في الآونة الأخيرة، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وما ترتب عليه من أعمال عسكرية شديدة العنف من الجانب الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، انتشرت ظاهرة مقاطعة المنتجات الأجنبية في العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر. ويرجع ذلك إلى تعاطف الشعب المصري مع الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من مجازر وحشية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والاحتجاج على سياسات الدول المصنعة لتلك المنتجات التي تدعم إسرائيل بشكل واضح في حربها ضد غزة.
وعلى الرغم من أن مقاطعة المنتجات الأجنبية قد تُحقق بعض الأهداف المرجوة منها، إلا أنها تحمل في طياتها مجموعة من السلبيات التي يجب أخذها في الاعتبار، إلى جانب تأثيرها على العمالة بتلك الشركات العملاقة، وكذلك على جذب المستثمرين الأجانب في مصر.
فمن أهم سلبيات مقاطعة المنتجات الأجنبية تأثيرها على العمالة بتلك الشركات العملاقة. فعندما تنخفض مبيعات هذه الشركات، فإنها تضطر إلى تسريح بعض العمال، أو تخفيض رواتبهم. وهذا الأمر يؤدي إلى معاناة العمال، وزيادة الفقر والبطالة.
إن مقاطعة المنتجات الأجنبية قد تؤثر على أكثر من 2.5 مليون عامل مصري يعملون في الشركات الأجنبية العاملة في مصر. فهذه الشركات تمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، وتساهم في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف العمال.
فعندما يقوم الناس بمقاطعة المنتجات الأجنبية، ينخفض الطلب على هذه المنتجات وتتراجع المبيعات والإيرادات للشركات العملاقة الأجنبية. هذا التراجع في الإيرادات يجبر الشركات على اتخاذ إجراءات تقشفية، ومن بينها تقليص الإنتاج وتخفيض الوظائف المتاحة. يصبح العمال المنتجون لتلك المنتجات الأجنبية الأكثر تضررًا، حيث يفقدون فرص العمل والدخل المستقر.
وبالتالي، فإن مقاطعة المنتجات الأجنبية قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في مصر، وزيادة الفقر بين العمال. وهذا الأمر سيؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري، وسيؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
أيضًا، من سلبيات مقاطعة المنتجات الأجنبية تأثيرها على جذب المستثمرين الأجانب. فعندما تقاطع الدول بعضها البعض، فإنها تخلق أجواءً من التوتر وعدم الثقة، مما يجعل المستثمرين الأجانب يترددون في الاستثمار في هذه الدول.
وبالنسبة لمصر، فإن مقاطعة المنتجات الأجنبية قد تؤدي إلى انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر. وهذا الأمر سيؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري، وسيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة البطالة.
علاوة على ذلك، تؤثر مقاطعة المنتجات الأجنبية أيضًا على جذب المستثمرين الأجانب في مصر. يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر جزءًا هامًا من التنمية الاقتصادية في مصر، حيث يساهم في خلق فرص العمل ونقل التكنولوجيا وتحسين البنية التحتية. ومع ذلك، عندما يقوم الناس بمقاطعة المنتجات الأجنبية، فإنها ترسل إشارة سلبية للمستثمرين الأجانب. يشعرون بعدم الثقة في استدامة السوق والقدرة على تحقيق العائد المالي الملائم. هذا يؤدي إلى تقلص الاستثمار الأجنبي المباشر وفقدان فرص التعاون مع الشركات العالمية والاستفادة منها تكنولوجيًا، وعلى مستوى خبراتها.
وعلى الرغم من أن هناك بعض المستثمرين الأجانب الذين قد يستثمرون في مصر على الرغم من مقاطعة المنتجات الأجنبية، إلا أن هذه الاستثمارات ستكون أقل من المتوقع. وهذا الأمر سيؤثر على فرص التنمية الاقتصادية في مصر، وسيؤدي إلى تراجع مكانتها الاقتصادية في العالم.
وعلى صعيد آخر، قد تؤدي مقاطعة المنتجات الأجنبية إلى زيادة التوترات الدولية وتدهور العلاقات الخارجية. فعندما تشعر الدول الأخرى بأن منتجاتها تتعرض للمقاطعة، فإنها قد تتخذ إجراءات مماثلة في حق المنتجات المصرية، مما يؤثر على صادراتنا ويؤدي إلى فقدان فرص التجارة والتعاون مع الدول الأخرى.
ولذلك يجب أن تكون مقاطعة المنتجات الأجنبية مدروسة جيدًا، ويجب أن تستهدف المنتجات التي لها تأثير سلبي على الاقتصاد المصري، كما يجب أن ترافق مقاطعة المنتجات الأجنبية جهود أخرى لتحسين الاقتصاد المصري، مثل زيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ودعم الصناعات المحلية.
ويجب أن تشارك الدولة في مقاطعة المنتجات الأجنبية، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات تحد من استيراد هذه المنتجات، فإذا تم تنفيذ هذه الإجراءات، فإنها قد تساعد في تقليل السلبيات الناتجة عن مقاطعة المنتجات الأجنبية، وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وبناءً على ما تم ذكره، يمكن القول إن مقاطعة المنتجات الأجنبية تحمل سلبيات ملحوظة على العمالة في الشركات العملاقة وتؤثر على جذب المستثمرين الأجانب في مصر. يجب أن يكون لدينا رؤية شاملة للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الممارسات قبل اتخاذ قرارات متسرعة. يجب أن يكون التركيز على تعزيز الصناعات المحلية وتطوير البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال بما يعزز الاستثمار الأجنبي ويحقق التوازن بين الاقتصاد المحلي والاقتصاد العالمي.
ولذلك، يجب التفكير جيدًا قبل مقاطعة المنتجات الأجنبية، ودراسة الآثار المترتبة على هذه المقاطعة. فربما تكون الفوائد التي تتحقق من هذه المقاطعة أقل من السلبيات التي قد تترتب عليها
مقال ممتاز وأتفق في الرأي مع حضرتك في كل ما ذكرت. تحياتي.