إيران تضرب إسرائيل.. إعادة ضبط الشرق الأوسط “على وضع خطر”

إغلاق تام للمجال الجوي في 3 دول فضلًا عن الأراضي المحتلة، وإلغاء للرحلات في منطقة الشرق الأوسط وترقب، ثم هجوم بمئات المسيرات والصواريخ، لم توقظ فقط سلطات الاحتلال والإسرائيليين في القدس والنقب وغيرها من المدن، بل والعالم كله؛ ترقبًا لما تحمله الساعات المقبلة.

كانت هذه “بروفة حرب” قوية من إيران، تنتظر أن يجر أحدهم المنطقة بها إلى صراع إقليمي يُنذر بحرب كبرى، اندلعت شرارتها في السابع من أكتوبر الماضي، بينما لا يزال فتيل انفجارها على وضع الخطر.

وحتى مع توقع إسرائيل والولايات المتحدة للضربة الإيرانية التي نفذتها طهران في الساعات الأولى من اليوم الأحد، ردًا على الهجوم الإسرائيلي أوائل الشهر الجاري على القنصلية الإيرانية في سوريا، والذي أسقط ما لا يقل عن 7 قادة بالحرس الثوري الإيراني، فإن هذه الهجمات الإيرانية لا يمكن قراءتها إلا على أنها تطور غير مسبوق في تاريخ الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

إيران وإسرائيل.. رد غير مسبوق

فللمرة الأولى على الإطلاق، نفذت إيران ضربات مباشرة -وليس عن طريق الوكلاء- من أراضيها ضد الأراضي الإسرائيلية، معلنة أن عمليتها جاءت في إطار الدفاع عن النفس ووفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ردًا على اعتداء على أراضيها (القنصلية في سوريا)، بينما حذرت من رد أعنف في حال مهاجمة أيًا من أراضيها في وقت لاحق.

اقرأ أيضًا: كيف أحيت حرب غزة محور المقاومة؟

واستمر الهجوم الإيراني 5 ساعات، وأطلقت عليه طهران اسم “الوعد الصادق”، فيما قال رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش الإيراني محمد باقري، الأحد، إن العملية العسكرية “كانت تحذيرية فقط”.

وقال، في تصريحات نقلتها قناة “العالم” الإيرانية، إن الضربة لم تستهدف أي مواقع اقتصادية، وإن جميع أنظمة الدفاع الجوي ستدخل العمل “إذا كانت هناك حاجة لذلك”.

ومن جانبه، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن صواريخ كروز التي أطلقتها بلاده تمكنت من عبور الدفاع الدقيق والحماية المعقدة التي قامت بها إسرائيل بمساعدة أميركا في المجال الجوي العراقي والأردني وحتى سوريا.

وأضاف: “حتى اللحظة لا نملك معلومات دقيقة عن نتائج عمليات ليلة أمس، لكن لدينا معلومات بأنها تمت بنجاح وحققت أهدافها بدقة”. وتابع قائلًا: “قمنا بعمليات محدودة بحجم ووزن معين لتحذير إسرائيل، وكان يمكن أن تكون عملية موسعة”.

وأضاف قائد الحرس الثوري: “اتخذنا معادلة جديدة مع إسرائيل، وهي الرد على أي اعتداء من جهتها من الأراضي الإيرانية مباشرة”.

وأضاءت عمليات الاعتراض سماء الأراضي المحتلة في عدة أماكن، في حين تم إسقاط العديد من الطائرات بدون طيار والصواريخ من قبل حلفاء إسرائيل قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية، باستثناء بعض المناطق التي تضررت.

وقد شاركت في هذا التصعيد تسع دول على الأقل، حيث أطلقت مقذوفات من إيران والعراق وسوريا واليمن، وأسقطتها إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك الأردن، وفق هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

إيران تعاقب إسرائيل بـ 300 مسيرة وصاروخ

أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، وفق ما أعلنه الجيش الإسرائيلي يوم الأحد ونقلته “بي بي سي”. وشمل الهجوم 170 طائرة بدون طيار و30 صاروخ كروز، لم يدخل أي منها الأراضي الإسرائيلية، و110 صواريخ باليستية وصل عدد صغير منها إلى إسرائيل، كما أكد المتحدث باسم الجيش الأدميرال دانيال هاجاري في بيان متلفز.

أقصر مسافة من إيران إلى إسرائيل هي حوالي 1000 كيلومتر عبر العراق وسوريا والأردن.

إيرانيون يحرقون أعلام إسرائيل والولايات المتحدة بعد هجوم القنصلية في سوريا
إيرانيون يحرقون أعلام إسرائيل والولايات المتحدة بعد هجوم القنصلية في سوريا

ولم يقتصر القصف على إيران بل أطلقت صواريخ من مناطق أخرى أبرزها صواريخ من جنوب لبنان حيث حركة “حزب الله”، ومن اليمن حيث جماعة الحوثيين المواليين لإيران. وقالت مصادر أمنية عراقية لرويترز إن مقذوفات شوهدت تحلق فوق العراق باتجاه إسرائيل. وقال الحرس الثوري الإيراني إن الصواريخ الباليستية أطلقت بعد ساعة تقريبًا من الطائرات بدون طيار بطيئة الحركة حتى تضرب إسرائيل في نفس الوقت تقريبًا.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن القوات الأمريكية اعترضت عشرات الصواريخ والطائرات بدون طيار التي أطلقت من إيران والعراق وسوريا واليمن.

ووفق ما نقلته “بي بي سي“، فقد تم اعتراض حوالي 99% من القصف القادم إما خارج المجال الجوي الإسرائيلي أو فوق البلاد نفسها، وشملت جميع الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، التي تتبع مسارًا مسطحًا، ومعظم الصواريخ الباليستية، التي يتم إطلاقها على مسار مقوس يستخدم الجاذبية للوصول إلى سرعات عالية جدًا.

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن القوات الأمريكية “ساعدت إسرائيل على إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران يوم الأحد تقريبًا”. وأضاف في بيان إن الولايات المتحدة نقلت طائرات وسفنا حربية إلى المنطقة قبل الهجوم غير المسبوق.

وقالت مصادر أمنية، لـ”رويترز” إن القوات الأمريكية، التي تعمل من قواعد غير معلنة في المنطقة، أسقطت عددًا من الطائرات الإيرانية بدون طيار فوق جنوب سوريا بالقرب من الحدود مع الأردن.

كما تم نشر طائرات مقاتلة بريطانية من طراز تايفون لإسقاط طائرات بدون طيار، حلقت فوق العراق وسوريا ولكن ليس فوق إسرائيل. وقال بيان لمجلس الوزراء الأردني إن الأردن – الذي أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل لكنه ينتقد بشدة الطريقة التي نفذ بها حربه ضد حركة حماس الفلسطينية في غزة – اعترض أيضًا أجسامًا طائرة دخلت مجاله الجوي لضمان سلامة مواطنيه.

وقال الجيش الإسرائيلي إن فرنسا ساعدت في تسيير دوريات في المجال الجوي لكن لم يتضح ما إذا كانت قد أسقطت أي طائرات بدون طيار أو صواريخ.

تقييم الأضرار بعد الرد الإيراني على إسرائيل

وفي القدس أفاد مراسلو “بي بي سي” أنهم سمعوا صفارات الإنذار وشاهدوا نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “القبة الحديدية” قيد التشغيل، والذي يستخدم الرادار لتتبع الصواريخ ويمكنه التمييز بين تلك التي من المحتمل أن تصيب المناطق المبنية وتلك التي لا تضربها.

صاروخ إيراني يسقط على منطقة عسكرية إسرائيلية
صاروخ إيراني يسقط على منطقة عسكرية إسرائيلية

وشمل القصف الإيراني قاعدة نيفاتيم الجوية في صحراء النقب. وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية إن الهجوم وجه “ضربات قوية” للقاعدة الجوية. وأصيب حوالي 12 شخصًا في إسرائيل بشكل عام، وفق ما نقله المتحدث العسكري الإسرائيلي.

وكان من بين المصابين فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات من مجتمع عربي بدوي بالقرب من بلدة عراد الجنوبية، ورد أنها أصيبت بشظايا بعد اعتراض طائرة إيرانية بدون طيار في سماء المنطقة، ونُقلت إلى العناية المركزة.

وقال الأردن أيضًا إن بعض الشظايا سقطت على أراضيه “دون التسبب في أي أضرار كبيرة أو أي إصابات للمواطنين”.

الأمر الآن بيد إسرائيل لا إيران

ومع ردها العسكري، حذرت إيران من أي رد إسرائيلي أو أمريكي ضد أي من أراضيها ومنشآتها الدبلوماسية، وتوعدت برد فعل أقوى إذا ما أقدمت إسرائيل أو حلفاؤها على أي عملية عسكرية ضد إيران، بحسب ما قاله رئيس أركان القوات المسلحة اللواء محمد باقري للتلفزيون الحكومي.

اقرأ أيضًا: سياسات وبدائل واشنطن ما قبل “العتبة النووية” الإيرانية

وقال إن القواعد الأمريكية ستتعرض للهجوم أيضًا إذا شاركت الولايات المتحدة في أي رد إسرائيلي. وقال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي أيضًا إن طهران سترد على أي هجوم إسرائيلي على مصالحها أو مسؤوليها أو مواطنيها.

ونقلت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي -لم تذكر اسمه- قوله إنه سيكون هناك “رد كبير” على الهجوم.

وأعيد فتح المجال الجوي الإسرائيلي كما هو الحال مع الدول المجاورة، لكن وزير الدفاع يوآف جالانت قال إن المواجهة مع إيران “لم تنته بعد”.

بعد الضربة العسكرية.. نشاط دبلوماسي إيراني

بينما أنهت إيران ضربتها الجوية ضد إسرائيل، أعلنت أنها كانت محدودة ودقيقة ولم تستهدف مواقع اقتصادية وسكنية بل كان غرضها الأساسي “توبيخ الكيان الصهيوني” وضرب القواعد العسكرية التي انطلق منها الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا.

أعلام دول مجموعة السبع

وفي مؤتمر صحفي ظهر الأحد، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن طهران ردت على إسرائيل بعد فشل المجتمع الدولي في إدانة الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في سوريا واستمرار ازدواجية الغرب في التعاطي مع اعتداءات الاحتلال، ووفق ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادته 51.

وأكد “عبد اللهيان” بأن بلاده لن تتردد في الدفاع عن مصالحها المشروعة ضد أي عدوان جديد إذا لزم الأمر، مؤكدًا أن إيران لم تستعدف أي من القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، لكنه حذر من أي هجوم ينطلق من هذه القواعد باتجاه الأراضي الإيرانية، وقال إن إيران سترد على أي مصدر لهجوم عليها ومن أي منطقة كانت، داعيًا دول المنطقة لمنع أي هجوم ينطلق من أراضيها، ومطالبًا الولايات المتحدة بتحذير إسرائيل من أي هجوم جديد قد يجر المنطقة إلى صراع إقليمي كبير.

كما حمّلت إيران دولًا غربية أدانت الرد الإيراني، وقال “عبد اللهيان” إن هذه الدول -التي استدعت إيران سفرائها اليوم للشجب- إنما تشجع إسرائيل إذا ما أقدمت على أي تحرك أخرق جديد قد ينقل المنطقة إلى حرب شاملة.

إسرائيل تحشد ضد إيران دبلوماسيًا

ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن الدولي في حوالي الساعة 20:00 بتوقيت جرينتش لبحث الأزمة الأخيرة بناء على طلب إسرائيل. وقال بايدن إنه سيجتمع أيضًا مع قادة مجموعة الدول الغنية G7 (الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان) يوم الأحد لتنسيق “رد دبلوماسي موحد” على هجوم إيران.

ومن المرتقب أن يجتمع مجلس الأمن الدولي، اليوم الأحد، بطلب من إسرائيل، لبحث تداعيات الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا.

وقالت الأمم المتحدة عبر منصة “إكس” إن مجلس الأمن الدولي سيعقد اجتماعا في وقت لاحق، اليوم الأحد، لبحث الوضع في الشرق الأوسط. وقال مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة جلعاد إردان، في رسالة موجهة إلى المجلس نشرها عبر حسابه على منصة “إكس”: “ندعو مجلس الأمن للتحرك فورًا لتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية”. وقال إن الهجوم الإيراني “تصعيد شديد وخطير”.

مجلس الأمن
مجلس الأمن

روسيا والصين تحذران

ونقلت وكالة “سبوتنيك” للأنباء عن وزارة الخارجية الروسية قولها إن الهجوم الإيراني على إسرائيل جاء في إطار الحق في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وأضافت أن الهجوم جاء ردا على الهجمات على أهداف إيرانية في المنطقة، بما في ذلك الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أدانته روسيا سابقا.

وأعربت الخارجية عن القلق الشديد إزاء التصعيد الخطير” في المنطقة، داعية جميع الأطراف المعنية إلى ضبط النفس. وأوضحت الخارجية أنها حذرت مرارا وتكرارا من أن الفشل في حل الأزمات في الشرق الأوسط، وعلى رأسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيؤدي إلى زيادة التوتر.

كما أعربت الصين عن “قلقها العميق” من الهجوم بالمسيّرات والصواريخ الذي شنته إيران ضد إسرائيل ليلا ردّاً على قصف طال قنصليتها في دمشق في وقت سابق من الشهر الحالي.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لم يتم كشف اسمه إن بكين “تعرب عن قلقها العميق إزاء التصعيد الراهن وتدعو كل الأطراف المعنيين إلى ممارسة الهدوء وضبط النفس لتفادي تصعيد إضافي”. وأضاف أن هذه الجولة من التوترات هي من “تداعيات الحرب في غزة”، وأن إخماد هذا الصراع “أولوية قصوى”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة