“أخوها قتلها بطريقة بشعة وهي خارجة من شغلها”. فريدة نبيل آخر المسجلات رسميًا بقوائم قتل النساء في مصر. فقط لأنها رغبت في إكمال حياتها مع شاب اختارته، لم يرض عنه شقيقها.
كان جرمها أن “قالت لا”.
نحن النساء نسأل أنفسنا دومًا، مع كل جريمة قتل جديدة بحقنا تصدمنا بها المتابعات الإخبارية في مجتمعنا: “الدور على مين؟.. هياخد إعدام طب وبعدين؟”. هل الإعدام رادع بحق ضد مرتكبي هذه الجرائم؟
لا أعتقد.
وليس أبلغ رد مما نطالعه يوميًا من أخبار قتل لضحايا من المصريات. وحتى الحديث عن مقترح القانون الموحد للعنف ضد المرأة، الذي ينتظر دور المناقشة امام مجلس الشعب. هل ينقذنا؟
ربما.
وربما لا.
يبقى الحل هنا في تكثيف عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية على تنمية وعي المواطنين تجاه هذه القضايا الضرورية، والتي تمس حياتهم المعاشة، وأبرزها -بلا شك- مناهضة العنف ضد النساء.
لا يعني هذا أن القوانين الرادعة لا تساهم في الحل.
لكن، مشكلتنا الأكبر في مصر أصلها وجذورها العميقة تكمن في الثقافة المجتمعية السائدة.
تلك الثقافة هي التي تبرر لرجل في الريف مثلًا أن يتحكم في زي وأسلوب وحتى طريقة حديث شقيقته الثلاثينية، بداعي أنها أرملة، عادت مجددًا إلى طوعه، ولا يجب أن تتزين بأي شكل من الأشكال.
حدث هذا بالفعل، ويحدث كل يوم في مجتمعنا، لكل أرملة أو مطلقة تسلب حريتها حتى يشفع لها أحد الأقارب، فيسمح أبوها أو شقيقها الذكر أن تحضر مناسبة ما في قريتها.
والأمثلة كثيرة حول العنف الذي يوجه ضد النساء، وتدرجه من أبسط أشكاله إلى أقصاها وصولًا إلى القتل.
والأزمة في الثقافة السائدة
الثقافة السائدة تجعل الرجال يعتقدون أن لهم حق السيطرة على زوجاتهم وبناتهم، وأن العنف هو وسيلة مقبولة للحفاظ على هذه السيطرة.
الثقافة السائدة تكرس مفهوم أن المرأة أقل شأنًا من الرجل، وهي ثقافة تقول إن المرأة بحاجة إلى حماية الرجال، وبالتالي يصبح الرجال مسؤولين عن سلوك النساء، ولهم الحق في معاقبة النساء إذا تصرفن بطريقة غير مقبولة. وغير مقبولة هنا لها معايير كثيرة لدى كل فرد حسب ثقافته هو ومحددات بيئته أخلاقيًا.
ولما كانت الثقافة السائدة في مجتمعنا مبنية على العنف ضد النساء، فإنه مرتكبه غالبًا ما يتمتع بالتسامح أو التطوع للدفاع عنه، خاصة إذا كان الزوج أو الأب أو الأخ أو الخطيب.
كما تلعب التفسيرات القانونية أحيانًا دورها في ترسيخ هذا العنف، فهناك تفسيرات تتيح “ضرب الزوجة” ما دام عنف الزوج تجاه الزوجة بدافع التأديب، فلا يعاقب، إذا ما أقر له حق تأديبها قضائيًا، بعد سؤاله: أكان الضرب بدافع التأديب؟! والإجابة معروفة سلفًا.
في دراسة نُشرت في العام 2022، رصد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس القومي للمرأة أن 75% من النساء يتعرضن للعنف، وأن تعرضهن للعنف في الشارع هو الأكثر بروزًا، والعنف الأسري يأتي في المرتبة الثانية.
أما أحدث إحصاء أجراه مركز “تدوين” لدراسات النوع الاجتماعي، مستندًا إلى عدد الحوادث المنشورة في الصحف المصرية بين يناير ومارس 2023، فقد رصد إجمالي عدد حالات قتل نساء في مصر خلال الربع الأول من العام الحالي بنحو 51 حالة قتل أو انتحار لنساء وفتيات.
واستحوذت نسبة حالات القتل على يد أحد أفراد العائلة أو من خارج الأسرة على 92.1%، بينما شكلت حالات الانتحار المدفوعة بتعرضهن لأي من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي (لكون الضحية أنثى) 7.9%.
وبحسب الدراسة، فإن حالات قتل النساء والفتيات التي ارتكبت بواسطة أحد أفراد الأسرة تجاوزت الـ80%، و11.8% من تلك الحالات ارتكبت على يد أحد الأصدقاء أو الجيران أو الغرباء.