3 ساندوتشات مدرسية بـ 600 جنيه.. هل تبالغ "هند" في تقدير أزمتنا الاقتصادية؟

"والله حرام اللي أنا فيه.. يا ريت تحاولي تصحي بدري شوية وتأكلي العيال قبل ما يروحوا المدرسة لأني مش قادر على مصاريف الساندوتشات"؛ هكذا دار الحديث بين "أحمد حسين" الموظف الحكومي في العقد الرابع من العمر، وزوجته "هند" أثناء اجتماعهم العاجل على مستوى الأسرة التي تضم طفلين في مدرسة تجريبية وثالث في مرحلة رياض الأطفال، حينما قدرت "هند" حجم أزمتهم الاقتصادية بحساب تكلفة مبسط لـ 3 ساندوتشات ومصروف وصل لـ 600 جنيه لكل طفل شهريًا.

اجتماع طارئ كان حتميًا، عرض خلاله الزوج ميزانية أسرته التي لا تتجاوز 6 آلاف جنيه، تحمل بنودها الأساسية: إيجار شقة، ومصروفات دروس خصوصية، وبند مصروفات سلعية من مأكل ومشرب وملابس تشهد ارتفاعات متواصلة في الأسعار، لا تجدي كل الحيل معها نفعًا. ليعلن الزوجان فشل المفاوضات الشاقة دون حل يعفي وضعهما الاقتصادي من سقوطه الحر.

من التعويم إلى الساندوتشات

عملات ورقية من فئة واحد جنيه
عملات ورقية من فئة واحد جنيه

منذ تعويم الجنيه في العام 2016، اجتاحت مصر موجات غلاء طالت أغلب السلع، تفاقمت مع ارتفاع معدلات التضخم عالميًا بفعل جائحة (كورونا)، وما تلاها من تأثر اقتصادي مصري مباشر بالحرب الروسية - الأوكرانية (فبراير 2022).

اقرأ أيضًا: "بنحوش خضار بدل الفلوس".. أزمة الأسعار تُغيب "طبق السلطة" عن موائد المصريين

ومع ذلك، يرى خبير الاقتصاد وجودة التخطيط الاستراتيجي، أحمد الشعراوي، أنه "على الرغم من أن قضية ارتفاع الأسعار محليًا لها مبرراتها وأسبابها، فإن بعضها مبالَغ فيه، ويشهد زيادات غير منطقية في مصر، رغم أن الحكومة لم ترفع سعر أي سلعة أو خدمة على مدار الفترات الماضية". بينما يرجع الأزمة إلى "جشع التجار"، الذي لم تمنعه الجهود الحكومية من أجل وقف الممارسات الاحتكارية ومحاولات التلاعب بأسعار السلع.

هل تبالغ "هند" في تقدير أزمتنا الاقتصادية؟

في أجواء مشحونة ببدء اليوم الدراسي، وأمام بوابة مدرسة "أحمد زويل التجريبية" بمنطقة العمرانية في الجيزة (غربي العاصمة القاهرة)، تحدثت "هند" مع منصة "فكر تاني"، عن تأثير الأزمة الاقتصادية على منزلها.

تقول: "ساندوتشات المدارس فعلًا محتاجة دراسة جدوى داخل الأسر ذات الدخل المتوسط، فالطفل الواحد تتكلف وجبته المدرسية حوالي 600 جنيه شهريًا، وده لو حسبناها من غير أي نوع من اللحوم والجبن الجيدة والفاكهة أو العصاير".

تُعيد "هند" دراستها للساندوتشات التي لاقت رفض زوجها في اجتماع مناقشة ميزانية الأسرة، فتضيف: "أنا بدى ابنى 3 أرغفة فينو في اليوم سندوتشات، وبحسبة بسيطة للتكلفة من ثمن رغيف الفينو اللي بجنيه، وبيض أو حلاوة طحينية أو جنبة ثلاجة بحوالي 5 جنيه، يبقى الساندوتش الواحد بـ 6 جنيه يعني الـ 3 ساندوتشات للعيل الواحد بـ18 جنيه. لو هنضيف بقى واحدة فاكهة أو طماطم مع مصروف أو علبة عصير فأقل حاجة للعيل في اليوم 30 جنيه. يعني في الـ22 يوم بتوع المدرسة 660 جنيه.. يعني مش أقل من 2000 جنيه شهريًا لـ 3 أطفال".

الوجبة الممنوعة على أبناء الطبقة المتوسطة

بحس من الدعابة الممزوجة بالكوميديا السوداء، يقول محسن فرج: "قلت لعيالي اللي هيطلب مصروف للمدرسة هعيط له.. مهو يا إما أديهم مصروف يا أجيب لهم ساندوتشات.. لكن الاتنين سوا دي صعب الصراحة.. أنا معايا أربع عيال، وشغال محامي بأحد الشركات، أسعار المنتجات والخدمات بتاكل مرتبي.. هعمل ايه طيب؟".

طالبتان تتلقيان الوجبة المدرسية
طالبتان تتلقيان الوجبة المدرسية

في فبراير الماضي، وخلال افتتاحه المرحلة الثانية من مجمع الصناعات الغذائية (سايلو فودز) بمدينة السادات في محافظة المنوفية، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدم اقتصار الوجبات المدرسية على "البسكويت" فقط، حيث تقرر إضافة اللبن إليها، لتضم مصادر البروتين والكالسيوم والكربوهيدرات والحديد، إضافة لفيتامينات وأملاح عبر "البسكويت".

تصرف هذه الوجبة للمدارس الحكومية العادية فقط دون التجريبية، سواء مميزة أو عادية، أو مدارس قومية. تؤكد هذا هاجر سراج، المسؤولة عن توزيع وجبات المدارس في مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة. وتوضح في حديثها لـ"فكر تاني"، أن الدولة تصنف أسر طلاب تلك الأنواع من المدارس على أنهم ليسوا في حاجة لدعم الدولة بوجبات أطفالهم، وأن الفئة التي تحتاج لهذه المساعدة هي أسر طلاب المدارس العادية (العربي)، وكذلك المدارس الأزهرية العادية، التي تشرف عليها إدارة المعاهد الأزهرية وليس إدارة التربية والتعليم.

الأسعار نار وبتزيد زي البورصة

عز الدين أحمد، وهو تاجر جملة للمواد الغذائية، تحدث لـ"فكر تاني" عن أزمة أسعار السلع الغذائية. يقول: "الأسعار نار وبتزيد كل لحظة زي البورصة بالظبط.. اللي بيسجل سعر عالي ما بيرجعش مع الوقت.. فيه مصانع وقفت التعامل بالآجل لعدم ثبات الأسعار وخفضت الإنتاج.. الأزمات في سوق السلع يومية.. كل يوم فيه مشكلة بيني وبين صاحب محل بسبب الأسعار".

مع اشتداد الأزمة في سوق السلع المصرية تتفاقم ظاهرة الاتهامات المتبادلة بين تجار التجزئة والجملة. يقول عبد الباسط خليل الذي يمتلك محلًا لبيع المنتجات الغذائية: "الغلا مفروض علينا من تجار الجملة.. الزيادة عندنا مش أكتر من ردة فعل للزيادة اللي بتحصل من المصانع والموردين.. الجبنة الثلاجة مثلًا الربع كيلو منها وصل 40 جنيه لأقل نوع.. كيلو الحلاوة الطحينية بيبدأ من 120 جنيه وأنت طالع، يعني ربع الكيلو بـ30 جنيه.. والبيضة بـ5.. أسعار زايدة وبتزيد وهتزيد كل يوم.. بس مش بسببنا احنا".

ساندوتشات اللانشون.. الواحد بـ 16 جنيه

ينظر خالد عبد العزيز إلى منتج "اللانشون" باعتباره رفاهية الآن. فهذا بند ممنوع في ميزانية من هو مثله يعمل في إحدى شركات الأمن صباحًا وسائق بالأجرة ليلًا ليسد حاجة أسرته. إلا أن معضلته فقط في أطفاله، لا يفضلون في ساندوتشات المدرسة أكثر من "اللانشون".

"كمية ربع كيلو من اللانشون كلفتني 50 جنيه.. كله يهون عشان (رهف) دي يا دوب 4 سنين.. بس مش هعرف أجيبلها لانشون كل يوم.. مرة في الأسبوع كفاية.. كمية الربع كيلو دي يا دوب هتكفي ساندوتشات يوم واحد ليها ولأخواتها الباقين.. ممكن ساندوتش لكل واحد منهم.. حرام اللي بيحصل فينا.. ساندوتش لانشون بـ 16 جنيه.. ليه؟.. اشحت ولا أجوع العيال ولا ما أوديهمش مدارس"؛ يقول "خالد".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة