هكذا يصبح كل شيء مضاعفًا لمجرد كونك «أنثى» في بلادنا الشرقية. فكل مصيبة مصيبتان، وكل مشكلة مشكلتان، وكل عنف مضاعف. تصور كل صعوبة تواجهها في هذا الزمن الذي يصفه الجميع بالصعب وضاعفها على الأنثى ضعفًا واحدًا على الأقل، فتلك الأضعاف تتزايد في حالة كانت امرأة تنتمي لأقلية دينية أو عرقية، ويظل الزمن يُثقل ويُضاعف على كاهل النساء لأسباب مختلفة تتعلق بأجسادهن وألوانهن وثقافتهن وثقافة البيئة المحيطة بهن وهكذا دواليك أحمال فوق أحمال.
لذلك حينما ينصب الاهتمام على المشاكل التي تواجهها النساء فهو حتمًا لا يعني بالمرة أن الرجال لا يواجهون نفس المشكلة، لكنه يعني بالضرورة أنه من التأدب التركيز على تعرض النساء لها لأنهن يعانين من كل أمر أضعاف فقط لأن لهن أثداء!
وتزداد الأمور تعقيدًا إذا كانت لهؤلاء النساء أصوات، ويزداد الأمر إزعاجًا للكل إذا حملن في صدورهن صوتًا عاليًا، فيصبح مع الوقت وجودهن تهديدًا لكل «سلطة»، والسلطات في بلادنا الشرقية أوسع مفهومًا من الأنظمة السياسية والأمنية، وهنا تبرز الإشكالية نفسها، حيث لا تواجه النساء المشاكل نفسها التي يواجهها الرجال مع السلطة، لكن المسألة تتضاعف لكونهن نساء!
تواجه المرأة في كل لحظة سلطوية من أغلب «الذكور»، سواء كان في هيئة معنوية من ذكورية دينية أو اجتماعية، أو في مؤسسات نظامية بمفهومها الواسع والضيق، أو كانت تلك الذكورية في معناها المادي الفردي أو الجماعي. وكلما ازداد تمسك النساء بحقهن في المساواة والعدالة، وقبلهما الحق في الحرية كانت المواجهة أشد عنفًا، وكانوا أكثر تخوفًا على سلطتهم.
ولكي يزداد الأمر تعقيدًا فإن النساء لا يشهدهن فقط تلك المواجهة المضاعفة السلطوية فقط، حيث تزداد ضراوة وعنفًا وتظهر همجيتها وعشوائيتها بشكل أوسع في الأوقات غير العادية في أية أزمات. أي أن السلطوية تدخل في حالة صراع مضاعف مع النساء في أوقات الأزمات والأوقات الاستثنائية، سواء حروب أو فترات وباء أو أي صراعات أو كوارث طبيعية، لأنه في تلك الحالات يشعر كل صاحب سلطة أن سلطته محل تهديد لذلك يحاول الحفاظ عليها بدافع الخوف بشكل همجي يتفاعل طرديًا مع حجم تلك الكوارث.
وبطبيعة الحال فإن محاولة فرض السلطة تستهدف الأضعف، وبالتبعية يترسخ في أذهان الرجال أن النساء أضعف ومن بعدهن الأطفال ثم باقي المخلوقات، ومن ثم يستطيع أن يفرض عليهم سلطته المهددة. وكالعادة يزداد الأمر عبثية إذا لاقى مقاومة من ذوات «الصوت العالي»، فيصبح تخوفه من التهديد مضاعفًا ويزداد عنفه في مواجهة خلقها هو في عقله وحولها لساحة حرب.
لكن في الحقيقة لا يوجد حرب بالأساس بين النساء والرجال، ولا يهدد حصول النساء على حقوقهن بأي شكل حقوق الرجال، إنما يعيد للميزان توازنه ويحقق للمجتمع استقرار نفسي بشكل عام، وتفهم الأقلية الذكورية لتلك المسألة والنظر لها بشكل منطقي وبمقدماتها الحقيقية هو نقطة البداية للعمل على استرجاع الوضع الطبيعي للتعايش داخل المجتمع.
وربما يجب أن أشير إلى قصدي بمصطلح «ذكورية»، فهو على غير الشائع لا يعني بالضرورة «رجال»، لكننا نرى كثير من النساء «الذكوريات»، ونشهد على انتشار تلك الصفة خاصة في الأجيال الأكبر سنًا وبين أغلب الأمهات، فهن يطبعن رجالهن ونسائهن بصفات الذكورية والتمييز القائم على النوع طباعة منذ اللحظة الأولى لمعرفتهن بالحمل. لذلك وبالتبعية أيضًا فإن الظن السائد بأن النسوية مفهوم يخص «النساء» وحدهن أمر غير صحيح، فالنسوية مفهوم حقوقي يعني الدفاع عن حقوق المرأة بغض النظر عن النوع أو الصفة الچندرية للمدافع.
ومن كافة المقدمات السابقة يمكننا الوصول إلى نتيجة أن تحقيق شيء من العدالة بين كفتي الميزان من نساء ورجال والطوائف المشتركة بين الجنسين من مجتمع الميم يحقق شيئًا من التوازن للمجتمع، ويساعد على تقليل تبعات الأوقات الصعبة وأثرها المدمر من انتشار الأمراض النفسية والأزمات المجتمعية والجرائم والخلل البادي في إحصائيات المجتمع بشكل عام.
مع الإشارة إلى أن السعي نحو حقوق المرأة والتركيز على المشكلات التي تعانيها النساء بشكل خاص في مجتمعنا لا ينفي أبدًا تعرض الرجال لمشكلات ومعاناتهم من أزمات وتمييز، بل هو يؤكد على تلك النقطة ويضيف عليها المضاعفات التي ذكرناها من كون الضحية/ الناجية تواجه الأزمات نفسها بشكل مضاعف لكونها إمرأة، بالإضافة لبعض الانتهاكات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والجنسي التي يواجهها الرجال والنساء بنسب متفاوتة.
كلنا نعاني، وكما أردد دائمًا أن الأوجاع لا تُقاس على كفتي الميزان، لكن يجب أن نتفهم حجم العنف الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا الشرقية وأنظمتنا الديكتاتورية، وفوقهم في أوقات الأزمات التي نحياها، وأن نضع مسألة حقوق المرأة في أطر صحيحة حقوقيًا ومنطقيًا.