هل حل مشاكل مصر كلها في تخفيض الجنيه؟.. يطرح هذا السؤال نفسه بقوة خلال الأيام الراهنة، بعد سلسلة تقارير سلبية دولية عن الاقتصاد المحلي، تتفق جميعها على ضرورة “إضعاف” العملة المحلية، رغم فقدها نصف قيمتها بالفعل.
مزيد من الخفض تراه المؤسسات الاقتصادية الكبرى ضرورة لابد منها ودواء وحيد لحل أزمة العملة الصعبة.
لا مفر من خفض العملة
قبل أسبوع، أعلن البنك الأمريكي “مورجان ستانلي“، تعديل نظرته المستقبلية لديون مصر إلى سلبية بتحويلها من “مُحايد” إلى “غير مُفضّل” بدعوى زيادة حجم المخاطر التي تواجهها، فيما يتعلق بالائتمان (القدرة على الحصول على قروض)، عازيًا القرار إلى احتمالية عدم إجراء إصلاحات تتعلق بمرونة سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية كما هو مطلوب من صندوق النقد الدولي.
بعد بيان البنك بساعات، أصدرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، تصريحات حذرت فيها الحكومة المصرية من استنزاف الاحتياطي من النقد الأجنبي ما لم تخفض قيمة الجنيه مرة أخرى، معتبرة أنها تؤخر أمرًا لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام بتلك الخطوة، قائلة: “كلما طال الانتظار.. أصبح الأمر أسوأ”.
بالتزامن مع تصريحات جورجييفا، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية التصنيف الائتماني لمصر من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية مستقرة مرهونة بالحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي بموجب اتفاق بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
لن يكون تخفيضًا آخيرًا
يثير الدكتور أحمدالعطيفي، الخبير الاقتصادي، تساؤلات حول التزامن بين تصريحات مديرة صندوق النقد بتخفيض الجنيه، ثم تقرير موديز الذي يضع مصر فى تصنيف “سحيق” لأول مرة منذ 10 سنوات تقريبًا”، مضيفًا أن الصندوق ليس له “حديث” سوى تخفيض الجنيه.
يقول العطيفي: “تخفيض العملة لو حدث، نفس مديرة الصندوق بعد عام هتطلب تخفيض جديد وهكذا.. لأي تخفيض يحدث لابد من وجود 20 مليار دولار على الأقل بخلاف الاحتياطى النقدي حتى يستطيع مواجهة الطلب على الدولار.. دون ذلك ستحدث موجة تضحم رهيبة”.
تراجعات متلاحقة في التصنيف
بعد يومين تقريبًا، سيكون على الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن يصدر تقريره بشأن التضخم العام السنوي، والذي سجل في أغسطس الماضي 39.7% مقابل 15.3% للشهـر ذاته من العام السابق 2022، بسبب زيادة أسعار مجموعة الطعام والمشروبات بنسبة 71.9%.
يقول العطيفي: “موديز خفضت التصنيف، ووضعت مصر بخانة الأسوأ رغم أننا لم نتخلف عن سداد أي التزامات للقروض، وسيأتي من بعدها كل وكالات التصنيف بنفس التصنيف خلال أسابيع، ثم يأتى تخفيض تصنيف البنوك المصرية خلال أسابيع أيضًا”.
كانت “موديز” قررت تمديد فترة مراجعة التصنيف الائتماني لمصر في 10 أغسطس 2023 بدعوى احتياجها إلى مزيد من الوقت لتقييم الكيفية التي ستؤدي بها مبيعات الأصول التي نفذتها الحكومة، بينما خفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، في مايو الماضي، تصنيف مصر درجة واحدة من “بي +” إلى “بي”، مع تحويلها نظرتها المستقبلية إلى سلبية.
اقرأ أيضًا: التعويم وآثاره
يقول العطيفي: “رغم أننا في موقف اقتصادي صعب، لكن بصراحة هناك ضغوط أخرى علينا.. ضغوط سياسية غير معلنة.. وتحالفات ضدنا تضحك فى وشنا وتتمنى شراء النفيس بالرخيص”، على حد قوله نصًا.
يعتبر التصنيف Aaa من قبل موديز و”AAA”من قبل ستاندر آندبورز و”فيتش” أعلى تصنيف يمكن الحصول عليه ويتبعه “Aa “أو”AA” ثم “A” ثم Baa لموديز أو BBB للمؤسسات الأخرى، وتضاف (-) أو (+) إلى التصنيف للتمييز فيما بين التصنيفات حيث مثلاً التصنيف ” A+ ” أعلى من ” A, A ” أعلى من ” A-“، أما التصنيفات “Ba” أو “BB” يليها “B” ثم “CCC” أو “Caa” ثم “CC” أو “Ca” ثم ” “C فهى تصنيفات تتسم بالمخاطر ويشير التصنيف D” “، وهو اختصار لـ Default إلى التخلف عن سداد الالتزامات المالية.
كان يفترض أن تضخ دول الخليج أكثر من 10 مليارات دولار في الاقتصاد المصري، لكن تلك الدول لم تضخ سوى أرقام أقل بكثير في شراء حصص بشركات محلية مصرية، فيما توقفت بعض الصفقات مثل المصرف المتحد بسبب الخلاف على سعر صرف الجنيه المصري.
بعد تقرير “مورجان ستانلي” ارتفعت العقود الآجلة للجنيه المصري غير القابلة للتسليم أمام الدولار الأمريكي لتبلغ مستوى 45 جنيهًا، وزادت تكلفة الديون الدولارية لمصر بحوالي 11%، وهو أداء يعتبر الأسوأ بين جميع الأسواق الناشئة.
يقول العطيفي: “العقود غير قابلة للتسليم هي عقود آجلة بين طرفين، وغالبًا بيكون الطرفين مؤسسات والعقد له فترة زمنية محددة ممكن عقود 3 شهور أو 6 أو 9 أو 12 شهرًا… وممكن فترات أخرى طبقًا لاتفاق الطرفين.. وارتفاع سعر العقود الآجلة لفترة عام هي مقياس لارتفاع الدولار أمام الجنيه، ما لم تحدث تطورات أخرى تساهم في ارتفاع هذا السعر أو الانخفاض”.
اقرأ أيضًا:الجارديان: التضخم وصندوق النقد والمشروعات العملاقة تدفع المصريين إلى الفقر
“المالية” ترد على موديز
الدكتور محمد معيط وزير المالية، قال في بيان رسمي، إن قرار “موديز” يستند على ما يواجهه الاقتصاد المصري من صعوبات وتحديات خارجية وداخلية منذ جائحة كورونا وما تبعها من موجة تضخمية شديدة والحرب بأوروبا، والتي تؤثر سلبًا على المؤشرات الاقتصادية الكلية، لكنه أضاف: “نعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية خلال الفترة المقبلة للتعامل مع التحديات الراهنة، التي تواجه الاقتصاد المصري بصفة عامة”.
الوزير ركز على الجانب الإيجابي في تغيير النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، واعتبر ذلك دليلاً على أهمية ما تبنته الحكومة من إصلاحات هيكلية مهمة ومحفزة للاستثمار وتنفيذ صفقات لتخارج الدولة بقيمة 2,5 مليار دولار، ضمن برنامج “الطروحات” خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، ما يساعد على زيادة تدفقات النقد الأجنبي.
واتهم النائب مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في بيان مساء أمس السبت، كل المؤسسات الدولية والإقليمية، بأنها تضغط على مصر لتخفيض قيمة الجنيه المصري مرات عديدة ومتتالية، مضيفًا: “يعلمون جيدًا أن هذا الإجراء كفيل بسحق السواد الأعظم من الشعب المصري، وأن كل تخفيض للجنيه سيتبعه تخفيض آخر إلى ما لا نهاية.. ومع كل تخفيض تزداد صعوبة الحياة للمصريين ويزداد عجز موازنتها.. وهل نجحت التخفيضات السابقة في كبح جماح التضخم أو زيادة تدفق الأموال والاستثمارات؟”.
وأضاف: “ربما كان الهدف من ذلك هو دفع مصر وشعبها إلى منزلق لا ينتهي من العجز الاقتصادي وغلاء الأسعار لبث روح الانهيار والفشل ودفع الناس بشكل خبيث إلى تخريب ما أنجزوه، والتصارع فيما بينهم على لقمة العيش، وهو ما رفضته القيادة السياسية رفضًا قاطعًا”.
يقول هاني توفيق، الخبير الاقتصادي: “رئيسة صندوق النقد تدعو لسرعة تعويم الجنيه.. وأكرر للمرة الألف.. قيمة العملة ليست هدفًا فى حد ذاتها.. الشغل يكون على الاقتصاد الحقيقى من استثمار وتشغيل وتصدير .. وعندها سيقوى الجنيه تلقائيًا”.
ويضيف توفيق لمنصة “فكر تاني”: “اللعب بالسياسة النقدية واستهداف سعر الصرف وحده غير مجدٍ، كفانا لف ودوران حول المشكلة الحقيقية، وتجاهل أساسيات الاقتصاد.. أكرر استهداف الجنيه وحده حلقة مفرغة من الهبوط، دون باقي إجراءات حزمة الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية المتفق عليها فورًا وبالتوازي بين كل الخطوات”.
وحذرت مؤسسة MSCI ، وهي شركة ناشطة في مجال توفير أدوات وخدمات لدعم قرار مجتمع الاستثمار العالمي، من أنها قد تعيد تصنيف السوق المصرية من سوق ناشئة إلى مبتدئة عازية ذلك إلى نقص العملة الأجنبية الذي يؤثر على قدرة المستثمرين الأجانب على تحويل أموالهم في الوقت المناسب.
وبحسب النائب مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فإن أي تخفيض للتصنيف يؤدي إلى صعوبة في الحصول على مزيد من التمويلات والقروض التي يحتاجها أي اقتصاد وبالذات للدول النامية.. ومنذ أكثر من عام وتلك المؤسسات تخفض تصنيف الاقتصاد المصري وتعطي نظرة سلبية عن سداد مصر لالتزاماتها الدولية والمحلية.. ورغم ذلك سددت مصر كل أقساط القروض وفوائدها المستحقة في مواعيدها ، وتزايد الاحتياطي من النقد الأجنبي في الوقت ذاته ليتخطى 34 مليار دولار”.