“الفكر والتعبير” تقدم ورقة عن انتهاكات الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات إلى الحوار الوطني

قدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بعنوان “انتهاكات الحرية الأكاديمية” إلى الحوار الوطني، وتناولت الورقة وضع الجامعات فى مصر من خلال وضع استقلالية الجامعة ووضع الحرية الأكاديمية والحريات الطلابية.

واشارت المؤسسة في مقدمة الورقة إلى الانتهاكات الواسعة والمستمرة التي يتعرض لها الأكاديميون والطلاب، والتي تهدف إلى السيطرة الكاملة على الحقوق والحريات الأكاديمية والطلابية داخل الجامعة وخارجها.

كما أوضحت المؤسسة أن تلك الممارسات تهدف إلى القضاء على استقلالية الجامعة واستقلالية اتخاذ القرار ومشاركة الجامعة في الشأن العام والحياة السياسية بشكل عام.

وبحسب ما جاء في الورقة المقدمة للحوار الوطني، فقد تنوعت تلك الانتهاكات ما بين تدخلات من السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية فى الشئون الادارية واختيار قيادات الجامعة، تقييد الحرية الأكاديمية، وانتهاك الحقوق الطلابية من خلال القضاء على  الحركة الطلابية فى مصر وما أنتجته من تأثير فى المطالبة بلائحة طلابية تمثل الطلاب وتصون حقوقهم وحريتهم داخل الحرم الجامعي.

وهو ما أدى إلى تقليص مساحة الحريات فى الجامعة وخلق مساحة من الخوف والارتياب أدت إلى خلق رقابة ذاتية من جانب الأساتذة والباحثين والطلاب تمنع أي طرف من التعبير عن رأيه وأفكاره بأي شكل من الأشكال خوفًا من التعسف والتنكيل- بحسب المؤسسة.

استقلال الجامعات

تحدثت الورقة عن جهود استقلال الجامعات والحركات الطلابية التي شهدتها الجامعات بعد ثورة يناير 2011، والتي نتج عنها اعتماد أول نظام ديمقراطي لاختيار قادة الجامعات بالانتخاب. وأيضًا انتخاب عمداء الكليات عن طريق الاقتراع السري المباشر من أساتذة الكلية وبنسبة من الهيئة المعاونة.

وأوضحت الورقة المقدمة أن هذا الوضع استمر حتى 24 يونيو 2014، وذلك عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بقانون يتضمن تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 ليتم العودة الى تعيين قيادات الجامعات بدلًا من انتخابهم. وقد تم تعديل  المادة 25 من قانون 1972 لتنظيم الجامعات والتي تنص على: “يعين رئيس الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض وزير التعليم العالي. وذلك من بين ثلاثة أساتذة ترشحهم لجنة متخصصة”.

وأشارت الوقة إلى أن هذه التعديلات تخالف المادة (21) من الدستور المصري التي تنص على أن تكفل الدولة استقلال الجامعات، والمجامع العلمية واللغوية. حيث يتضمن استقلال الجامعة عدم تدخل الدولة أو أي جهة أخرى خارجية فى الشؤون الإدارية للجامعة وطريقة اختيار قياداتها.

ونتج عن هذه التعديلات أيضًا، عرقلة أي ترقيات إدارية داخل الجامعة بسبب توجهات أصحابها السياسية على أساس تعليمات من الأمن. كما أوضحت المؤسسة في ورقتها أن سياسة التعيين تشير إلى إلى هيمنة السلطة التنفيذية على اختيار قيادات الجامعة وعرقلة استقلال الجامعات عن طريق التحكم فى التخطيط وتنفيذ سياسات إدارة الجامعة بشكل يوفي احتياجات ومتطلبات كل جامعة.

أما عن الموارد المالية للجامعة، استمر الخطاب الرسمى منذ السبعينيات على تأكيد استقلال الجامعات، بمعنى حق كل جامعة في أن تضع لنفسها ما تراه من لوائح، وأكاديمياً بمعنى حق كل جامعة فى أن تنشئ من الكليات والتخصصات ما ترى أنه فى إطار احتياجات المجتمع.  إلا أن الجامعات لا تزال بعيدة عن الاستقلال الحقيقي. فالدولة بحكم إنفاقها على الجامعة تسيطر على مجمل الشئون الجامعية من خلال المجلس الأعلى للجامعات ووزير التعليم العالى إذ تتولى تعيين القيادات الجامعية متمثلين في رؤساء الجامعات ونوابهم وأمناء الجامعات. ويتولى رؤساء الجامعات تعيين العمداء والوكلاء ورؤساء الأقسام بشرط موافقة السلطات الأمنية- بحسب الورقة المقدمة.

 وأوضحت الورقة أن التمويل الحكومي يؤدي إلى حق الحكومة (السلطة التنفيذية) فى الإشراف المباشر على الشئون التعليمية والبحثية في الجامعات، وحق تدخل الحكومة وأجهزة الأمن فى الجامعات. وبذلك فقد أدى اعتماد الجامعات على الموارد الحكومية إلى فقدان استقلال الجامعة وتابعيتها المالية والإدارية والأكاديمية إلى السلطة التنفيذية.

الحرية الأكاديمية

تعرف الحرية الأكاديمية طبقًا لإعلان الحرية الأكاديمية الصادر عن  المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات بجامعة كولومبيا بأنها: “حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الالتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم”.

وبحسب ما جاء في الورقة، فقد تعرضت الحرية الأكاديمية لتضييقات وانتهاكات على عدة مستويات كان من أهمها: “تقييد حرية البحث والتدريس، حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام، قوانين العزل من الوظيفة، فرض حصول أعضاء هيئة التدريس على موافقة أمنية قبل السفر إلى الخارج وذلك بالرغم من استيفاء كافة الإجراءات والموافقات الأكاديمية والإدارية من الجامعة، ووضع قيود على استضافة الباحثين الأجانب وعرقلة عملهم البحثي في مصر وملاحقتهم أمنيًا”.

وفيما يخص حرية البحث والتدريس؛ تنص المادة 23 من الدستور المصري على حرية البحث العلمي. وبالرغم من ذلك استمرت الجامعة منذ 2013 في التضييق على الحرية الأكاديمية من خلال وضع القيود والتدخل فى مساحات البحث والتدريس وتحديد صلاحيات الأستاذ الجامعي الى أدنى الحدود وذلك من خلال: “أولًا: شطب رسائل علمية لأسباب سياسية. ثانيًا: تدخل إدارة الجامعة فى حرية البحث والتدريس”.

كما أشارت الورقة إلى أن الجامعة تستمر في التدخل فى حرية التدريس تحت دعوى حماية الأخلاق وقيم المجتمع. حيث لم تتوقف القيود المفروضة على حرية البحث والتدريس بسبب اعتبارات سياسية، بل تجاوزتها إلى فرض قيود خاصة بتناول أمور الدين أو الجنس. وكذلك القيود المتعلقة بمراقبة السلوك الشخصي وما يسمى الأعراف والتقاليد الجامعية.

فعلى سبيل المثال؛ أيدت المحكمة الإدارية العليا قرار رئيس جامعة السويس بعزل الدكتورة منى البرنس، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب من الوظيفة بعد إحالتها إلى مجلس تأديب على غرار نشر مقاطع  على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لها وهي ترقص فوق سطح منزلها. وقد اعتبرت الجامعة أن تلك الفيديوهات مسيئة للآداب. كما لم تلتزم منى البرنس بتدريس المنهج العلمي بكلية التربية وتم اتهامها بازدراء الأديان، وظهرت في عدة برامج تليفزيونية بدون إذن الجامعة. وأدلت بتصريحات تخالف التقاليد والقيم الجامعية والعامة والأخلاق مما يتنافى مع دورها كأستاذ جامعي.

كما أكدت الورقة على أن التدخلات من وزارة التعليم العالي لتقييد حرية البحث والتدريس تعد واحدة من أهم الانتهاكات التي تتعرض لها الحرية الأكاديمية. في هذا السياق يمكن الاستشهاد باعتراض  وزير التعليم العالي على أحد الأسئلة الواردة بامتحان لطلاب كلية الحقوق لتناولها بيان القائد العام للقوات المسلحة بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي (بيان 3 يوليو 2013).

كما تحدثت الورقة عن حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام، وأوضحت أن هناك ضييق على حرية الرأي والتعبير على مستوى إدارات الجامعات خلال السنوات السابقة بأشكال  متعددة: ” أهمها حظر مشاركة الأساتذة في الشأن العام من خلال الظهور الإعلامي أو كتابة المقالات والتصريحات الصحفية أو على منصات التواصل الاجتماعي”.

أما فيما يخص العزل من الوظيفة، فقد ذكرت الورقة أنه في يناير 2015، أصدر الرئيس السيسي تعديلًا جديدًا على قانون الجامعات ينظم حالات عزل عضو هيئة التدريس وإجراءات مساءلته. ونصت المادة 110 المعدلة من القانون على معاقبة عضو هيئة التدريس بالعزل في 4 حالات هي: “إذا اشترك أو حرض أو ساعد على العنف أو أحداث الشغب داخل الجامعات أو أي من منشآتها، إذا مارس أي من الأعمال الحزبية داخل الجامعة، وإذا أدخل سلاحاً من أي نوع أو مفرقعات أو ألعاب نارية أو مواد حارقة أو أدوات تعرض الأفراد والمنشآت والممتلكات للضرر والخطر، أخيرًا إذا ارتكب أي فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس أو يمس بنزاهته وكرامته وكرامة وظيفته”.

 وأوضحت الورقة أن تلك البنود تنافي مع المادة 74 من الدستور:” والتي تنص على حق المواطنين فى تكوين أحزاب سياسية:”. كما تثير تلك التعديلات تساؤلات حول الحقوق السياسية والمدنية والحريات الشخصية لأساتذة الجامعات وتقييد مساهمتهم في المجال السياسي وممارستهم لحق التعبير عن الرأي والمشاركة في الشأن العام.

وتناولت الورقة أيضًا الموافقة الأمنية على سفر الأساتذة، إذ أشارت إلى تقيد الموافقة الأمنية اللازمة لسفر أعضاء هيئة التدريس الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس من خلال منعهم من البحث والتدريس في جامعات خارج مصر. كما تعيق تواصلهم مع أقرانهم لتبادل المعرفة والنقاش العلمي ومواكبة التطورات في مجال تخصصهم.

وأكدت الورقة على عدو وجود أي مواد في القانون رقم (49) لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات تلزم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالحصول قبل سفرهم على موافقة ما يعرف “بالإدارة العامة للاستطلاع والمعلومات”، وهي إدارة داخلية تابعة لوزارة التعليم العالي غير معلن عن مهامها وطبيعة اختصاصاتها. كما تعد الموافقة الأمنية انتهاكًا للمادة (21) من الدستور المصري التي تنص على أن “تكفل الدولة استقلال الجامعات..”، فوزارة التعليم العالي وغيرها من مؤسسات الدولة الأمنية لا يجوز لها التدخل في شئون الجامعات الإدارية أو المالية أو العلمية.

وعن التبادل الأكاديمي “قيود على الاستضافة”، قالت المؤسسة في ورقتها إن اتفاقيات التعاون بين الجامعات الحكومية والجامعات الأجنبية تخضع إلى رقابة وسيطرة الأجهزة الأمنية والتي تملك القرار الأخير فى إتمام الاتفاقيات من عدمه.

كما أشارت الورقة إلى تعرض الباحثين الأجانب فى مصر الى تضييقات أمنية أثناء إجرائهم بحوث ميدانية رغم امتلاكهم أوراق رسمية تثبت عملهم البحثي. تؤدي هذه الضغوط إلى عدم استمرار الباحثين فى مصر وعودتهم إلى بلدانهم.

الحقوق الطلابية

ووفقًا للورقة، في 2011 سعت القوى الطلابية إلى تشكيل الاتحاد العام لطلاب مصر، وكان في هذا الوقت يتم العمل بلائحة 2007 والتي عرفت باسم (لائحة أمن الدولة)، والتي تم اعتمادها بقرار جمهوري رقم 240 بعد إدخال بعض التعديلات على لائحة 1979. واتفق رؤساء الاتحادات بـ 20 جامعة حكومية و12 جامعة خاصة على صيغة مشتركة لضبط عمل الاتحاد الموحد، لحين تعديل اللائحة.  وتضمنت تلك الصيغة أن يكون اتحاد طلاب مصر هو الممثل الشرعي الذي من خلاله يمارس الطلاب أنشطتهم المختلفة.

وفي عام 2013 أصدر رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل لائحة تنفيذية جديدة للانتخابات الطلابية، والتي أقرت الاتحاد العام لطلاب مصر، وأتاحت قانونيًا اختيار اتحاد الطلاب بالتصويت بأي عدد من الأصوات، كما أصدر وزير التعليم العالي حينذاك مصطفى مسعد لائحة مالية وإدارية، ونصت اللائحتان على تشكيل اتحاد طلاب مصر، لتجري الانتخابات في ذلك العام.

 وبحسب ما تضمنته الورقة ، فعقب  عزل الرئيس مرسي في 2013، سعت السلطة الجديدة إلى القضاء على الأصوات المعارضة لها واستهدفت اتحادات الطلاب. فتم استخدام القمع الأمني من جانب قوات الشرطة والجيش فى الجامعة لقمع أي تظاهرات لطلاب الجامعات وخاصة طلاب جماعة الإخوان المسلميين.  واعتقلت السلطات الآف من الطلاب. حيث تم السماح للشرطة بدخول الحرم الجامعي في أي وقت ترى فيه تهديدات على الجامعة.

كما تحدثت الورقة عن التعسفات الإدارية التي واجهها الطلاب، حيث قامت الجامعات بفصل آلاف من الطلاب على خلفية نشاطهم السياسي داخل الجامعة ومنع لأنشطة وفعاليات وتسليم الطلاب إلى الشرطة أحيانًا. وأدخلت الحكومة تعديلات على القوانين المتعلقة بالطلاب والتي منها على سبيل المثال إضافة المادة 184 مكرر لقانون تنظيم الجامعات والتي تمنح رؤساء الجامعات الحق في فصل الطلاب “المخربين” نهائيًا. وأخيرًا عطلت الدولة انتخابات الاتحادات الطلابية لعامين دون أي سبب قانوني في 2014-2015.

وقد أدخل كلًا من الوزير سيد عبد الخالق والوزير أشرف الشيحي تعديلات على اللائحة المالية والادارية للاتحادات الطلابية تسعى الى التحكم فى الانتخابات. وفي 2014 أصدر السيد عبد الخالق القرار رقم 4951 لسنة 2014، باعتماد لائحة مالية وإدارية جديدة للاتحادات الطلابية، ووقف العمل باللائحة المالية والإدارية التي تم وضعت عام 2012 ، لوجود بعض المخالفات بها. و فى عام 2015 أعلن الدكتور أشرف الشيحي عن إجراء الانتخابات الطلابية وفق لائحة عام 2007 والتي لا يوجد بها بند خاص باتحاد طلاب مصر.

في المقابل أعلنت وزارة التعليم العالي عن تشكيل لجنة جديدة لوضع مقترحات لتعديل اللوائح القديمة للاتحادات الطلابية. كان على رأس تلك التعديلات إضافة بعض الشروط الواجب توافرها في المرشحين لانتخابات الاتحادات الطلابية والتي كان أهمها: عدم انتماء المرشح إلى جماعة إرهابية ووجوب أن يكون للمرشح نشاط طلابي سابق. وقد اتسمت تلك المعايير بالغموض والعمومية. وفقًا لما ذكرته المؤسسة في ورقتها.

وأشارت المؤسسة إلى أن التعديلات عمدت في الأساس إلى إقصاء الطلاب المعارضين وتحديدًا طلاب الإخوان المسلمين من المشاركة فى الانتخابات. منذ أغسطس 2017 ألغت اللائحة اتحاد الطلاب على المستوى القومي واكتفت باتحادات الكليات والجامعات على غرار لائحة 1979 والمعدلة في عام 2007.

وبحسب ما ذكرته الورقة فقد نصت اللائحة الجديدة على بنود للترشح من ضمنها: أن يكون الطالب مستجدًّا في فرقته، أن يكون له نشاط طلابي موثق، أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، ألا يكون قد وقع عليه جزاء تأديبي، ألا يكون قد حكم عليه في عقوبة جنائية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، وألا يكون منتمياً إلى أي تنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون.

وأكدت الورقة على أن تلك البنود تعد تعسفًا من الجامعة و ضييقًا على حق الطلاب فى الترشح والمشاركة فى الاتحادات الطلابية. وأعطت مجالًا أوسع للجامعة لاستخدام سلطتها في إقصاء الطلاب المعارضين والمستقلين من الانتخابات. كما أعطت للجامعة سلطة تحديد ما إذا كان الطالب ينتمي إلى جماعة إرهابية. ونتج عن اللائحة الجديدة أمرين؛ إلغاء اتحاد  طلاب مصر و إقصاء الطلاب المعارضين والمستقلين أو من لا ترغب الجامعة فى ترشحهم من الأساس. 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة