“مروة” و”وفاء” وجوابات هربت من سنوات الحبس الاحتياطي

“عايزة استخبى من النور والناس، أنا مش مصدقة إني من 20 أبريل مروحتش وإني ممكن مروحش قبل سنتين ثلاثة، السجن وحش أوي يا ماما” المدونة والمترجمة مروة عرفة (30 عامًا).

زوار الفجر يطرقون بابها

مع بداية هذا النهار، كانت تشعر بقبضة في صدرها لا تعرف سببها، حاولت تجاهلها بالتركيز مع احتياجات ومتطلبات طفلتها الصغيرة، إلا أن قلبها كان لا يزال على ثقله والضيق الذي يعتريه.

تواصلت مع صديقتها التي تعيش معها في الشقة نفسها، فنصحتها بإلهاء نفسها في العمل، واتفقتا على قضاء بعض الوقت معًا.

لبعض الوقت، أشغلت “مروة” نفسها بالعمل، ثم قضت باقي يومها مع طفلتها ذات السنوات الخمس وصديقتها وكأنها تودعهما. إذ بينما قررت أخيرًا الخلود إلى النوم، وتحديدًا عند تمام الساعة الواحدة والنصف صباحًا، وقع ما ظلت أشباحه تطاردها طوال يومها السابق. “الخبط على الباب كان زي القنابل.. كان هيتكسر.. دخلوا خدوها من وسطينا واختفت معاهم من وقتها”. 

حدث هذا في 20 أبريل 2020، عندما اقتحم رجال طوال القامة أقوياء البنيان، يرتدون ملابس ليس لها صفة رسمية، باب مسكن مروة عرفة، ليقتادوها من دفء العائلة إلى مجهول ستتكشف أيامه لاحقًا.

خاضت الأسرة ومعهم الأصدقاء رحلة البحث القاسية، مؤلمة التفاصيل والإنكار في كل الأقسام والجهات، لأيام زاد طولها سؤال الصغيرة عن حضن أمها: “ماما فين؟”.

أسبوعان كاملان كسر مجهولهما أخيرًا ظهور مروة عرفة في نيابة أمن الدولة في حال يرثى لها، بملامح مرهقة وقلب مشتاق لطفلتها وأسرتها، التي كانت عددت تلغرافات استغاثتها من اختفاء مروة قسريًا أمام النائب العام ووزير الداخلية.

على ذمة القضية 570

أُدرجت “مروة” على ذمة القضية رقم 570 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا وبقيت رهينة تجديد الحبس الاحتياطي طيلة 3 سنوات، جددت مرة أخرى في سبتمبر الماضي، بقرار محكمة جنايات إرهاب القاهرة، التجديد 45 يومًا أخرى، على ذمة التحقيق في اتهامات ارتكاب جريمة من جرائم التمويل، والانضمام لجماعة إرهابية، مع أكثر من 40 متهمًا آخرين.

رغم وضوح اتهامها ومكان احتجازها، إلا أن أسرتها لم تتمكن من زيارتها في الأشهر الثلاثة الأولى. ذلك لتعنت الجهات المعنية، التي منعت الزيارات خلال وقت احتجازها في قسم شرطة مدينة نصر؛ وفق الأسرة ومحاميها مختار منير، الذي أوضح في حديثه لـ”فكر تاني” إن أزمة “مروة” بدأت بأمر حبس احتياطي بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها، ومن ثم انتقلت إلى مرحلة أخرى بالنقل إلى قسمين شرطة مختلفين، قبل نقلها إلى قسم شرطة مدينة نصر أول، حيث قضت ثلاثة أشهر دون زيارات.

أين ماما؟.. “وفاء” وسؤال عن الآمان

طوال ثلاثة أشهر لم تكن هناك وسيلة تواصل بين مروة وطفلتها “وفاء”، التي ربما تحتفظ طويلًا بملامح الرجال حادين الطباع الذين اقتنصوا أمها من حضنها وتركوها وحيدة تبحث في وجوه المحيطين عن أمان لا يعوض.

يصف أحد أصدقاء “مروة” حال طفلتها، فيقول: “صدمتها النفسية خلتها متأخرة في الاستيعاب عن باقي الأطفال اللي في سنها.. الأزمة دي أثرت على نطقها وسلوكها”.

جوابات مروة.. عن الحرية وبشاعة السجن

إلى الجوابات ورسائل البوح بآلام السجن وبشاعته تهرب “مروة” بكل ورقة تتمكن من تهريبها إلى والدتها. 

“عايزة أستخبى من النور والناس، أنا مش مصدقة إني من 20 أبريل مروحتش وإني ممكن مروحش قبل سنتين ثلاثة، السجن وحش أوي يا ماما”. 

لم تذق “مروة” طعم الحرية منذ يوليو 2020 حين أودعت سجن القناطر، لكنها لم تتوقف عن الكتابة. أرسلت إلى أصدقائها: “حبايبي وحشتوني أوي، معلش حقكم عليا خلوا بالكم من نفسكم، وحافظوا على طاقتكم، خلوا نفسكم طويل الحياة مراحل، مفيش للأبد، لابد الحال يتغير ويتعدل ومافيش مفر! خلينا وخليني افكركم وأفكر نفسي شرط المحبة الجسارة، شرع القلوب الوفية. ولابد من يوم تترد فيه المظالم، أبيض على كل حر، أسود مهبب على كل ظالم”.

أين “هن” من قوائم الإفراج؟

“سنظل نحلم بمصر بلا سجينات رأي وبلا سجناء سياسيين”؛ جميلة إسماعيل

في أبريل من العام 2022، وخلال حفل إفطار الأسرة المصرية، أوصى الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب 2016، طالبًا أن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية. الأمر الذي تزامن معه تفعيل قوائم الإفراج عن محبوسي الرأي من النشطاء والعاملين بالسياسة ومجال حقوق الإنسان. 

وبالفعل، تم الإفراج عن عدد كبير من سجناء وحبوسي قضايا الرأي؛ كان آخرهم وأكثرهم شهرة أحمد دومة، الذي نال حريته بعد أن قضى ما يقارب عشر سنوات خلف القضبان، بينما لم تشمل قوائم الإفراج تلك نسبة مرضية من سجينات الرأي ومن بينهن اسم مروة عرفة الذي خلت منه كل القوائم رفضًا لإطلاق سراحها.

“مفيش فرحة بجد قبل ما نفرح بكل الغايبين من غير تنقيط ولا نشفان ريق”؛ أحمد دومة

تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالإفراج الوجوبي عن “مروة”، وتفعيل النصوص القانونية المنظمة للحبس الاحتياطي الواردة بقانون الإجراءات الجنائية المكمل للدستور، لما تنطوي عليه تلك النصوص من الحد الأدنى من الضمانات المتعلقة بتقييد حرية وسلامة الأفراد.

بينما لا تزال “مروة” تنتظر حرية تعيدها إلى صغيرتها “وفاء”؛ حرية حقيقية أو حرية لجواب جديد يشكو بآلام السجن وقسوته.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة