خالد علي: السلطة تعيش بمتلازمتي “غرور القوة” والخوف.. وجعلت من ممارسة العمل السياسي عملية انتحارية (حوار)

هناك تغييرات اجتماعية شديدة القسوة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة

التغيرات الجذرية المفاجئة قد لا تُحمد عواقبها أو السيطرة على مجرياتها

عندما تُعطى الفرصة لحكومة يسارية يمكنك بعد ذلك محاسبة اليسار على برامجه

رفضت تولي القوى العاملة مرتين.. وجودة عبد الخالق من أطهر الأيادي الحكومية

البديل بعد 2030 موجود ولكن الأزمة في المناخ الذي يساعد على ظهوره

لا يوجد تغيير طوعي من أي نظام إلا إذا وُجد أن تكلفة بقائه أعلى من تكلفة التغيير

هناك من داخل السلطة أطراف تطالب بفتح مساحات حقيقية للإعلام والصحافة

أي سلطة لا تمتلك رقابة حقيقية ولا تخاف من العقاب سيكون لديها غرور السيطرة

حل أزمة الحبس الاحتياطي ينتظر إرادة سياسية من السلطة

نحن بحاجة إلى قانون إجراءات جنائية جديد.. المشروع المقدم في غاية السوء

مصر لديها الكثير من “ترزية القوانين” لكن المشكلة هي توغل النظرة الأمنية

كيف للحكومة أن تحل أزمة البطالة مع غلق المصانع وتوزيع أراضٍ على المستثمرين

الحركة المدنية فقدت الكثير من الفرص وعدم وجود تنظيمات علامة على عدم الاستقرار

النصوص الدستورية في جزء كبير منها ديكورية ولم يتم إنفاذها في الواقع

المنظومة الحقوقية الدولية في أزمة كبيرة بسبب الجرائم الصهيونية في غزة ولبنان

أكد المحامي الحقوقي خالد علي، المرشح الرئاسي الأسبق، أن استمرار الوضع الداخلي على هذا النحو سيؤدي في النهاية إلى انفجار، لا تُحمد عواقبه، خاصة في ظل وجود أزمة اقتصادية طاحنة، وتضييق على الصحافة والإعلام، وإحكام القبضة الأمنية على المجال العام، في ظل توقعات بحرب إقليمية وشيكة.

وفي حواره مع منصة “فكر تاني” ضمن سلسلة حوارات “الولاية الأخيرة ومستقبل مصر”، أشار علي إلى أهمية فتح المجال العام للمجتمع للتعبير عن آرائه، ومنحه الحرية للمشاركة في تنظيمات تعبر عنه، معتبرًا أن ذلك يمثل مصدر أمان للمجتمع ككل. وأضاف أنه كان يتوجب على السلطة تبني سياسات أكثر انحيازًا للطبقات الفقيرة.

المحامي خالد علي أكد خلال حواره مع "فكر تاني" أهمية فتح المجال العام والسماح بالعمل السياسي
المحامي خالد علي أكد خلال حواره مع “فكر تاني” أهمية فتح المجال العام والسماح بالعمل السياسي

إلى نص الحوار:

التغيير المتدرج أكثر أمنًا

“لم نتخذ قرارنا بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في نوفمبر الماضي إلا رهانًا منا على إمكانات التغيير في الواقع، والتي رأيناها تظهر أمام أعيننا عامًا بعد عام”؛ هكذا قلت في 2018. فما تقييمك لمستويات التغيير الحاصل في مصر حاليًا؟

أتخيل أن الرغبة في التغيير موجودة عند الشعب وتتصاعد من وقت لآخر، ليس فقط بسبب الأزمات التي يمر بها الإقليم، ولكن بسبب الأزمات الداخلية المرتبطة في الأساس بانهيار القوة الشرائية للجنيه المصري وما ترتب على ذلك من تضخم وارتفاع في أسعار جميع مستويات المعيشة وتغيّرات اجتماعية شديدة القسوة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

خالد علي
خالد علي

حاليًا، ظهر عمق الأزمة، هناك بعض الأسر اضطرت لتغيير مدارس أبناءها، وتغيير نمطها الغذائي.

وفيما يخص آفاق التغيير وأفق حدوثه فما تزال حتى الآن محاطة بالغموض. لكن أظن أن مسارًا إصلاحيًا قادمًا سيكون متدرجًا، لأن هذا التدرج ربما هو الأكثر مناسبة وملائمة للأوضاع التي يمر بها الشعب المصري منذ 2011.

أزعم أن المجتمع الخارج من ثورة في 2011، والذي يتعرض للعقاب ليل نهار والتأنيب على قيامه بهذه الثورة، سيميل للإصلاح المتدرج، خاصة وأن التغييرات الجذرية المفاجئة لا تُحمد عواقبها، ولا يمكن السيطرة على مجرياتها، بسبب عوامل داخلية وخارجية قد تفاجئك ولا تكون في الحسبان.

التغيير المتدرج رغم أنه بطيء، لكنه أكثر أمنًا.

الجهات الأمنية تشعر بحركة الشارع

هل تتوقع حدوث تغيير في ظل افتقاد الشارع المصري لغياب الأحزاب والحركات؟

أختلف مع فكرة عدم وجود أحزاب أو حركات في الشارع المصري.

أعتقد أن هناك حركة نشطة وحالة من الغضب تلمسها كل أجهزة الدولة، وهذا هو السبب وراء التوسع في حالات القبض، والإصرار على استمرار حبس المعتقلين لسنوات طويلة.

هناك محطات عديدة تشير إلى وجود مطالبات بالتغيير، بدءًا من قضية تيران وصنافير، مرورًا بتظاهرات 2019 و2020، وصولًا للتظاهرات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الحديث عن الأسعار والمطالبة بتعديل الأجور من قبل الطبقة العاملة.

الحركة في الشارع المصري موجودة، لكن للأسف، بعض السياسيين آمنوا بأن السياسة بدأت مع ثورة 25 يناير 2011، حين كنا في حُلم، فخُيل لهم أن ذلك هو الوضع الطبيعي.

خالد علي
خالد علي

هؤلاء شهدوا ذروة النشاط، ولم يكن لديهم وعي، بأن تلك الثورة تمت بدعم من أجيال سابقة، وبفضل عمل تراكمي استمر لأكثر من 16 عامًا، حيث كانت الحركة السياسية والاجتماعية تتحرك ببطء.

حدث ذلك منذ حرب الخليج في 1990، مرورًا بالانتفاضة الفلسطينية، وحرب لبنان في 2000 و2006، واحتلال العراق في 2003، وصولًا للتعديلات الدستورية في 2005، وحركة “لا للتغيير لا للتوريث”، وإضراب المحلة في 2006 و2008، ونشأة حركة 6 أبريل، هناك زخم تاريخي تشكل بشكل تراكمي وعبر نفس طويل.

أزعم أن أكثر الجهات التي تشعر بالحركة والرغبة في التغيير في الشارع المصري هي الجهات الأمنية نفسها. فعندما تتحدث مع أي سياسي، غالبًا ما يكون رده: “إحنا قعدنا والجهات الأمنية قالت لنا البلد مش متحملة وما ينفعش كده وفضوا الموضوع، ومين قالكم إننا ضد إنكم تتظاهروا علشان غزة”. هذا يدل على أن الجهات الأمنية تدرك الوضع جيدًا.

دعني أقول إنه رغم المشكلات التي تواجه الحركة السياسية وحصارها، فإنها دفعت أثمانًا غالية خلال السنوات الماضية، ويُحسب لها أنها لا تزال تحاول.

كُلفة التغيير

هل تعتقد أن النظام الحاكم يتجه نحو تغيير سلس وتداول طوعي للسلطة؟

لا يوجد نظام يُحدث تغييرًا طوعيًا ما لم يشعر بأن تكلفة بقائه على موقفه أكبر من تكلفة التغيير المطلوب، مما يدفعه لفتح المساحات.

وأظن أن الوضع الإقليمي الراهن يساعد النظام الحالي في تجنب اتخاذ هذا القرار؛ فلا يوجد شيء جديد يدفعه لإحداث تغييرات حقيقية حتى في المشهد الإعلامي.

يعتز خالد علي بصورة المحامي القدير الراحل أحمد سيف الاسلام حمد في مكتبه
يعتز خالد علي بصورة المحامي القدير الراحل أحمد سيف الاسلام حمد في مكتبه

 

على سبيل المثال، هناك أطراف داخل السلطة تعتقد أنه من المستحيل الاستمرار في المشهد الإعلامي والصحفي الحالي الذي يعاني من تدهور. هؤلاء يرون ضرورة فتح مساحات حقيقية للإعلام والصحافة، لأن الصحافة ليست مجرد مهنة، والمساحة التي تُفتح لها تُمنح للمجتمع ككل.

أنا مع فتح المجال العام، خصوصًا المجال الإعلامي؛ فحرية الصحافة تعزز الحق في المعرفة وتداول المعلومات ومعرفة الحقيقة ورؤية المستقبل. كما أنها تساعد المواطن في تقدير الوضع الحالي وتحديد خطواته المستقبلية، وتُعين السلطة على فهم اتجاه خطواتها القادمة.

مساس بالدستور

ما تعليقك على ما اقترحه البعض بشأن تعديل الدستور لفتح مدد الرئاسة مجددًا؟

لم أوافق على التعديل السابق للدستور، وبالتالي لن أوافق على أي تعديل آخر، مهما حصل.

إذا حدث تعديل بهذا الشكل، فسيفقد الناس الثقة في الدستور وفي الحياة الدستورية وقيمتها الحقيقية ككل.

إن قيمة الدستور تكمن في احترامه من جميع الأطراف، وأول من يجب عليه احترام هذه القواعد هو السلطة، باحترام قواعد الانتقال الديمقراطي.

انتخابات الرئاسة المصرية
انتخابات الرئاسة المصرية

بعد 11 عامًا.. كيف ترى تعامل السلطة مع الدستور؟

أرى أن النصوص الدستورية في جزء كبير منها باتت ديكورية لأنها لا تُطبق على أرض الواقع، والأمثلة كثيرة ومنها نسبة الإنفاق على التعليم والحقوق والحريات الشخصية.

العديد من النصوص الدستورية في مصر تفتقر إلى الحماية الحقيقية.

تأخير وضع القوانين المكملة للدستور، ومنها قانون المعلومات والعدالة الانتقالية يُعتبر مؤشرًا غير إيجابي.

هذه المطالب قديمة، نادت بها القوى السياسية وعبّتر عن قلقها من تعطيلها بعد مرور كل تلك السنوات. أتمنى أن يتم تدارك هذا الأمر.

متلازمة غرور القوة والخوف

خطابك وبعض قيادات اليسار يبدو حاليًا إصلاحيًا براجماتيًا، وهو يدفع البعض للتساؤل: ماذا حدث لليسار في مصر؟ هل رفعتم الراية البيضاء؟

لا أتحدث باسم اليسار المصري، وإن كنت أتشرف بانتمائي الفكري والسياسي له، وما أقوله لا يختلف عن فكرة أهمية التغييرات الجذرية، ولكن من غير الممكن نزع الأمور عن سياقها أو تجاهل المعاناة التي يعيشها المجتمع منذ 25 يناير وحتى الآن.

البعض يعتقد أنه عند الدعوة للتغيير الجذري، يجب أن يحدث ذلك فقط من خلال الثورة، وهذا غير صحيح.

التغيير يمكن أن يأتي تدريجيًا، خاصة أننا نعيش في مجتمع شهد ثورة دفع فيها أثمانًا غالية. كما أن الإقليم ما يزال متعثرًا بسبب ضعف الأنظمة السياسية ورغبتها في السيطرة على شعوبها في المنطقة العربية. لا يمكن تجاهل هذه الحقيقة.

تلك هي قراءة المشهد السياسي والواقع الذي تمر به شعوب المنطقة من وجهة نظري، وتقديم طريقة للتعامل تناسب هذه المرحلة لا أراه تراجعًا أو هزيمة.

منطق مؤسسات الدولة

في المقابل.. دوائر صنع القرار لم تقابل منطقكم الإصلاحي المتدرج بفتح المساحات في المجال العام.. كيف تقرأ هذا؟

هناك مسألة قد تبدو متناقضة، ولكنها ليست كذلك؛ السلطة لديها متلازمتان هما “غرور القوة” و”الخوف”، فهي رغم امتلاكها لسلطة غير مراقبة أو معقابة على أخطائها، تخشى الاستجابة لطلبات التظاهر خوفًا. ترضى بأي شيء غير التظاهر.

هذان السلوكان في ظاهرهما التناقض لكنهما يعبران في حقيقة الأمر عن وقوع السلطة تحت تأثير غرور القوة والخوف. ومن هذا المنطلق تسد السلطة الأمر من منابعه، فلا إعلان للرأي ويتم منع الناس أن تعبر عن غضبها وعن رأيها في الشارع في أي قضية عربية مهمة أو أي قضية ترتبط بالوضع الداخلي.

السلطة لا تقدر السياسيين

هل تعتقد أن حديث البعض عن وجود حمائم في السلطة يدفعون نحو الانفراجة هو كلام دقيق أم مجرد مخدر للوسط السياسي؟

من وجهة نظري، أزمة المجتمع المصري في هذه الجزئية ترتبط، للأسف، باحتقار السلطة للسياسيين، حيث تنظر إليهم دائمًا كأنهم سوفسطائيون “بتوع كلام وعكسه”، لا يتوحدون خلف فكرة.

هذا هو أصل الأزمة، فهناك فارق بين شخص تكوينه ميري عسكري يتلقى الأوامر وينفذها، وآخر سياسي يجب أن يستمع إلى جميع الآراء وينظر إلى كل الزوايا ويناقشها.

هناك أزمة ثقة في الساسة من وجهة نظر السلطة، ولا يوجد تقدير موضوعي لدور السياسة والسياسيين والأحزاب، منذ أزمة 1954 وحتى اليوم.

الكلام عن الحمائم وفتح المساحات هو ما نتمناه، لكن إسقاط هذا على الحوار الوطني مثلًا غير صحيح، بسبب افتقار الحوار للشروط اللازمة لتحوله إلى معبرًا عن هذا التوجه.

في السياسة لا يوجد أشرار وطيبون

في هذا الإطار.. ما تقييمك للحوار الوطني؟ هل من أمل؟

عندما طُرح الحوار الوطني كآلية، وصفه البعض بأنه بادرة إيجابية، وكانت القوى السياسية والحقوقية مسؤولة في المناقشات التي تمت داخله، وتعاطت معه بجدية، سواء في قبوله أو رفضه.

الحوار الوطني (وكالات)
الحوار الوطني (وكالات)

لدى من قبِلوا مبرراتهم، وكذلك لدى من رفضوا مبرراتهم.

أعني أن القوى السياسية والحقوقية المصرية التي تُوصف بأنها مستقلة أو معارضة تعاملت بموضوعية مع هذه الدعوة للحوار، وقدمت ما لديها، مما أدى إلى ظهور عدة اتجاهات.

بالتحديد، كان هناك ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول يرى أن الحوار كله مشهد تمثيلي ولن يؤدي إلى أي نتيجة، والمشاركة به خطأ كبير، حيث يهدف أكثر لدعم السلطة بدلًا من دعم الحالة السياسية والحقوقية في الوطن، وبالتالي يجب الابتعاد عنه وعدم منح السلطة هذه الورقة.

الاتجاه الثاني يرى أنه عندما تدعو السلطة للحوار، بغض النظر عن ملاحظاتنا حول أدائها، يجب أن نقابل هذه الدعوة بالاستجابة وعرض وجهات نظرنا، وإلا سنغلق المنافذ السياسية. وبذلك، سنشارك رغم المحاذير.

الاتجاه الثالث، الذي أؤيده، هو أن الدعوة للحوار ليست سيئة، وأتمنى ألا تكون مجرد تمثيلية، على الرغم من المخاوف.

كنت أنظر إلى من استجاب من القوى السياسية والحقوقية لهذا الحوار، ووجدت أن لديهم مبررات مشروعة وموضوعية. القوى السياسية تعاملت بنضج، لكنني ظللت متشككًا في المسار، لأني أرى نفس الآليات تُطبق، وبعض المعطيات السلبية تتكرر، ولم يحدث جديد يُستحق التوقف عنده.

كنت أتساءل: ما معنى أن يتحدث البعض عن خروج الشباب المقبوض عليهم في المظاهرات أو المتهمين بالكتابة على فيسبوك، ثم يُقبض على مجموعة أخرى؟

كما كنت أقول إنه ليس بالضرورة إرسال جميع القضايا إلى نيابة أمن الدولة، لكنني أجد أن معظم القضايا تُرسل إليها، مما يعني تحويلها من جنحة لجناية بإضافة تهمة الانضمام لجماعة إرهابية. وبالتالي، ما الدافع للمشاركة؟

فوجئت قبل الحوار بأن رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماعًا مع الاقتصاديين بعيدًا عن الحوار الوطني، وتم الاتفاق على الخطة والخريطة الاقتصادية المستقبلية، ثم يُقال إننا نتحاور على المحور الاقتصادي. فكان سؤالي المتكرر: هل هذا يعني تقويض الحوار، أم يتم التعامل معه باعتباره دعوة ديكورية ليس لها قيمة؟

وكانت خاتمة المعطيات السلبية مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي لم يُعرض على الحوار الوطني، وحاول البعض إلحاقه به، مما استدعى تحرك نجاد البرعي وأحمد راغب ومحمد الباقر ليعلنوا أن هذا الأمر لم يحدث. كما لعبوا دورًا مهمًا في كتابة مذكرة نقابة الصحفيين، مما أحرج المسؤوليين. فلماذا يحاولون تمرير الأمر وكأنه عُرض على المجتمعين بالحوار؟

هذه هي أزمة الحوار الوطني، وقد اعتذرت مرتين عن حضوره، مرة في بدايته ومرة عندما دُعيت لجلسة مغلقة لمناقشة موضوع الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية.

هل تعني أن الاعتذار المتكرر منعك من الوقوع في خطأ الآخرين؟

قلت منذ البداية إنه لا يوجد موقف صحيح أو خطأ.

المسألة تتعلق بتقديرات وتحليلات سياسية، ونحن نقبل الاختلاف في هذا السياق.

كل من شارك أو رفض المشاركة لديه مبرراته الموضوعية، بما في ذلك أولئك الذين هاجموا الحوار وحذروا من المشاركة، ولديهم أيضًا مبرراتهم.

خلافات الأجهزة متفق عليها مسبقًا

بعض قوى المعارضة تتحدث عن عرقلة متعمدة للحوار الوطني.. هل استشعرت ذلك ؟

تقديري أن القرار الأخير في هذه المسائل يكون -للأسف- للجهات الأمنية، وبالتالي فإن الرؤية الأمنية هي المتحكمة في مستقبل جميع القرارات.

إحدى جلسات الحوار الوطني
إحدى جلسات الحوار الوطني

من المحتمل أن ترى “كمواطن” مبررات تلك الرؤية ومن الممكن أن لا ترى أي مبررات، وذلك نتيجة عدم حرية الصحافة وعدم وجود معلومات دقيقة، وبالتالي فالأمور كلها قائمة على تحليلات.

هناك تفسيران لما تتحدث عنه:

التفسير الأول يشير إلى أن هناك خلافًا بين الأجهزة الأمنية حول الحوار الوطني، حول من يتم دعوته إليه وطريقة إدارته ونتائجه. هذا الخلاف يؤدي إلى تلك المشاهد. وإذا صح هذا التفسير، فهذا يعني أن مؤسسات الدولة لم تدعم الحوار بالطريقة التي يستحقها، ولم تمنح البيئة الملائمة لإنجاحه.

كان ينبغي على مؤسسات الدولة، عندما يدعو رئيس الجمهورية إلى حوار وطني، ألا يكون هناك خلاف بين الأجهزة بشأنه. وهذه أزمة أكبر من المعارضين والحقوقيين، بل هي أزمة داخل السلطة يجب عليها حلها، وهي أزمة في طريقة تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.

التفسير الثاني يتحدث عن وجود أجهزة أمنية مختلفة تعمل بشكل متفق عليه، حيث أن هذا الاختلاف ليس جوهريًا. تلعب تلك الأجهزة أدوارًا قد تبدو متعارضة، لكن في حقيقتها تم تنسيقها بطريقة مسبقة. وفي هذه الحالة، يكون الحوار من بدايته مطروحًا كمشهد سياسي وإعلامي لن يؤدي إلى نتائج حقيقية.

هل تراها مجرد اختلاف في وجهات النظر؟

لا يمكن توصيفها، بسبب غياب المعلومات الحقيقة المؤكدة.. كل المعلومات غير متوفرة لي ولا لأي شخص آخر.

المحامي الحقوقي خالد علي أكد وجود بدائل كثيرة لحل الأزمات الراهنة
المحامي الحقوقي خالد علي أكد وجود بدائل كثيرة لحل الأزمات الراهنة

الأزمة الأكبر في هذا المشهد، هي رؤية هذه الأجهزة الحكومية للسياسيين والمعارضين والحقوقيين. للأسف، هم يرون الحقوقيين مجموعة خونة يستقوون بالخارج، وحتى السياسيين يقولون بشأنهم: “هو مين في السياسيين عدل”، وبالتالي، هناك نظرة للأحزاب السياسية والقوى المعارضة “إن دي ناس بتاعة كلام فاضي”.

الإصمات بقوة القانون

هل لذلك باتت السجون وجهة للسياسيين المعارضين والحقوقيين المستقلين في مصر خلال العقد الأخير؟

نعم، وأصف ذلك بأنه “الإصمات بقوة القانون”، حيث تُستغل التهم السياسية كأداة لفرض الصمت على المجتمع.

بدأت هذه الأزمة منذ زمن بعيد، حين أُصدرت أوامر الاعتقال في ظل الأنظمة السابقة تحت غطاء قانون الطوارئ. ومع مرور الوقت، استحدثت السلطة وسائل أخرى تمنح الشرطة صلاحيات مشابهة، وذلك من خلال تعديلات على قانون الإرهاب وقانون الإجراءات الجنائية، لا سيما المادة “206 مكرر”، التي منحت نيابة أمن الدولة سلطات واسعة في قضايا أمن الدولة الداخلية والخارجية وجرائم الإرهاب.

بات لدى نيابة أمن الدولة صلاحيات متعددة لتمديد الحبس، وبعد مرور 150 يومًا، يحق لها تقديم المتهمين لمحكمة الجنايات التي غالبًا ما تُقر استمرار الحبس.

اليوم، يكفي توجيه تهمة الانضمام لجماعة إرهابية، أو نشر أخبار مخالفة للقانون، أو إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بل حتى مجرد الكتابة على “فيسبوك”، ليجد الشخص نفسه خلف القضبان.

الحبس الاحتياطي.. أزمة إرادة

كيف يمكن إنهاء أزمة الحبس الاحتياطي؟

الحبس الاحتياطي طويل الأمد يمثل معاناة إنسانية واجتماعية كبيرة لكثير من العائلات، كما يشكل تحديًا في تطبيق النص القانوني.

الأزمة في جوهرها تتعلق بإرادة سياسية تحتاج إلى إلزام جهات إنفاذ القانون بالتقيد بالنصوص القانونية.

للعودة إلى جذور الموضوع، نذكر أنه في عام 2006، خلال تولي الدكتور أحمد فتحي سرور رئاسة مجلس الشعب، صدر تعديل على قانون الإجراءات الجنائية بموجب القانون رقم 145 لسنة 2006.

خالد علي
خالد علي

وقد أشرف المستشار سري صيام، الذي كان حينها مساعد وزير العدل لشؤون التشريع، على إعداد مسودة هذا التعديل.

أدخل هذا التعديل تغييرات جوهرية، حيث سمح باستئناف قرارات الحبس الاحتياطي وحدد مدة أقصاها 18 شهرًا، قابلة للتمديد حتى 24 شهرًا في بعض الحالات. كانت هذه المدد واضحة وصريحة لتجنب سوء التقدير أو إساءة التطبيق.

ورغم وضوح التشريع، فإن الواقع يشهد تجاوزات، إذ يوجد محتجزون احتياطيًا منذ أكثر من خمس سنوات دون الإفراج عنهم. بالتالي، فإن المشكلة لا تكمن في القانون نفسه، بل في عدم تطبيقه بما يتوافق مع وعود السلطة. الالتزام بهذا النص القانوني قد يؤدي إلى الإفراج عن نصف المحبوسين احتياطيًا.

أدعو الجميع إلى العودة إلى مضابط مجلس الشعب التي وثقت مناقشات تعديل قانون 145 لسنة 2006، إذ يمكن من خلالها إيجاد المعيار العادل الذي يحدد مدى التزام جهات إنفاذ القانون بتطبيق الحبس الاحتياطي وفقًا لأحكام القانون.

سلطات المراجعة أيديهم ملوثة

هل تؤثر المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في الداخل المصري؟

أرى أن المنظومة الحقوقية الدولية تواجه أزمة عميقة منذ اندلاع حرب أوكرانيا، وازدادت تفاقمًا مع الجرائم الصهيونية في غزة ولبنان.

نتحدث عن أزمة الحبس الاحتياطي التي تمتد لخمس سنوات في إقليم به “ناس بتموت محروقة وهم أحياء” ويتم ضرب المستشفيات ومقرات الأمم المتحدة يتم استهدافها سواء اليونيفيل أو الأونروا، ثم نجد تلك الدول الكبرى التي تدعي أنها تراعي حقوق الإنسان وتطالب باحترامها هي التي تهدم المبادئ الإنسانية وتدعم الآلة العسكرية الصهيونية وتمدها بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية.. هذه أيادي ملوثة بدماء الفلسطينيين ودماء اللبنانيين، وهنا لا مصداقية لتلك الحكومات والمؤسسات الدولية.

ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحركات الشعبية في الغرب، خاصة من جانب الحركات الطلابية في أوروبا وأمريكا، التي خرجت في مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية. كما لا يمكن أيضًا تجاهل المظاهرات الشعبية أو التضامن من قبل فنانين مشهورين في الغرب يدعمون القضية.

هناك إذًا تناقض بين السلطات التي تلعب دورًا سيئًا بالعصف بكل المعايير الدولية وبين الشعوب المتمسكة بحقوق الإنسان.

تلك السلطات والمؤسسات هي التي ستوجه الأسئلة لكل الملفات سواء في مصر أوغيرها، رغم أيدي مسؤولي هذه المنظمات الملوثة أيضًا.. هذا تناقض كبير.

علمت أن الحكومة المصرية سترسل وفدًا كبيرًا، وهذا الوفد سيكون أكبر وفد لها بحضور وزراء الخارجية المصرية، والتواصل السياسي والعدل، ولكن هذا لن يمنع المنظمات الحقوقية من التحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وأيضًا انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الدول الأوروبية في حق شعوبنا من لبنانيين وفلسطينيين.

اتهام كاذب

هناك اتهام دائم للمعارضة المصرية وخاصة اليسار بالتعويل على الخارج.. كيف ترد؟

هذا اتهام كاذب يستهدف تشويه الحركة السياسية والحقوقية المصرية.

السلطات المصرية نفسها هي التي وقّعت على الاتفاقيات الدولية وقبلت الخضوع للآليات الدولية، وليس الأحزاب السياسية أو المنظمات الحقوقية. لذلك، لا يُمكن اعتبار استخدام تلك الآليات استقواءً بالخارج، بل هو جزء من الالتزامات التي قبلتها الدولة.

كان يأمل البعض في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أن تساهم في غلق ملف سجناء الرأي ولكنه لازال مفتوحًا بعد 3 سنوات على تدشينها - والصورة لمجموعة من سجناء الرأي المفرج عنهم في وقت سابق- مواقع تواصل
كان يأمل البعض في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أن تساهم في غلق ملف سجناء الرأي ولكنه لازال مفتوحاً بعد 3 سنوات على تدشينها – والصورة لمجموعة من سجناء الرأي المفرج عنهم في وقت سابق- مواقع تواصل

الحركة السياسية والحقوقية المصرية تركز جهودها أساسًا على الداخل، حيث تطالب السلطات باحترام القانون وتلجأ إلى القضاء المحلي لتحقيق ذلك. ولا يصح تخويفها من استخدام الآليات الدولية، خاصة وأن مؤسسات الدولة تستخدم هذه الآليات.

الحل الحقيقي يأتي من الداخل، ولكن، لابد أن نُذكّر بأن هناك مشكلات مستمرة مثل عدم تنفيذ أحكام مجلس الدولة وتأخر الإفراج عن الشباب المحبوسين. في ظل هذه الظروف، تُعد المراجعة الدورية الشاملة وسيلة لتسجيل الاعتراض، وليست دعوة للتدخل الخارجي، كما يدعي البعض.

ثورة 25 يناير كانت خير دليل على أن التغيير في مصر ينبع من الداخل. فقد فاجأت الثورة جميع مخابرات العالم، التي حاولت فيما بعد احتوائها. هذا يثبت أن الحركة السياسية والحقوقية المصرية على يقين بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من الداخل.

فلسفة القانون قديمة

هل مصر بحاجة إلى قانون جديد للإجراءات الجنائية؟

نعم، هناك حاجة ملحّة إلى قانون جديد للإجراءات الجنائية، خاصة منذ إصدار دستور 2014 والتعديلات التي أُجريت عليه في 2019.

القانون الحالي، الذي صدر في 1950، شهد تعديلات عديدة جعلته غير قادر على مواكبة التطورات التشريعية الحديثة، وهو ما يفرض ضرورة إعادة هيكلة شاملة.

ومع ذلك، ما أنتجته اللجنة التشريعية حتى الآن لا يمكن اعتباره قانونًا جديدًا، إذ أن أكثر من 80% من مواده مأخوذة من القانون القديم. الأهم في أي مشروع قانون ليس عدد النصوص، بل الأهداف التي يسعى لتحقيقها.

على سبيل المثال، لماذا نتعامل بعد كل تلك السنوات مع الحبس الاحتياطي باعتباره هو الأساس؟ ولماذا لا تعتبر التدابير الاحترازية هي الأساس، ولماذا لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى خيار أخير استثنائي مشروط بمدد ضيقة جدًا، لا كما يجرى استغلاله اليوم؟

عندما يتحدثون عن تغييرات في القانون حتى تواكب التطورات التكنولوجية، لماذا ينحازون إلى ما يخص حقوق الشرطة والنيابة والقضاء، ويتجاهلون التطورات التكنولوجية فيما يتعلق بحقوق المتهم والدفاع؟

نحن على الطرف الآخر كمتهمين وهيئة دفاع، نرغب في أن يتضمن القانون استخدام التسجيل الصوتي والمرئي خلال التحقيقات، بدءًا من لحظة القبض على المتهم حتى احتجازه، مع ضمان حضور محاميه أثناء التحقيق.

إذا كان القانون يتيح التجديد والمحاكمات عن بُعد، فمن الأولى أيضًا فرض رقابة بالصوت والصورة على الجهات الأمنية. وجود هذه الرقابة سيوفر مرجعية يمكن العودة إليها في حال نشوب خلاف، مما يعزز الثقة في إنفاذ القانون.

توجد إشكاليات في تعامل بعض رجال الأمن مع المواطنين، مثل رفضهم إظهار بطاقاتهم التعريفية أثناء القبض. يمكن معالجة هذا الخلل من خلال فرض استخدام كاميرات مثبتة أثناء عمليات القبض، على غرار الكاميرات التي تعتمدها أجهزة الشرطة في كل دول العالم.

للأسف، القانون الجديد يبدو وكأنه ترسيخ للعيوب الموجودة في القانون الحالي بدلًا من إصلاحها. الفلسفة التي يستند إليها القانون تتناقض مع مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وهو ما يتطلب معالجة حقيقية إذا كان الهدف الوصول إلى عدالة حقيقية تحترم حقوق الإنسان.

ما أخطر العيوب في مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟

أحد أخطر العيوب في مشروع القانون يكمن في الذهنية التي تم بها إعداد النصوص.

العدالة الجنائية في مصر تعتمد على قانونين أساسيين:

– قانون العقوبات ويُحدد الأفعال التي تعتبر جرائم، مع بيان أركانها وصورها والعقوبات المقررة لها.

– قانون الإجراءات الجنائية ويُحدد الخطوات اللازمة لتطبيق العقوبات بدءًا من لحظة وقوع الجريمة وحتى تنفيذ الحكم.

جلسة سابقة بمجلس النواب قبل بدء اللجنة التشريعية في نظر مشروعها المعيب - مجلس النواب
جلسة سابقة بمجلس النواب قبل بدء اللجنة التشريعية في نظر مشروعها المعيب – مجلس النواب

وفق هذا التقسيم تكون ذهنية من يصيغ قانون العقوبات ذهنية من يضع قانونًا لمواجهة الأشرار، وهو في هذه الحالة شخصًا لا نعرفه، يحتاج إلى قانون الإجراءات الجنائية لتحديده وتقدير مدى خطورته والعقوبة المفترضة لجريمته.

ومن هذا المنطلق يُصاغ قانون الإجراءات الجنائية بذهنية حماية الأبرياء، اعتمادًا على مبدأ أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”. وبالتالي، فإن فرضية البراءة لابد أن تكون مصاحبة في كل الإجراءات، وهي فرضية موجودة في كل دساتير العالم، لدرجة لدرجة أن أي تفسير في تشريعات العالم يؤكد أن الشك يفسر لصالح المتهم.

بينما الغياب الواضح لهذا المبدأ في إعمال القانونين هي ما يمثل تهديدًا للعدالة، حيث يجب أن يكون فرض البراءة جزءًا أساسيًا من كل مراحل الإجراءات. ويُفترض أن أي شك في التشريعات يُفسَّر لصالح المتهم، وهذا المبدأ لم يُراعَ بالشكل الكافي في مشروع القانون الجديد.

على سبيل المثال، هناك المادة 25 التي تتيح لمأمور الضبط القضائي استخدام القوة العسكرية. هذه مادة مهمة لم يتم تناولها باستفاضة، وكان السؤال الأهم فيها: ما المقصود بالقوة العسكرية؟ هل يقصد بها القوات المسلحة أم المقصود بها درجة معينة من استخدام القوة في مواجهة الجرائم؟

لابد من وضع ضوابط محددة لتلك المادة.

القوة العسكرية هي استخدام أقصى درجات القوة، وهذا يعني التصريح بالقتل.

هناك بعض نوعيات من المداهمات تستلزم التصريح بالقتل، مثل مداهمات الإرهابيين والمسلحين، لكن في “المادة 25” لم يحدد من هو مأمور الضبط القضائي المصرح له باستخدام القوة المسلحة.

مثال آخر هناك مادة مرتبطة بالتصالح على جرائم العدوان على المال العام، أضيفت عام 2016، تنص على أن من حق أي شخص ارتكب جريمة الاعتداء على المال العام أن يتصالح عليها في أي مرحلة كانت عليها القضية، لدرجة حتى لو صدر حكم في النقض.

هذا يعني من وجهة نظرنا تسهيل الفساد، لأنه يجب أن يكون هناك ردع خاص “ألا يرتكب هذا الشخص نفس الفعل مرة أخرى، وردع عام بحيث ألا يرتكب الآخرين نفس الفعل بعد تطبيق العقاب على مرتكب الجريمة”.

بصراحة.. يتساءل البعض: هل افتقدت مصر ترزية القوانين؟

مصر لم تفتقد ترزية قوانين ولديها الكثير. لكن المشكلة في توغل النظرة الأمنية وقدرتها على السيطرة على القرار السياسي والتشريعي.

الأزمة الآن تكمن في سؤال: ما الفلسفة وما الهدف والمساحة التي يمكن فتحها؟ ليست أزمتنا في الصياغة، لأن مصر لديها علماء في هذا الأمر.

ولكن أليس البرلمان هو المسؤول دستوريًا عن التشريع؟

السلطة التنفيذية استوعبت كل سلطات الدولة وأصبحت هي المتحكمة في القرار التشريعي والسياسي والإداري. وهذا أدي إلى افتقاد هذه القرارات إلى التوازن الذي يحمل اعتبارات مختلفة.

قانون فترات الريبة

“الإجراءات الجنائية” لاقى اعتراضًا من جموع المحامين ونقابة الصحفيين ونادي القضاة.. ما تأثير تجاهل رفضهم هذا على منظومة العدالة في حال إقرار القانون؟

نعمل على عدة سيناريوهات، أولها مناشدة السلطة ودعوتها إلى وقف المشروع، نظرًا لخطورة تأثيره وسوء توقيته.

مؤتمر نقابة الصحفيين بحضور البلشي وعدد من المحامين وأعضاء لجنة الحوار الوطني
مؤتمر نقابة الصحفيين بحضور البلشي وعدد من المحامين وأعضاء لجنة الحوار الوطني

الانتظار لسنوات، على قانون، منذ خمسينيات القرن الماضي يعطينا القدرة على الصبر لعام إضافي، خاصة مع اقتراب تشكيل برلمان جديد. الفترة الحالية، مع انتهاء البرلمان القائم، تُعتبر فترة ريبة، ولا يمكن الوثوق بها.

ومن ناحية أخرى، الأعضاء الحاليون الذين ينوون الترشح للبرلمان المقبل قد يجدون صعوبة في التعبير عن آرائهم بوضوح في حال رفض المشروع، وهذا أمر يستدعي توفير مساحة أكبر للنقاش المجتمعي حول القانون المقترح.

لدينا روشتة اقتصادية مختلفة

دائمًا ما يتحدث التيار الليبرالي عن اليسار باعتباره تيار شعارات لا برامج. هل يملك اليسار خارطة طريق لإنقاذ الاقتصاد المصري؟

كنت أتمنى أن أرى خارطة إنقاذ واضحة من اليمين أو التيارات الليبرالية والرأسمالية التي حكمت مصر لفترة طويلة، خاصة وأن الجميع يلمس ما آل إليه حال الجنيه المصري.

لكن الحقيقة أن الوضع الاقتصادي معقد ويُشكّل تحديًا لكل التيارات، سواء اليمين أو اليسار.

خالد علي
خالد علي

إعداد خارطة طريق لإنقاذ الاقتصاد لا يمكن تحقيقه من خلال لقاء صحفي أو ندوة، بل يتطلب خطة طويلة الأمد تستند إلى بيانات دقيقة وترتكز على تحقيق العدالة الاجتماعية.

من الضروري إعادة التأكيد على دور الدولة في إدارة بعض المنشآت الاقتصادية بدلًا من ترك السوق بالكامل للقطاع الخاص ليكون المتحكم الوحيد في الأسعار.

على سبيل المثال، عندما ننظر إلى شركات الإسكان التابعة للدولة مثل “سيتي إيدج”، نتساءل: هل تقدم تلك الشركات أسعارًا تراعي الأبعاد الاجتماعية أم أنها تعمل وفق منطق السوق كأي شركة خاصة؟

إذا استطعنا تقديم رؤية اقتصادية واضحة تنحاز لمصلحة المجتمع، ستكون تلك خطوة في الاتجاه الصحيح. نحن لا ندعو إلى الاشتراكية فقط، بل نؤمن بضرورة ضمان حق الجميع في حياة كريمة.

تجربة ألمانيا، على سبيل المثال، تقدم نموذجًا للدول الرأسمالية التي تراعي البعد الاجتماعي. في ألمانيا، لا يمكن فصل عامل من وظيفته دون حصوله على مكافأة نهاية الخدمة، بينما يُضمن توفير التأمين الصحي والتعليم للجميع. هل هذه رؤية اشتراكية؟ أم أنها تطبيق سليم لرؤية رأسمالية تراعي الحقوق الأساسية؟

والسؤال: هل يمكننا النظر إلى ما يحدث في مصر باعتباره رأسمالية؟ هل الفساد واستمرار عائلات معينة وأشخاص محددون في الحصول على أراض ومميزات اقتصادية وشركات تُمنح لهم بالأمر المباشر لتولي مقاولات معينة يحقق مبدأ التنافسية الرأسمالية أو مبدأ تكافؤ الفرص الذي تتطلبه الرأسمالية؟

نحن أمام اقتصاد مجهول الهوية.

والشعارات ليست بشيء سيء، بل هي الهدف الذي تنتظم حوله أهدافه وسياساته من خلال النظر له، ويتضح ذلك في انحيازات التعليم مثلًا.

لدينا كيسار روشتة مختلفة، ولدينا رؤية للتعامل مع التعليم باعتباره حقًا وليس سلعة، ولدينا رؤية بضرورة الاهتمام بالزراعة والصناعة باعتبارهما مرتكزين رئيسيين لتحقيق التنمية والتقدم، وأن اقتصاد الخدمات ليس كافٍ لتحقيق هذا الأمر.

مصر تسعى منذ 2008 خلف اقتصاد الخدمات ولم تحقق التنمية التي ترجوها، ورغم أن الدولة متلزمة بمعالجة البطالة، لكنها تُصدّرها كأزمة للمجتمع ولأبنائه.

كيف للحكومة حل أزمة البطالة في ظل غلق المصانع وعدم بناء مصانع أخرى؟ كيف الحل في ظل توزيع الأراضي على المستثمرين ودول الخليج؟ ألم يكن من الأولى منح تلك الأراضي للفلاحين وخريجي كليات زراعة لاستصلاحها؟

الحكومة باعت الفدان بخمسين جنيه لشركة إماراتية، واليوم تشتري منها القمح الذي زرعته في أرض مصرية بمياه مصرية. هذه جرائم في حق المجتمع، يجب عليهم أن يخجلوا بدلًا من لوم اليسار المصري والتقليل منه.

اليسار لم يحصل على فرصته ليُحاسب.

لم نأخذ فرصتنا

يسأل البعض عن الفرصة التي أتيحت لليسار في حكومة الببلاوي مع مشاركة جودة عبد الخالق.. ما ردك؟

هؤلاء يتحدثون عن الدكتور جودة عبد الخالق بشكل مجتزأ، فهو يعد من أنظف الأيادي التي دخلت الوزارة في تلك الفترة، ولا يمكن اعتبار ذلك فرصة.

عندما تُعطى الفرصة لحكومة يسارية، يمكن بعدها محاسبتها.

جودة عبد الخالق
جودة عبد الخالق

عُرض علي تولي وزارة القوى العاملة مرتين، الأولى في وزارة عصام شرف والثانية في وزارة حازم الببلاوي، ولكنني رفضت في المرتين، لعدم توافر مقومات نجاح وزير القوى العاملة، ومن بينها أن يكون وزراء المالية وقطاع الأعمال العام والاستثمار والتخطيط من المدرسة الفكرية نفسها، حتى لا يحصل تعارض بيننا.

إذا لم تكن هناك رؤية واضحة للحكومة تسعى إلى تنفيذها من خلال منهج اقتصادي محدد، فلن يكتب النجاح لأي شخص يختلف عن هذا المنهج. كما أنني لا أتصور أن لحظة حكم اليسار لمصر قريبة، لأن ذلك مرتبط بتطور عالمي معين، وهو ما لا يتحقق في هذه اللحظة.

تصفية شركات القطاع العام

لماذا لم تعد ترفع دعاوى ضد تصفية شركات القطاع العام الآن؟

التوقف عن رفع الدعاوى ليس بقرار شخصي مني، إذ صدر قرار في عام 2014 وضع شروطًا تعصف بحق العمال والمواطنين في حماية المال العام عبر الطعن على هذه العقود، رغم أن الأصل في هذه العقود أنها مال ملك الشعب، سواء هذه المال ملكية عامة للدولة أو ملكية خاصة، في النهاية هو مال ملك الشعب.

كانت القواعد القانونية تتيح رفع دعوى قضائية في حالة وجود عقد، حيث يتم شرح الفساد الموجود في هذا العقد والأضرار التي يتعرض لها المال العام، مما يتيح للمحكمة الاطلاع على الملف وممارسة رقابتها على عملية البيع وإصدار قرارها.

إضراب العمال (وكالات)
إضراب العمال (وكالات)

لكن الإدارة السياسية سعت لوقف هذا النوع من القضايا لحماية الفساد. من وجهة نظري، فإن هذا القانون ليس لحماية ودعم الاستثمار.

في النهاية عندما تتيح لي حق الطعن، لست أنا من يصدر القرار بالمحكمة التي منحتها سلطة في الفصل، المحكمة هي من يقرر إذا ما كان حديثنا عن الفساد حقيقي أم لا، وفي حال عدم وجود فساد سيتم رفض الدعوى، أو تكون صحيحة فيُصدر حكم لصالحنا.

كل القضايا التي قمنا برفعها حصلنا على أحكام فيها، لأن مصادر الفساد كانت كبيرة جدًا.

لكن هذا القانون للعام 2014 وضع شروطًا مقيدة، منها ضرورة وجود مصلحة مباشرة، مما يعني أن يكون الشخص مساهمًا في هذا المال. كما لا يمكن تقديم دعوى بخصوص الفساد في المال إلا إذا كان هناك حكم جنائي تم عرضه على محكمة جنائية. فإذا لم تتوفر الحالتان، ورفعت الدعوى من أحد أطراف العقد، فكيف لأحد المتفقين على التربح من هذا المال أن يقدم طلبًا للطعن على العقود؟

أيضًا، رفضت المحكمة الدستورية الطعن المقدم منا في عدد من القضايا. ولذلك، فإن كل الدعاوى التي أقيمت بعد ذلك لم أكن أنا من أقامها، لأنني أصبحت أرى المشهد بوضوح. هناك قضايا رفعت ضد الحديد والصلب، وحتى الآن لم يتم اتخاذ أي خطوة بشأنها.

كيف ترى تأثير تصفية شركات تعمل في صناعات استراتيجية على الاقتصاد المصري؟

تأثير تصفية شركات تعمل في صناعات استراتيجية أصبح واضحًا في تصريحات رئيس الجمهورية حين قال: “يا مصريين، ليه تستوردوا الحاجات دي؟”. نعم، لا يجب علينا استيراد هذه السلع، لكن السؤال الأهم هو: أين الصناعة التي تلبي تلك الاحتياجات؟

ولذلك ما نتحدث عنه أنكم اتهمتم القطاع العام بجرائم ليست بحقيقية، وحاولتم تشويه سمعة هذا القطاع لصالح المستثمرين ورجال الأعمال.

احتجاجات عمالية سابقة (تصوير آخرين)
احتجاجات عمالية سابقة (تصوير آخرين)

علينا أن ندرك أن القطاع العام، مثل القطاع الخاص، يشوبه بعض الفساد، كما هو الحال في العديد من الشركات الخاصة التي تعاني من مشاكل كبيرة. ومع ذلك، يجب أن نعي أن هذا القطاع يعد استراتيجيًا لحماية الأمن والاقتصاد القومي.

يتعين على المسؤولين أن يفهموا أن هناك أنواعًا متعددة من القطاعات في الإنتاج، ولا تتعارض هذه القطاعات مع بعضها. فالقطاع العام والخاص والتعاوني يمكن أن يتنافسوا، ومن المفيد تشجيع هذا التنافس، بشرط وضع شروط موضوعية لتحقيق ذلك. لكن ترك السوق بالكامل للقطاع الخاص، ثم الشكوى من عدم وجود إنتاج، ليس حلاً.

الدليل على ذلك هو أن العديد من رجال الأعمال بدأوا كصناعيين ثم تحولوا إلى القطاع العقاري، لأنه القطاع الوحيد المربح دون التعقيدات المرتبطة بالعمالة والأجور والمرتبات والتأمينات، مما أدى إلى تهميش الصناعة والزراعة.

لقد رأينا جميعًا احتكار بعض الشركات للسكر وتأثير ذلك على الأسعار، بالإضافة إلى احتكار شركات الزيوت. كل ذلك كان يُحمل على كاهل القطاع العام، وللأسف، تم التضحية به.

انتفاضة خبز ثانية

في تقديرك.. هل تؤدي الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى انتفاضة خبز ثانية؟

كل الاحتمالات مفتوحة للأسف، لأن الرهان على تحمل الناس وصمتها غير محمود العواقب. نعم، هذا احتمال قائم يجب التعامل معه على أنه وارد ولا يجب تجاهله.

انتفاضة الخبز 1977
انتفاضة الخبز 1977

هل اليسار سيكون في قلب هذه الانتفاضة؟

عندما تحدث انتفاضة، لن يستطيع أحد إيقافها أو التحكم في مسارها، ستكون تلك نتيجة محاربة الأحزاب السياسية والقوى الشبابية والاجتماعية التي تم حبسها بعد تصنيفها بأنها إرهابية.

وجود تنظيمات داخل المجتمع يمثل أمانًا لهذا النظام، حيث تعمل على ضبط حركة الجماهير في أوقات الرضا وأوقات الغضب. وبالتالي، فإن هذه التنظيمات ضرورية لحماية المجتمع وأمنه وسلامه واستقراره، وليس كما تدعي أو تتعامل معها الأجهزة الأمنية.

سبب العزوف عن الأحزاب

ما سبب عزوفك عن المشاركة في الأحزاب السياسية؟

لست عازفًا عن المشاركة، ولا أعارض الأحزاب السياسية. لدي ظروف شخصية، لكنني لا زلت مرتبطًا بالشأن العام.

قبل عام 2012، لم أكن ناشطًا في أي حزب، لكن هذا لا يعني أنني لم أكن مشاركًا في الحياة السياسية.

رئيس البرلمان مع عدد من رؤساء الأحزاب - موقع مجلس النواب
رئيس البرلمان مع عدد من رؤساء الأحزاب – موقع مجلس النواب

إذن، لماذا لا تتواجد في الحياة الحزبية حتى الآن؟

صورة المشاركة في العمل السياسي ليست مقتصرة على الانخراط في عمل حزبي. يمكن التواجد داخل تنظيمات مهما كان اسمها أو طبيعة نشاطها؛ فالتنظيم هو الأساس.

طوال الوقت، كانت هناك فكرة المشاركة مع مجموعة حزبية أو تأسيس مجموعة جديدة، لكن في بعض الأحيان نحتاج لاختبار التوقيت. وعند طرح أو المشاركة في هذه الفكرة، قد تستغرق وقتًا طويلًا لتنفيذها، مما يؤدي لوصفها بالفشل.

الأمر الآخر هو أن من يشارك معك في هذه الفكرة قد يظن، وقد يكون ظنه صحيحًا، أنك قادر على حمايته. لكن لا يوجد حزب في مصر قادر على حماية أعضائه، حيث تعرض جميع أعضاء الأحزاب السياسية الحقيقية للسجن وواجهوا تكلفة باهظة.

قد ينطلق الأمر من مسؤولية أخلاقية حول الضريبة التي يدفعها الشباب عند الانضمام لأحزاب سياسية يفترض أنها مشروعة ودستورية، ولكنهم يجدون أنفسهم في غياهب السجون.

الوضع حتى هذه اللحظة بالغ الصعوبة. وبشكل شخصي، إذا طلبت مني أي مجموعة حزبية أي مساعدة، سأفعل ذلك، حتى لو كان الحزب مختلفًا معي.

كما أعمل خلال هذه المرحلة مع قيادات نقابية في عدد من النقابات المهنية، ومع مجموعات تناقش قانون الإجراءات الجنائية، وأيضًا مع مجموعات تتحدث حول مستقبل السياسة في مصر والأزمة الاقتصادية. اسم هذه المجموعات ليس حزبًا، لكنها تتناقش في الشأن العام وجزء من المجتمع المدني.

الاجتماعات كثيرة وليست سرية، لكنها غير معلنة.

هل العمل خارج حزب أيديولوجي أوسع وأشمل ويشكل أمانًا؟

لا يوجد عمل حقوقي أو حزبي آمن، ولا أي عمل مرتبط بالسياسة في مصر حتى لو تم العمل باستقلالية.

لكنني أعتقد أن المستقبل يكمن في تكتلات حزبية متقاربة، بحيث تتفق تمامًا على الحقوق والحريات الأساسية لأي مجتمع.

أزعم أن المستقبل لأي تكتلات يعتمد على أسس متفق عليها، أولها الحرية ودعم الحق في التنظيم والتجمع وحرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى رؤية مشتركة لفكرة العدالة الاجتماعية.

حزب مستقبل وطن

بعد مرور عشر سنوات على تأسيسه، هل أضر حزب مستقبل وطن بالحياة السياسية أم أضاف لها؟

يجب أن يكون الحزب السياسي مستقلًا، بمعنى وجود رغبة حقيقية من أعضاء الحزب في صياغة برنامجه والتوافق عليه ومحاولة نشره في الشارع. الأحزاب التي تنشأ بقرارات من السلطة هي مجرد أشكال كرتونية، بغض النظر عن حجم عضويتها أو قدراتها المادية، وهذا ينطبق على حزب مستقبل وطن.

اجتماع لحزب مستقبل وطن
اجتماع لحزب مستقبل وطن

الحزب الحقيقي في مصر كان الحزب الوطني، وما زالت قياداته حتى الآن تتمتع بتأثير كبير. ورئيس الوزراء هو أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني.

فكرة الادعاء بوجود “جمهورية جديدة”، ثم يكون رئيس الوزراء عضوًا في لجنة السياسات في الحزب الحاكم، أمر غريب. مما يجعل شعار “الجمهورية الجديدة” يبدو مخادعًا.

طريقة تعامل السلطة الحالية مع الحزب تختلف عن زمن مبارك، حيث كان مبارك رئيس الحزب الوطني، مما يعني أن الحزب كان معبرًا عنه بشكل واضح. لكن السلطة الحالية ترى أنها أعلى من كل الأحزاب ولا يجب أن يكون رئيس الجمهورية في أي حزب سياسي، لذا تم خلق مجموعة من الأحزاب، وفُتحت لها المساحات مع دعم يتم تقديمه عبر المناورة بهذه الأحزاب.

لكن هذا لا يعني أن مستقبل وطن لن يكون له دور في المنافسة البرلمانية القادمة. قد يظل الحزب متمتعًا بالأغلبية، أو قد تسعى السلطة لنقل الثقل البرلماني لحزب آخر أو مجموعة أحزاب أخرى ليست من بينها مستقبل وطن.

إجمالاً، لم يقدم مستقبل وطن إضافة للحياة السياسية، ولا أي حزب آخر من الأحزاب المعلنة، وأعتقد أن جميع أحزاب الموالاة ليست في حقيقة الأمر أحزابًا سياسية.

هذا لا يعني أنني أنكر أنهم لعبوا أدوارًا، فقد قدموا تدريبات من خلال فروعهم، وهناك أموال وضعت ومجمعات استهلاكية تم تأسيسها. لكن من الناحية الأخرى، هل يمثل هذا حياة سياسية؟ أزعم أن هذا لا يقدم حياة سياسية حقيقية.

نفس هذا الدور كان يلعب بإتقان مع تنسيقية شباب الأحزاب، التي استطاعت تكوين مجموعة من الكوادر، رغم وجود اختلافات في الرأي.

وبالتالي، فإن حزب مستقبل وطن هو أداة من أدوات السلطة ضمن مجموعة من الأحزاب الأخرى في شكل ممارسة العمل السياسي.

هؤلاء في المنظمات الحقوقية نسميهم “الجونجدز”، فهم منظمات أهلية مستقلة اسمًا، لكن بالأساس حكومية.

الحركة المدنية

هل ترى أن الزمن تجاوز الحركة المدنية في الشارع السياسي؟

الحركة المدنية تعاني أزمة في تحالفها، بمعنى أنها متفقة تمامًا على الحقوق والحريات العامة، لكن عند طرح تحالف انتخابي للمشاركة في الانتخابات، تختلف الآراء، لأن الرؤية الاقتصادية والاجتماعية تختلف.

لننظر مثلًا إلى برامج أحزاب الكرامة والتحالف الشعبي والعيش والحرية والاشتراكي المصري، فإن برامجه تختلف عن برامج أحزاب الدستور والمحافظين والإصلاح والتنمية.

الحركة المدنية الديمقراطية
الحركة المدنية الديمقراطية

هناك اختلاف في رؤية التطبيع؛ بعض الأحزاب داخل الحركة المدنية تطبع وقياداتها تطبع، بينما هناك أحزاب أخرى ضد التطبيع.

في انتخابات الرئاسة، التي من المفترض أن تكون بلا خلاف، ترشح من داخل الحركة المدنية ثلاثة مرشحين: “أحمد طنطاوي، جميلة اسماعيل، وفريد زهران”. ورغم عدم توافقهم، ترشح فريد زهران بعد استكمال الشروط، بالرغم من إعلان الحركة عدم ترشيح أحد.

هذا دليل على أن الحركة لم تصل إلى الحد الأدنى من التوافق الذي يجب أن يكون ضابطًا للمرشحين، مما يساعدها على خوض معركة تعلن من خلالها أنها موجودة.

الحركة المدنية فقدت العديد من الفرص في الانتخابات الرئاسية الماضية، وكان بإمكانها أن تصبح رأس الحربة الحقيقي في الشارع المصري في المعركة السياسية والاجتماعية.

مبادرة زياد بهاء الدين

المفكر زياد بهاء الدين دعا في حواره مع “فكر تاني” إلى تحديث مبادرته التي طرحها في 2013، وفقًا لدستور 2014. هل ترى مثل هذه المبادرات مفيدة في الوقت الحالي؟

إذا لم تفد في الوقت الحالي، فهي ليست مضرة.

هي محاولة لخلق مساحات في الواقع السياسي تتعامل مع القوى والأحزاب السياسية. هي محاولة محمودة، ونتائجها ستكون إيجابية، حتى إذا لم تحقق الهدف المنشود، لكن قدرتها على تجميع الناس والنقاش حول الآليات والبدائل وطرق التغيير، هذا في حد ذاته إيجابي وأحييه عليها.

نقاش حول مبادرة د.زياد بهاء الدين لاستعادة الحوار الوطني - تصميم فكر تاني

وضع إقليمي مؤثر

هل ترى أن هذه دولة مقبلة على انتخابات برلمانية بعد عام؟

الوضع الإقليمي غير مستقر وهو عامل مؤثر.

نحن أمام حرب إقليمية برعاية دولية قد تطول في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن، والتحكم والسيطرة على هذه الحرب قد يكون صعبًا، واحتمال توسعها قائم.

أعتقد أن هناك محاولة للسيطرة على عدم اتساع دائرة الحرب من بعض الأطراف، لكن من الممكن أن ينفلت الوضع في لحظة ما.

الوضع في السودان وما يحدث في القرن الأفريقي أيضًا يعكسان عدم الاستقرار الإقليمي، مما قد يؤدي إلى مفاجآت لا يمكن السيطرة عليها.

خطاب السلطة يشير إلى أنه طالما لم يحدث اعتداء مباشر على حدودنا، فنحن بعيدون عن الحرب، مما يعني أنه من الممكن إجراء الانتخابات، طالما لا يوجد ما يعوقها.

لن أترشح للبرلمان

هل تقبل بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة أو دخوله بالتعيين؟

لن أدخل البرلمان القادم، ولن أترشح له.

البرلمان الجديد
البرلمان الجديد

أعتقد أن النظام الانتخابي الذي يتم مناقشته حاليًا يبدو أنه يتجه نحو القائمة المطلقة، وليس القائمة النسبية، رغم أن أحزاب المعارضة تطالب بقائمة نسبية وفتح مساحات في المجال العام.

عند تطبيق نظام القائمة المطلقة، ستكون القائمة ثابتة كما هي، وقد تفاجئ الأحزاب السياسية المعارضة بأنها لن تتمكن من دخول هذه المعركة بسبب عدم قدرتها السياسية والتنظيمية والمادية، بالإضافة إلى أن المناخ العام والأدوات المتاحة في الشارع، قد تحد من قدرتها.

مرشح المعارضة

هل يمكن أن تترشح للانتخابات الرئاسية مرة أخرى؟

أعتقد أنه من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب أو النفي، لأن الظروف هي ما تحكم، وليس فقط المناخ التشريعي.

خالد علي
خالد علي

كانت لدي تجربة في 2018، وكانت معقدة وواجهت مشاكل عديدة. كانت الحركة المدنية ليس لها مرشح ولا منافس، لكن الانتخابات الرئاسية الأخيرة شهدت ثلاثة مرشحين.

في انتخابات 2018، لم يتم تسمية أي مرشح، وكان المرشح المنافس هو سامي عنان، لكن قيادات الحركة المدنية دعمتني، وحمدين صباحي حرر توكيلًا لترشيحي، وكذلك مدحت الزاهد وأعضاء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وطلاب مصر القوية وأسرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.

كان هناك شبه توافق على أن خالد علي يمثل المعارضة في مواجهة سامي عنان كعسكري والرئيس السيسي، لكن التطورات التي حدثت بالقبض على سامي عنان، والاعتداء على المستشار هشام جنينة، دفعتنا إلى الاعتقاد أن هناك رغبة حقيقية في عقد هذه الانتخابات في مناخ غير ديمقراطي أفقدها قيمتها.

دائمًا لدينا بدائل

هل تمتلك مصر بديلًا مدنيًا آمنًا بعد 2030؟

الحقيقة مصر تمتلك طول الوقت بدائل.

وأقوى ما لدينا هو القوى البشرية. لكن الأمر ليس مرتبطًا باسم البديل من هو، بل بالمناخ الذي يساعد على ظهور هذا البديل ولا يجعل من ممارسة العمل السياسي عملية انتحارية.

برأيك.. إلى أين تتجه مصر؟

مصر في مرحلة صعبة، وفي أزمة اقتصادية طاحنة في إقليم ملتهب، مع سلطة مصرة على عدم إحداث تغييرات حقيقية لحماية المجتمع.

الاستقرار، ليس كما ترى السلطة، بتأمين الحدود ونشر الشرطة في الشارع، والقدرة على فرض الصمت على المجتمع.

خالد علي
خالد علي

حماية المجتمع الحقيقية هي أن تكون قادرًا على خلق استقرارًا، ويكون هناك توازنًا وقدرة للمواطنين على التجمع والتنظيم، وأن تكون هناك كيانات تعبر عن هذا المجتمع وتُمثل ضمانه وأمان له.

عندما اندلعت ثورة يناير، كانت هناك مساحة نجح المجتمع والقوى السياسية والمدنية في خلقها منذ منتصف التسعينيات.

هذه التنظيمات كانت قادرة على ضبط حركة الجماهير، مما أدى إلى خروج الثورة بصورة أكثر استقرارًا وأمانًا، مع انخفاض في معدلات العنف مقارنة بالدول المجاورة. ولم يكن ذلك بفضل السلطة، بل نتيجة وجود مجتمع منظم يميل إلى السلم.

غياب التنظيمات في المجتمع يُعد علامة على عدم الاستقرار. لذلك، من الضروري إتاحة الفرصة لهذا المجتمع ليعبر عن نفسه من خلال تنظيمات حقيقية، دون التعرض للعقوبات أو الاعتقال لمجرد التعبير عن الرأي.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة