرة إيرانية دون طيار في الخليج على التهديد الذي يشعر به قادة السفن من طائرات الحوثيين.
ويوم السبت، وقبل يوم واحد فقط من آخر مشاركة للمدمرة "كارني" مع طائرات الحوثيين، نشرت القيادة المركزية الأمريكية صورة لطائرة إيرانية دون طيار تحلق "بطريقة غير آمنة وغير مهنية" على مرأى من حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت أيزنهاور" في بحر العرب.
ويوم الإثنين، قالت سينج: "مجرد أن شيئًا ما غير آمن وغير مهني فإن ذلك لا يتطلب دائمًا الشعور بالحاجة إلى إسقاطه". وأضافت: "الأمر متروك لتقدير القائد.. لديهم الحق المطلق في اتخاذ هذا القرار وإجراء هذا القرار عندما يحين الوقت المناسب".
كذلك، يدفع البنتاجون بأن السفن والبحارة لا يتم استهدافهم بشكل مباشر، كوسيلة للتراجع عن فكرة أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الانتقام من القوات اليمنية. وإن كانت "سينج" صرحت بأن الوضع "بالتأكيد شيء مقلق للغاية بالنسبة لنا، وهو أمر سنواصل مراقبته". لكنه لم يصل إلى حد القول إن هناك خططًا للانتقام مثلما فعل الجيش عدة مرات في سوريا والعراق.
لماذا نجحت قناة السويس في نوفمبر؟
تترقب شركات الملاحة البحرية العالمية، أية تطورات في حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، في وقت أظهرت بيانات لشركات الشحن، ارتفاعًا في تكلفة تأمين السفن العابرة للقناة (أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا)، بسبب التطورات الأمنية على مضيق باب المندب.
وفي تصريحاته يوم الخميس، قال رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، إن إحصائيات الملاحة بالقناة تعد نتيجة مباشرة لنجاح مشروعات التطوير والخدمات الملاحية ودعم القيادة السياسية في رفع تصنيف القناة وزيادة قدرتها العددية والاستيعابية لتتمكن من استيعاب معدلات نمو حركة التجارة العالمية.
وأضاف أن ذلك يعكس نجاح السياسات التسعيرية والتسويقية المرنة التي تنتهجها الهيئة في التعامل بمرونة مع المتغيرات الحادثة في صناعة النقل البحري حيث نجحت السياسات التسويقية في جذب سفن تعبر لأول مرة بلغ عددها 387 سفينة بإجمالي إيراد 71.8 مليون دولار خلال شهر نوفمبر 2023.
وأشار رئيس الهيئة إلى انتهاء المرحلة الأولى من مشروع تطوير القطاع الجنوبي بانتهاء مشروع التوسعة بتوسعة القناة 40 مترًا جهة الشرق، وذلك من الكيلو متر 132 ترقيم القناة إلى الكيلو متر 162 ترقيم القناة.
وأضاف رئيس الهيئة بأنه جاري عمل الخرائط الملاحية الجديدة بعد نقل خط منتصف القناة (محور القناة) نتيجة مشروع التوسعة إلى المحور الجديد وذلك بالتنسيق مع شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية المصرية.
وأوضح رئيس الهيئة أن نسبة الإنجاز بالجزء الثاني من المشروع بموقع مشروع ازدواج القناة بمنطقة البحيرات المرة الصغرى من الكيلو متر 122 إلى الكيلو متر 132 ترقيم قناة بلغت 76% بإجمالي كميات تكريك قدرها 41.5 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه.
واستقبلت الأحواض العائمة التابعة لترسانات وشركات الهيئة خلال شهر نوفمبر سفن كبيرة لإجراء أعمال الصيانة والإصلاح حيث استقبل الحوض العائم" فخر القناة" أول وحدة بحرية علي الحوض وهي وحدة الخدمات البترولية PMS 12 من النوع PIPE LYER، ويبلغ طولها 110 أمتار، وعرضها 36 مترًا، وحمولتها الكلية 6635 طن، فيما يبلغ الطول الكلي للحوض العائم فخر القناة 260 مترًا، وعرضه 62 مترًا، وغاطسه يصل إلى 18 مترا بحمولة 35 ألف طن بما يضيف قدرات جديدة في مجال إصلاح وصيانة السفن الكبيرة.