في حفل كان مزمع إقامته، السبت الماضي، بالقرب من سفارة إريتريا في تل أبيب احتفالًا بمرور ثلاثين عامًا على استقلالية إريتريا عن دولة إثيوبيا وصعود الحاكم الحالي أسياس أفورقي، إلى السلطة، أُصيب ما يقارب ١٧٠ لاجئًا إيرتيريًا و٣٠ عنصرا من الشرطة الإسرائيلية في اشتباكات دامت حوالي ٥ ساعات بين اللاجئين وشرطة الاحتلال الاسرائيلي التي استخدمت الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.
ما القصة؟
في البداية وصل مؤيدو النظام في إريتريا مرتدين اللون الأحمر احتفالا بفعالية سفارة بلادهم، إلى القاعة المقرر قيام الاحتفالية بها جنوب تل أبيب، بينما طالب معارضو النظام الموافقة على تنظيم فعالية مناهضة للنظام الأمر الذي تم التعامل معه بالرفض من الجانب الإسرائيلي، ما استفز معارضي النظام واتجهوا بمسيرة نحو قاعة الاحتفالات مرتدين اللون الأزرق ومتخطين الحواجز الأمنية لسفارة إريتريا، محاولين وقف تنفيذ الاحتفالية.
فيما أعلنت شرطة الاحتلال الاسرائيلي أن التظاهرات غير قانونية وطالبت المتظاهرين بإخلاء الشوارع قبل أن تتصاعد الأمور لاستخدام القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والطلقات الحية، ما أسفر عن إصابة ١٤ شخص بطلقات نارية وهم بحالة خطرة.
وأثناء اجتماع وزاري للرئيس بنيامين نتنياهو، وصف المتظاهرين بيان صادر عن مكتبه بأنهم "متسللون غير شرعيين" ونقلت وكالة فرانس برس عن نتنياهو قوله "نطالب باتخاذ إجراءات صارمة ضد مثيري الشغب، بما في ذلك الترحيل الفوري لأولئك الذين شاركوا فيها"، وفقا للأسوشيتد برس.
سنوات من التهديد بالترحيل
لم تكن أحداث السفارة الإريترية السبت الماضي، هي الواقعة الأولى للاجئين الإريتريين، بل يعاني اللاجئين الإريتريين الذين يصل عددهم إلى ما يقارب من ١٨ ألف لاجئ، منذ أكثر من عشر سنوات داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
في يناير ٢٠١٢ اعتمدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قانون منع التسلل والذي بموجبه يجيز الاعتقال الإداري التلقائي لجميع الأشخاص، ومنهم أولئك الذين يدخلون إسرائيل بدون تصريح، ويسمح القانون باحتجاز الأشخاص دون تهمة أو محاكمة لمدة ثلاث سنوات أو أكثر.
وبموجب هذا القانون، تحتجز سلطة الاحتلال الإسرائيلي العديد من اللاجئين الأفارقة وخاصة الإريتريين، لأنهم يشكلون النسبة الأكبر من اللاجئين البالغ عددهم ٣٠ ألف لاجئ ومن بينهم عدد من ضحايا الاتجار بالبشر والانتهاكات الأخرى التي بدأوها أثناء الرحلة إلى الأراضي المحتلة.
وبناءً على تقرير لمنظمة العفو الدولية لعام ٢٠١٢، يُحتجز اللاجئون في سجن النقب الصحراوي، في خيام وهياكل مؤقتة في الصحراء القاسية.
يعيش اللاجئون وفق الاتفاقية الدولية المتعلقة بخصوص اللاجئين لعام ١٩٥١ التي صدقت عليها دولة الاحتلال الاسرائيلي والتي تحظر على الدول إعادة أيّ شخص لبلد من الممكن أن يتعرض فيه خطر الاضطهاد وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو إلى بلد لا يوفر له الحماية من مثل هذه العودة (مبدأ عدم الإعادة القسرية)
تكمن المشكلة في إسرائيل، في قانون اللاجئين، الذي يُعده البعض أنه يفتقر إلى الشفافية، ولا يسمح لطالبي اللجوء باستخدام إجراءات عادلة، ولا يتسم بالفاعلية وقد اعترف التقرير الموجز الذي ُقدم إلى محكمة العدل العليا في مايو٢٠١٣ بأنه لم يتم الانتهاء من فحص أي من الطلبات المقدمة من قبل المعتقلين بموجب قانون منع التسلل لعام ٢٠١٢.
في السياق ذاته رفضت إسرائيل رفضًا قاطعًا تمكين الإريتريين والسودانيين من الاستفادة من إجراءات تقرير صفة اللاجئين ومنحتهم بدلًا من ذلك حماية جماعية مؤقتة.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر منصة إكس "تويتر سابقًا" إنها "قلقة من العدد المرتفع من الجرحى خلال تظاهرات شارك فيها معارضون إريتريون، خصوصا في إسرائيل". وشددت على ضرورة "إجراء تحقيقات وتجنب خطاب الكراهية ولا سيما من جانب السلطات واحترام مبدأ عدم الترحيل".
بينما اعتبر المتحدث باسم المفوضية وليام سبيندلر في جنيف أنه "من المهمّ تحديد المسؤوليات عمّا حدث السبت"، محذرا في الوقت نفسه من أن "أي قرار له تأثير على مجمل طالبي اللجوء الإريتريين أو أي حالة ترحيل، سيكون مخالفًا للقانون الدولي ويمكن أن تكون له عواقب إنسانية وخيمة، لأن الوضع في إريتريا لا يزال على حاله".
كيف يصل اللاجئون الأفارقة إلى تل أبيب؟
يخوض اللاجئون الأفارقة وخاصة الإريتريين طريق من الجحيم سواء عن طريق الوصول إلى صحراء سيناء المصرية أو إلى الأردن، وكان العام ٢٠١٢ هو العام الأكثر زخمًا في وصول اللاجئين عن طريق سيناء وقد تعرض اللاجئين الإريتريين في هذا الطريق إلى عصابات الاتجار بالبشر، وتقول الأمم المتحدة إن 70 في المئة من الواصلين الجدد يختفون.
وبينما ينجح البعض في رحلة المرور بالشمال، يقع الباقي في أيدي العصابات ويباع مرتين أو ثلاثة ويتم تعذيبهم حتى يقوموا بالاتصال بعائلاتهم لدفع فدية أو يتم بيعهم مرة أخرى.
رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول "لقد أقمنا جدارًا على حدودنا الجنوبية مع مصر، وأوقفنا التسلل من هناك إلى إسرائيل، ومنعنا بذلك تسلل أكثر من مليون شخص من إفريقيا، الأمر الذي كان سيدمر بلدنا ويهوديتها"، ومن المطروح أيضًا من قبل حكومة الاحتلال قيام سياج مماثل عند الحدود الشرقية مع الأردن لحل معضلة المتسللين.
يعيش المهاجرون الأفارقة في جنوب تل أبيب وقد اقترح وزير العدل ياريف ليفين ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اقتراحا بحسب أخبار القناة 12"دعونا ننقلهم إلى شمال تل أبيب.. هل من الممكن إصدار تشريع يحد من مكان إقامتهم؟".
وأجاب ليفين: "دعونا نقر مثل هذا القانون. لو كان بالقرب من منازل أشخاص مهمين لما سمحوا بحدوثه. وماذا عن الترحيل؟ دعونا نتحدى قرار المحكمة العليا – إنهم منعزلون عما يحدث، يعيشون حيث يعيشون، ولا يكترثون"، ملمحا إلى أن القضاة سيتخذون موقفا أكثر صرامة إذا عاش المهاجرون في أحيائهم.
ويذكر اقتراح بن غفير بخطوة قام بها عام 2011 حيث اصطحب مجموعة من اللاجئين السودانيين إلى حمام سباحة في شمال تل أبيب في محاولة لإظهار ما أسماه “نفاق” سكان تلك الأحياء، ومعظمهم من نخب اليسار.