الواردات والتضخم

هناك فجوة ظاهرة وكبيرة بين الصادرات والوارادت في مصر، ويرجعها الخبراء الاقتصاديون إلى عيوب هيكلية – بنيوية – في الاقتصاد المصري، يعد من أبرز مظاهرها زيادة ما تستورده مصر عن ما تصدره؛ وهو ما جعل هناك عجزًا كبيرًا في ميزان المدفوعات، وبالأخص القسم المتعلق بالميزان التجاري.

قد نتناول ماهية تلك العيوب البنيوية في مساحات أخرى، ولكن بشكل عام يصنف الاقتصاد المصري كاقتصاد عالم ثالث يعاني من مجموعة من الاختلالات، ومن أهمها عدم قدرة الاقتصاد المصري على النمو الذاتي، وذلك ضاعف من اعتماد الاقتصاد المصري على الخارج، مما يعني في المحصلة النهائية: زيادة نسبة الورادات عن الصادرات، وهو ما تمت ملاحظته في السلع الغذائية ومنها القمح، وكذلك استيراد مستلزمات وأدوات الإنتاج، وهذا جعل الاقتصاد المصري فريسة للتقلبات العالمية، وخاصة في أسعار الغذاء، مما يضاعف من أعباء الدولة والمجتمع على السواء، وهو ما يفسر في جزء منه الضغط على العملة المحلية وتراجعها في المرحلة الراهنة.

وقد تجلى هذا في الأسابيع الأخيرة في ظل الأزمات الاقتصادية المختلفة التي نعايشها، خصوصًا مع  حلول شهر رمضان واتساع الفجوة بين العرض والطلب فيما يخص السلع الغذائية، فقامت الدولة برفع شعار الإيرادات كحل للمشكلة، وعل سبيل المثال:

فالقمح مثلًا: بلغت ورادات مصر منه في العام المالي المنقضي 2021/2022م ما قيمته 2.40 مليار دولار، في مقابل 2.13 مليار دولار في العام المالي الفائت، وبنسبة مئوية 12.6%. مما يعني زيادة ورادات مصر من القمح، وتلك إشكالية كبرى في بنية الاقتصاد المصري متعلقة بالغذاء.

أما الأسماك: بلغت ورادات مصر منها 466 مليون و557 ألف دولار، من أول يناير وحتى سبتمبر 2022م، وهو ما ذكره تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

أما عن الدواجن: تفاقمت الأزمة أكثر بعد أزمة انخفاض الجنيه وقلة المعروض من الدولار، مما أنذر بانهيار في قطاع الدواجن بسبب عدم قدرة القائمين على هذا القطاع على استيراد الأعلاف وغيرها. وقد اتجهت سياسة الدولة في الأسابيع الماضية لاستيراد الفراخ من البرازيل وصلت نحو 50 ألف طن – حسب تصريحات المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء – وهو ما اعتبره بعض الاقتصاديين نوع من الاستسهال لجأت إليه الدولة لوقف نزيف قطاع الدواجن، الذي شهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الفراخ البيضاء والحمراء والبيض.

الاستيراد والتضخم

لم يعد يخفى على أحد ما وصلت إليه معدلات التضخم في مصر، والتي وصلت لنسبة كبيرة، حسب أرقام شهر فبراير الماضي، حيث بلغت النسبة – حسب البنك المركزي المصري- 40.3% مقابل32.1% في يناير 2023، أي بداية العام الحالي، من جهةٍ أخرى أشار بيان الجهاز المركزي للتعبئة العام والإحصاء أن أسباب ارتفاع معدلات التضخم يعود إلى ارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز 9.2% واللحوم والدواجن 29.7%، والأسماك والمأكولات البحرية 19.5%، ومجموعة الألبان والجبن والبيض 11.1%، فضلًا عن باقي السلع (الزيوت والدهون- الفاكهة والخضروات- مجموعات البن والشاي).

والسؤال الذي يطرحه المواطن المصري: هل من خروج من تلك الدائرة الجهنمية من الغلاء والتضخم؟ وهل الاستيراد أو بالأحرى التوسع في الورادات سيحل الأزمة؟ هذا ما يتم مناقشته في السطور القادمة.

إجمالي الورادات المصرية والصادرت

كما ذكرنا سابقًا هناك فجوة بين الورادات والصادرات، هي نتاج للأزمات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري – لا مجال لتفصيلها أكثر، تبلغ الورادات حسب البيانات الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في الأحد عشر شهرًا الأولى من عام 2022م ما قيمته 86.6 مليار دولار، مقابل 80.1 مليار دولار لنفس الفترة من عام 2021م – أي العام السابق – بما يعني زيادة قدرها 5.9 مليار دولار، بنسبة مئوية قدرها 7.3%.

أما الصادرات، والأرقام بحسب تصريح لرئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي بتاريخ 19/1/2023م، بلغت 53.8 مليار دولار، وفي العام السابق 2021م كانت 45 مليار دولار، أي زادت بنسبة مئوية قدرها20%. ورغم زيادة الصادرات بحسب التصريح السابق، فهذه الزيادة لم تسد الفجوة البالغة 32.8 مليار دولار.

لم يستطع الاستيراد حل مشكلة التضخم، الذي يتزايد، مع انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار والتي وصلت إلى النصف، وكما يتوقع الخبراء الأزمة ستظل قائمة بل تتعمق أكثر، في المديين القصير والمتوسط، وإذ لم يتم تغيير بنية السياسات الاقتصادية والاتجاه نحو الإنتاج وتنشيط الاستثمار في قطاعات منتجة، وبداية وضع أسس حقيقية لتنمية مستقلة معتمدة على الذات خاصة في الغذاء والدواء، وبناء طموحات اقتصادية لتصنيع أدوات الإنتاج؛ فلن يكون هناك مخرج حقيقي للأزمة المستحكمة.

1 تعليق

  1. “وإذ لم يتم تغيير بنية السياسات الاقتصادية والاتجاه نحو الإنتاج وتنشيط الاستثمار في قطاعات منتجة، وبداية وضع أسس حقيقية لتنمية مستقلة معتمدة على الذات خاصة في الغذاء والدواء، وبناء طموحات اقتصادية لتصنيع أدوات الإنتاج؛ فلن يكون هناك مخرج حقيقي للأزمة المستحكمة.”👍👍
    هى ديه الخلاصة

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة