تربية إيجابية في مجتمع غير إيجابي

ظلت جملته ترن بعقلي طوال الليل، لم أستطع تجاهل معاناة طفل يبلغ من العمر إحدى عشر عاما، عندما قال لي ” كنت قاعد لوحدي طول البريك وكلهم اتلموا حوليه كنت مضايق اني لوحدي “.

كانت جملة صديقي “اياد” ترن بداخل جمجمتي، فهو يعي جيدا، أن ما يتعرض له بالمدرسة هو “تنمر”، ولكنه اعتاده. جملته التالية كانت “أرجوكي اكتبي اني بتعرض لده من 4 سنين”. قص لي واقعة تنمر صديق له عليه ونعته بكلمة “loser”  طوال الوقت، وأن والديه يطالبوه عادة بعدم الرد علي زملائه بالمدرسة.

 أما عن دور المدرسة فهو دور سلبي للغاية تجاه الأولاد، الواقعة التي حدثت هذه المرة هي تعدي زميل له عليه بسب والديه، وعمل بعض الحركات البذيئه له، ليكون رد اياد التعدي عليه بالضرب، وهنا تدخلت المدرسه بتعنيف اياد لتعديه علي زميله.

 وهنا يأتي صديقي متسائلا، ما التصرف السليم الذي يجب علي فعله؟

في الحقيقة، وقفت عاجزة أمام سؤاله، بماذا أنصحه؟، هو صديقي، فأنا قد اعتدت علي مصادقة أبناء أصدقائي، حتي اشعر أني لازلت صغيرة، ولا أنتمي لمجتمع الكبار، ومشكلة اياد هنا جعلتني أفكر بأطفالي في المستقبل، كيف يمكنني أن أربي أبنائي بطريقة ايجابية، بداخل مجتمع غير إيجابي، حتي اذا سنحت لي الفرصة أن أختار له البيئة المحيطة، ولكن كيف سيواجه العالم الخارجي ويتعامل مع البشر خارج العالم المختار الذي صنعته له أنا ووالده.

 تذكرت كلمات امي رحمها الله عندما قالت لي يوم انتقلت من مدرستي إلي مدرسة حكومية، وتعرضت للتنمر، باعتباري الفتاة الجديدة الأتية من مدرسة خاصة للغات، كنت ألتزم بالزي المدرسي والقواعد بمجتمع لا يعرف غير خرق القواعد، فوجدت نفسي ملزمة باتباع قاعدة أمي، أن أتشبه بهم طوال فتره وجودي معهم، لكن عندما أعود للمنزل علي أن أعود ابنتها الرقيقة المهذبة.

 لكي تنجح التربية الايجابية وتحقق الهدف المرجو منها، وهو بناء شخصية قوية لطفلي، يجب أن تقوم علي ركائز أساسية، مثل:

1- الاستماع الجيد للطفل

2-السماح باللعب الحر

3-تحديد وقت محدد لاستخدام أدوات التكنولوجيا المتمثلة في ( الموبايل / البلايستيشن / أفلام الكرتون )

4-مساعدة الطفل في تشكيل شخصية مميزة

5-تجنب اطلاق الألقاب السلبية

6-مشاركة الطفل اهتمامته

7-تقبل الطفل

8-تجسيد القدوة الحسنة

9-تحديد الأولويات

10-التعلم من الأخطاء

11-مواجهة المخاوف

12-العقوبات المناسبة للأخطاء

13-وضع القوانين

14-مواجهة المخاوف

15-التحكم بالعواطف والرغبات

هذه الركائز تختلف معايير تقييمها من أسره لأخرى، حيث أن المستوى الاجتماعي و المستوى المادي يجعل من الصعب أن تجتمع كل الأسر علي طريقة تعامل موحدة، فانا يمكنني التحكم بما أجده مناسب لطفلي، ولكن غيري قد يختار معايير أخرى.

التربية الايجابية تمر داخل مجتمعنا بأزمة، فهي تحتاج إلي مجتمع سوي لتنمو ولا تفشل، لذا لنطرح سؤالا اخر جديد وهو ما هي العوامل التي تؤثر في التربية؟

هناك عدة عوامل:

عامل أسري / عامل ديني / عامل اجتماعي / عامل البيئة المدرسية / عامل الصداقات / عامل مادي

وأنا هنا بصدد تناول عاملين فقط من العوامل السابقة، وهما العامل الاجتماعي وعامل البيئة المدرسية.

العامل الاجتماعي

من الطبيعي أن يتأثر الطفل بالعلاقات الاجتماعية من حوله، والتي ستحدد كيف سيرى العالم من خلالها، وكذلك تؤثر على تطوره في جميع المجالات؛ كعلاقاته مع والديه، وأفراد أسرته، وأقاربه، وجيرانه، إذ إن هذه العلاقات هي التي ستتيح للطفل التعبير عن نفسه، سواء أكان ذلك بالصراخ أم بالضحك أم بالسؤال أم بالحزن أم بالاحتضان.

العامل المدرسي

 ويتمثل في دور المدرسة تجاه الطلاب والذي ليس بدور هين أو بسيط، بل مكمل. صحيح أن المسؤولية الأولى التي تقع على المدرسة تجاه طلابها هي مسؤولية تعليمية، إلا أن مسؤوليتها تمتد إلى التربية، ولهذا السبب تتبع المدارس لوزارة التربية والتعليم، فالهدف هو إخراج جيل على مستوى عالٍ من الأخلاق والأمانة والتعاون والعلم، فلا بد للطفل من أن يتأثر بالطريقة التي يتفاعل بها المعلمون معه، وبالطريقة التي يشجعونه بها على التفاعل مع بقية الأطفال، مما يؤثر في سلوكه ونموه وتربيته، لذا يجب أن تركز المدرسة منذ البداية على مساعدة الأطفال على تعلم التعاطف والاحترام والتقدير والنزاهة، وذلك عن طريق الأنشطة الاجتماعية والعمل بروح الفريق والتوعية ومشاطرة الوالدين سلوكيات الأطفال بين المدرسة والمنزل.

وهنا سأعود لوجهة نظري الشخصية، حيث تحتاج التربية الإيجابية لمجتمع إيجابي، خلاف ذلك سوف تفشل وتعرض الأطفال لضغوط نفسية جسيمة، وسوف نقع في حيرة صديقي اياد، لذا أجد أن من المنصف أن نتعامل مع التربية الإيجابية، علي انها مثل الثقافات الأخرى، التي ناخذ منها ما يتناسب مع البيئة المحيطة بنا، مع الوضع في الاعتبار توضيح السلوكيات الخاطئة من الصحيحة، وكيفيه التعامل معها.

أنا لست بشخص مختص ليجد حلا لهذه التساؤلات، لكن صديقي يتسائل ماذا يفعل؟ وأي سلوك يتبع؟،  هل ينضم إلى الأخرين، ويجد ضحية جديدة يتنمر عليها مع أصدقائه؟، ام يلتزم الصمت ويتحمل في ظل تجاهل المدرسة معاناته و محاولة والديه تنشئته بشكل سوى طبقا للمعايير السابق ذكرها؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة