في أحدث بياناتها عن الحرب الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة، أعلنت شركة "ميتا" عن مراقبة دقيقة، تجريها على المحتوى المنشور عبر منصاتها "فيسبوك" و"إنستجرام" و"واتساب" و"ثيرد"، بررته بمواجهة خطاب العنف ودعم حركة المقاومة "حماس"، فيما أنشأت مركزًا خاصًا يعمل به خبراء، بمن فيهم أشخاص لغتهم الأصلية العبرية والعربية، لمراقبة تلك الأوضاع سريعة التطور والاستجابة لها عن كثب في الوقت الفعلي. بما يسمح بإزالة المحتوى الذي ينتهك معاييرها بشكل أسرع، والعمل بمثابة خط دفاع آخر في مكافحة المعلومات المضللة، وفق البيان.
"يكفي أن يحتوي منشورك على كلمة (فلسطين أو غزة أو مقاومة) أو أي كلمة أخرى تدل على دعم القضية الفلسطينية، لتقيد فيسبوك حسابك أو تتم إزالة منشوراتك دون سابق إنذار أو سبب"؛ يقول "نضال" -اسم مستعار- في حديثه لمنصة "فكر تاني"، مشيرًا إلى أن هذا الموقف سواء من فيسبوك أو وسائل الإعلام الدولية إنما يؤكد الميل الغربي الدائم لحسابات المصالح على حساب حقوق الإنسان والأزمات الإنسانية.
يستخدم "فيسبوك" قرابة 188 مليونًا من العرب؛ وفق آخر أرقام رصدتها دراسة في 2021 أجراها الدكتور معتز صلاح الدين، رئيس شبكة إعلام المرأة العربية مستشار المركز الديمقراطي لدراسات الشرق الأوسط في نورث كارولينا، في مقابل 44 مليونًا في "إنستجرام"، و42 مليونًا في "تويتر".
ولهذا فإن المستخدمين الناطقين باللغة العربية -وغالبيتهم داعمين للقضية الفلسطينية- هم الفئة المستهدفة ببيان "ميتا"، الصادر في 13 أكتوبر الجاري، والذي أعلن إزالة أكثر من 795 ألف عنصر محتوى أو تمييزها على أنها مزعجة بسبب انتهاك سياسات الشركة فيما يتعلق بالمعارك الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين.
هذا الأمر دعا تقنيون مصريون مؤيديون للقضية الفلسطينية مؤخرًا إلى ابتكار وسائل جديدة تحمي محتواهم مما اعتبروه انحيازًا غربيًا من الشركة ضد سكان غزة الذين يتعرضون لحصار وغارات كثيفة أسقطت مئات الضحايا من الأطفال والنساء وآلاف المصابين، منذ أوائل الشهر الجاري.
"فلنخدع خوارزميات فيسبوك"
إلى جانب فريق خبرائها المستحدثين، فإن "فيسبوك" وغيرها من منصات التواصل تعتمد في سياساتها لمراقبة المجتوى على "خوارزميات" معقدة، تعمل على تقصي كلمات مفتاحية محددة، تمكنها من تحديد النص المستهدف بالإزالة ومن ثم اتخاذ إجراء الحذف أو التحذير بحقه. وهذا ما عمل المصري محمد درويش، على خداعه بأداة "فلسطين حرة"، التي أنشأها حديثًا تعبيرًا عن دعمه للقضية الفلسطينية.
يقول "محمد" في حديثه لمنصة "فكر تاني": "ببساطة هي أداة تغير شكل الجملة التي يضمها النص بإضافة رموز وحروف إنجليزية إليها من أجل تصعيب المهمة على الذكاء الاصطناعي ولوغاريتمات فيسبوك، فلا تفهم مضمون أو معنى المكتوب بينما تصل الرسالة إلى الجميع".
وفر "محمد" أداته الجديدة باللغتين العربية والإنجليزية، وتتضمن حوالي 727 كلمة للغة الغربية، و600 كلمة للغة الإنجليزية.
وتشير موثقة عمل وسائل الإعلام الرقمي مروة فطافطة، مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيًا في Access Now (مجموعة دولية للحقوق الرقمية)، إلى أن رقابة "فيسبوك" تعمل تقريبًا كالساعة، فكلما تصاعد العنف على الأرض تتصاعد عملية إزالة المحتوى الفلسطيني أو حتى المعلن لأخبار الجهة ككل، على حد قولها.
وتضيف "فطافطة"، في تصريحات صحفية، أنه خلال نقل أحداث حي الشيخ جراح في فلسطين تمت إزالة ما يقرب من 90 محتوى متعلق بالحديث عن القضية، ضم تدوينات تضامن مع أطفال وشيوخ ونساء عُزل قُتلوا في هذه الأحداث، بالإضافة إلى محاولة مناشدة المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للتوقف عن مجازرها بحق الفلسطينيين.
شفرة القدس في مواجهة "فيسبوك"
للغرض نفسه، برمج حسام جمال أداة وبرنامج "شفرة القدس" لتشفير النصوص، متاحة الآن للتحميل على "جوجل بلاي". يقول في حديثه لـ"فكر تاني": "التطبيق في البداية كان مبني على خوارزمية تشفير من تصميمي على اسم التطبيق، لكن للأسف كان النص صعب القراءة، فاضطريت أضيف كام طريقة لتعديل النصوص بحيث أنها تكون صعبة الفهم لخوارزميات فيسبوك.. عشان تعرف تحلها هتكون محتاجة Ai Model، وده بيحتاج وقت للتعلم، إلى جانب إن لازم تكون في بيانات متاحة ليه من نفس نوعية النصوص بعد التعديل، وبالتالي هيكون صعب جدًا أنه يقدر يفهم النص في الوقت الحالي".
يتميز تطبيق "شفرة القدس" بأنه مجاني تمامًا ولا توجد به إعلانات ولا يحتاج إلى إنترنت أو طلب أذون على الهواتف، محققًا معدل تحميل قرابة 100 ألف مرة، ما جعله قريبًا من شهرة برنامج «دوتليس» الذي يعتمده عديد من الناشرين العرب في تدويناتهم الداعمة لغزة.
ليست سياسة جديدة
سياسة "ميتا" الحالية وإن كانت شديدة الرقابة أكثر من السابق مع اشتداد الحرب وتأزمها على إثر عملية "طوفان الأقصى"، فإنها ليست بجديدة فيما يتعلق بهذه القضية، إذ امتثل موقع فيسبوك لـ95% من طلبات الحكومة الإسرائيلية بفرض رقابة على منشورات الفلسطينيين، التي اعتبرتها "محرضة للعنف الفلسطيني"، ولا سيما في فترة اختيار الإسرائيلية إيمي بالمور ضمن حكماء منصة "فيسبوك"، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في سبتمبر 2016.
واتهمت "هيومن رايتس ووتش" منصة "فيسبوك" بإزالة وقمع بشكل غير جائز محتوى نشره فلسطينيون ومناصروهم، يتضمن الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين خلال الأعمال العدائية في مايو 2021. بينما أشارت إلى اعتراف الشركة بالأخطاء ومحاولات تصحيح بعضها بـ "غير كاف ولا يعالج حجم ونطاق القيود على المحتوى المبلغ عنها، ولا يشرح بشكل كاف سبب حدوثها في المقام الأول".
وقالت ديبرا براون، المناصِرة والباحثة الأولى بشأن الحقوق الرقمية في هيومن رايتس ووتش وقتها: "قمعت فيسبوك المحتوى الذي يتحدث عن القضايا الحقوقية في إسرائيل وفلسطين الذي ينشره الفلسطينيون ومؤيدوهم. مع تهديد المساحة المتاحة لمناصرة هذه القضايا في أجزاء كثيرة من العالم، تهدد رقابة فيسبوك بتقييد منصة مهمة للإبلاغ والمشاركة في هذه القضايا".
وجاء ذلك تعليقًا على تصاعد العنف في أجزاء من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة خلال مايو، وتوجه الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتوثيق، وزيادة الوعي، وإدانة الحلقة الأحدث من الانتهاكات الحقوقية، حيث كان هناك سعي إلى إجبار فلسطينيين على ترك منازلهم، وقُمع متظاهرون بشكل وحشي، مع تعرض دور عبادة للاعتداءات، ووقع عنف بين المجتمعات المحلية، فضلًا عن هجمات صاروخية عشوائية، قتلت عشرات المدنيين، وفق الموقع الحقوقي.