دراما التغيير من منظور مصري

الفن ثورة حقيقية وسلاح بيد مجتمعاته ليكتب حضارته ويصنع مستقبله ويسطر حاضره، فالفنان تقع عليه مسؤولية كبيرة في بناء المجتمعات، ويعد الفن هو قائدًا للمجتمع في مسيرة التقدم والنهوض لمواكبة العالم من حولنا، فالفنان رأى حقيقة وترجمها بعمل فني ليجسدها للمجتمع، فالفن ليس محاكاة حرفية ومرآة عاكسة ولكن هو رؤية وفكر، فهو خالد خلود الحضارة ويحتاج إلي حماية ورعاية كأي تعبير إنساني فكري يحتاج إلي بيئة ومناخ حر لينطلق إلي العالم الخارجي.

خلال الآونة الأخيرة تابعنا اهتمام الفن المصري ببعض قضايا النساء في المجتمع، كجزء من واقع ينقله هذا الفن في عمل درامي يساهم بصورة كبير في تسليط الضوء عليها وإيجاد حلول جذرية لهذه القضايا، كما تعودنا في الفن قديمًا.

الفن المعاصر الذي طرح قضية معاناة الزوجة مع لحظات الأمومة، والذي ناقش فيها عدد من المشكلات الزوجية وعلاقة الزوج بزوجته خلال السنوات الأولى من الزواج، وتأثير كل ذلك على الأبناء في عمل درامي واقعي تحت مسمى «الهرشة السابعة»، وعمل آخر دسم بالإسقاطات المجتمعية والسياسية أيضًا، وطرح قضايا المفاهيم المغلوطة سواء الدينية أو الثقافة المجتمعية السائدة، والتي جعلت من المجتمع فئات عنيفة ومتطرفة، بالإضافة إلي طرحه لمشكلة تمكين المرأة في جميع المجالات، مثل أن تصل لرأس القيادة، وأيضًا قضية ختان الإناث وتوابع هذه القضية من مشكلات، وقضية زواج الأطفال والهجرة غير الشرعية نتيجة بطالة الفكر والجهل والفقر، بجانب قضية هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع بالكامل وطريقة استخدامها من قبل الفئات المختلفة داخل المجتمع الواحد، وقضايا سوء الإدارة والإهمال واستغلال أصحاب رؤوس الأموال للمجتمعات البسيطة، بالإضافة إلي ذلك  قام سرد علاقة الفن بشخصية الإنسان وكيفية معالجته لعدد كبير من المشكلات وتأثيره على وجدان الإنسان الفكري والإنساني، ومساهمته في خلق جيل واعي مثقف، وكل ذلك وأكثر طرحه العمل الدرامي «حضرة العمدة» للكاتب إبراهيم عيسى بعدد من القضايا الهامة والتي تؤثر على المجتمع بالكامل.

والعمل الذي ينتظره الجميع، الذي يتحدث عن قضية هامة للغاية وهي وصاية الأم على أبنائها في حال الطلاق أو موت الزوج، أو حتى وصايتها عليها بشكل عام، فالمرأة ليست عاجزة عن رعاية أبنائها بشكل كامل متكامل، فهي ليست ناقصة ولديها من القدرة أن تعمل ذلك، فكان لابد طرح هذه القضية وهذه القضايا بشكل كامل ومتنوع، حتى نغير النمط الثقافي والمجتمعي تجاه هذه القضايا التي هي سببًا رئيسيًا في تدهور حال النساء في أغلب فئات المجتمع، وننتظر تناول هذه القضية في عمل درامي نتوقع تميزه في «تحت الوصاية»، والذي لاقى جدلًا كبيرًا قبل عرضه.

ومن هنا لابد وأن نعلم جيدًا أن الفن تأثيره على الإنسان أكثر بكثير من تأثير العلم، لأنه يخاطب الروح والوجدان وليس العقل، فالفن وسيلة مهمة ورئيسية في تكوين وعي الإنسان في القضايا المجتمعية والإنسانية المتعلقة بطبيعة الشخصية.

ولدينا العديد من الأعمال الفنية القديمة التي أثرت في أجيالنا الحالية، منها «الشقة من حق الزوجة» و«أريد حلًا»،  التي أثرت في إبراز حقوق المرأة العربية ونادت بتعديل القوانين الخاصة بحقوق المرأة، و«الأستاذة فاطمة» الذي سلط الضوء على قضية عمل المرأة، وأيضًا العمل الذي جسد دور المرأة الأساسي في مسيرتها النضالية النسوية وهو «٤ نساء من مصر» و«أنا حرة»، هذا العمل الذي نادى بعدم التسلط على المرأة من قبل العائلة، واستقلالها بنفسها وأنها لها آراء ومعتقدات وطريقة تفكير خاصة بها ويجب عليهم أن يتركوها حرة، وخاصة في قضية التعليم وإكمال دراستها، فهذا العمل أبرز أهم قضايا المرأة في فترة الخمسينات والستينيات وقدرة المرأة على تحقيق ذاتها والتطلع لمستقبل أفضل.

ننتقل من هذا العمل إلى العمل الفني «الباب المفتوح»، الذي يروي قصة فتاة بعد أن تخرجت من الجامعة تتمرد على أستاذها المتسلط الذي تقدم لخطبتها وتتمسك بشاب ثوري يساعدها على التمرد نحو إشراقة أفضل لروحها ونفسها، وتشارك في المقاومة الشعبية أثناء العدوان الثلاثي على مصر. وننتقل أيضًا إلي العمل الرائع «أفواه وأرانب»، الذي كان مليء بالإسقاطات السياسية الهامة، وأيضًا تدور أحداث الفيلم عن نموذج لثورة المرأة الريفية أمام عادات وتقاليد لن يقبلها عقلها، ولم تستسلم لها رغم ضيق الأحوال وظروف الأسرة وقتها، وأيضًا ناقش من خلاله مشكلة الزيادة السكانية وأزمة الانفجار السكاني الذي يعقبه مشكلات مجتمعية كثيرة، و«إمبراطورية ميم» الذي سرد لنا طريقة تفكير أولادنا وكيفية التعامل معهم في ظل زمن العولمة والثقافة الغربية التي هيمنت عليه وعلى تفكيره، وكيفية تحقيق التوازن بين تلبية رغبات أبنائنا دون أن نفرط في أخلاقهم وتقويم سلوكياتهم، مع الاحتفاظ بالحرية الخاصة والشخصية لهم، وغيرها من الأعمال الإجتماعية التي حثت على نشر التعاون بين الأفراد والجيران وإيمانهم بكونهم عائلة صغيرة في مجتمع كبير يستقبل الأجيال بثقافاته المختلفة، ويكون قادر على التعايش والتفاهم معها، وغيرها الكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية التي كانت منبرًا رئيسيًا هامًا لنا في مجتمعنا في ظل حقبات ثقافية وفكرية مختلفة، والتي بالفعل أثرت على شريحة هائلة وخلقت مناقشات ثرية بين طبقة من المثقفين وسردت حلولًا لها وردود أفعال تدافع عن جميع الحريات والأفكار وخلق مرحلة ثورية فكرية جديدة.

الفن يساهم في حشد المجتمع حول القضايا الوطنية والقومية، غير أنه له دور هام جدًا في الصحة النفسية للأفراد، فمحبين الفن كارهين للعنف والتطرف ومحبين للحياة وتطوراتها الإيجابية المناسبة لمجتمع عظيم.

يساهم الفن أيضًا في تشكيل الاتجاهات الاجتماعية والارتقاء بالذوق العام، وهو وسيلة لاكتساب المتعلمين مهارات النقد والتحليل الفني من الناحية التربوية، فلابد من الاهتمام بالفن اهتمام كبير لما له من أدوار تربوية واجتماعية، وذلك مواكبة العالم والتطور الحضاري، فلابد أن يسعى الفن لإيقاظ الضمير ويجعل الإنسان يميز بين الصواب والخطأ ولا يأخذ الأسلوب الوعظي حتى لا يفقد جماليات الإبداع الفني.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة