إن معركة الوعى الحقيقية هي معركة الوعى بالشرعية. الوعي بما هو حق وما هو باطل، ولو توفر الوعى بالحق والباطل وسط غالبية الناس لانصلحت الأمور واستقامت الطرق للخير والنماء. ولأن الحق في الحياة هو أول الحقوق وأهمها فلا يمكن لأى منظومة سياسية أو أمنية أن تحصل على شرعية قتل البشر المسالمين الآمنين تحت أي مسمى ولأي غرض. وبالتالي لا يملك أي رئيس أو زعيم أن يصدر قرارا "شرعيا" بقتل أشخاص لم يقوموا بارتكاب جرائم ينص القانون على عقوبتها بالقتل، ولا يحق لأى حكومة أن تصدر حكما بإعدام بشر مسالمون لمجرد مخالفتهم لقوانين السفر والهجرة، فتقوم بحرمانهم من حقوقهم الإنسانية وأولها الحق في الحياة بحجة أنهم مهاجرين "غير شرعيين".
ولذلك فأنني في هذه السطور أحاول إيجاد حل مبتكر للأزمة - التي لا محالة في سبيلها للتفاقم عشرات المرات عما سبق بسبب زيادة معدلات الفقر والمجاعات والتغير المناخي - أزمة هروب آلاف البشر من دول وأماكن لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الحياة الإنسانية لدول وأماكن يتوفر فيها درجات أعلى وأفضل من أنظمة الحكم وشروط المعيشة مع خوف هذه الدول من استقبال هؤلاء المهاجرين.
تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن إجمالي المهاجرين عن طريق المتوسط إلى أوروبا وصل إلى أكثر من 82 ألفًا هذا العام، بينما لقي نحو ألفَي شخص حتفهم غرقًا في المتوسط خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بنحو 1400 في الفترة نفسها من العام الماضي، وسُجل أكثر من 20 ألف وفاة منذ عام 2014 على طول الطريق البحري الخطير بين شمال إفريقيا والشواطئ الجنوبية لأوروبا. ومنذ عام 2015 تم إنقاذ نحو 300 ألف شخص أثناء محاولتهم العبور عبر البحر الأبيض المتوسط، وفق وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية.
الحل ببساطة في نشأة "دولة أممية" تعطي الحق في الحصول على جنسيتها وحمل جواز سفرها لأى انسان يرغب في ذلك أو يحتاج إليه، وبهذا تنشأ "جنسية جديدة عالمية" ينضم لها كل من يرغب في الحصول على الحق في السفر القانوني من بلد لبلد. على أن تكون إدارة هذه الدولة الأممية تابعة لهيئة من هيئات الأمم المتحدة، مما يعطي جميع دول العالم الحق في المشاركة في تحديد مصيرها ومناقشة قوانين عملها لتصبح بؤرة للتعاون بين مختلف الدول والثقافات.
والحقيقة أن مواطنين هذه الدولة لن يكونوا فقط من المستضعفين أو الهاربين من ظروف المعيشة الصعبة، بل إن الجزء الثاني من الحل – وهو الخاص بكيفية توفير أرض لإقامة هذه الدولة – سوف يؤدي إلى رغبة العديد من سكان العالم المستقر والمتقدم في الانتماء إليها والحصول على جنسيتها.
يتطلب إقامة أي دولة أن يكون لديها شعب وأرض وحكومة، وقد ذكرنا أن الشعب سوف ينشأ من رغبة أي انسان في الحصول على جنسية هذه الدولة الأممية، بينما تكون حكومتها هيئة تابعة للأمم المتحدة، فماذا عن الأرض؟
يتطلب إقامة هذه الدولة أن تقوم كل دولة من دول العالم طواعية بمنح نسبة من أراضيها ليقام عليها جزء من هذه الدولة.. أعلم بالطبع أن الفكرة تزداد غرابة وبعدا عن الواقع في نظر معظم القراء، ولكنني أعتقد أنك لو أكملت القراءة حتى هذا الجزء فلابد أن الأمر يشغلك حقيقة، فلذلك أرجوك أن تكمل القراءة للنهاية.
تخيل لو اتفقت دول العالم المتقدم والمتأخر سويا على أن تمنح كلا منها نسبة محددة من أرضها لنقل 1% فقط – يتم اختيارها بالتراضي بين الدولة الأصلية والهيئة التي ستقوم بإدارة هذه الدولة – لأن تصبح جزءا من دولة عالمية جديدة تكون ادارتها خاضعة للهيئة الدولية وفقا للقواعد الدولية وبالتوافق مع الدولة الأصلية.. عندها يمكننا تصور أن تنشأ في كل دولة عضو في الأمم المتحدة مساحة تكون خاصة بسكن الحاصلين على جنسية هذه الدولة الأممية ومنهم بالطبع المهاجرين من الأماكن المنكوبة.
هذا يعني أن دولا منكوبة ستقوم بإعطاء مساحة خاصة شبه مستقلة عنها تكون تحت إدارة هيئة أممية، وتقوم بتوفير احتياجات سكانها ومنحهم الحق في السفر لدول أخرى بشكل منظم وقانوني، وفي نفس الوقت تحصل الدول غير المنكوبة والتي تخشى من تزايد أعداد المهاجرين، على منظومة تتيح استقبال المهاجرين الحاصلين على جنسية الدولة الأممية بشكل قانوني منظم، بل ويمكن أن تكون هذه المساحات مساحات للعيش الكريم ليعيشوا فيها بدلا من التغلغل داخل المجتمع بدون أوراق ومستندات قانونية، أي انها فرصة للفارين وللخائفين من الفارين في نفس الوقت.
ويمكننا بالنظر مستقبلا - في حالة نجاح هذه الفكرة – تصور أن تزداد أعداد الراغبين في الانتماء إليها وأن تزداد مساحات الأرض التي تخصصها لها الدول لتشغلها، حتى نصل يوما إلى دولة عالمية تغطي مساحتها جميع دول الأرض وتضم في جنسيتها كل البشر على سطح الأرض.
فما رأيك؟ هل هي فكرة قابلة للتنفيذ؟
كيف يمكن أن تتحقق في يوم من الأيام؟
شاركني اقتراحاتك
اقرأ أيضاً: عالم بلا جيوش