حينما نتحدث عن استقلال الفتيات أو النساء فلزاما علينا أن نذكر مقولة أهم وأبرز المناضلات النسويات، السيدة نوال السعداوي بأن "علموا بناتكم الاستقلال المادى حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل وعلموا ابنائكم الاستقلال المنزلى حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن خادمة".
النساء والفتيات داخل البيئات العربية تعيش بعدد لا حصر له من الضغوط المجتمعية تحت مظلة أنظمة أبوية وعادات وثقافات ذكورية قائمة على تقسيم الأفراد على أساس النوع الاجتماعي بداية من الاسرة، العائلة، المدرسة، الجامعة، العمل، وخلافه من تفاصيل الحياة المجتمعية. فدائما نرى الرجال يحصلون على قدر عالي من المزايا على جميع المستويات سواء ثقافيا، اقتصاديا، أو سياسيا، بجانب المزايا المجتمعية التي تعطيها الأسر للذكور حتى إذا رغبوا في الاستقلال، فلا عائق ولا مانع أمامهم بخلاف ما يحدث للفتيات إذا ما رغبن في الاستقلال سواء المادى والاجتماعى فيقابلن دائما بالرفض، والوصم إذا قررت - بالفعل - أن تفعل ذلك وأيضا تتعرض في غالبية البيئات المجتمعية للعنف والضرب والحبس وأحيانا القتل مثل فتيات ونساء كثيرات داخل مجتمعاتنا العربية التي يسيطر على تفكيرها إرث ثقافي يرتكز على أسس تقوم على التعنيف والاضطهاد المستمر لهؤلاء النساء ونظرتهن الشاملة والكلية لكونهن نساء يبحثن دائما عن الإدراك والمعرفة والتعلم يسعين إلى التمكين الذاتي المادي منه والاجتماعي بجانب استقلالهن الجسدي.
فالنساء والفتيات العاقلات والمفكرات دائما هن الباحثات عن الحرية والمساواة رغم الأشواك اللاتى يتعرضن لها هؤلاء الأحرار بمقاومتهن للقهر الواقع عليهن يوما بعد يوم لأجيال عديدة والتى لا تكفلها حلول قانونية فقط وفقا لتأصلها داخل المجتمع العربي وهيمنتها الثقافية التي تدعم مثل هذه الأفكار والرؤى النمطية السائدة وهذا يلزمه تغيير شامل وجذري.
فدائما تعانى النساء العربيات من نظرات متدنية واضطهاد متفاوت، لذلك تظل حريتهن قيد التقييد واستقلالهن مشكلة كبرى بالنسبة لهذه المجتمعات التي تتبنى هذه الأفكار وطبيعة ثقافة هذا المناخ الذكوري التي تهيمن عليه، فتقيد النساء في اتخاذ قراراتهن حتى أبسط ما يكون منها كالخروج للعمل أو الترفيه مع الصديقات وحتى القرارات المتعلقة بالزواج والإنجاب والتعلم، فما بالكم بقراراتهن نحو الاستقلال الذي يعطيها مساحة من الحرية المطلقة وفقا لعقلها وإدراكها لأن هذه الثقافات الذكورية اعتبرها مخطط لمحاولات طمس هوية المرأة وإلغاء وجودها وكيانها ومحاولات لتغييب استقلاليتها في أمور حياتها كافة، حتى فكرة إشراكها في اتخاذ قرارات بحجة أنها فتاة أو بنت قاصر وتصبح بذلك غير مؤهلة لاختيار ملابسها وتخصصات دراستها العلمية وبيئة عملها إذا أتيحت لها الموافقة على العمل سواء كانت قاصر أو بالغة فهي طوال الوقت تتعرض إلى ووصاية رجل سواء الأب والأخ والعم والعائلة، حتى أمر الوصاية لا يقتصر فقط على ولي الأمر ولكن يمتد للمجتمع بالكامل.
إن الحق في استقلال الفتيات والنساء قبل الزواج أو بعد الطلاق مطلب حتمي وضروري، وقرار نابع منها طالما ترى أن حريتها تكمن في استقلالها بعيدا عن الأهل، وترى في نفسها القدرة على تكفل وتحمل جميع متاعب الحياة وأمور الحياة وحدها، وأرى أن الوصول لهذا المسار والاختيار يكمن في درجة وعيها وتثقيفها الذي جعلها امرأة حرة مختلفة وتحتاج لتحرير نفسها من قيود المجتمع وضغوط وسيطرة الأسر فطريق استقلال البنات والنساء رحلة ذات متاعب شاقة قائمة على مدى استيعاب الأهل لهذا القرار فهل يكون مُرضي ومناسب لهم، وهل سيتحملون نظرة المجتمع لهم في حالة استقلال بناتهن لذلك الأمر يتطلب مواجهة جادة وصارمة وشديدة الحزم تجاه المجتمع.
نعلم جميعا أن حياتنا كنساء وفتيات حافلة بالخسائر المرتبطة بسلامتنا الجسدية وتحقيق الاستقلال لانعدام غالبية النساء للقدرة على اتخاذ القرارات التي تتعلق بحريتهن، لذلك أؤكد أن استقلال النساء يكمن في إصلاح الأوضاع التي نعيش فيها وتهيمن على ثقافتنا لتحقيق ثورة شاملة لتغيير العادات والتقاليد والفهم الصحيح لجميع النصوص الدينية التي تتعلق بالنساء بصورة عامة والاعتراف التام بحقوقها كاملة لتحقيق حريتها الذى هو السبيل الوحيد لاستقلالها، ويتم ذلك عن طريق تغيير شامل في الوعي المجتمعي من قبل المؤسسات النسوية والمؤسسات المهتمة بالنساء وقضاياهن ومن خلال الحكومات والإعلام والثقافة والفنون والمناهج التعليمية، وبناءً عليه حتمية دعم ومساندة مؤسسات الدولة والتي تعمل على وضع تغيير قوانين تحمي النساء في حالات العنف والتحرش وغيرها من القضايا بجانب تمكين النساء في كافة النواحي والمجالات .
ولا بد أن نراعي الفرق بأن تمكين النساء سياسيا يختلف كثيرا عن تمكينهن اجتماعيا الذي يتطلب عوامل أخرى.
كما ذكرنا أن ثقة المرأة في نفسها وإيمانها بقضيتها وقدرتها على السعي والنضال لمواجهة العوائق كافة وتغييرها تغيير شامل أمر حتمي ويجب أن تؤمن بأن السعي للحرية والاستقلال والمساواة لا يأتي إلا بالنضال.
فى النهاية أؤكد أن استقلال النساء والفتيات جزء أصيل في تنمية المجتمعات وتغيير أوضاعها نحو مجتمع أفضل ومشاركة آمنة فلا بد من إعادة التوازن بين قوى المجتمع المتنوعة وإشراك النساء في الدور التنموي والإصلاحي وتفعيل دورها السياسى والاجتماعى بصورة واسعة النطاق فيجب أن تتمتع النساء بالمواطنة الكاملة ليتحقق استقلالهن الحر.
اقرأ أيضاً: بحلوها ومرها.. فتيات يروين حكاياتهن مع الاستقلال
جميل جدا
والحقيقة أن نوال السعداوي مناضلة نسوية حقيقية ولم تكن يوما مدعية ، وتحملت ما لا يتحمله بشر حتى من النساء انفسهن ، ولكنها لم تيأس لروحها الجميلة السلام