“بنت ميدان الغلابة”.. نرمين حسين وسنوات الحبس الخمس

على باب حديد سُمكه يتخطى 20 سم، وقفت حارسة السجن تنادي: “نرمين حسين.. جايلك زيارة”. توقعت الفتاة النحيلة أن ترى والدها وتحتضنه ثم تعتذر له عن الأيام الثقيلة التي عاشها حزنًا على سجنها. سألت قبل أن تتخطى قدمها بوابة محبسها: “أبويا؟!”.

نرمين في انتظار تسرب الآمان

حارسة سجن القناطر لم ترد الاستجابة سؤال “نرمين“، وبنبرة حادة صارمة طلبت منها الصمت: “هتعرفي بنفسك”.

لم تستجب “بنت الميدان” -كما يلقبها المحيطين بها- لطلب الكف عن السؤال، ولم يسلمها عقلها للصمت طول مدة سيرها في ممر السجن المؤدي إلى استراحة الزيارات.

كانت المشاهد تتداعى في مخيلتها: هشوفه.. هترمي في حضنه.. هقول له إني اتظلمت.. وإني بس عايزة اطمن عليه”.

لم تحلم “نرمين” يومًا أن تتطأ عتبات السجن لا زائرةً ولا سجينةً. تمنت النور خلف جدرانه التي أخفيت حريتها خلفها على ذمة القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا، بتهم بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية أفكارها.

اقرأ أيضًا: بأي ذنب حُجزت.. عن “نساء ماسبيرو” في سجون الحبس الاحتياطي

لا راحة في زيارات السجن

عند وصولها إلى استراحة الزيارات، توقف تفكيرها فجأة وانقبض قلبها، بعدما اقترب منها المحامي. قال: “البقاء لله في أبوكِ الحاج حسين”.

مات من كانت تمازحه حبًا بـ”الحاج صاحب البيت”. رحل دون أن ترى الحبيبة حبيبها، فالموت وجدران السجن حالا بينهما.

يقول أحد أصدقائها: “أبوها مات من قهرته عليها وما عرفتش حتى تدفنه أو تودعه. كان راجل غلبان، عنده محل في المعادي القديمة بيبيع فيه احتياجات أي بيت، ونيرمين كانت بتساعده وتشيل البضاعة على كتفها وتروح له”.

نرمين.. السجن ثمن الحرية

كان والد “نرمين” يحيا أيامه الأخيرة، على أمل خروجها من السجن كما غادرته أول مرة. “ما كانش فاقد للأمل بس مقدرش يشوفها بالجلابية البيضة ولو مرة واحدة”؛ يقول صديقها.

نرمين حسين داخل أحد أقسام الشرطة (وكالات)
نرمين حسين داخل أحد أقسام الشرطة (وكالات)

يضيف: “نرمين الناس عايرتها بأنها بنت راجل غلبان.. وفي نفس الوقت اتهموها بأنها أخدت تمويل! طيب ازاي”، ثم يستكمل حديثه -لمنصة “فكر تاني”- مؤكدًا أنها دفعت الثمن غالي جدًا “ثمن حلم الناس الغلابة بحياة أفضل.. فاتسجنت وأبوها مات وأمها مريضة”.

دفعت نرمين حسين الفتاة التي لم تكمل عقدها الرابع الكثير مقابل مشاركتها تظاهرات حركة 6 أبريل، ثم ثورة 25 يناير. عرفها المتظاهرين -آنذاك- بـ”بنت الميدان” التي لا تتوان في مساعدة الجميع، ولا تجدها إلا في الصفوف الأمامية، تواجه محاولات قمع الحرية. 

اقرأ أيضًا: “مروة” و”وفاء” وجوابات هربت من سنوات الحبس الاحتياطي

نرمين حسين ورحلة التدوير

ألقي القبض على نرمين حسين في 10 أبريل عام 2016 أثناء مشاركتها في مظاهرات تيران وصنافير، وبعد خروجها من الحبس، ألقي القبض عليها مرة أخرى في أغسطس 2018 في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”معتقلي العيد”، وأودعت زنزانة انفرادية، متهمة بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، وتلقي تمويلات لأغراض إرهابية، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية.

وبعد قرار إخلاء سبيلها في قضية “معتقلي العيد” بأسبوع فقط، ألقي القبض عليها مجددًا، وأُدرجت على ذمة القضية رقم 65 لسنة 2021 حصر أمن دولة، متهمة بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.

وفي 17 يناير 2021 أمرت محكمة الجنايات باستبدال الحبس الاحتياطي لنرمين في القضية رقم 535 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا بتدبير احترازي، رغم أنها ظلت في السجن لمدة 9 أشهر خاضعة للمراقبة، قبل أن يلقى القبض عليها مرة أخرى.

استمر تدوير نرمين حسين على ذمم قضايا مختلفة، مع تجديدات لحبسها احتياطيًا على ذمة القضية 65 لسنة 2021 إلى الآن.

“نيرمين قوية جدًا وصامدة.. بس بعد وفاة والدها حالتها النفسية بقت سيئة وطول الوقت قلقانة على والدتها”؛ يصف المحامي إسلام سلامة، حال موكلته نيرمين التي لا تزال في محبسها تنتظر قرارًا بإخلاء سبيلها، لتعود إلى ما تبقى من منزل “الحاج صاحب البيت”.

“مش لازم تعرفني.. اكتشفني، ما تسمعش عني.. اتكلم معايا يمكن تفهمني.. ولما هتفهمني هتدافع عني”؛ هكذا قالت نرمين حسين “بنت ميدان الغلابة” من داخل محبسها الذي احتضن جسدها النحيل 5 سنوات. هكذا يتذكرها أفراد أسرتها وصديقها المقرب.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة