تهديدات إسرائيلية للبنان.. هل تتحمل تل أبيب وبيروت حرباً جديدة؟

وقف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عند نقطة مرتفعة من مزارع شبعا ليطلق تهديدات ضد لبنان وحزب الله بقوله “لا تخطئوا، فأي تهديد لأمننا سيعيد لبنان إلى العصر الحجري”.

جاء ذلك بعد مناوشات على مدى أسابيع بين الطرفين اللبناني والاسرائيلي، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي في بيان “لا ترتكبوا خطأ. لا نريد حرباً. لكننا مستعدون لحماية مواطنينا وجنودنا وسيادتنا”. وكان يقصد بكلامه جماعة “حزب الله”

وتعكس زيارة غالانت للحدود الشمالية وتصريحاته جانبا من الخلاف الذي تعيشه إسرائيل في الشهور الماضية بين القيادة السياسية التي يعتبر غالانت عنصراً مهماً فيها، وبين القيادة العسكرية والأمنية التي كثيراً ما تحذر من خطورة تهديدات وتصريحات القيادة السياسية والتنويه بأن الدخول في حرب خلال الوقت الحالي هو خطر داهم قد يتسبب في شل حركة المرافق وسقوط عدد كبير من القتلى.

وبالرغم من أن الجانبين ينفيان احتمالات الانزلاق إلى حرب، ولكن الكل يتذكر كيف اشتعلت “حرب لبنان” 2006، حين اجتاحت إسرائيل لبنان، إثر عملية أسر جنديين في 12 يوليو من ذلك العام. قيل حينها إن تل أبيب أرادت من تلك الحرب الثأر لـ”هزيمتها” عام 2000

ولا تزال تلك الحرب ماثلة أمام أعين اللبنانيين، وتسيطر المخاوف عليهم، مع كل تصعيد يحصل في الجنوب

المستفيد من الحرب

إذا نظرنا إلى الشأن الداخلي اللبناني والإسرائيلي، نجد أن الحكومة  الإسرائيلية تعيش فترة من النزاع الداخلي وزيادة التظاهرات وحالة الغضب في الرأي العام بعد قانون الإصلاح القضائي، إضافة إلى التمرد المستمر بين القوات وعصيان جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي يجعل الوضع الداخلي في أزمة حقيقية.

على الجانب الآخر، ومع استعصاء الأزمة اللبنانية والاتهامات التي توجهها المعارضة ضد سياسات “حزب الله” ، هو في أزمة داخلية لا تقل أهمية عن الأزمة الإسرائيلية.

لذلك هناك من يعتقد أن الجانبين قد يريا أن من مصلحتهما نقل الأزمة الداخلية إلى الخارج في معركة محدودة لمدة أيام تكون متنفسا للحكومة وتوحد الرأي العام نحو قضية مختلفة عن الشأن الداخلي.

ويرى البعض أنه لا توجد مصلحة حقيقية لدى كل من إسرائيل و”حزب الله” بالذهاب إلى مواجهة، لأن بنيامين نتنياهو لو ضمن حربا محدودة لقام بها، لكنه يتخوف أن تتحول إلى حرب مفتوحة، وتفتح جبهات أخرى إضافة إلى الجبهة اللبنانية. 

 إضافة إلى أن المعاهدة التي حكمت الحدود منذ عام 2006 وفق القرار 1701 لا تزال سارية مع بعض التعديلات وأن ما يحدث من مناوشات ليس أكثر من استعراضات إعلامية يحاول الطرفان كسب الرأي العام بها وتوجيه نظره إلى مشكلة خارجية بعيدا عن ما يعاني منه داخليا.

القرار 1701

هو قرار اتُّخذ بالإجماع من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد حرب لبنان 2006، وتحديدا في أغسطس 2006 لحل النزاع الاسرائيلي اللبناني، ووافقت عليه الحكومة اللبنانية بالإجماع في 12 أغسطس من العام نفسه، وصرح حينها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أن قواته ستحترم القرار بوقف إطلاق النار فور إيقاف الجيش الإسرائيلي الهجمات المعادية، وصوتت الحكومة الإسرائيلية لصالح القرار بنسبة 24 مقابل 0 لصالح القرار، بامتناع وزير واحد عن التصويت، وبناء عليه تم وقف إطلاق النار يوم 14 أغسطس 2006.

وفي نوفمبر من العام الماضي، أشادت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، السيدة يوانا فرونِتسكا، بالاتفاق الذي أدى إلى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل – في أكتوبر 2022 –  باعتباره “إنجازا تاريخيا يمكن أن يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة”، إلا أنها أشارت إلى الكثير الذي يتعين القيام به في الداخل اللبناني لمعالجة الأزمات التي تعصف بالبلاد.

ووضعت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في أجواء جلسة مجلس الأمن، التي قدمت فيها مع وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة عن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش حول تنفيذ القرار 1701. ويغطي التقرير الفترة الممتدة من 21 فبراير إلى 20 يونيو 2023، ذلك قبل أسابيع قليلة من القرار الأممي الجديد بالتمديد لقوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب لسنة جديدة في نهاية أغسطس الحالي ويشير جوتيريش، في مقدمة تقريره، إلى أن “النقاش في مجلس الأمن تناول التوترات الأخيرة على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل وضرورة قيام الطرفين بمنع وتجنب أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع، بحيث إن الجانبين اللبناني والإسرائيلي لم ينفذا بعد كامل التزاماتهما بموجب القرار 1701، ولم يحرزا أي تقدم نحو التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل”. ولفت التقرير إلى “أشغال البناء والهندسة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بالقرب من الخط الأزرق، ومواصلة إسرائيل خرق المجال الجوي اللبناني”، وأعرب عن “قلق بالغ تجاه إجراء (حزب الله) تدريباً عسكرياً في 21 مايو الذي شارك فيه مقاتلون مسلحون يرتدون الزي العسكري ويحملون الأسلحة الثقيلة، فهذا انتهاك للقرار 1701”.

التوترات الحدودية

يرى الجانب اللبناني أن الحكومة الإسرائيلية تتلكأ في الانسحاب من المناطق التي احتلتها عام  2006، كذلك ضم الجزء الشمالي لقرية الغجر ووضع سياج حديدي لتثبيت ضم القرية إلى الأراضي المحتلة، يعد خلافا لما ينص عليه قرار 1701، لذلك قام “حزب الله” بنصب الخيمتين، وبات هناك معادلة جديدة مفادها أن الانسحاب من قرية الغجر يقابله فك الخيمتين. 

ويري البعض أن توقيت وأسباب نصب “حزب الله” خيمه في مزارع شبعا، وخصوصا أن الخط الأزرق الذي وضع عام 2000 لم تدخل عليه تعديلات جديدة، والنزاع على مزارع شبعا لا يزال على حاله، يُعتبر بمثابة خطوة  مدروسة يراد منها تحريك ملف الحدود البرية واستدراج الجانب الأمريكي إلى مفاوضات ظاهرها الحدود وباطنها الرئاسة وتفرعاتها في لبنان.

وكان الحزب قد دفع بنخبة مقاتليه في “فرقة الرضوان” إلى الظهور أمام عدسات الكاميرا الإسرائيلية التي رصدت عناصر من الفرقة يتجولون مقابل الشريط الشائك وعلى مسافة أمتار قليلة من الجيش الإسرائيلي، والذي اكتفى بالتصوير. ونشرت قناة “المنار” فيديو مدته 27 ثانية لمراسلها وهو يصور رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إضافة إلى كبار الضباط في المنطقة الشمالية، في رسالة مباشرة أن هؤلاء في مرمى نيران “حزب الله” إذا أراد ذلك، وفق ما أشارت إليه معظم الصحف الإسرائيلية.

ورغم التطورات الحاصلة في الجنوب، يُستبعد أن يحدث أي تصعيد من قبل الطرفين، وهو ما أشار إليه أيضاً نصر الله عندما لمح إلى إمكانية معالجة ملف الحدود البرية كما حصل في ترسيم الحدود البحرية، وقال “أرض الغجر لن تبقى لإسرائيل، وكل ما يخدم استعادة بلدة الغجر سنمشي به”.

اقرأ أيضاً: جنين تدفع ثمن أزمات إسرائيل الداخلية

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة