سلمى الشيمي آخر ضحايا «سيف الرقابة الذكورية»

تحت شعار «تطهير المجتمع» توالت البلاغات التي تقدم بها المحامي أشرف فرحات ضد فتيات التيك توك، إذ تسبب في القبض على بعضهن وتحويلهن إلى المحاكمة بتهم عديدة، بينها خدش الحياء والاعتداء على مبادئ وقيم المجتمع المصرى وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت آخر البلاغات التي تقدم بها فرحات ضد البلوجر وعارضة الأزياء سلمى الشيمي، ضمن بلاغات قدمت ضد سلمى وألقي على إثرها القبض عليها خلال الأيام القليلة الماضية وتحويلها للمحاكمة، بعد قرار نيابة الإسكندرية بحبسها على ذمة التحقيقات، بتهم الترويج لمواد مصورة ومرئية تخل بالذوق العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

اشتهر فرحات بترصده للنساء بشكل كبير، وتزايدت بلاغاته المقدمة ضد فتيات التيك توك منذ عام 2020 وحتى الآن، فعلى سبيل المثال في يناير الماضي تقدم ببلاغ ضد اليوتيوبر صاحبة قناة «أنوش» بتهمة خدش الحياء، وهو ما تسبب أيضًا في القبض عليها وحبسها احتياطيًا على ذمة القضية، ومن قبلها تسبب في القبض على منار سامي وموكا حجازي ومنة عبد العزيز وغيرهن.

هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إلقاء القبض على سلمى، التي تبلغ من العمر حاليًا 29 عامًا، حيث قبض عليها من قبل في عام 2020، على خلفية تصوير فوتوسيشن في الأهرامات مرتدية زيًا فرعونيًا، وقررت النيابة إخلاء سبيلها بكفالة قدرها 1000 جنيه. وفي 4 إبريل الجاري، قررت محكمة جنح الاقتصادية بالإسكندرية، تحديد 18 أبريل لجلسة النطق بالحكم عليها في القضية الجديدة.

وكانت الجهات الأمنية ألقت القبض على سلمى في 3 أبريل الماضي، مع التحفظ على أدوات التصوير التي تستخدمها في تصويرها، وإرسال الصور المتداولة والأدوات إلى خبراء لفحصها وبيان استخدامها. وبالإضافة إلى ذلك، أمرت جهات التحقيق بالاستعلام عن قيمة أموالها في 3 حسابات ببنوك مختلفة، وتتبع مصادر تلك الأموال، ومن ثم إصدار قرار بتجميدها لحين الفصل في مصادرها.

تقول لمياء لطفي مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة: «أنا مشوفتش ورق القضية، ولا أعرف سبب القبض عليها، لكن البلاغات التي تقدم ضد الفتيات بهذه الطريقة تعتبر شكل من أشكال الحسبة، بمعنى أن هناك شخص يرى سلوك من شخص آخر من وجهة نظره غير مناسب فيقرر أنه يدخل بشكل شخصي بالإبلاغ عن هذه الشخص».

وأضافت لمياء: «قضايا الحسبة كانت موجودة طول الوقت، وهناك فنانيين وشخصيات عامة تم تحويلهم للمحاكمة بسبب هذا النوع من القضايا، وكنا نعتبر هذه القضايا سيئة السمعة، والمجتمع لم يكن يستجب لها بهذه الدرجة الموجودة الآن، وكان عادة يتم حفظ هذه القضايا». وتتابع: «لكن للأسف ما حدث أنه تم فتح الباب مجددًا أمام هذه النوع من القضايا التي يتم القبض فيها على أشخاص بسبب تصرفات شخصية أو محتوى رقمي أو فني، وهناك محاكمات وأحكام قضائية أصدرت في هذه القضايا، وفي التقرير الأخير للجنة الحقوق المدنية والسياسية  تم توجيه تساؤل لمصر حول ملاحقة الفتيات والسيدات اللاتي يقدمن محتوى على السوشيال ميديا ويتم القبض عليهن وتحويلهن للمحاكمة بموجب قوانين بها تعبيرات فضفاضة تتحدث عن قيم الأسرة المصرية والأخلاق».

تؤكد لمياء أن هذا النوع من القضايا يسيء لمصر بشكل كبير، وعلى وجود ضرورة لمراجعة هذه القوانين لإسائتها للمجتمع ولمنظومة العدالة وحقوق الإنسان في مصر.

في سياق متصل، كانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد أصدرت دراسة أعدها الكاتب حلمي النمنم، عن الحسبة وتاريخها القديم والحديث وما آلت إليه، وجاء في الدراسة أن الحسبة منصب مستعار من الدولة البيزنطية، شأنها في ذلك شأن الكثير من نظم الإدارة التي استعارها العرب من البيزنطيين والفرس، حيث أنهم لم يكن لهم خبرة سابقة في إدارة الدول، وكان عليهم، عقب الغزوات العربية، اللجوء لنظم إدارة مستمدة من الدول المحيطة الأكثر خبرة وحداثة.

ووفقًا للنمنم، مثل كل الوظائف والمهن البائدة، تلاشت مهنة الحسبة حتى حلت أجهزة الدولة محلها تمامًا، لكن هذا التعبير ظهر مجددًا في بداية القرن الواحد والعشرين، ليصف أولئك الذين يضعون الناس تحت المجهر ومن ثم تتم ملاحقتهم قضائيا ليصادروا على حريتهم في الفكر والتعبير.

يضيف الكاتب الصحفي أن المحتسبين الجدد الذين ظهروا منذ عام 2012 لهم سمات جديدة إضافية، فهم يستخدمون التعبيرات الوطنية والأخلاقية لملاحقة الناس وفقًا لتفسيراتهم.

فيما تشير المحامية الحقوقية هالة دومة إلى أنه مع تصاعد الموجات أو الرسائل التي ساعدت الفتيات للتحدث والبوح عن الانتهاكات، والتي ترسخ لحق المرأة في امتلاك أجسادهن، تصاعد الغضب الذكوري تجاه هذه الحالة حتى لو بشكل غير واعي، وهو ما ساعد في الهجمة الشرسة على السيدات بشكل عام، وبخاصة السيدات اللاتي يخرجن عن الإطار المرسوم أو الكتالوج، بينهن فتيات التيك توك.

تعتبر هالة أن هذا النوع من البلاغات يزيد من الاحتقان في المجتمع، ويكرس لحالة العنف ضد النساء، والتي وصلت إلى مرحلة قتل السيدات في الشارع. وأضافت أن الجهات الأمنية تستجيب لهذا النوع من البلاغات، لكن في المقابل يتم التغافل عن البلاغات التي تقدمها السيدات للاستغاثة بهم سواء في قضايا تهديد بالقتل أو ابتزاز إلكتروني.

تلفت هالة إلى أن الاستجابة لمثل هذه النوعية من البلاغات تعبر عن حالة المجتمع الذي يسيطر عليه الطابع الأبوي والذكوري، الذي يحتقر النساء ويضعهن في إطار معين غير مسموح الخروج عنه، لكن هذه الأفعال تهدم أي محاولة لـ«تزويق» الحقيقة وتكشف حقيقة إدعاء أن المرأة المصرية تعيش أزهى عصورها.

وعلى مدار السنوات الماضية، اشتهرت وارتبطت بعض أسماء المحامين بشكل رئيسي بقضايا الحسبة، وبمجرد البحث عن أسمائهم سيظهر سيل من البلاغات التي قدموها ضد الجميع في كل الاتجاهات، وأحيانًا بشكل عشوائي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة