" آمال " ولدت فى الإسكندرية، يبلغ عمرها الآن 42 عامًا، لم تتزوج حتى اليوم بعد أن قررت أن تكمل تعليمها ما بعد الشهادة الجامعية، فقد جاء ترتيبها في المركز الثانى على دفعتها بكلية الآداب قسم تاريخ، وعُينت معيدة بنفس جامعتها.
أثناء دراستها الجامعية تقدم لها ابن عمها الذى كان يعمل طبيبًا وعلى قدر عالى من الثقافة والتعليم الجيد، تحكي آمال:" كان بيننا استلطاف متبادل واتفقنا على الخطبة وقد حدثت بالفعل. وفى السنة الدراسية الأخيرة لي اتفقنا على الزواج بعد الإنتهاء من تخرجى".
"مع اقتراب موعد الزواج، نما وتراكم داخلي شعور بعدم رغبتي في إنجاب أطفال. تولد الشعور من فترة تلو الأخرى أو بالأحرى عندما كنت أري أطفال أختى الكبرى أو أبناء أخي فقد كنت أصغرهم، وكنت أحبهم وأحب ضحكاتهم ولهوهم، ولكنني اكتشفت أنني لا أتمنى أبدا أن أنجب أو أكون أما لأطفال وأتحمل قرار فى غاية الصعوبة مثل إنجاب طفل في هذه الحياة، روحًا ضعيفة لا تعلم هذا العالم الذى تقدم عليه. لم أكن أريد أن أنجب كائن ضعيف لا أدرك مدى قدرتي على تحمل مسئولية رعايته وتغذيته وتعليمه حتى يكبر ويدرك.
"كنت أواجه نفسى كثيرا في محاولة لقياس قوتى لتقبل هذه الخطوة، وظلت هذه الصراعات الداخلية تراودنى وتجذبنى نحو فكرة عدم الإنجاب. وحين واجهت نفسى بهذا القرار بعد فترة طويلة من الشد والجذب خوفًا من موقف الأهل عندما أصارحهم بهذا القرار , فكرت في البداية مصارحة " عبدالرحمن " خطيبي بقرار عدم الإنجاب، وكان رد فعله بعد مناقشات عديدة أن قرر وضعي في موقف اختيار إما أن نكمل زواجنا مع تراجعي عن قرار عدم الإنجاب لأنه يحب الأطفال ويتمنى أن ينجب أطفالًا من الإنسانة التى أحبها أو إنهاء علاقتنا كزوجين مستقبلين ونظل علاقتنا كأهل وأقارب كما كنا لأنه لن يقدر أن يتخيل نفسه بدون أولاد مدى الحياة".
"بدأ الأهل يتساءلون عن سبب فسخ الخطبة فاضطررت أن أواجههم بعدم رغبتي فى الإنجاب بشكل نهائى وأنني لن أتزوج غير الرجل الذى يتقبل هذه الفكرة".
"لا أشعر بأي مشاعر أمومية لكي أنجب أطفال وهذا صارحت به أهلي وبعد مناقشات كثيرة وعدم قبولهم فى النهاية لهذه الفكرة حاولوا إقناع ابن عمى بأن يكمل زواجنا وأننى سوف أغير رأيي بعد ذلك ولكنه كان يعرفنى جيدًا، فرفض طالما أنا ما زالت متمسكة برأيي قبل الزواج. عشت رحلة طويلة من المناقشات والاضطهاد من أهلي، أصبحت إنسانة منبوذة بالنسبة لهم.
"خافت أمي من فكرة عدم الزواج في حال استمراري على موقفي من عدم الرغبة في الإنجاب، وبالفعل هذا ما حدث لأنني رغم ما حققت من نجاح سواء فى الدراسة بحصولي على الماجستير والدكتوراة ووصلت إلى درجة علمية وعملية عالية بالجامعة إلا وأنني ما زالت موصومة بفكرة أننى أصبحت عانس بمفهوم المجتمع التقليدى الذى يرى أن الإنجاز الحقيقى للمرأة هو الزواج وإنجاب الأطفال بغض النظر عن نجاحهن فى أى مجال".
"طوال الوقت وأنا أتعرض لمواقف سخيفة لتأخر زواجي وأوصم بأنني إنسانة (عايزة تمشى على مزاجها وتعيش لوحدها) حتى وصل بى الحال بأن أراجع نفسي وألومها، وأسأل: لماذا تمكن مني هذا الإحساس بعدم الرغبة فى أن أكون أمًا؟.
"تعرضت لضغوط مجتمعية تحاوطني من كل جانب سواء من الزميلات والزملاء فى العمل أو الجيران وحتى حارس العقار الذي يقول لى ( ربنا يعدلهالك ) طول الوقت (الزواج) وكأن زواج المرأة هو من يحدد نظرة المجتمع لها ويحقق مكانتها بين الناس دون النظر لأى متطلبات لها أو أي نجاح تحققه"
"أحسست لوهلة أن المجتمع هو من يختار للنساء حياتهن هو من يختار لهن كيف يعشن أسيرات لهذه القيود وهذه الاختيارات غير النابعة منهن".
من البداية المرأة لم تختر كونها أنثى لم تختر وجود هذا الرحم بداخلها، المجتمع حدد لها أدوارًا مجتمعية تتمثل فى عملية الإنجاب ورعاية الأبناء والأسرة فتضطر أن تتحمل بمفردها عبء الحياة الزوجية من رعاية الزوج ومتطلباته بجانب رعاية الأبناء ولكن المؤكد أن النساء دائمًا يتحملن أعباء الحياة والأسرة بمفردهن أما الزوج فحدد له المجتمع العمل والإنفاق بجانب مساعدة زوجته له فى الإنفاق اذا كانت عاملة".
دائمًا، الأم/الزوجة هي المضحية من أجل البقاء لشىء لم يكن من اختيارها منذ البداية .
أعيش وحدى إلى اليوم، بين العمل فى الجامعة ورعاية أمي في مرضها، بلغت الـ 42 عامًا ولم أشعر أنني كنت مخطئة فى رفضي للإنجاب ولو عاد بى الزمن لاخترت أن أعيش بدون أطفال".
النساء فى الآونة الأخيرة حدثت لهن تحولات جذرية فى مفاهيم كثيرة غيرت واقعهن وظروفهن بجانب تغيرات عديدة فى علاقتهن بأنفسهن سعيًا لتحقيق وجودهن المهني والإنساني بدون قيود بجانب سعيهن لفهم ذاتهن التى ترتبط بالأمومة، وفكرنا كثيرا فيمن يحددن هويتهن الأمومية فبعد أن كانت هذه الأمومة تعبر عن هويتهن النسائية والأنثوية، أصبحن يجعلن من الإنجاب والأمومة موضع اختيارهن فقط ويعتبرنه قرار خاص بهن .
الأمومة رغم أنها أمر كوني منذ بداية الخلق، إلا أن بعض النساء رأت أنهن صاحبات قرار ولهن حق الاختيار في قرار الإنجاب من عدمه.