"اتجوزت 12 سنة وما خلفتش.. اتطلقت لأسباب مالهاش علاقة بعدم قدرتي على الإنجاب، لكن فجأة لقيتني 37 سنة ومعنديش خبرة في أي حاجة، وشهادتي رغم أنها جامعية لا تواكب سوق العمل حاليًا، فمكنش قدامي غير الإنترنت".
في السنوات الأخيرة فتحت شبكة الإنترنت بابًا كانت تظنه النساء في مصر من شدة اليأس لا يفتح، فوفرت منصات العمل ومجموعات "الأون لاين" فرصًا غير محدودة لآلاف النساء الباحثات عن سبيل لتدبير المال من المنزل.
"ياسمين سامي"، واحدة من هؤلاء، ساعدتها شبكة الويب على تجاوز محنتها، مستفيدة من ثورة العمل الحر إبان أزمة "كوفيد-19" التي اجتاحت العالم.
سوق العمل ظالم للنساء
لسنوات طوال كان سوق العمل المصري ظالمًا للنساء، لا يستفدن من فرصه إلا في نطاق ضيق تمامًا، لا يتجاوز في أغلبه مجال الزراعة، الذي كان يقوم على العمالة النسائية، دون غطاء تأميني أو أجور عادلة، لغيابه عن التسجيل الحكومي لأسباب ثقافية واجتماعية.
تقول أستاذة الاقتصاد دعاء عبده رئيس قسم الاقتصاد بجامعة أكتوبر للعلوم والآداب، في ورقة بحثية نشرتها عن دور النساء في سوق العمل المصري، إنه منذ التسعينيات وإلى الآن تراوحت نسب بطالة الذكور بين 5% و10%، بينما تراوحت نسبة بطالة الإناث بين 17% و25% في الفترة نفسها، في وقت كانت نسبة النساء العاملات لحسابهن الخاص ما بين 35% و52%.
اقرأ أيضًا: لماذا تُوصف النساء بـ "الجنس المتوتر"؟
"البداية كانت صعبة جدًا، جوزي كان لسه متوفي وما كنش عندي أي معارف، بس من خلال الإنترنت تعرفت على مجموعات ساعدتني على العمل ومنها كونت دائرة من المعارف اللي بترشحني لناس تانية.. دلوقتي الدخل اللي بوفره من العمل عن طريق الإنترنت هو أكبر معين لي على مواصلة الحياة وتعليم أبنائي وتربيتهم".
تعمل "رشا محمود - 40 عامًا"، صاحبة الخبرة الممتدة لسنوات، في مجال الرعاية والتمريض المنزلي. ساعدتها مجموعات الإنترنت في الوصول إلى عملاء محتميل بعد أن قررت ترك ظروف العمل القاسية والراتب الزهيد بالمستشفيات والعيادات الطبية إبان "كوفيد-19".
تقول: "في المستشفيات والعيادات الطبية وقت العمل بيبقى طويل جدًا والعائد منخفض ما يكفيش أعيل بيه أسرتي بعد وفاة جوزي فأخدت المخاطرة دي وربنا وفقني".
رغم قدرة الإنترنت الواسعة على فتح مجالات عمل للنساء في مصر، إلا أنه لا توجد إلى الآن دراسة موثقة حول تأثيره الحقيقي في تغيير حياة النساء سوى حكايات التجارب الشخصية. ومع ذلك، فإن المسح الإحصائي الوطني في عام 2020، يظهر أن نسبة النساء العاملات لحسابهن الخاص انخفضت، وهي مهن تتنوع بين تجارة الجملة والتجزئة والرعاية البشرية والصحية والتصنيع والتعليم.
![](https://www.fakartany.net/wp-content/uploads/2023/10/فرص-عمل-من-المنزل-للنساء-1-1024x576.jpg)
نساء معيلات يروين كيف غير الإنترنت حياتهن
عبر مجموعة مغلقة للنساء المعيلات، تحكي "منال السيد" عن تجربتها في التسويق العقاري من خلال الإنترنت. تقول: "مررت بتجربة صعبة بعد الزواج الثاني لزوجي. في البداية حاولت التأقلم مع الوضع والانصياع لنصائح أسرتي التي لا تريد تحمل مسؤوليتي وأبنائي لكنني لم أقدر. طلبت الطلاق وكان شرط عائلتي أن أترك أبنائي لوالدهم وزوجته الجديدة، وهو ما رفضته، وقررت معه الاعتماد على نفسي عائلةً لصغاري أبحث عن عمل ينقذنا".
ظلت "منال" لفترة دون عمل تعيش وأطفالها بنفقة لا تكفل لهم الحياة الكريمة، لا تجد فرص عمل حقيقية بعائد يعينها في مكاتب المحاماة ومراكز المدرسين، حتى وجدت أخيرًا بابًا للعمل عبر الإنترنت في مجال التسويق العقاري.
"كانت صديقة لي تبحث عن شقة في المنطقة التي أسكن بها، ساعدتها في الوصول لواحدة جيدة السعر مقابل القيمة. حينها فقط اكتشفت قدرتي على التسويق العقاري، خاصة وأنني أسكن في إحدى المدن الجديدة التي تتوفر بها شقق للعائلات والأفراد الراغبين في سكن متوسط بسعر معقول"؛ تقول "منال" التي بدأت رحلتها في سوق العمل من المنزل، تبحث عن أصحاب الشقق في محيطها السكني وتربطهم بالراغبين في تأجيرها.
تضيف: "بدأت استخدم فيسبوك وأولكس للترويج لشغلي، ورغم المضايقات اللي اتعرضت لها أحيانًا بس قدرت أحقق دخل جيد وأنا في منزلي أرعى أبنائي أغلب الوقت".
اليوتيوب والريلز.. بديلا الإعلام التسويقي
مشروعات الطبخ المنزلي أكثر المشروعات الاقتصادية الناشئة انتشارًا على الإنترنت النسوي، الذي تعتمد فيه النساء على قنوات اليوتيوب وفيديوهات الريلز للترويج لأعمالها ووصفاتها للمأكولات. وهي تلقى رواجًا كبيرًا عبر هذه المنصات.
اقرأ أيضًا: تحديات تواجه النساء الباحثات عن عمل في مصر
"مطبخ إنصاف"، لصاحبته الخمسينية نموذجًا لأحد هذه المشروعات التي كانت فرصة ضرورية لمواجهة التضخم الاقتصادي في بلد يعاني أزمة كبيرة في قيمة الجنيه وارتفاع حاد في أسعار السلع التي أرهقت الأسر المصرية.
تقول السيدة إنصاف: "انهارت قدرات زوجي المالية أمام موجات التضخم في مصر.. هذا هو ما دعاني إلى التفكير في المساهمة بفكرة مشروع قد يجني لنا الأرباح".
بدأت "إنصاف" بإنشاء قناة لإعداد وصفات الأكلات عبر منصة "يوتيوب" في فترة كورونا، بنصيحة من بناتها اللاتي أقنعنها بمشاركة وصفاتها في الطبخ خلال شهر رمضان، فانتشرت القناة في أوساط العائلة والأصدقاء، ثم تطورت الفكرة من خلال مشروع للطبخ وتوريد الوجبات الجاهزة.
بدأت "إنصاف" في العام 2021 تقريبًا ولا يزال مشروعها قائمًا مع توسع في الطلب على ما تقدمه من عروض، لكنها رغم ذلك لا تنوي تحويله إلى مطعم. "لا أستطيع تحمل التكلفة المادية للمطاعم والإنترنت محقق لي الترويج المناسب والمطلوب لدرجة إني بدأت بالاستعانة بأقاربي وجيراني لمساعدتي في المشروع نظير نسبة من الربح.. استفدت وأفدت ناس كتير حواليا".
الإنترنت لا يحتاج شهادات
"العمل من المنزل من خلال الإنترنت لا يحتاج لشهادات أو خبرة مسبقة"؛ تحكي منصورة إسماعيل، عن تجربتها في العمل كمدرسة لتأسيس الأطفال في اللغة الإنجليزية، من خلال موقع "خمسات"، مقابل خمسة دولار لكل نصف ساعة، فتقول: "رفض زوجي عملي بعد الزواج، وبعد مشاكل عديدة توصلت معه لحل وسط وهو عملي عبر الإنترنت. وبالفعل وافق وبدأت من خلال تلاميذي السابقين في المدرسة، لكن مع الوقت اكتشفت منصة خمسات، ومنها أسست صفحة خاصة بي وبدأت في تلقي طلبات التدريس بشكل أكثر احترافية، وهو ما جعلني أشعر باستقرار نفسي ومادي بشكل كبير".
الدراسة التي أعدتها خبيرة الاقتصاد دعاء عبده، قدمت عددًا من النصائح للحكومة المصرية في سبيل زيادة إدماج النساء في سوق العمل المستقل؛ كان أهمها: إطلاق برنامج وطني لبناء قدرات المرأة وزيادة قدرتها التنافسية في سوق العمل، وزيادة المعارض التجارية التي تقيمها الجهات الحكومية المتخصصة في دعم الأعمال الوطنية، وتنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لتعزيز معرفة المرأة بتأسيس أنشطة تجارية ناجحة، وإطلاق جمعيات اجتماعية لسيدات الأعمال الناشئات، وكذلك برامج التنمية لدعم الأعمال النسائية المتمثلة في المشاريع المحلية.