هل يتجه العالم إلى “الموضة المستدامة” كبديل صديق للبيئة؟

تلعب الموضة دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، حيث تعد صناعة الأزياء واحدة من أكبر الصناعات على المستوى العالمي، وتبلغ عائداتها ملايين الدولارات سنويا، لكن التغيرات المناخية بسبب التلوث، أصبحت تقتضي إحداث وعي لدى الناس للمحافظة على الطبيعة حولنا، وهو أمر يتضمن صناعة الموضة، حيث أصبح من الضروري إنتاج أزياء مناصرة للبيئة، وفي نفس الوقت مواكبة للصيحات الرائجة وبخامات مستدامة.

وعلى مدى العقود الماضية، كانت صناعة الأزياء، وخاصة صناعة الأزياء السريعة، وتعني تصميمات الملابس التي تنتقل بسرعة من المصانع إلى المتاجر لتلبية الاتجاهات الجديدة، واحدة من أكثر الصناعات ضررا بالبيئة في العالم، حيث تنتج 10٪ من انبعاثات الكربون في العالم وتلوث المحيطات بجزيئات بلاستيكية دقيقة.

ويجري سنويا استهلاك ما بين 80 مليار و100 مليار قطعة ملابس، أي ما يمثل 12 أو 14 قطعة للشخص، ويؤدي كم الإنتاج الهائل للملابس لتسميم الكرة الأرضية.

كما تعتبر صناعة الأزياء أيضًا ثاني أكبر مستهلك للمياه على هذا الكوكب، ومن المتوقع أن يصل إجمالي مخلفات الأزياء بحلول 2030 إلى 148 مليون طن حول العالم.

ثورة الأزياء

وتتمثل ثورة الأزياء في حملة تم إطلاقها بعد انهيار مبنى مصنع النسيج “رانا بلازا” في بنجلاديش عام 2013 والذي أسفر عن وفاة 1,100 شخص، وتعتبر بنجلاديش ثاني أكبر منتج للملابس في العالم بعد الصين، لكنها واجهت انتقادات قوية بسبب الأوضاع السيئة التي يعاني منها العمال في المصانع، وبعدها وقعت أكثر من 200 شركة أوروبية اتفاقًا ملزمًا من الناحية القانونية، لضمان سلامة المباني ومواجهة الحرائق في بنجلاديش، كما شارك التحالف من أجل سلامة عمال بنجلاديش الذي يضم السلطات البنجلاديشية و30 شركة أميركية كبرى، في تفتيش 2,266 مصنعًا في بنجلاديش لضمان توافر عوامل الأمن الصناعي وسلامة العمال، بعد كارثة مجمع “رانا بلازا”.

ومن هذا المنطلق، أصبحت  ثورة الأزياء منصة توفر جميع المعلومات اللازمة والحملات والندوات التي تعزز الوعي الخاص بالموضة المستدامة وأزمة عمالة الأطفال والأجور المتدنية وظروف العمل السيئة.

ما هي الموضة المستدامة؟

الموضة المستدامة هي عبارة عن طريقة بديلة لتصنيع أو اقتناء الملابس ولكن بأسلوب صديق للبيئة وبالابتعاد عن منتجات “الموضة السريعة”، حيث يتم أخذ بعض المعايير في الحسبان مثل طريقة التصنيع ونوع القماش المستخدم، وتفادي الأقمشة الاصطناعية والتي تصنع من المواد البتروكيماوية ومنها النايلون والبرلون والرايون والبوليستر. كما أن صناعة الأزياء السريعة مشهورة باستغلال العمالة والتي تتكون معظمها من النساء الآسيويات أو الإفريقيات، إضافة إلى مشكلة عمالة الأطفال.

من هنا جاءت فكرة الموضة المستدامة أو ما يسمى بالأزياء الإيكولوجية أو الأزياء الصديقة للبيئة، وهي جزء من فلسفة جديدة في عالم تصميم الأزياء، تهدف إلى إيجاد نهج صديق للبيئة، يمكن دعمه لأجل غير مسمّى.

ويرافق هذا النهج الجديد جميع المراحل التي يمر فيها تصنيع الملابس وإدخال منسوجات قابلة للتدوير، قليلة التلوث، منخفضة الاستهلاك، وقليلة تأثيرات الكربون في عملية التصنيع بطريقة مستدامة.

وتندمج الموضة المستدامة مع “الموضة الأخلاقية”، حيث ترتكز على مبادئ أخلاقية ضد استغلال العمال في مصانع النسيج وحصولهم على أجور عادلة، وتوفير ظروف عمل صحية وآمنة لهم.

وخلال جائحة كورونا، تمت إعادة تشكيل صناعة الأزياء بشكل جذري، لتصبح أكثر تصالحا مع البيئة، لكن كلمة الاستدامة بوقعها الرنان هي تحدٍ كبير وصعب في قطاع الموضة.

وبدأت العديد من شركات الملابس بتحول في نماذج تصميماتها، وتحسين سلاسل التوريد الخاصة بها لتقليل التأثيرات البيئية الشاملة، وتحسين الظروف الاجتماعية في المصانع، كما ازداد أيضا وعي المستهلكين وبخاصة الشباب.

ومع تزايد الوعي بشكل مطرد، أصبحت صناعة الموضة، وهي إحدى الصناعات الأكثر تلويثا على كوكب الأرض، مضطرة لأن تُظهر بجانب حسها الجمالي والمبهر، مدى مراعاتها للبيئة.

وبدأت متاجر التجزئة الشهيرة مثل (Zara، Mango، H&M) في زيادة حصتها من الأزياء المستدامة بشكل كبير هذا العام مقارنة بعام 2021.

أطلقت الأمم المتحدة التحالف من أجل الأزياء المستدامة لمعالجة الأضرار التي تسببها الموضة السريعة، إنها تسعى إلى “وقف ممارسات الموضة المدمرة بيئيًا واجتماعيًا”.

إحدى الطرق التي يقلل بها المتسوقون من استهلاكهم للأزياء السريعة هي الشراء من بائعي السلع المستعملة واستئجار الملابس.

يقوم تجار التجزئة الآخرون مثل Adidas بتجربة معدات مخصصة لتقليل العائدات وزيادة رضا العملاء وتقليل المخزون. أعلن رالف لورين أنه سيستخدم مواد رئيسية ذات مصادر مستدامة بنسبة 100٪ بحلول عام 2025.

تحتاج الحكومات إلى المشاركة بنشاط أكبر في الآثار الضارة لصناعة الأزياء، رفض وزراء بريطانيون تقريرًا من أعضاء البرلمان لمعالجة الآثار البيئية للأزياء السريعة، من ناحية أخرى، أبرم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتفاقية مع 150 علامة تجارية لجعل صناعة الأزياء أكثر استدامة .

الموضة السريعة

وهو مصطلح بدأ في أواخر التسعينات وأول الألفينات، حينما بدأ التسوق من خلال الإنترنت، وهو يعبر عن التصميم السريع لأحدث أنماط لعروض الأزياء بأقل جودة من الأصلية ويتم بيعها من متاجر عالمية بسعر بسيط جدا لتحقيق أكبر قدر من الإتجاهات الحديثة لتلبية احتياجات المستهلكين.

“الموضة السريعة” لها أضرار جسيمة، حيث عمال مصانع الموضة الحديثة التي غالبا ما تقع في دول العالم النامية، يعملون لساعات طويلة جدا في ظروف غير آدمية بعائد زهيد للغاية. وأيضا كثير من العمالة من الأطفال، حيث يستغلون الأطفال لدفع مبالغ زهيدة لتحقيق مكاسب عالية.

يتم استخدام مواد رديئة ورخيصة مصنوعة من البتروكيماويات مثل البوليستر والاكليريك والتي تتحلل في مئات السنين، لتسهيل عملية البيع وبالتالي فإن متطلبات الكسب السريع والنهم في الحصول على أكبر مكاسب ممكنة يضع صحة المستهلك فى آخر أولويات أصحاب هذه المصانع إن لم تكن خارج حساباتهم أصلا!

احصائيات

بحسب إحصائيات موقع “ecothes“، فإن ما خلقته صناعة الأزياء على كوكب الأرض، وإن صناعة الأزياء هي سبب في 8.1% من إجمالي ناتج انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما أنه من المتوقع أنه بحلول عام 2030 سيصل إجمالي مخلفات الأزياء إلى 148 مليون طن حول العالم.

وبحسب موقع “newint“، فإن العمالة التي تعمل في مجال صناعة الأزياء والتي غالبًا ما تكون في آسيا، فإنها تعمل في ظروف قاسية جدًا، حيث أنهم يعملون لمدة 7 أيام في الأسبوع ولساعات طويلة جدًا بأجور بسيطة من شأنها أن تجعلهم لا يتجاوزون الخط الأدنى للفقر.

كما أن عملية التصنيع بما تشمله من غسيل واستخدام الأصباغ مسؤولة عن خمس تلوث المياه في العالم، وعن 20-35 بالمئة من تدفق البلاستيك الدقيق في المحيطات.

ووفقا لـ دراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي، 1% فقط من الملابس يتم إعادة تدويرها إلى ألياف جديدة لأن التقنيات التي تفعل ذلك لا زالت غير منتشرة.

ويبقى السؤال، هل تحتاج مجتمعاتنا اليوم إلى الوعي بأن الأناقة لا تتطلب تغيير الثياب بشكل دائم، بل اختيار الملابس ذات تاريخ طيب وعمر مستدام، من أجل الحفاظ على موارد الكوكب من التناقص المتزايد وتقليص نسب تلوث البيئة، لأجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة