تصاعدت الأصوات الغاضبة في طهران من العنف المتواصل ضد النساء الإيرانيات، على إثر إعلان الحكومة وفاة "الطفلة" أرميتا كراوند دماغيًا، بعد الاعتداء عليها من قبل شرطة الأخلاق - بحسب منظمات حقوقية إيرانية- أثناء دخولها محطة مترو الأنفاق وهي في طريقها إلى المدرسة مطلع الشهر الجاري. ويأتي ذلك بعد عام واحد من وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني سبتمبر العام الماضي بعد الاعتداء عليها هي الأخرى من شرطة الأخلاق بتهمة انتهاك قوانين حجاب الرأس.
"آرميتا كراوند" مراهقة إيرانية تبلغ من العمر الـ16 عامًا فقط؛ لكن كتب لها أن يتوقف بها الزمان عند هذا الرقم بعد أن أعلن أطباء مستشفى "فجر العسكري" بطهران الأحد الماضي، إصابتها بالموت الدماغي. على إثر تعرضها لعنف شديد من عناصر في دورية "شرطة الأخلاق" بمترو الأنفاق وهي في طريقها إلى المدرسة، مطلع الشهر الجاري (شهر مهرماه في التقويم الفارسي)، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية ودولية، لعدم ارتدائها غطاء الرأس.
اقرأ أيضًا:نصر جديد للنساء يزعج إيران الثيوقراطية.. السجينة نرجس محمدي تفوز بـ"نوبل للسلام"
الامتثال للحجاب الإلزامي
ووفق منظمة هنكاو الحقوقية، المعنية بحقوق الأكراد في إيران، فإن آرميتا (التي تتحدر من مدينة كرمنشاه في غرب إيران ذات الأغلبية الكردية) تعرضت لاعتداء جسدي من قبل ضابطات إيرانيات في شرطة الآداب المعروفة باسم "مترو حجاب بنان"، قبيل وصولها محطة مترو الشهداء برفقة زميلاتها، بعد أن طلبن منها تعديل حجابها، لكنها تشاجرت معهن، وتم الاعتداء عليها، لما اعتبرنه عدم امتثال للحجاب الإلزامي، ثم دُفعت ليرتطم رأسها بالمترو، وتسقط في غيبوبة.
هذه الرواية تنفيها الحكومة الإيرانية منذ مطلع الشهر الجاري، وتؤكد أن الفتاة تعرضت لانخفاض حاد في ضغط الدم نتج عنه سقوطها؛ وهو الأمر الذي أكده، أيضًا، والديها ولكن بعد ضغط شديد من الشرطة، بحسب المنظمات الحقوقية.
وقالت منظمة الجبهة الوطنية الإيرانية (سازمان هاي جبهة ملي إيران):" آرميتا فتاة أخرى من إيران ترغب بشدة في العودة إلى الحياة. وتعرضت الطفلة لهجوم من قبل مرتزقة نظام الملالي وهي في طريقها للمدرسة، وتعرضت لضربة قاسية أدخلتها في غيبوبة عميقة وموت دماغي"، متابعة أن النظام الوحشي مارس ضغوطًا على عائلة المراهقة، وتعرض والدها لاعتقال وأُجبر على الاعتراف برواية غير صحيحة، وأيضًا التوقيع على تعهد مكتوب يمنعهم من تقديم شكوى بشأن الانتهاكات التي تعرضت لها آرميتا، سواء للشرطة أو أي منظمة حقوقية، كما لم تتمكن العائلة من رؤية ابنتهم ولو لحظة منذ الحادث. وطالبت المنظمة الحقوقية بالتحقيق في الواقعة وإنهاء تطبيق قانون العفة والحجاب الإلزامي.
فيما تصاعدت الأصوات الغاضبة من العنف المتواصل ضد النساء الإيرانيات، وأكدت تعليقات السوشيال ميديا أن فتاة المترو ليست الضحية الأولى ولن تكون الأخيرة، فتقول فاطمة عبر تغريدة لها على موقع إكس: "ظلوا يحدثوننا طوال حياتنا بأنه قبل 1400 عام أنقذ الإسلام الفتيات من الوأد والدفن أحياء؛ لكنا اليوم نرى الفتيات تُقتل وتُعتقل بحجة تطبيق الإسلام". بينما علقت سبيده: "في كل مكان في العالم يوجد مترو أنفاق يمكننا من الوصول إلى وجهتنا؛ لكن في إيران تبقى الفتيات حين ترتاده على موعد مع الموت". وعددت آريا في تغريدة لها أسماء ضحايا من النساء تعرضن لنفس العنف قائلة: "مهسا أميني، آرميتا جراوند، رؤيا زكري، والآن فتاة يزد.. دعونا لا نصمت أمام هذه الجرائم البشعة". ونددت سيمرغ بالواقعة حين قارنت بين أفعال السلطة الإيرانية التي حسب وصفها تقتل مراهقات عزل في مترو الأنفاق، في مقابل دعمها بكل قوة للقضية الفلسطينية وشعب غزة الذي تتم إبادته حاليًا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية.
تأجج الغضب داخل المجتمع الإيراني، يأتي في حلول الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإيرانية مهسا أميني والتي توفيت جراء حادث اعتداء مماثل من عناصر شرطية في 16 سبتمبر من العام الماضي، وأشعل مقتلها احتجاجات أمنية واسعة تراجعت حدتها في نهاية ديسمبر الماضي، قُتل فيها المئات واعتقل غيرهم، ونفذت أحكام الإعدام بحق سبعة من المدنيين في قضايا متصلة، على إثر تلك الاحتجاجات.
اقرأ أيضًا:"مروة" و"وفاء" وجوابات هربت من سنوات الحبس الاحتياطي
فما الذي يحدث في إيران؟
بعد الثورة الإسلامية في إيران، انطلقت دوريات شرطية تختص بالقضايا الاجتماعية والمظهر العام الذي فرضته الدولة، في أمور مثل فحص ملابس الأفراد والعلاقات بين الإناث والذكور. وفي صيف العام 2005، أعلن مسؤولو الشرطة عن بدء دوريات الإرشاد، موضحين أن مهمتها فقط تحذير النساء "غير المحجبات"، لكن سرعان ما اتخذت تلك الدوريات كذريعة لاعتقال النساء بسبب حجابهن وتعرضن لمحاكمات قضائية. وتستند تلك الإجراءات على المادة (85) من دستور الجمهورية الإيرانية الإسلامية، والتي بمقتضاها يحق للمجلس الإسلامي أن يعهد بسلطة سن القوانين إلى لجانه الداخلية دون الحاجة إلى إقرارها من المحكمة أثناء انعقاد المجلس. وبناء عليه؛ فإن الاعتقالات الناجمة عن تطبيق مثل هذه القوانين نافذة، ولا يضع الدستور حدًا زمنيًا لتنفيذ المحاكمات، ما يعني وضع النساء قيد الاعتقال مدة غير محدودة.
ولم تكتف السلطات الإيرانية بتطبيق قوانين الإرشاد منذ الثورة؛ رغم قيام العديد من الاحتجاجات الناجمة عن تعرض كثير من الإيرانيات للعنف البدني الذي وصل إلى حد القتل في بعض الأحيان؛ بل تجاوز الأمر ذلك إلى إقرار ممثلي المجلس الإسلامي، في نهاية سبتمبر من العام الجاري، مشروع قانون تجريبي (مشروع قانون الطوارئ "دعم ثقافة العفة والحجاب") في الذكرى السنوية الأولى لمقتل "مهسا أميني".
ماذا يقول القرار؟
بحسب مشروع قانون دعم الأسرة والذي يعرف بـ"وثيقة العفة والحجاب" فإن أي شخص طبيعي أو اعتباري "يروج أو يعلن عن العري أو الفاحشة أو سوء اللباس أو كشف الحجاب" بأي شكل من الأشكال. سواء في الفضاء الإلكتروني أو العلني أو في وسائل الإعلام، حتى وسائل الإعلام الأجنبية، سيعاقب بالسجن من 5-10 سنوات وغرامة مالية كبيرة، إضافة إلى المنع من مغادرة البلاد والمنع من العمل. ويطبق هذا القانون في كل الأماكن بما فيها داخل السيارات الخاصة وأماكن العمل، والمقررات الجامعية العامة وغيرها. أيضًا فإنه بموجب هذا القانون، يجب على السلطات المختصة أن تعمل على الفصل بين الجنسين في البيئات العامة ومنع نشر أي محتوى صوتي ومرئي يخالف القانون.
أيضًا، بموجب القانون، تشكل "هيئة التنسيق والتوجيه لتنفيذ قرار العفة والحجاب" من "السلطة العليا" للمؤسسات المذكورة في نص القرار. كما أن المنظمات التي لا تخضع للسلطة التنفيذية، بما في ذلك القوات العسكرية وقوات إنفاذ القانون وهيئة الإذاعة والتلفزيون، "ملزمة بالتعاون". وتم تكليف وزارة الإعلام وجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني بمهمة "رصد المعلومات حول الجريمة المنظمة ومنع انتشار ثقافة العري والفحش وعدم الحجاب والملابس السيئة"، بما في ذلك: "تحديد الأشخاص الذين يروجون لثقافة العري أو عدم الاحتشام أو عدم الحجاب، بالتعاون مع الحكومات أو الشبكات أو وسائل الإعلام أو الجماعات أو المنظمات الأجنبية"، ويرسلون الفيديو أو الصورة المتعلقة بالمواضيع المذكورة أعلاه إلى الأجانب لتقديمهم إلى الجهة القضائية المختصة. ومن بين المؤسسات التي تم تكليفها بتنفيذ القانون: الشرطة، ومنظمة الباسيج، ومنظمة الدعاية الإسلامية، ومنظمة الرفاه.
قمع متزايد
وحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في العام 2019، فإن هناك أشكال متعددة من قمع النساء وصلت إلى حد حظر وسائل التواصل الاجتماعي مثل تطبيقات انستجرام وفيسبوك وتليجرام وتويتر لعدد من عارضات الأزياء والفنانات، كما أن قوات الشرطة كثيرًا ما تقوم بمداهمة الحفلات الخاصة، وتوجه الاتهامات لأصحابها بحجة الاختلاط بين الجنسين. ويؤكد التقرير أنه على المستوى العام، فإن نساء إيران تواجهن عنفًا مبني على النوع الاجتماعي برعاية السلطة، ويتعرضن للتمييز المؤسسي في المجالات الجنائية والمدنية؛ بما في ذلك الأمور المتعلقة بالزواج المبكر والقسري والعنف المنزلي والطلاق والميراث وتولي المناصب.
أيضًا وبحسب التقرير، تعرضت ناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة للاعتقال؛ ففي أبريل 2019، ألقي القبض على ياسمان أرياني، ومنيرة عربشاهي، وموزجان كشافارز بعد احتجاجهن العلني على قوانين الحجاب الإلزامي في اليوم العالمي للمرأة، وحكم عليهن بالسجن مدد تتراوح ما بين 16-23 عامًا بتهمة المساس بالأمن والآداب العامة. كما تلقت عدد من السائقات إنذارات صارمة نتيجة خلعهن الحجاب أثناء قيادة سيارتهن الخاصة.
كما قدمت السلطات مشاريع قوانين تهدف إلى زيادة حجم العقوبات وتشديدها على النساء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب؛ وحرمانهم من الحقوق والخدمات الأساسية مثل الوصول إلى الخدمات المصرفية، ورخصة القيادة، وبطاقة SIM المتنقلة والإنترنت؛ وإجراءات عقابية ضد أصحاب الشركات، إذا لم يلتزم موظفوها وعملاؤها بالحجاب الإلزامي. حتى أن الجامعات والمدارس بما فيها المدارس الابتدائية، أصدرت قرارات بحق النساء والفتيات اللاتي لا يلتزمن بالحجاب الإلزامي التمييزي، بموجبها يُحرمن من الحق في التعليم.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن بعض تصريحات المسؤولين تشجع على الهجمات ضد النساء. ففي أكتوبر 2020، طالب اثنان من أئمة المساجد، بالحفاظ على مجتمع الفضيلة؛ وذلك عن طريق جعل المجتمع غير آمن للنساء اللاتي لا تتبعن قواعد الحجاب، وتظهر البيانات التي تم جمعها بين عامي 2003 و2013 أن 30 ألفًا من النساء الإيرانيات تم إلقاء القبض عليهن بتهمة مخالفة قوانين الحجاب الإلزامي، وتم إحالة 4358 أخريات إلى القضاء للمحاكمة، مع العلم أن هذا العدد ربما تزايد إلى أضعافه في السنوات التالية وحتى العام الجاري. وفي عام 2019، أعلنت السلطة أن مشاركة مقاطع فيديو لنساء يخلعن حجابهن، يؤدي إلى السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.