فريدة طالبة في الصف الأول الإعدادي بإحدي المدارس الخاصة لغات، في حصة الأنشطة في اليوم الدراسي الأول لهذا العام، بدأت المٌدرسة حصتها بطرح عدة اختيارات علي الطلبة ومنهم فريدة، ولأنها حصة أنشطة فكان الاختيار قائم علي أساس أن كل طالبة وطالب يختار ما يرغب الانضمام إليه من الأنشطة المطروحة، وكانت الأنشطة هي ( إقتصاد منزلي – زراعة – صناعة – موسيقي – مكتبة )، وعندما تبقى من الاختيارات اقتصاد منزلي وزراعة، قررت المٌدرسة ضم مجموعة من الطالبات ومن ضمنهن فريدة للاقتصاد المنزلي، ولكن فريدة اعترضت وأوضحت للمٌدرسة أنها لا ترغب في الاقتصاد المنزلي، وترغب في الانضمام للزراعة، ولكن المُدرسة عاملت فريدة بطريقة مسيئة ولم تعترف بحقها في الاختيار، عندما طالبت فريدة بأهمية أخذ رأيها فيما تريد الانضمام إليه، ولكن المٌدرسة استعملت سلطتها في إرغام فريدة وزميلاتها للذهاب الي حجرة الاقتصاد المنزلي، وهناك قابلت فريدة مدرسة الاقتصاد المنزلي ولم توافق علي كتابة اسمها ضمن المجموعة ولما سألتها المدرسة عن السبب قالت لها أنها تريد الانضمام للنشاط الزراعي، فعلقت المدرسة أن البنات للبيوت، والزراعة شغلانة رجالة، ولكن فريدة ولأنها من أسرة واعية علمتها أن للنساء حقوق لا تقل عن حقوق الرجال، قالت لمدرستها:” مفيش فرق بين الولد والبنت وإن البنات يقدروا يعملوا أي حاجة بيعملها الولاد”. قالت المدرسة لفريدة:” يعني أنت ممكن تشتغلي مثلا شغلانة بتاعة رجالة زي مثلا (نجارة)، فردت فريدة طبعا أقدر ليه لأ، وصممت فريدة أنها لا توقع علي الكشف الخاص بالإقتصاد المنزلي رغم إلحاح المٌدرسة عليها”.
تتحكم الثقافة المجتمعية بما تتضمنه من عادات وتقاليد وأفكار وممارسات في الأدوار التي تقوم بها النساء والرجال داخل المجتمع، ويقود الأفراد سوا كانوا نساء أم رجال هذه الثقافة، ويتعاملون بها أينما ذهبوا، ونجد مظاهر عديدة في المجتمع تؤكد هذه الأفكار والممارسات الناتجة من الثقافة المجتمعية المتأصلة لدي غالبية أفراده….
فالثقافة المجتمعية تقول إن النساء لا يستطعن شغل الكثير من المناصب وخاصة القيادية، ولكنها تصلح لأن تعمل مدرسة، ممرضة، بائعة، سكرتيرة، موظفة عادية، لكن الرجال يستطيعون شغل العديد من الأعمال التي تتميز بالتفكير الجيد والقيادة والأعمال التي تتطلب أخذ القرارات.
الثقافة تقول أن الفتاة هي من تخدم أخاها، ولكن من غير المقبول أن يخدمها هو، وبالتالي تخدم زوجها وتقوم بكل مسئوليات المنزل بمفردها دون مساعدة الزوج لأنه (رجل). الدور الإنجابي الذي تقوم به النساء بمفردها غير مقتصر علي الحمل والولادة والرضاعة ولكنه دور يشترك فيه النساء والرجال معاً لأنه يتضمن أيضا رعاية الأطفال وتنشئة الأجيال القادمة وكل الواجبات العائلية الأخرى.
الثقافة أيضًا هي المتهم الأول في استبعاد الفتيات من الالتحاق ببعض الكليات مثل كلية أصول الدين وهي كلية شرعية تقبل الطلاب الذكور فقط، كذلك كلية الشريعة والقانون، وكلية الدعوة الإسلامية.
كذلك تستبعد الفتيات من أقسام في كليات الهندسة مثل قسم الهندسة العسكرية وقسم هندسة الطيران والفضاء، لأن الثقافة تبرر ذلك:” ما تم استبعاد الفتيات منه يتطلب طبيعة ذكورية ومهارات وقدرات لا تتوفر لدي الفتيات”.
ومع أن الدستور المصري 2014 المعدل 2019 في المادة 9 يقول تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز.
أيضا المادة 11 منه تقول:” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور”.
ولكن قوة الثقافة المجتمعية تجعل كل هذا يحدث بموافقة المجتمع وقبوله، وتكريسه لهذه الأفكار والتأكيد عليها في المعاملات والممارسات اليومية وفي الدراما. فكم من عمل فني أكد علي هذه الأفكار، ودعونا نتذكر أحد الأفلام التي تعرض من آن لآخر علي شاشة التليفزيون ويؤكد بشكل واضح علي الثقافة المجتمعية السائدة وهو فيلم ( تيمور وشفيقة)، وكيف أنه يكرس فكرة أن النساء مهما وصلن إلى المناصب القيادية العليا وأثبتن كفاءة، تترك المرأة كل هذا إذا تعارض مع رغبة وسيطرة الزوج أو الحبيب عليها.
كذلك مسلسل مثل ( الحاج متولي )، ونسخته الجديدة ( جعفر العمدة)، وما يٌكرس من أفكار تحط من شأن النساء، شغلهن الشاغل هو الفوز برضا الزوج المتزوج من أربعة نساء في وقت واحد، وكل واحدة منهن تبذل أقصى ما في وسعها لكسبه والانتصار علي الآخريات والفوز برضاه.
ما قالته المُدرسة لفريدة رغم فجاجته لكنه يعبر عن ثقافة مجتمعية متأصلة، مدعومة ومقبولة من المجتمع إلا القليل منه، ثقافة ذكورية ينفذها النساء والرجال معًا، وأول ما تحض عليه هذه الثقافة هو ممارسة التمييز ضد النساء.
مع أن مصر موقعة علي اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1980……
فنجد البند (هـ) من المادة (2) يقول إن الدول الأطراف في الاتفاقية تتعهد باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة، المادة (2) بالاتفاقية بكل بنودها هي قلب الاتفاقية ومضمونها ولكن مصر متحفظة عليها.
المادة (5) من الاتفاقية بند (أ) تقول: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، لتحقيق ما يلي: تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية والممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوُّق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
كل هذا يعني أن الدور الأعظم للثقافة بما تتضمنه من عادات وتقاليد وممارسات يومية، وأن ما يكتب في الدساتير والاتفاقيات، لا ينظر إليه من الأفراد بعين الاعتبار وليس كافيًا بمفرده، ولكن الوعي هو أول خطوة على طريق التغييرعندما يكون الناس على دراية بوجود مشكلة، يصبحون أكثر استعدادًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها.