انقطاع الطمث.. عن “باب اليأس” المرفوض وآلامه النفسية والجسدية

“لم أكن أعرف أن الشعور متشابه عندنا جميعًا في هذه السن.. احتراق داخلي يهاجم كل أعضائي وانفلات يوصلني إلى مرحلة الغليان، فلا أطيق حتى محاولات التهدئة.. كنت كمن أدركه الجنون.. كان جسدي يطرق باب سن اليأس”.

تعرف منظمة الصحة العالمية انقطاع الطمث بـ”سن اليأس” وأنه إحدى حلقات سلسلة مراحل حياة المرأة، يمثل نهاية سنوات الإنجاب، وبعده لا يمكنها أن تحمل إلا في حالات نادرة عندما تُستخدم علاجات الخصوبة المتخصّصة.

تصل معظم النساء إلى مرحلة انقطاع الطمث في عمر يتراوح بين 45 و55 عامًا في مرحلة طبيعية من مراحل التقدم البيولوجي في العمر. وهو يحدث نتيجة لتوقف الوظيفة الجريبية للمبيض وتراجع مستويات الإستروجين في الدم.

وقد تكون المرحلة الانتقالية لهذه الفترة تدريجية، وتبدأ عادة بتغيّرات في الدورة الشهرية، وتنتهي بعد الدورة الحيضية الأخيرة بسنة واحدة. وقد تستمر الفترة السابقة لهذه المرحلة عدة سنوات وقد تؤثر على الرفاه البدني والوجداني والنفسي والاجتماعي للمرأة.

التنمر والتقليل

هذا بالضبط يفسر ما شعرت به “فاطمة”؛ السيدة الأربعينية صاحبة الـ 45 عامًا، التي لم تكن تعلم حينما فاجأتها هذه الأعراض أنها تعاني مرحلة انقطاع الطمث. إذ لا تجد النساء في مجتمعاتنا العربية توعية كافية بمثل هذه الأعراض وكيفية التعامل معها.

تقول فاطمة: “لا نجد في مجتمعاتنا أحد يقدر مثل هذا النوع من الآلام، الكل ينظر إلى الأمر باعتباره شيء من الدلع وعدم تحمل المرأة لضعفها.. هذه النظرة مترسخة عربيًا، هذا فضلًا عن التنمر الذي يصاحب هذه المرحلة التي تكون مؤشرًا على تقدم المرأة في العمر وبالتالي تسقط من قوائم الجمال بنظرة الرجل الشرقي”.

لا يتوقف الأمر -كما تقول “فاطمة- عند البسطاء ممن لا يملكون معرفة علمية بالأمر، إذ من الأطباء أنفسهم من يتهاون مع ما تمر به النساء في هذه المرحلة. “ذهبت إلى طبيب ما ذات مرة فلم يطلعني على حقيقة ما أعانيه، بعض مسكنات فقط لم تهدأ شعوري بأنني أمر بشيء مختلف، وحينما بحثت على الإنترنت وجدت طبيبًا مصريًا يتحدث عبر صفحته على فيسبوك عن هذه الأعراض التي تتشابه بشكل كبير مع أعراضي، ثم ذهبت لطبيبة النساء وأشارت للأمر وأكدت أنه اقترب موعد انقطاع الطمث”.

اقرأ أيضًا: “تجربتي” مع الفحص الطبي الشامل للنساء 

تشمل الأعراض المرتبطة بانقطاع الطمث: هبات الحرارة ونوبات التعرق الليلية، وتشير هبات الحرارة إلى الشعور المفاجئ بالحرارة في الوجه والعنق والصدر، وغالبًا ما يصاحب ذلك أحمرار بالجلد وتعرق، وخفقان، وإحساس حاد بعدم الارتياح البدني الذي قد يستمر عدة دقائق، مع تغيّرات في مدى انتظام الدورة الحيضية وتدفقها، تنتهي بانقطاع الدورة وجفاف المهْبِل، والشعور بالألم أثناء الجماع، وصعوبة النوم/ الأرق، وتغيّر المزاج، و/أو الاكتئاب، و/أو القلق.

“لا أنكر أن الخوف يتملكني ونظرة الناس تشعرني دومًا أنني كامرأة انتهيت”؛ ترفض “فاطمة” حتى التوصيف الأممي لفترة انقطاع الطمث باعتبارها “سن اليأس”. تقول: “هذا مصطلح قاس تمامًا”.

تحدثت “فاطمة” إلى زوجها بشأن ما تشعر به فوجدت الدعم الذي تتمناه: “أخبرني أن ما أشعر به أمر طبيعي وليس علي القلق فهي مرحلة تمر بها النساء جميعًا، لكنه رغم ذلك لم يتوقف عن الإشارة بأنني أصبحت يائسة. يقول ذلك على سبيل الدعابة أعلم ذلك، لكنه لا يدرك كم هذا يؤذيني إلى أن انفجرت به غضبًا فتوقف”. 

تطبيع الطمث

ناقشت دراسة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal في العام 2021، المواقف الاجتماعية والثقافية لمرحلة الحياة عندما تنقطع الدورة الشهرية لدى معظم النساء، وهي عادة بين 45 و55 سنة، حيث رأت صاحبة الدراسة طبيبة التوليد مارثا هيكي من مستشفى النساء الملكي في فيكتوريا بأستراليا، وثلاث أساتذة في صحة النساء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، أن ثمة حاجة إلى “تطبيع” مرحلة انقطاع الطمث.

وبينما تشير “هيكي” والمشاركات معها إلى أن العلاجات الفعالة، مثل العلاج التعويضي بالهرمونات مهمة لمن يعانين من أعراض مزعجة، فإنها تلفت أيضًا إلى العلاج الطبي بأنه قد يزيد من قلق النساء، واستيعابهنّ لهذه المرحلة الطبيعية من الحياة.

وفي مقابل ذلك، تدعو “هيكي” وزميلاتها إلى تغيير سرد انقطاع الطمث من خلال تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية، مثل التحرّر من الحيض، والحمل، وأدوات منع الحمل، بالإضافة إلى تثقيف النساء حول كيفية إدارة الأعراض المزعجة، فالدعوة إلى ذلك “قد تمكن النساء من إدارة انقطاع الطمث بثقة أكبر.

تقبلت “سلمى” مرحلة انقطاع الطمث في الثلاثينات من عمرها. تعمل هي بمبدأ دكتور “هيكي” وزميلاتها دون أن تعرف عن دراستهم شيئًا: “تأقلمت وأصبحت لا أحاول ولا أهتم بالحديث عن السبب، حتى مع تاكدي من عدم إمكانية الإنجاب، لا أشعر بالفزع.. أنا الآن أشعر ببعض من الراحة”.

عانت “سلمى” من أعراض جسدية مزعجة؛ مثل اضطراب النوم، ونقص الطاقة، وجفاف المهبل، والتغيرات المزاجية، وزيادة الوزن نتيجة للتغيرات في الأيض، فضلًا عن الاكتئاب.

“كلها أعراض تشبه تلك المصاحبة للدورة الشهرية لكنها أبدًا ما كانت تأتي، حتى علمت من الطبيب أني أعاني من تكيسات على المبيض تسببت في انقطاع الطمث نهائيًا”؛ تقول “سلمى”.

كثيرة كانت هي مشاعر الاضطراب التي ألمت بـ “سلمى” بداية. كانت تتساءل: “أليس من المبكر أن أدخل هذه المرحلة الآن؟ 

تقول: “أول من جرحني هي أمي التي قالت: أنتِ كده راحت عليكي خلاص ومحدش هيتجوزك، وأصدقائي البنات اللاتي نظرن إلي بوصفي باردة المشاعر. فقط لتأقلمي مع الأمر”.

ضرورة الدعم النفسي

وفق منظمة الصحة، تصل بعض النساء إلى انقطاع الطمث في سن مبكرة (قبل 40 سنة من العمر). وقد ينتج هذا عن بعض الشذوذات الصبغوية أو اضطرابات المناعة الذاتية أو عن أسباب أخرى طبية، منها العمليات الجراحية أو توقف وظيفة المبيض نتيجة التكيسات كما في حالة “سلمى”.

ولا يمكن التنبؤ بموعد وصول أي امرأة لهذه المرحلة على الرغم من وجود ارتباط بين هذه الفترة وبعض العوامل الديمُغرافية والصحية والجينية.

اقرأ أيضًا: الفوط الصحية.. محدودات الدخل في مرمى “فقر الدورة الشهرية

“لمياء” تزوجت في أواخر الثلاثينات وأنجبت طفلة، لم تتمكن من إنجاب غيرها. إذ كانت تعاني اضطرابات شديدة في دورتها الشهرية، حتى إفادتها طبيبتها بأنها تعاني من انقطاع طمث مبكر، الأمر الذي لم تفكر فيه من قبل.

تقول: “بالنسبة لي كامرأة في سن الأربعين لا يعني هذا أنني لا أرغب في الإنجاب مرة أخرى. لقد وقع هذا الخبر علي كالصاعقة، خاصة مع ما أتعرض له من ضغط أسري من زوجي الذي اعتاد نعتي بالعاقر في أغلب مشاكلنا الزوجية”.

بلا دعم في هذه المرحلة تدخل النساء المقبلات على فترة انقطاع الطمث من الاكتئاب الشديد الذي يضر بصحتهن النفسية والجسدية. وهو أمر يصطدم مباشرة بغياب التوعية الصحية للنساء وأسرهن في القنوات الإعلامية.

حالة “لمياء” وغيرها من النساء فاقدات الدعم في مرحلة انقطاع الطمث، تشير إليهم منظمة الصحة العالمية، فتشدد على أهمية أن يجدن الدعم الصحي والاجتماعي والنفسي والبدني خلال مرحلة الانتقال إلى انقطاع الطمث وما بعدها، على أن يشكل هذا الدعم النفسي والطبي جزءًا لا يتجزأ من الرعاية الصحية. 

كما تنصح المنظمة بضرورة تعزيز فهم مرحلة انقطاع الطمث عند النساء عن طريق: التوعية بشأنه وأثره على المرأة على المستويين الفردي والمجتمعي وعلى التنمية الصحية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان، مع الدعوة إلى إدراج خدمات التشخيص والعلاج والمشورة المتعلقة بالتدبير العلاجي لأعراض انقطاع الطمث في إطار التغطية الصحية الشاملة.

التشجيع على إدراج التدريب في مجال الإياس والخيارات العلاجية الخاصة به في المناهج السابقة للخدمة للعاملين الصحيين؛

التأكيد على النهج الشامل لدورة الحياة بأكملها إزاء الصحة والرفاه (بما يشمل الصحة والرفاه الجنسي)، بضمان إتاحة المعلومات والخدمات الصحية الملائمة أمام المرأة من أجل تعزيز التمتع بالصحة في مرحلة الشيخوخة وبنوعية الحياة الجيدة قبل مرحلة الإياس وأثناءها وبعدها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة