ضائعات في متاهات التشخيص.. إسراء وريهام وتهميش آلام "التعب الُمزمن"

"فيه دكتور اعتبر اللي عندي حالة نفسية وكتب لي أدوية صرع ومضادات اكتئاب"، تُعاني ريهام السيد منذ عشر سنوات، من متلازمة التعب المزمن، قضتها متخبطة في متاهات التشخيص الخاطئ من الأطباء وإنفاق المال على علاجات غير مجدية، بينما حالتها كانت تزداد سوءً يومًا بعد يوم.

تقول السيد:" لسه في ناس حواليا بيتهموني بتوهم المرض"

في حين يكتفي الأطباء بإعطائها وصفة علاجية قائمة على الأدوية النفسية والمسكنات، بحسب ما تروي السيد لمنصة "فكر تاني".

وتُعرف متلازمة التعب المزمن بـ" التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل"، وتشير إلى تعبٍ شديدٍ يُسبِّبُ العجز لفترةٍ طويلة من دُون سببٍ بدنيّ أو نفسيّ مُؤكَّد، ومن دُون موجودات موضوعيَّة غير طبيعيَّة يجري اكتشافها من خلال الفحص البدنيّ أو الفُحوصات المخبريَّة.

آلامًا مبرحة لازمت السيد (السيدة الخمسينية)، لسنوات، بمختلف أنحاء جسدها النحيف – الذي أصبح نحيفًا- مغص وانتفاخ البطن والتهاب القولون وارتجاع المريء، وضيق التنفس، إضافة إلى صداع الرأس والشعور بالخدر وظهور إكزيما وحساسية بالجلد.

في البداية شخّص الأطباء حالة السيد بالإصابة بالتهابات روماتيزمية ووصفوا لها مسكنات الألم ومضادات الالتهاب، وبعضهم كتب لها أدوية مخدرة "جدول مخدرات"، بينما وصف لها طبيب مضادات اكتئاب وأدوية الصرع، في حين لا تعاني أياً منهما.

ومؤخرًا، شخصها آخر بالإصابة بمرض مناعي ووصف لها الكورتيزون ومضادات الالتهاب وجعلها تمتنع عن تناول الألبان وأي أغذية مصنوعة من الدقيق الأبيض وكذلك المياه الغازية، ثم شٌخصت بالتهاب العضلات الليفي "فيبرومالجيا" وطلب منها الطبيب الامتناع عن تناول الدجاج والبيض والقمح والألبان ومعظم أنواع الفواكه والخضر عدا الدرنيات، قبل أن تكتشف مؤخراً إصابتها بمتلازمة التعب المزمن.

اقرأ أيضًا:الجريمة المستترة.. القاهرة تتصدر العنف المنزلي ضد النساء

"لما بيشد عليا الألم ببقى مش قادرة أقوم من السرير ولا أعمل أي حاجة، سيبت شغلي بسبب إن حالتي اتدهورت، ومش كل الناس بتتفهم" تحكي ريهام السيد التي تسكن في حي دار السلام، موضحة أنها اتبعت العديد من الحميات الغذائية كـ"الكيتو"، لكن حالتها الصحية تدهورت بسببها أكثر ولا سيما الجهاز التنفسي والكلى والكبد، كما أنفقت الكثير من المال لشراء مكملات غذائية كطحالب السبرولينا دون أن تتحسن.

تشخيصات خاطئة ونصائح مسمومة

صعوبات وأخطاء التشخيص وكون المتلازمة ليست بالمرض المتعارف عليه بين كثير من الأطباء في مصر، جعل "ميار محمد" تعاني هي الأخرى لفترة طويلة قبل أن تُشخّص إصابتها بمتلازمة التعب المزمن، لكنها لم تسلم من نصائح طبية ضاعفت من مشكلتها، آخرها نصيحة طبيب لها بممارسة الرياضة، ما أدى إلى تدهور حالتها بشكل كبير.

"أنا اتهريت تشخيصات غلط.. اللي يقول عندي مرض نفسي، واللي يقول نقص فيتامين د ويكتب لي فيتامينات ومكملات غذائية، واللي يقول مشكلة في إفرازات الغدة الدرقية.. مفيش علاج جاب نتيجة معايا، أنا حتى جربت يتعمل لي حجامة وأخدت أعشاب مفيش فايدة".. تحكي ميار(٢٢ عام) وهي لم تغادر الفراش منذ أشهر.

"أنا مريضة بمتلازمة التعب المزمن، قبل ما أتشخص كنت بعمل مجهود عادي ومش عارفة إنه غلط وماحدش نبهني خالص لحد ما حالتي ساءت جداً وحصل لي تلف في مستوي الطاقة، وكمان قالوا لي أمارس رياضة رغم خطورتها على حالتي، لأن اللي زيي عندهم مشكلة في الطاقة بالجسم ومحتاجين للراحة، وبقيت نايمة في السرير بقالي شهور، نفسي أرجع لحياتي الطبيعية أو أخرج من البيت تاني".. تضيف ميار.

تقول:" كمان بقيت مشغولة أن المفاهيم الغلط عن المرض ده، مؤذي جدا، وماحدش بيقدر تعبه".

وبشكل عام يشعر مرضى المتلازمة بالحاجةٍ القويَّة إلى الراحة حتَّى من بعد النوم، إحساس بفتور الهمَّة طوال اليوم، إرهاق شديد يحول دون ممارسة النشاطات اليومية، يتفاقم مع ممارسة الرياضة، وقد تظهر أعراض أخرى مثل: صعوبة التركيز أو النوم، التهاب الحلق، الصُّداع، ألم في المَفاصِل أو العضلات أو منطقة البطن، اكتئاب.

اقرأ أيضًا:النساء المستقلات.. وحيدات في مواجهة الإيجار والأجر والتعنيف

تأثر العلاقة الزوجية والحياة الأسرية

"إسراء" في الأربعينات من عمرها، مصابة بالمتلازمة وتم تشخيصها قبل ستة سنوات بعد رحلة طويلة في عيادات الأطباء، لم تتلق خلالها سوى المسكنات ومضادات الاكتئاب والمكملات الغذائية باهظة الثمن، مؤخراً قصدت طبيب تغذية علاجية، جعلها تتبع حمية خالية من الجلوتين والسكريات، ولكن تدهورت حالتها لتصاب بـ" وهن العضلات"، ولم تعد قادرة على فتح أو حمل أبسط الأشياء كزجاجة المياه.

"تقول إسراء:" منعت العيش والمكرونة والشعرية والحلويات، لحد ما وصلت لمنع أغلب أصناف الأكل، ومافيش فايدة حالتي بتتدهور وبقيت حاسة بضيق في التنفس، وبعد ما عملت رسم عضلات وأعصاب اكتشفت إن جالي وهن العضلات وده خطر لأنه بيأثر على الحجاب الحاجز والرحم".

ويسبب الوهن العضلي ضعف العضلات الخاضعة للتحكم الإرادي وتعبها سريعًا، وتتضمن الأعراض ضعف عضلات الذراع أو الساق، وازدواج الرؤية، وتدلي الجفون، وصعوبات في النطق والمضغ والبلع والتنفس، ولا يوجد علاج شافٍ له.

 

"للأسف أغلب الناس مش بتتفهم طبيعة مرضنا، اللي حواليا في البيت كانوا بيتهموني إني بتكاسل، لأن آخر كام سنة مابقيتش قادرة أعمل شغل البيت ولا قادرة على ممارسة العلاقة الزوجية، وبقيت محتاجة حد يساعدني في أبسط الأمور، لو حتى هعمل أكل سهل زي بانيه ومكرونة ببقى كأني كنت بشيل أثقال أو بجري في سباق، وده كله انعكس على علاقتي بزوجي وأولادي"، تشكي إسراء حالتها التي طالت مدتها كثيرًا.

وتتشابه معاناة مريضات متلازمة التعب مع التهاب العضلات الليفي "فيبرومالجيا"، في كون المريض/ المريضة بأي منهما يعاني من الألم الشديد الذي يتفاقم عند الإجهاد، والصداع واضطرابات النوم والاكتئاب أو التَّوتُّر.

"آيار" 35 عاماً، المُشخّصة بالتهاب العضلات الليفي، تؤكد إنه مرض يؤثر على حياتها وواجباتها اليومية، في ظل عدم تفهم المجتمع والدائرة المحيطة بها.

تقول آيار: "أنا لو طبخت ونضفت، يعني عملت مجهود تلاقيني مرمية بالـ 3 أيام في السرير بعدها، غير إن الناس مش بتحس بتعبي، بيقولوا لي إنتي فيكي أيه يعني؟، ما كل الناس تعبانة وجسمها بيوجعها؟، انتي بس بيتهيء لك، انتي ست بيت وحركتك قليلة مش بتنزلي تشتغلي"، مؤكدة أن الآخرين يستهجنون تعاطيها لمضادات الاكتئاب التي وصفها لها الطبيب بسبب مرضها ونظراً لتأثير تلك الأدوية على النواقل العصبية في المخ الخاصة بالألم والتي تحد من الشعور به.

وتضيف آيار، أن أسوأ ما في الأمر أن معظم الأزواج لا يتفهمون معاناة زوجاتهم المصابات بهذا المرض، تحديدًا عندما يحد من قدرتهن على ممارسة العلاقة الزوجية.

 

البعض ينفي وجودها

الدكتور أحمد طلبة، استشاري التغذية العلاجية، يوضح أن أعراض متلازمة التعب أو الإرهاق المزمن، تشمل آلام العضلات والمفاصل والرقبة والإرهاق الشديد الذي لا ينتهي بالنوم والراحة، والصداع النصفي واضطرابات القناة الهضمية ونوبات الهلع كالخفقان وضيق التنفس وبرودة الجسم أو حرارته المرتفعة بجانب اضطرابات النوم، لافتاً لكون الأعراض تزداد بزيادة التوتر وكثرة التفكير والإجهاد.

ويؤكد طلبة أن سبب المتلازمة غير معروف تحديداَ، فربما يكون عدوى فيروسية أو فطرية أو ارتجاج بالمخ خلال الطفولة أو مشكلة مناعية أو قصور الغدة الدرقية أو اضطرابات النوم، ولا يوجد تشخيص قاطع لها لعدم وجود تحليل أو أشعة تظهرها، لكن – وبحسب طلبة- يجب استبعاد الأمراض الأخرى التي تتشابه أعراضها مع المتلازمة، مثل: الفيبرومالجيا والروماتويد ونقص فيتامين د وقصور الغدة الدرقية، مشيراً لكون بعض الأطباء ينفون وجود المتلازمة لصعوبة تشخيصها.

ويرى استشاري التغذية العلاجية أن هناك ارتباط وثيق بين الحالة النفسية والتعب المزمن ومرض الفيبرومالجيا؛ فبعد التعرض لصدمة نفسية أو الإصابة بالاكتئاب تزداد فرص الإصابة بالمتلازمة، موضحًا أن أعراض الفيبرومالجيا تتشابه مع المتلازمة بنسبة 75% تقريبًا، لكن الأولى تختلف في كون منطقة الألم تتسع وتنتشر بمجرد الضغط عليها وأنها تظهر دومًا بعد الصدمات النفسية وليس العدوى الفيروسية أو الفطرية، كما لا تأتي مصحوبة بانخفاض في الطاقة على النقيض من المتلازمة.

ويشرح طلبة مخاطر السموم البيضاء كالدقيق الأبيض والسكر والزيوت المهدرجة والنشويات سريعة الهضم، على مرضى متلازمة التعب المزمن والفيبرومالجيا، وضرورة تلقيهم لجرعات من فيتامين د وفيتامين سي وأوميجا3 وبعض الإنزيمات، لمحاولة السيطرة على الأعراض، وعبر التغذية الصحية والحالة النفسية الجيدة.

تهميش الآلام الجسدية للنساء

من ناحيتها تربط استشارية حقوق المرأة، لمياء لطفي، بين تهميش الأطباء لآلام النساء/المريضات والاستخفاف بها وبين الوصاية الذكورية في المجال الطبي على أجساد النساء، مستشهدة بتجربة شخصية لها، حين قصدت عيادة الطبيب وهي تشكو من آلام؛ فكان رده عليها: "فيه ناس بتعيش بالألم ده سنين، أنتي جاية تشتكي منه ليه؟!".

تضيف لطفي: "الدكاترة طول الوقت مش مديين أولوية لأجساد النساء ولا لحيواتهم أو قدرتهم على الحركة والحياة الطبيعية".

أيضًا، لا تنظر الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، مي صالح، لتهميش الآلام الجسدية للنساء، بمعزل عن النظرة المجتمعية للأدوار الجندرية بالمجتمع، والتي تُحمل المرأة وحدها عبء الأدوار الرعائية بالأسرة والقيام على احتياجات أفرادها إضافة لتلبية الاحتياجات الجسدية للزوج، وهو ما يتعذر القيام به في حالات التعب المزمن للزوجة.

تشير صالح لكون الأمهات عادة ما يتجاهلن آلامهن الجسدية لتوفير نفقات الطبيب والعلاج لصالح تغذية واحتياجات أطفالهن، وعندما تذهب المرأة لعيادة الطبيب بسبب شكواها من الألم، يُقال لها "إنتي ليه بتشتكي وغيرك مستحملين عادي؟".

وتوضح صالح أن هناك نظرة لدى القطاع الطبي لا تنفصل عن نظرة المجتمع للنساء والتي تربط آلامهن بالدورة الشهرية والحمل والولادة، وتُسفه من قدرتهن على توصيف حالتهن الصحية وتنزع عنهن الوصاية على أجسادهن.

اقرأ أيضاً: انقطاع الطمث.. عن "باب اليأس" المرفوض وآلامه النفسية والجسدية

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة