العنف المنزلي، الدراسة والتعلم، البحث عن عمل، والسعي نحو اكتشاف الذات.. جميعها أسباب تدفع عددا كبيرا من الفتيات إلى الاستقلال والانتقال للعيش بمفردهن بعيدًا عن ذويهن، وقبل أن تلمع عيناها بصورة “السوبر وومن” ويخفق قلبها بتنفس نسائم الحرية الواهية، تُفاجأ الفتاة بعوائق ومشكلات عدة لم تكن تشغل تفكيرها من قبل، وتصطدم بواقع قاسٍ وهو أنها المسؤولة الوحيدة عن حل جميع هذه المشكلات بمفردها، لذلك فإذا كنت قد تخطيت 21 عامًا وتفكرين في الاستقلال، فهذه نقاط يجب أخذها في الاعتبار أثناء التفكير وقبل التنفيذ.
لا تلقي بنفسك في أقرب قطار
بما أن الخطوة الأولى هي ترك بيت الأهل للعيش بمفردك، فعلى الأغلب أنك ستنتقلين للعيش في حي آخر، أو مدينة أخرى قد تكون غريبة عليك، لذا من الذكاء أن تبحثي وتجمعي معلومات عن المكان الذي ستنتقلين إليه قبل أن تطأ قدماك أرضه، هل يوجد فيه ما تبحثين عنه وستكون حياتك فيه أفضل؟.. هل ستنتهي معاناتك وتحققين مستقبلك وأحلامك في هذا المكان؟.. وحبذا لو لكِ فيه بعض الأصدقاء أو المعارف توفيرًا للوقت والمجهود.
توفير مبلغ من المال
منعًا من أن يتم استغلالك أو التهرب منك إن كان لك أصدقاء في مدينتك الجديدة، فيجب وقبل أي شيء أن توفري مبلغًا من المال قبل الانتقال إلى العيش في مكان آخر؛ ستحتاجين إلى دفع إيجار، وتأمين يتجاوز أحيانًا ضعفين إلى ثلاثة أضعاف قيمة الإيجار، لو لم يكن المكان مفروشًا ستحتاجين إلى شراء بعض قطع الأثاث الأساسية، وقد توفرين هذه الخطوة إن استأجرت غرفة في سكن مشترك. كما ستحتاجين المال لتوفير طعامك وشرابك ودوائك وبعض السلع الأساسية – أنصحك بعدم التفكير في السلع الترفيهية في المرحلة الأولى – كما ستحتاجين لمعرفة وسائل المواصلات المناسبة لك وحساب كل ذلك في ميزانية نفقاتك.
الوظيفة قبل الاستقلال
لا يمكنك الاستقلال من دون مصدر دخل ثابت يكفي مصاريف معيشتك، فمن الآن وصاعدًا أنتِ من تحاسبين على فواتيرك؛ الكهرباء، الماء، الغاز، الإيجار، الطعام في الثلاجة، الأشعة عند الطبيب، والكتب التي تحتاجين إليها والملابس التي تناسب أماكن ذهابك، لذلك سيكون هناك صعوبة كبيرة في الاستقلال إن لم تتوفر وظيفة بدخل شهري يكفي الالتزامات والمصروفات التي تحتاجينها.
منطقة آمنة تناسبك
توفّر سكن آمن يتساوى في الأهمية مع توفّر الوظيفة، وكلاهما يجب أن يتوفر قبل الإقدام على خطوة الاستقلال.
وتعتبر هذه الخطوة من أشق الخطوات، نظرًا لصعوبة إيجاد سكن يقبل أصحابه بإسكان فتاة بمفردها، وفي الحقيقة – وأنا دائمًا صريحة معك – ليس أصحابه فقط، بل الجيران وذووهم والبواب وأبناء عمومته وأصحاب المحال والمارة في الشارع يرفض معظمهم أن تسكن فتاة بمفردها، وسيحاولون إيصال ذلك لك بكل الطرق الممكنة، بدءًا من النظرات التي تلاحقك مرورًا بالهمز واللمز، ثم التدخل في ملابسك ومواعيد حضورك وانصرافك ومن يمكنه زيارتك ومتى، وحتى التعرض لك بشكل علني!
لذلك كلما كان منزلك في مكان يشبهك ويناسب طابع حياتك الخاص قدر استطاعتك، كلما قلّت تعرضات الناس لك، كما أنه من الأسلم عدم الاحتكاك المباشر مع الجيران بشكل مبالغ وملحوظ، والأفضل بالطبع أن تكوني على علم بحقوقك كاملة كمستأجرة وكمواطنة منعًا لأي محاولة لاستضعافك أو إيذائك.
الطهي والمهارات الأخرى
تجبر الظروف غالبية المستقلات على الأكل خارج المنزل، ما يزيد من نفقاتهن بشكل كبير مقارنة بالراتب، لذلك تلجأ الغالبية منهن إلى تعلم بعض الأكلات البسيطة التي يمكن تحضيرها في المنزل، توفيرًا للنفقات وحفاظًا على الصحة.
وإلى جانب الطبخ فإن بعض المهارات المنزلية والحرف اليدوية قد توفر الكثير من النفقات عليك إذا بذلت القليل من الجهد في تعلمها، مثل الغسل والكي والتنظيف والتلميع والتهوية، وتغيير المصابيح وأنبوبة الغاز وبعض أعمال النجارة والسباكة البسيطة.
كوني قوية
وأخيرًا – وليس بآخر- كوني قوية لأجلك، هذه الخطوة ليست بالبسيطة ولا تأتي رياحها في أغلب الأوقات بما تشتهي السفن والأنفس، فهي ليست امتدادًا لمنزل أهلك بما فيه من سلبيات وإيجابيات، وإنما هي عملية بناء وتكوين كيان شخصي؛ عملية صعبة وشاقة تتخللها فترات يأس وإحباط.. قد تبكين كثيرًا، ستفكرين في العودة إلى منزل أهلك مرارًا وتكرارًا، أو تضعفك لدرجة الاستسلام والسقوط فريسة سهلة للذئاب صيادي المستقلات، أو تدفعك لسلك طرق وعِرة قد تؤدي بأحلامك وطموحاتك وأمانك إلى الهاوية، فكوني قوية مؤمنة بذاتك، وتذكري أن طريق الاستقلال ليس مفروشًا بالورود، وإنما مهمتك أن تزرعينه أنت بيديك.
اقرأ أيضاً: الحق المفقود بين “لازم” و”المفروض”