لولا شغل أمي

في العام الماضي أطلقت مبادرة “سوبروومن” حملة “لولا شغل أمي” بمناسبة يوم المرأة العالمي، للحديث عن دور الأمهات المعيلات في حياة أبنائهن، واستكمالًا لهذه الحملة في هذا العام اختارت المبادرة في عيد الأم الحديث عن السيدات العاملات و المعيلات المهمشات، حيث تعيش النساء في المناطق الريفية والشعبية والصعيد – المنتميات للطبقات الاجتماعية الأقل، والتي تعد الآن تحت المتوسطة و الفقيرة أو تحت خط الفقر بسبب الأزمات الاقتصادية- معاناة فوق معاناتهن في توفير الدخل اللازم لأسرهن، فما هو متعارف عليه أن العائل الرئيسي للأسرة هو الرجل، وهو ما يسحب من المرأة امتيازات وحقوق كثيرة في مقابل نفقة الزوج عليها وعلى أسرته، إلا أن هذا الوضع أصبح في طريقه للانقراض، حيث تعيش النساء الآن من دون حقوق أو امتيازات، وتحمل عن الرجل هذا العبء بشكل جزئي أو كامل.

كسيدة في عمر الثلاثين، رأيت أمي تعمل خارج المنزل وداخله، ولولاها ما كنت هنا، بحثت وراء ما كانت تعانيه من أعباء مضاعفة، ولماذا بعد كل هذا العمر من العمل والكد لا تملك شيئا؟! وكانت الإجابة هي أنها كانت تعمل وتُعيل بلا تمكين، كانت لا تستطيع أن ترفض أن تدفع ما تملكه أمام ابتزاز وضغوط المجتمع تحت شعار “الست الأصيلة”. حلمت بألا أعيش تلك الحياة مجددًا، وأن أضمن لنفسي أمانًا اقتصاديًا، إلا أنني وجدت أن سلسلة الابتزاز التي تعرضت لها أمي تلتف حول رقبتي بسبب مطالبتي بحقوقي المسلوبة “عاوزة حقوقك ادفعي!” فهل تعيش النساء فعلًا بدون أن تدفع؟

حسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 30% من الأسر المصرية تعتمد ماديًا على النساء المعيلات بشكل كامل، وهو ما يعني أن النسبة أكبر في حالة المشاركة الجزئية سواء كانت المشاركة أكبر أو أقل من الشريك، وهو ما يعكس التغير المجتمعي الحاصل في مصر، بعد أن أصبح هناك عبئًا مضاعفًا على النساء إلى جانب دورهن وتنميطهن اجتماعيًا وحبسهن في دور الأم وربة المنزل التي تعمل من دون أجر، بلا تأمين أو عائد مالي أو ما يعرف بالثروة المشتركة، والتي قد تقتصرفي هذه الطبقة على مبلغ مالي أو محل تجاري صغير، بل أضيفت لها الإعالة الأسرية كواجب إلزامي لا حق لها في رفضه.

“لولا شغل أمي” حملة قدمت نماذجًا كثيرة كادت فيها الأسرة أن تنهار تمامًا لولا إعالة الأم بشكل كامل لها، وحكى الأبناء عن تقديرهم لهذا الدور الذي جاء بسبب الضغوطات الاجتماعية بعد الطلاق أو وفاة الشريك، وعلى الرغم من أن هذه الشهادات لاقت احتفاءً كبيرًا من المتابعين لما قامت به هؤلاء النساء من مهمة إنقاذ حقيقية لأولادهن، يُطرح هنا السؤال الحقيقي عن أهمية تمكين النساء اقتصاديًا، ولماذا يتقبله المجتمع إذا كانت هناك منفعة مباشرة عليه؟ لا نستطيع التصريح بشكل واضح أن التمكين الاقتصادي يأتي لمصلحة النساء أو لا، سواء كانت زوجة أو مطلقة أو أرملة أو حتى لم تتزوج، بل يجب وضع شرطية المنفعة المجتمعية من تمكين النساء بل وأحيانًا من معاناتهن.

الحديث عن تمكين النساء اقتصاديًا يجب أن يأتي بمعزل عن أية ظروف تعيشها النساء ووضع شروط له كالطلاق أو وفاة الشريك وغيره، مما يحميها اجتماعيًا من الوقوع فريسة لعلاقات مؤذية تعنفها اقتصاديًا وتحجب عنها فرصة الأمان الاقتصادي، كما يؤمن لها حياة كريمة دائمة لا حاجة فيها لمعونة أو إعاشة، ويكسر التنميط المنحاز للرجل واحتكار لقب العائل الرئيسي له، مما يفتح لها المجال للحديث عن حقوق مسلوبة نظير هذا اللقب المزعوم. كما يضع الرجل على مسافة متساوية من الواجبات التي حُصرت فيها المرأة لسنين طويلة بحجة النفقة، وهذا الطرح لا يعني بالتأكيد ربط المشاركة الزوجية و تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا بالنفقة فقط، ولكن كما هو مطروح دائمًا من المجتمع الأبوي استخدام السلطة المالية لإسكات أصوات النساء، حتى من رجال الدين واستخدامهم لمصطلح القوامة مقابل النفقة، وعند طرح هل تزول القوامة بتوقف النفقة؟ ستجد الإجابة تتمحور حول فضل الرجل على زوجته، واستنكارهم لتخليه عن دوره، بل ولن يجرؤ أحد منهم على الحديث عن زوال هذه الامتيازات المعطاة للرجل لأن النفقة لا تعد شرطًا للقوامة في نظر رجال الدين والمجتمع، بل يرونها حق مطلق من دون محاسبة أو مراجعة وهو ما نحاول طرحه اليوم.

تلك الطبقات الاجتماعية بعيدة كل البعد عن الحديث النسوي وعن المطالبة بالمساواة، وتعيش فيها النساء حياة صعبة لا تتمتع فيها بأية حقوق، ويمكن أن نرى تلك النساء المعيلات يعشن مأساة التعدد مثلًا، ولا يستطعن الاعتراض أو التوقف عن بذل ما وضع فوق أعناقهن من أعباء مضاعفة، وهو ما تعيشه نساء مصر من ممارسة أدوار جندرية مزدوجة أم وأب وخادمة داخل المنزل بلا مقابل ومُعيلة خارجه في نفس الوقت، وعليها أن تحافظ على الصورة الجندرية والمجتمعية للرجل تحت ابتزاز المجتمع من التصريح عن عملية نصب يحميها المجتمع والقانون، ويوفر لها رجال الدين غطاءً سحريًا لتمكين الرجال من تخليهم عن دورهم المزعوم من دون محاسبة، في مقابل استمتاعهم دائمًا بامتيازاتهم مقابل هذه الواجبات المنكرة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة