محمد أشرف -25 عامًا- أحد الممنوعين من التعيين بوزراة التربية والتعليم، بعد تخرجه في كلية تربية أساسي قسم إنجليزي جامعة بنها، يسري عليه قرار رئيس الحكومة لسنة 1998، بإيقاف نظام تكليف خريجي كليات التربية للعمل بالمدارس بعد تخرجهم، والصادر لمعالجة أزمة ضم وزارة التربية والتعليم للعدد الأكبر من العاملين بالدولة.
"محمد" الآن في ثقب أسود.. لا تعيين.. لا عمل.. فقط الاكتئاب ومستقبل "مش باين له ملامح" لأن الحكومة أرادت سابقًا أن تحل أزمة فصنعت عشرات الأزمات؛ على حد وصفه.
الفرصة صفر
في يوليو الماضي، انطلقت المبادرة الرئاسية لتعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات، بواقع 30 ألف معلم سنويًا. هذا هو السبيل الوحيد لـ"محمد أشرف"، فلا تعيين ولا فرصة عمل إلا عبر المبادرة.
بلغ عدد المتقدمين لوظيفة معلم في مسابقة الدفعة الأولى ضمن أعمال المبادرة 140 ألفًا، في حين طلبت الوزارة تعيين 30 ألف معلم، تم توزيعهم على التخصصات بداية من مرحلة رياض الأطفال إلى الصفوف الثلاثة الأولى في المرحلة الابتدائية. وكان من بين هؤلاء 110 آلاف فقط أوراقهم سليمة، دخل إلى الامتحان 95 ألفًا منهم، واجتاز الاختبار بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة 28 ألفًا.
لم يكن "محمد" واحدًا من سعداء الحظ هؤلاء، رغم تخرجه في كلية التربية ورغم تخصصه المطلوب في اللغة الإنجليزية. لم يعد أمامه سوى العمل بـ 20 جنيهًا مقابل الحصة الواحدة؛ ذلك النظام الجديد الذي أقرته الوزارة لسد العجز في التخصصات المختلفة استعدادًا لعام دراسي يستقبل قرابة 25 مليون طالب، يعمل على تدريسهم قرابة 958 ألفًا و763 معلمًا.
20 جنيهًا فقط، على أن يتم التعاقد مع التخصصات التي تحتاجها المدارس، ويوجد فيها عجز واضح، بينما ليس من حق المتعاقدين المطالبة بالتعيين؛ لأن التعاقد يكون لسد العجز فقط لمدة عام دراسي، ينتهي التعاقد بانتهاء الدراسة. وهو ما لم يقنع "محمد" ليس لانخفاض القيمة المعروضة وإنما لسبب آخر.
احنا مدرسين "سبير"
يقول: "أقدم في إيه؟ كل دفعة 96 قدموا، وكل سنة بيقدموا محدش بيتاخذ، ولو في حد اتقبل بيتحارب.. يا بيتحارب من المدرسين القدامى لأنهم بيخافوا يدي مجموعات ودروس وياكل منهم الجو، أو بيتحارب من الإدارة نفسها.. صحابي اشتغلوا سنة كاملة وفي الأخر خدوا 500 جنيه بس على السنة.. بينصبوا عليهم وبيختاروا البنات عشان هيسكتوا ومش هيعترضوا على حاجة".
اقرأ أيضًا: في “الفجالة”.. حتى حقيبة المدرسة القديمة مطالبة بتحمل الأسعار
"كلام محمد صح.. اتنصب عليا من مدرسة حكومي سنة كاملة، وأخذت في آخر السنة 750 جنيه بس، ولما قولت ليه أنا كنت بسد حصص كتير، كان الرد أنها مش مسجلة في دفتر حضوري، وعرفت أن مدير المدرسة كان بيدخلني بديل Spare يعني مكان المدرسين العتاولة عشان هما مش فاضيين يجوا المدرسة وبيدوا دروس خصوصية بره، فكانت الحصص المسجلة ليا قليلة والإدارة التعليمية اعتبرت أن الفيصل دفتر حضور المدرسة واللى كان متسجل فيه بس حصص العجز مش الحصص الاحتياطي اللي كنت بدخلها، وده حصل مع كتير من زمايلي، منهم بنت ادوها 500 جنيه في الترم كله عشان كانت بتدي حصة واحدة في اليوم".
فاتن مجدي، خريجة كلية تربية عين شمس قسم أحياء، توقعت أنها ستعمل في مدرسة ثانوي، لكنها لم تجد فرصة للعمل بالأجر، وهو نظام قديم عبارة عن عقد مؤقت بين الإدارة التعليمية والمعلم لترم أو سنة أو بالتعيين، فقررت تجربة العمل في مدرسة بنظام الحصة: "قلت لو في اليوم أديت 5 حصص فكده آخر الشهر هاخد مرتب حلو.. قدمت على مدرسة جنبنا وفعلا اشتغلت على أساس اني أدرس مادة العلوم للمرحلة الإعدادية.. كل شهر كنت أسأل على مرتبي.. يتقالي الشهر الجاي، لحد آخر الترم؛ قبضت 750 جنيه، وعرفت إنه اتنصب عليا".
الدروس الخصوصية
الحاجة إلى دخل ثابت جعلت بعض حديثي التخرج يلجأون إلى مراكز الدروس الخصوصية، للعمل فيها كمساعدين، يشرح أنطوان الخواجة -27 عامًا- خريج كلية التربية جامعة عين شمس في قسم الفيزياء: "مراكز الدروس الخصوصية الكبيرة بتحتاج مساعدين للمدرسين الكبار، قدمت واتقبلت وبقيت مساعد مدرس فيزياء ثانوي. دوري مقتصر على أن لو المدرس لغى الحصة أنا أكون البديل، بعلم الواجب مكانه، بجهز ورق الملازم والامتحانات الشهرية، ووسائل الإيضاح، وباخد في الشهر 4 آلاف جنيه، 4 آلاف دي لأني شغال مساعد لكل مدرسين الفيزياء في المركز".
من البداية، قررت ياسمين علي -26 عامًا- خريجة قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، صرف النظر عن التدريس، الذي تصفه بـ "مش جايب همه". تقول: "ليه أروح أدي حصة نص ساعة حرقة دم وأعصاب ومجهود بـ 20 جنيه؟ أنا صرفت في السنة على الكلية قد مرتب 5 سنين لو اشتغلت مدرسة".
لجأت "ياسمين" إلي مجال الترجمة من الإنجليزية إلى العربية والعكس: "ذاكرت إنجليزي وقويت نفسي فيه وبقيت اترجم نصوص ورسائل ماجستير ودكتوراة.. وباخد في الساعه 150 جنيه مش 20".
اعتراف طارق شوقي
في ديسمبر من العام 2021، ناقش مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالي، أكثر من 141 طلب إحاطة وسؤالًا وطلبات للمناقشة العامة موجهة لوزير التربية والتعليم حينها طارق شوقي، حول العديد من المشكلات المتعلقة بالعملية التعليمية ومن أبرزها كثافة الفصول وعجز المدرسين.
حينها، أكد الوزير ما تعانيه العملية التعليمية في مصر من عجز في المعلمين قدره بـ 323 ألفًا على مستوى الجمهورية، منهم 126 ألفًا فى التعليم الأساسي، و8800 في التعليم الفني، و163 ألفًا في الخدمات والأنشطة، و25 ألفًا في قرى "حياة كريمة"، لكنه أيضًا أشار إلى أن توفير هذا الرقم من المعلمين يحتاج إلى مليارات الجنيهات.
أرجع الوزير أيضًا أزمة تعيين المعلمين إلى عدم وجود تعيينات في الجهاز الإداري للدولة، فضلًا عن عدم وجود موازنة للتعيين.
وقد بلغ عدد خريجي كليات التربية في مصر عام 2019 قرابة 63 ألف خريج، في وقت كانت الزيادة في عدد المدرسين بالتعليم الخاص في العام 2019-2020 نحو 4 آلاف و379 معلمً فقط.
بينما جاءت تصريحات الوزير السابق الذي أكد ضرورة استثناء المعلمين من القانون لأنهم "ليسوا إضافة للبيروقراطية في الجهاز الحكومي بل هم ضرورة"، في وقت يفترض أن تلتزم الدولة بنسبة 4% إنفاقًا على التعليم من إجمالي الناتج المحلي.
وحذر تقرير للبنك الدولي العام الماضي من تدهور الإنفاق العام على التعليم في مصر، مما أسفر عن نقص في عدد المعلمين والفصول الدراسية، وضغط كبير على التعليم العام في البلاد. وأشار التقرير إلى نقص في عدد المعلمين في المدارس الحكومية بسبب تجميد التعيينات، في حين ازداد عدد طلاب المدارس الابتدائية.
ووفقًا للتقرير، تمثل نسبة الإنفاق على التعليم 26.8% من إجمالي الإنفاق العام البالغ 2.1 تريليون جنيه في العام المالي الحالي، مع زيادة تقدر بحوالي 22.8% مقارنة بالعام المالي السابق. وركزت الحكومة بشكل رئيسي على تعويض نقص المعلمين وإنشاء المزيد من الفصول الدراسية وتطوير البنية التحتية المدرسية هذا العام.
كما تم تخصيص 4.5 مليار جنيه لبناء 25 ألف فصل دراسي، وهذا يمثل زيادة بنسبة 40% عن الاستثمارات في الفصول الدراسية في العام المالي السابق. كما سيتم إنفاق 1.8 مليار جنيه إضافية لمعالجة أزمة نقص المعلمين.
وأشار التقرير إلى أن تخصيص الأموال في ميزانية التعليم يعتمد بشكل كبير على ما تم إنفاقه في السنوات الثلاث الماضية، مما يجعل التمويل غير فعّال، حيث لا يتم اعتبار عدد الطلاب والمعلمين المطلوبين والتقدم في استراتيجيات التعليم. وهذا يجعل من الصعب جدًا تحقيق توافق بين أولويات التعليم الوطني والموارد المتاحة.