"هنروح هناك وبعدين كل حد فينا يقف في حتة مختلفة عشان نجيب أكبر كمية نقدر عليها"؛ قال "محمود إسماعيل" لزوجته وابنته قبل أن يتفرق ثلاثتهم أمام أحد الشوادر في منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية (إحدى محافظات القاهرة الكبرى). يريدون الحصول على 6 كيلو جرامات من السكر منخفض التكلفة (سعر 27 جنيهًا للكيلو)، والذي يشترط البائعين بيع كمية 2 كيلو فقط منه للفرد الواحد بحد أقصى.
يقول إسماعيل لمنصة "فكر تاني": "الدكان جنب البيت بيبيع الكيس بـ 60 جنيه.. ما فيش سعر على الكيس.. الشوادر كويسة بس بعيدة عن البيت.. بدفع 50 جنيه توكتوك رايح جاي عشان أجيب 2 كيلو.. خدت مراتي والبنت نجيب 6 كيلو يكفوا الشهر مرة واحدة".
"قدامك 10 أيام وتبطل سرقة"
لذا، فإنه وكثير من المواطنين غيره يطالبون بتسعير جبري للمنتجات ومنذ بدأت أزمة الأسعار قبل 5 سنوات تقريبًا، والتي كان يرفضها وزير التموين علي المصيلحي، بدعوى أنها تتنافي مع التشريعات والسوق الحرة، قبل أن يغير رأيه فجأة مع تزايد أزمة السكر بالسوق المحلية. ويهدد من يتهمهم المواطنين من التجار بالسرقة بمهلة قبل العودة إلى التسعير الجبري؛ سلاح الستينيات من القرن الماضي.
اقرأ أيضًا: قفزات السكر تحرم المصريين حلاوة "خمسينة الشاي"
ففي افتتاح مؤتمر "نيبو" للذهب ظُهر الأحد، هدد الوزير للمرة الأولى منذ توليه منصبه، بتقديم طلب لرئيس مجلس الوزراء للتدخل وتطبيق سعر جبري للسكر حال عدم استقرار أسعاره لمدة 10 أيام.
يراهن الوزير على 170 ألف طن سكر خام مستورد تعاقدت الحكومة عليها مؤخرًا، تتضمن 150 ألف طن بمصانع التكرير في الحوامدية لإنتاج السكر الأبيض، و20 ألف طن يتم تكريرها بمصنعي جرجا وقوص.
العرض والطلب والتسعير الحكومي
قال الوزير، في تصريحاته: "تفاعل الطلب والعرض وزيادة المعروض هو الآلية الرئيسية التي نعول عليها خاصة بعد الاتفاق مع المحافظين على ضرورة وجود احتياطات لدى كل محافظة تغطي أسبوعًا على الأقل من الحر والصناعي.. ده توجيه بدأ تنفيذه وأنا مدي أسبوع لعشرة أيام لتقييم التجربة ولو حصل عجز يبقى فيه شيء غلط".
لا يزال وزير التموين يؤمن بأن زيادة المعروض عن الطلب سيمنعه من اللجوء إلى التسعير الحكومي. فرأيه كما قال أمام مجلس النواب الذي اقترح آليات لضبط السوق منها التسعيرة الجبرية: "لن نعود للستينيات.. لا يوجد بالدستور ولا القوانين ما يسمح للحكومة بالتسعير الجبري.. عندما قامت الحكومة بالتسعير باظ سوق الأرز".
سبق لمصيلحي أيضًا أن رفع الشعار ذاته في اجتماع لمجلس النواب عام 2019 مع وزيرة التجارة والصناعة حينها نيفين جامع. قال: "لم يعد لها محل لأسباب واقعية.. نحن لا نستطيع تسعير ما لا ننتجه ولا نتحكم في تكلفته".
لكن قطاع من المواطنين لا يشاركون الوزير موقفه الحيادي بالسوق. من هؤلاء "عائشة عليوة"، وهي ربة منزل من الغربية (شمال غرب القاهرة)، تقول: "ليه الوزارة ما تجبرش المصانع أنها تكتب السعر على كل المنتجات.. ايه العيب في ده.. وليه ما بيتمش التوزيع بسعر 27 جنيه في جميع المنافذ زي ما حصل في الرز".
السكر أهم من "نيبو".. حلول المواطنين للوزير الحائر
الوزير بدا غاضبًا في رده على أسئلة الصحفيين الذين تركوا معروضات مشغولات الذهب الضخمة في معرض "نيبو" التي يصل سعر بعضها لقرابة النصف مليون جنيه لطرح أسئلة عن الأزمة. قال: "المواطن اللي عايز سعر مناسب يروح المجمعات الاستهلاكية والشوادر بـ27 جنيهًا.. ومش هنقدر نغطي كل بقال صغير، وأي مواطن عنده اقتراح لتخفيض سعر السكر يقولي".
أثارت جملة الوزير عن الاقتراحات الكثير من التعليقات التي تدور كلها في ضرورة زيادة دور الدولة. يقول "أحمد حسين"، وهو مُدرس التقته "فكر تاني": "الوزارة بتقول إن المشكلة في جشع التجار وتعطيش السوق.. يبقى الحل في ان الكميات المستوردة يتم توزيعها بشكل مختلف.. زي العربيات بتاعة اللحمة وبتاعة النواب اللي موجودة في كل الميادين.. ايه المشكلة لما تبيع جنب اللحوم سكر؟".
بينما يرى أحمد سالم، مهندس كمبيوتر، أن الحل في التقنية. يقول: "الحكومة لو عندها سيستم للعمل من خلاله تعرف التجار الكبار خدوا كميات أد ايه ووزعوا منها قد ايه على الموزعين.. وعندها بالفعل نظام الفاتورة الإلكترونية زي ما بيعرفوا منه مين بيتهرب من الضريبة.. يقدروا يعرفوا الكميات اللي المصانع وردتها لمين وقد ايه منها اتباع ولمين".
سعر أقصى للسكر وليس تسعيرًا إجباريًا
رغم ترحيب المواطنين بتغيير بدا في وجهة نظر الوزارة من الرفض المطلق للتسعير إلى التلويح به، يرى مسؤول بوزارة التموين أن الوزير لا يقصد تسعيرًا جبريًا بقدر ما يقصد فرض سعر أقصى للسكر. يوضح المسؤول -الذي طلب عدم ذكر اسمه- في إفادته لـ"فكر تاني": "البرلمان طلع قانون من فترة سمح للوزير المختص بعد العرض على مجلس الوزراء، تحديد سعر منتجات معينة لمدة معينة. على أن يُفعّل هذا التفويض في الحالات الطارئة فقط".
اقرأ أيضًا: أيمن "طار".. لماذا فشل جهاز حماية المستهلك ونجح غيره؟
ويضيف المسؤول: "الوزير يقصد أن فرض التسعيرة الجبرية يحدث حينما تكون الدولة هي المهيمن على الاقتصاد وتنتج غالبية السلع. لكن القطاع الخاص هو المنتج حاليًا، والدولة توفر السكر بمبلغ زهيد للبطاقات التموينية، والكميات المعروضة في المنافذ بسعر 27 جنيهًا كبيرة".
يرفض النائب علي دسوقي، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، التسعيرة الجبرية، رغم اعترافه بوصول الكيلو لـ 52 جنيهًا في بعض المحال. ويعتبر أن الأزمة سببها جشع التجار، وأن الحل الأمثل يكمن في زيادة العرض لمجابهة الطلب.
ورغم تأكيد الوزارة على توافر السكر بالمجمعات، يقول نادر نور الدين، الخبير الزراعي والمسؤول السابق بوزارة التموين: "لفيت على نحو 10 مجمعات ولم أجد السكر الخاص بمبادرة تخفيض الأسعار.. ثم ذهبت إلي حوالي 4 سوبر ماركت ولم أجد السكر الغالي.. نحن في انتظار استيراد 200 ألف طن سكر واستوردنا 200 ألف زيهم في الشهور القليلة السابقة".
أزمة السكر "مطولة معانا"
بحسب وزارة التموين والتجارة الداخلية، لا يوجد لدينا نقص في الإمداد، والكميات الموجودة من السكر كافية، والوزارة تضخ السكر أسبوعيًا. وتتوقع الوزارة أن يؤدي ضخ 164 ألف طن سكر في الأسواق إلى ضبط الأسعار.
لكن "نور الدين" يرفض ادعاء وزارة التموين بتحقيق اكتفاء ذاتي من السكر. يقول: "الحقيقة أنه يتراوح بين 70 و75% فقط.. محصول القصب الجديد يبدأ حصاده في يناير وإنتاجه ينزل السوق في فبراير ومارس، وسكر البنجر يبدأ الحصاد في فبراير ومارس، وإنتاجه بينزل السوق في مارس وأبريل.. يعني لسه الأزمة قاعدة معانا شوية".
ويضيف: "من خبرتي في فترة عملي في وزارة التموين، فإن أزمة السكر بالعلم وحسن التصرف تخلص في أسبوع، فمثلًا لو نزلنا أول دفعة من السكر للمجمعات والمنافذ ونتيجة للأزمة يمكن للفرد في الأزمة أن يحصل على 10 كجم سكر بدلًا من الكمية العادية اللي هي حوالي ثلاثة أو أربعة ويمكن يروح بكره ويشترى كمان 10 كجم لوالدته أو أخته أو أخوه وتخلص الدفعة الثانية والثالثة وحتى أسبوع ينفذ السكر مبكرا يوميًا".
لكن عاد، وقال: "بعد ذلك يتوقف الإقبال على السكر من المنازل نتيجة لنفاد مساحات التخزين في مطابخ الشقق المصرية والتي لا تحتمل تخزين أكثر من 10 كجم بحد أقصى، وبكده يتوافر السكر في المجمعات والمنافذ والسوبر ماركت بعد أسبوع واحد من بداية التعامل مع الأزمة، وطرح كميات يومية من السكر، أكثر من أسبوع بيكون تقصير وقلة حيلة وسوء تصرف من المسؤولين"، على حد قوله.