بأي ذنب حُجزت.. عن “نساء ماسبيرو” في سجون الحبس الاحتياطي

“إن انتقاد الحكومة في مصر أشد خطرًا، أكثر من ذي قبل”؛ قالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، واصفةً حال المعارضين المصريين بمختلف انتماءاتهم في الفترة ما بين 2014 و2018؛ تلك الحقبة الزمنية التي تواصلت إلى أن خفت حدتها في العام 2022 بدعوة رئاسية لبدء حوار وطني، اعتبرته الدولة صفحة جديدة في علاقتها مع المعارضة، التي تمتعت بشيء من حرية الحديث لاحقًا، وإن كان في ظل استمرار الحبس الاحتياطي غير محدد المدة، والذي لا تزال الحكومة المصرية تُمارسه عقابًا لبعض المنتقدين من أصحاب الرأي، كالصحفيات الثلاث اللاتي تجاوزن السنة خلف أسوار السجن دون محاكمة؛ هالة فهمي، وصفاء الكوربيجي، ومنال عجرمة.

اقرأ أيضًا: “مروة” و”وفاء” وجوابات هربت من سنوات الحبس الاحتياطي

هالة فهمي.. سنة ونصف في الحبس الاحتياطي

سنة ونصف السنة أتمتها الإعلامية هالة فهمي، رهن الحبس الاحتياطي، بتهمة نشر أخبار كاذبة، بعد أن ألقي القبض عليها في أبريل 2022، وأُدرجت على ذمة القضية 441 لسنة 2022.

“هالة” وهي كبير مقدمي برامج ‏بدرجة مدير عام بالتلفزيون المصري، كانت تقدم برنامجًا أسبوعيًا اسمه “الضمير”، مساء كل ثلاثاء على شاشة القناة المصرية. واشتهرت خلال العام 2013 بعد خروجها على الهواء مباشرة فى برنامجها وهى تحمل كفنها على يدها وقت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وهجومها الحاد على وزير الإعلام السابق صلاح عبد المقصود.

هالة فهمي
هالة فهمي

بدأ استهداف “هالة” تحديدًا في ‏28 فبراير 2022، ‏بمنعها وزميلتها المخرجة وفاء بركات من دخول مقر عملها بمبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، على خلفية قرار صادر عن الهيئة الوطنية للإعلام في 17 فبراير 2022، بإحالتهما إلى التحقيق على خلفية تضامنها ودعمها ومشاركتها في احتجاجات العاملين بمبنى الإذاعة والتلفزيون رفضًا لتردي أوضاعهم الوظيفية، وطلبًا لصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة.

إذ صدرت بحقها مذكرة مقدمة من رئيس قطاع التلفزيون، بوقفها احتياطيًا عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع صرف نصف الراتب فقط، والمنع من دخول مقر عملها لحين انتهاء التحقيقات. وذلك دون إخطارها بالقرار أو استدعائها للتحقيق عبر أي وسيلة ‏رسمية أو غير رسمية، وفق “فهمي” آنذاك.

سبقت “هالة” هذه الحتجاجات ب‏اعتصام داخل مكتب رئيس القناة الثانية؛ لتشجيع زملائها على استمرار المطالبة بحقوقهم وعدم التنازل عنها، وفقًا لتصريحاتها وقتها عبر وسائل التواصل.

الملاحقة والقبض والاتهام

كان جليًا أن “هالة” لن تتغاضى عن المطالبة بحق زملائها. فبعد ما يقرب من شهرين، وتحديدًا في أبريل من العام 2022، نشرت مقطع مصور عبر صفحتها الشخصية بـ”فيسبوك”، من أمام قسم شرطة النزهة، حيث أعلنت ملاحقتها من قبل أفراد مجهولين واستغاثتها بقوات قسم الشرطة. الأمر الذي أعقبه اقتحام لرجالة أمن في زي مدني، اقتادوها من منزلها إلى جهة غير معلومة، لتظهر بعدها بيومين أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، تواجه اتهامات بالانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، ويقرر حبسها احتياطيًا على ذمة التحقيقات، حسبما نقل محامون حقوقيون بينهم خالد علي.

في تصريحاته للصحفيين، أفاد خالد علي بأن نيابة أمن الدولة استجوبت هالة فهمي حول عدد من الفيديوهات التي شاركتها عبر “فيسبوك”، تتناول أوضاع الاقتصاد المصري وأزمة سد النهضة والاستثمارات الإماراتية في مصر.

ودافعت عن نفسها بأن “تاريخي مرئي ومسموع على مدار 35 سنة، وكافي للرد على التهم المُلفقة.. اللي حصل معايا هو الإرهاب”، كما أشار المحامي الحقوقي نبيه الجنيدي. قبل أن تقرر النيابة بمشاركة جماعة إرهابية (إثارية) فى تحقيق أغراضها، والتحريض على ارتكاب جرائم إرهابية، ونشر بداخل البلاد وخارجها أخبار وإشاعات وبيانات كاذبة.

الإضراب وظروف الحبس الاحتياطي

في الحبس الاحتياطي، دخلت فهمي ‏في 16 مايو الماضي إضرابًا عن الطعام، بررته بسوء المعاملة داخل السجن واستمرار إيداعها ‏عنبر الإيراد، ‏وحرمانها من حقوقها في القراءة والتريض والتواصل مع الآخرين، بالمخالفة للائحة تنظيم السجون. واستمر إضرابها لثلاثة أيام، وفق المحامي الحقوقي نبيه الجنادي، الذي صرح بأنها “فكت إضرابها عن الطعام في محبسها، لكن مازالت أسبابه قائمة”.

وفي 24 أكتوبر الجاري أتمت “هالة” سنة ونصف السنة رهن الحبس الاحتياطي، الذي وصفته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، بأنه يمثل انتهاكًا صارخًا للحق في حرية الصحافة والإعلام، وكذلك لحق الموظف العام في حرية التعبير، وهي الحقوق التي كفلها الدستور المصري بشكل صريح، ونصت عليها المعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.

صفاء الكوربيجي وماسبيرو

548 يومًا أتمتها الصحفية صفاء الكوربيجي، في 21 أكتوبر الجاري، رهينة للحبس الاحتياطي، على ذمة القضية 441 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، وسط مطالبات بإطلاق سراحها مراعاةً لوضعها الصحي الصعب وإعاقتها الحركية التي تبلغ نسبتها 85% في إحدى ساقيها وارتشاح في الأخرى.

الصحفية صفاء الكوربيجي
الصحفية صفاء الكوربيجي

كانت “صفاء” من بين المعتضرين على تردي أوضاع العاملين بـ”ماسبيرو”، تزامنًا مع قرارات إدارية فرضتها إدارة التلفزيون، اعتبرها العاملون تضييقًا متعمدًا، غرضه تسريحهم، واستبدالهم بآخرين. وشملت إلزام العاملين بالحضور سبع ساعات يوميًا، مهما كانت أدوارهم وراء الكاميرات أو أمامها، رغم تأخر صرف مستحقاتهم التي لم يتلقوا تصريحًا رسميًا محددًا بمواعيد صرفها، وتثبيت أجهزة البصمة لمراقبة الحضور والانصراف في مواعيد محدَّدة، رغم أن العُرف في العمل التلفزيوني -داخل ماسبيرو وخارجه- يعتمد سياسة أن المذيع أو المعد مسؤولًا عن برنامج، يحضر لتقديمه أو إعداده أو إخراجه، وينصرف دون الالتزام بالبقاء لفترات طويلة.

اقرأ أيضًا: من كرسي بمقهى شعبي إلى سجن العاشر.. هيثم خليفة قيد الحبس الاحتياطي بسبب فيديو

لم يلتزم معظم العاملين في ماسبيرو بتلك الإجراءات القاسية مهنيًا، ليفاجأوا بمزيد من الإجراءات، دفعتهم في يناير 2022 إلى التجمع والتظاهر ثم الاعتصام في المبنى الرئيسي لاتحاد الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو، اليوم، للتظاهر داخل المبنى، قبل أن تتم السيطرة على الوضع أمنيًا بعد 3 أشهر من اشتعال الأزمة.

الكوربيجي بين الفصل والحبس الاحتياطي

في أعقاب ذلك، وفي 6 مارس 2022، أصدر رئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتليفزيون بالإنابة ورئيس التحرير خالد حنفي، قرارًا بإنهاء خدمة الصحفية المُدرجة بالنقابة صفاء الكوربيجي، سكرتير تحرير في المجلة، لانقطاعها عن العمل دون إذن أو عذر مقبول، اعتبارًا من يوم 1 يناير 2022 حتى 6 مارس من العام نفسه، رغم إنذارها على محل إقامتها الثابت بملف خدمتها أكثر من مرة، وفقًا لنص القرار.

في المقابل، تقدمت الكوربيجي بتظلم إلى مجلس نقابة الصحفيين ضد قرار إنهاء خدمتها من عملها، دفعت خلاله بأن قرار فصلها باطل لعدة أسباب، منها: أنها لم يتم إنذارها بعد انقطاعها عن العمل أكثر من 7 أيام طبقًا لنص المادة 100 من القانون 48 لسنة 1978 والذي يخضع له الصحفيون بالمجلة.

وأشارت الكوربيجي، في تظلمها، إلى ظروفها الصحية الخاصة، التي ينطبق عليها قرار رئيس الوزراء والذي يمنحها الحق في الإعفاء من الحضور والانصراف، وفق نص المادة 62 من اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018.

لم يشفع لـ”صفاء” عملها الصحفي أو  أنها من ذوي الهمم. وفي 20 أبريل 2022، ألقت قوة من الشرطة القبض عليها، حيث تقيم مع والدتها في حي المقطم بمحافظة القاهرة. وظلت لساعات طويلة بسيارة الشرطة لحين الانتهاء من التقرير الطبي الخاص بحالتها، ليتم ترحيلها إلى السجن مباشرة.

عُرضت “صفاء” على نيابة أمن الدولة العليا في اليوم التالي، وأمر بحبسها على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 حصر نيابة أمن الدولة العليا بالاتهامات نفسها التي وجهت إلى زميلتها هالة فهمي.

وخلال تحقيقات النيابة تمت مواجهتها بالفيديوهات “اللايف” على صفحتها الشخصية بـ”فيسبوك” كأحراز، ارتبطت بحركة الاحتجاج داخل ماسبيرو ضد إدارة الهيئة الوطنية للإعلام، والتي كانت أوقفت ثمانية إعلاميين بقطاع القنوات الإقليمية، على خلفية هذه الأحداث.

رحلة منال عجرمة إلى الحبس الاحتياطي

تقترب الصحفية منال عجرمة، من إكمال سنة رهن الحبس الاحتياطي، على ذمة القضية رقم 1893 لسنة 2022 حصر أمن دولة، وسط مطالب بإطلاق سراحها حتى ترعى والدتها المسنة.

منال عجرمة
منال عجرمة

وألقت قوات الأمن القبض على الصحفية والنائب السابق لرئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، منال عجرمة، في الأول من نوفمبر من العام الماضي، من منزلها بالتجمع الخامس، وباشرت نيابة أمن الدولة العليا، في 3 نوفمبر، أول جلسات التحقيق معها. وقررت حبسها لمدة 15 يومًا، بشأن اتهامها في القضية رقم 1893 لسنة 2022 حصر أمن دولة.

وجاء القبض على “منال” في وقت شنت فيه الأجهزة الأمنية حملة واسعة تحسبًا لدعوات 11 نوفمبر، التي أطلقها المقاول المقيم في إسبانيا محمد علي، بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ التي استضافتها مصر في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر.

وفي 10 فبراير الماضي، توفي والدها. وعلى إثر ذلك، طالب أكثر من مئة صحفي بالإفراج الكامل عنها حتى تتمكن من رعاية والدتها، مشيرين إلى معاناتها من مشاكل صحية في العمود الفقري، بالإضافة إلى تدهور حالتها الصحية جراء حبسها.

وتحتل مصر المركز 168 في تصنيف مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، ويقيم حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنويًا.

وذكرت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، في تقريرها الذي يوثق إحصاء الصحفيين السجناء حول العالم في ديسمبر من العام 2021، أن مصر جاءت في الترتيب الثالث عالميًا على قائمة الدول التي تحتجز أكبر عدد من الصحفيين، حيث بلغ عدد الصحفيين السجناء فيها 25 صحفيًا في عام 2021.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة