تفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام وبشكل متكرر قيودًا متزايدة على الفلسطينيين ومقدساتهم الدينية، وصلت حد الإغلاق الكامل لكل مناطقهم، بالتزامن مع انتهاكات أخرى تمارسها القوات؛ من فرض حصار وتشديد بالإجراءات العسكرية على الحواجز، وإعاقة وصول المواطنين إلى الأماكن المقدسة، فضلًا عن اعتقال وتوقيف عشرات من المدنيين. ذلك كله تحت غطاء الاحتفال بالأعياد العبرية وتأمينها؛ في استغلال واضح للمناسبات الدينية في أغراض استعمارية، وبما يضفي طابعًا رسميًا على واقع الهيمنة والقمع المنهجي السائد منذ فترة طويلة بحق الفلسطينيين، يؤصل للاضطهاد القائم على الأسس العرقية، والمُصنف دوليًا باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
هذه الجرائم، أتت على ذكرها منظمة هيومان رايتس ووتش، فأشارت إلى منع حاملي بطاقات الهوية الفلسطينية في داخل أراضي الضفة الغربية من الدخول إلى مناطق مثل القدس الشرقية، والأراضي خلف جدار الفصل، والمناطق الخاضعة لسيطرة المستوطنات والجيش، دون الحصول على تصاريح للعبور، من الصعب الحصول عليها من الأساس.
كذلك، وضعت سلطات الاحتلال 600 حاجز دائم، تسببت في تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين. بينما في المقابل منحت المستوطنين اليهود كامل الحرية في التنقل. وهو ما يبرز بشكل حاد خلال المناسبات الدينية مثل رأس السنة العبرية التي يحتفل بها المستوطنون خلال هذه الأيام.
انتهاكات سلطات الاحتلال تلك تأتي ضمن محاولاتها الحثيثة منذ العام 1967، لترسيخ سيطرتها على القدس، باتّباع ممارسات أحادية مخالفة لقواعد القانون الدولي، تهدف -حسب بيانات سابقة لوزارة الخارجية الفلسطينية- إلى أسرلة وتهويد المدينة وتغيير الواقع الديمغرافي والديني والتاريخي القائم بها، من خلال محاولة نسب المقدسات الدينية الإسلامية إلى الديانة اليهودية كما يحدث مع الحرم الإبراهيمي وحائط البراق الذي تحول قسرًا إلى حائط المبكى اليهودي.
اقتحامات جديدة
حسب وحدة شؤون القدس في وزارة الإعلام الفلسطينية، نظم مستوطنون في بداية العام اليهودي، عددًا من الاقتحامات لباحة المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وهم يرفعون شعار "ابدأ سنتك العبرية بصلاة الصباح في جبل الهيكل".
تستغل "جماعات الهيكل" الأعياد اليهودية لممارسة طقوسها التلمودية والتوراتية في الأقصى، وفرض تهويده وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا. ويلي "عيد رأس السنة العبرية" ما يسمى بـ"أيام التوبة" التي ينتهك المستوطنون الأقصى خلالها، مرتدين ثياب بيضاء توراتية، وصولًا إلى العيد اليهودي الثاني خلال هذه الفترة؛ "عيد الغفران" التوراتي في 25 سبتمبر الجاري. ويسعى المستوطنون في احتفالهم بعيد الغفران كل عام لتسجيل رقم قياسي لأعداد المقتحمين للأقصى؛ ما يعد انتصارًا دوريًا يسعون إليه. ويبدأ ما يسمى "عيد العرش" في 30 سبتمبر وحتى 17 أكتوبر من كل عام، ويحاول المستوطنون حينها إدخال القرابين النباتية إلى المسجد الأقصى ورفع أعداد المقتحمين لما يتجاوز 1500 مقتحم على مدى أيام متتالية.
وقد ذكرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، أن المستوطنين قد اقتحموا، اليوم الإثنين، المسجد الأقصى من ناحية باب المغاربة في جولات استفزازية، في حين اقتحم أمس 423 مستوطنًا المسجد، وسط حراسة مشددة، ومنع للفلسطينيين.
حافلات مجانية للمقتحمين
وأعلنت جماعة "جبل الهيكل في أيدينا" الصهيونية عن إتاحتها حافلات مجانية لإيصال المستوطنين إلى المسجد الأقصى لاقتحامه، طوال موسم الأعياد اليهودية المقبلة. وذكرت –في إعلانها- أن توفير الحافلات يأتي من أجل تعزيز أعداد المقتحمين.
توظف "جماعات الهيكل" ثلاثة أعياد عبرية مقررة خلال الشهر الجاري لتكون أشد مواسم العدوان على المسجد الأقصى، والمحطة السنوية لفرض كامل الطقوس التوراتية فيه.
وقد رفعت شرطة الاحتلال أعلى درجات التأهب في القدس والمدن المختلفة، ونشرت 5 آلاف من عناصرها حول الأماكن المقدسة للفلسطينيين، وذلك على خلفية تحذيرات متعلقة باحتمالية وقوع عمليات فدائية خلال الأعياد اليهودية.
كما تأتي تحركات الشرطة الإسرائيلية في إطار سعيها لمناصرة المستوطنين في عمليات الاقتحام الممنهجة المزمع تنفيذها خلال الأيام المقبلة، والتي بدأت بالفعل الخميس الماضي، حين اقتحم المستوطنون الأقصى على شكل مجموعات متتالية من جهة باب المغاربة، ونظموا جولات استفزازية في باحاته وفي منطقة باب الأسباط، وقبة الصخرة.
وتمهيدًا لتلك الانتهاكات علق وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت، في وقت سابق من الشهر الجاري، قائلًا: "هناك من يريد المساس بأمننا خلال الأعياد اليهودية، لا تختبرونا".
وفي هذا الصدد، قالت الخارجية الفلسطينية في بيان لها، إن "فرض الإغلاق الشامل على المناطق الفلسطينية عشية حلول عيد رأس السنة العبرية توظيف فاضح للمناسبات الدينية لأغراض استعمارية، في إيحاء تضليلي للرأي العام العالمي، الهدف منه كيل المزيد من التهم إلى الضحية وتبرئة الجلاد، وإلحاق أضرار اقتصادية واجتماعية بشعبنا". مناشدة المجتمع الدولي بسرعة التدخل الفوري، ومحاولة إنهاء الانتهاكات غير المحدودة التي تمارس من قبل سلطات الاحتلال بلا رقيب".
ويقف الشعب الفلسطيني بأكمله في هذا الشهر من كل عام عاجزًا، خاصة المقدسيين منه الذين يواجهون مختلف أشكال العنصرية والقمع المتعمد.
ولا يتوقف الأمر عند معاناة المقدسيين والفلسطينيين في الداخل، إذ أغلقت قوات الاحتلال معبر كرم أبو سالم في قطاع غزة، الذي يعاني من اقتصاد منهار بسبب ظروف الحصار والانقسام.
ومعبر كرم أبو سالم هو آخر المنافذ التجارية المتبقية في قطاع غزة، التي تربطه بالأراضي المحتلة، بعد أن أغلق الاحتلال ثلاثة معابر تجارية هي (المنطار، والشجاعية، وصوفا).. فمتى تنتهي تلك الانتهاكات أو يعترف دوليًا بكونها جرائم حرب توجب محاسبة مرتكبها؟