استيقظ المجتمع الأكاديمي في 27 سبتمبر الماضي على فاجعة وتساؤل. كيف تعرضت “نورهان. ح” 32 سنة – موظفة مبنى الرعاية في كلية الآثار داخل جامعة القاهرة، للقتل رميًا بالرصاص؟ وكيف تسرب المسدس سلاح الجريمة إلى حرم واحدة من أعرق الجامعات وأقدمها في منطقة الشرق الأوسط ومصر؟
القاتل نفسه كثرت الأقاويل حول هويته؛ فبحسب أحد المصادر داخل الجامعة، هو زميل سابق للضحية في مقر عملها، حاول التقدم لطلب الزواج بها أكثر من مرة، وبعد رفضها، هددها بالقتل إذا ما تزوجت بغيره، الأمر الذي أقدم على تنفيذه على أرض الواقع، دون أن تصدر الجامعة حتى كتابة هذه السطور بيانًا توضح فيه التفاصيل.
التفاصيل نفسها كشفتها وزارة الداخلية، في بيان رسمي، ذكرت فيه أنه “في إطار ما تبلغ للأجهزة الأمنية بقيام موظف بإحدى الكليات بجامعة القاهرة الكائنة بمحافظة الجيزة بإطلاق أعيرة نارية تجاه موظفة بكلية أخرى بذات الجامعة باستخدام سلاح ناري حال تواجدها بمحل عملها مما أسفر عن وفاتها”. وأضافت أنها “تمكنت من تحديد مكان تواجد الجاني في محافظة مرسى مطروح، وحال قيام القوات باستهدافه قام بالانتحار بإطلاق عيار ناري تجاه نفسه من ذات السلاح المستخدم في ارتكاب الواقعة”.
كيف تسرب “مسدس” إلى حرم الجامعة؟
لم تفارق “نورهان” الحياة قبل أن تكمل العقد الثالث من عمرها، نتيجة سلوك متطرف من زميلها فحسب، بل بسبب “تقصير واضح من إدارة الجامعة والأمن الذي يتحمل مسؤولية تسرب سلاح ناري إلى داخل حرم الجامعة”، بحسب ما أشارت أسرتها وبعض زملائها. إذ تؤكد روايات الشهود، تهديدات الجاني للموظفة المجني عليها وصلت حد الإذاء والتعرض المباشر لها في أكثر من موقف.
وعلى سبيل المثال، فإن الجاني أقدم على إشعال النار في سيارة القتيلة قبل 5 سنوات، وهو الفعل الذي تسبب بإصدار حكم ضده بالحبس لمدة عام، وإلزامه بدفع تعويض قيمته 100 ألف جنيه.
لكنه بعد قضاء 3 أشهر في السجن، عاد إلى مقر عمله، حيث استمر في التعرض للضحية، حتى أنه اقتحم عليها مكتبها وهدّدها وتفوّه تجاهها بعبارات غير لائقة قبل فترة قصيرة من الحادث، كما ورد بشهادة زملائهما، فتقدمت أسرة الضحية ببلاغ ضد الجاني لمنعه من التعرض لها مجددًا، في ظل عدم حمايتها من قبل أصحاب المسؤولية عن الأمن داخل الجامعة، التي قررت وقتها نقله للعمل بكلية أخرى داخل الجامعة.
من المسؤول؟
لهذه الأسباب، اتهمت أسرة المجني عليها إدارة جامعة القاهرة بالتخاذل عن واجب الحفاظ على سلامة موظفة لديها، على الرغم من ثبوت نية الإيذاء ضدها من شخص تمتلك المؤسسة التعليمية السلطة لإبعاده عنها.
وأثار أمر تسرب سلاح ناري إلى حرم الجامعة الشكوك حول جدوى المنظومة الأمنية المسؤولة عن الجامعة، بما تشمله من بوابات إلكترونية وأفراد أمن تُفترض فيهم الخبرة واليقظة.
وحتى بعد الفزع الذي أثاره سماع دوي الطلقات داخل الحرم، فإن الجاني تمكن من مغادرة الجامعة كما دخلها في وضح النهار، وفي “ظل فشل ذريع لأفراد الأمن الجامعي في الإمساك به”. الأمر الذي يشير إلى إدارة الجامعة بأصابع الاتهام بالتقصير في ضمان سلامة المتواجدين داخل أسوارها، من أعضاء بهيئة التدريس وطلاب وموظفين.
حادث العام 2014
في الساعات الأولى من صباح يوم 2 أبريل من عام 2014، كان العميد طارق المرجاوي يمارس مهام عمله، رئيسًا لمباحث قطاع غرب القاهرة، مكلفًا بتأمين المنشآت المهمة والحيوية، ومن بينها القوة الأمنية التي كانت موجودة في ذلك الوقت أمام البوابة الرئيسية لجامعة القاهرة، حيث تعرض للقتل بتفجير عبوة ناسفة زُرعت في المكان عن بعد.
في أعقاب الحادث، قرر مجلس عمداء الجامعة بالإجماع، تبني منظومة أمنية متكاملة لحماية الجامعة، تبدأ بدخول قوات الشرطة الى حرمها وتمركزها داخلها، وفق الخطط التي تراها لتأمين الجامعة.
كما أعلن المجلس تعزيز ودعم الأمن الإداري بكل احتياجاته من مواردها الخاصة، بما يساعده على القيام بدوره في تأمين الجامعة بالتنسيق مع قوات الشرطة المتمركزة داخل الجامعـة.
وبعدها بشهرين، أعلن الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة وقتها، أن الجامعة أنفقت 26 مليون جنيه على تطوير منظومة الأمن الإداري بحرمها، بما يشمل أجور وتعيينات جديدة وتركيب كاميرات مراقبة.
فالكون” لتأمين الجامعات”
في العام نفسه 2014، تعاقدت وزارة التعليم العالي مع شركة الأمن الخاصة “فالكون” لتأمين الجامعات، في سابقة هي الأولى من نوعها ذكرت الجامعة وقتها إنها تأتي لتجنب أعمال العنف والتخريب، بعد فشل الأمن الإداري في منع وقوع أعمال الشغب والعنف التي سبقت في العام 2013.
تأسست “فالكون” -التي يترأسها حاليًا رجل الأعمال صبري نخنوخ– في أواخر أبريل من العام 2006 بواسطة واحد من أكبر البنوك المصرية “البنك التجاري الدولي”، كشركة مساهمة مصرية، ضمت شركتين فقط هما فالكون للأمن، وخدمات نقل الأموال، بعدد 270 موظفًا، و50 سيارة نقل أموال، وفرع واحد للمجموعة.
وبنهاية 2006 تأسست شركة أخرى تابعة للمجموعة، وهي “فالكون للأنظمة الفنية والأمنية”، وبحلول 2010 تأسست “فالكون للخدمات العامة وإدارة المشروعات”، ثم دخلت في مجال تأمين 15 جامعة مصرية في 2014، وفي 2017 أسست شركة “تواصل للعلاقات العامة”، وفي 2023 أصبحت الشركة تضم تحت مظلتها 7 شركات متخصصة في الأمن ونقل الأموال وإدارة المشروعات والخدمات العامة.
الأمن والحادث الأخير
منذ العام 2014، تمت الاستعانة بالشركة في تأمين عدد من الأحداث الرسمية داخل البلاد وكذا المبارايات الهامة، بينما اقتصر دورها في جامعة القاهرة على تأمين بواباتها الخارجية فقط، دون التأمين الداخلي الذي خضع لمنظومة الأمن الإداري، والتي أعلن الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة الحالي، في العام 2017، عن تدعيمه بـ 150 فرد أمن جدد، تلقوا تدريبات على الإشراف على حركة السير والمرور داخل الحرم الجامعي ومتابعة المخالفين للنظام، وإعداد تقارير أمنية يومية شاملة عن الجامعة، مع التأكد من إجراءات السلامة داخل مرافق الجامعة، والتدقيق على الهوية الشخصية للأفراد عند المداخل الرئيسية للجامعة، بالإضافة إلى إعداد بطاقات دخول السيارات لمنسوبي الجامعة.
يكشف مصدر مسؤول بالأمن الجامعي -فضل عدم ذكر اسمه- في حديث لـ”فكر تاني- أن الجامعة كانت تستعد للعام الحالي بخطة توزيع للأمن الإداري، تتضمن زيادة أفراد الأمن الإداري على البوابات، وصيانة منظومة الكاميرات، وتفتيش السيارات، إلا أن هذه الخطة غير معلنة التفاصيل على أيّ من وسائل الجامعة الإعلامية، لم تُفعل في حادث قتل الموظفة الأخير، وفق المصدر الذي أشار إلى خلل أمني واضح، حاولنا تبينه بالتواصل مع المسؤول الإعلامي للجامعة الذي لم يجيب على اتصالاتنا.