حبيبتي .. لم أجد ما أهديه إليكِ في عيد الحب، فلا توجد قيمة مادية ملموسة تعبر عن معاني ما أحمله إليكِ، وأيضًا لا يوجد شيء يقدر ويوضح قيمة وجودك المتجردة في الحياة، فلا أستطيع إهدائك سوى كلماتي ورسالتي.
حبيبتي.. تعالي نبحر معًا في قلب الماضي العتيق، لنتعرف على هذا اليوم المبهج الذي يرمي على العالم السلام والمحبة، يوم عرف منذ القرن الثامن عشر بعيد الحب، لنقرأ معًا الرسالة الأولى لهذا اليوم، وسنجد أن يوم 14 فبراير عام 269 ميلادي كانت نهاية الكاهن «فالنتين»، وفي نفس الوقت كانت بداية الدعوة للحب، وبذلك نستنتج أن مع ميلاد الحب تلازمه التضحية فـ«فالنتين» هو اسم كاهن مسيحي من روما، ويرجع تاريخ الاحتفال بعيد الحب العالمي في 14 فبراير إلى يوم إعدامه، حيث انتصر للحب والمحبين فضحى بحياته ثمنًا للحب، حيث قام بتزويج الجنود سرًا لإيمانه برسالة الإنسانية التي لا تمنع ارتباط المحبين، ضاربًا عرض الحائط بقرار الإمبراطور«كلوديوس» حاكم الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي الذي منع الجنود من الزواج حتى لا يشغلهم عن مهامهم الحربية.
فبعد أن تعرضت الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت لانتشار الطاعون الذي نتج عنه وفاة آلاف الأشخاص يوميًا، ومن بينهم الكثير من الجنود، وعندما تزايد عدد الموتى وزادت الحاجة إلى الجنود للقتال، وكان الاعتقاد السائد وقتها أن أفضل المقاتلين هم العزاب، حظر الإمبراطور «كلوديوس الثاني» الزواج على الجنود، وعقابًا له اعتقل القديس «فالنتين» وتم إرساله بأمر من الإمبراطور إلى حاكم روما، فأمر بضربه بقسوة بالعصي والحجارة ثم قطع رأسه.
وارتباط عيد الحب باللون الأحمر يعود إلى قيام الجنود بإلقاء الزهور الحمراء على «فالنتين» فرحًا بزواجهم وتقديرًا لما فعله معهم، واللون الأحمر له دلالته في كل الثقافات حول العالم حيث يرمز في المجتمعات الشرقية إلى الرخاء وحسن الحظ والفرح خاصة عند امتزاجه باللون الأبيض، فيما يرمز في الغرب إلى الطاقة والعمل والحب.
فالتضحية يا حبيبتي هي حجر الزاوية والقيمة الأساسية التي ترتبط بالحب، والتضحية في الحب هي ما يمنحه طرفي العلاقة لبعضهما بهدف الحفاظ على هذه العلاقة واستمرارها، وهي أشبه بالتنازلات المتبادلة للوصول إلى حلول وسطى وليست تضحية دون مقابل، لأن المقابل ببساطة هو الاستمرار والاستقرار.
وحجر الزاوية الآخر لأي علاقة يا حبيبتي هو التسامح، فالحب والتسامح وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن أن تستمر علاقة حب بين أي اثنين إلا بالتسامح، فهو الضامن لاستمرار أي علاقة، فالحب أسمى المشاعر الإنسانية ويحمل في كثير من معانيه التغاضي عن العيوب والأخطاء غير المقصودة لمن نحب والتماس الأعذار له. ويتجلى التسامح في نسيان الأحداث المؤلمة التي وقعت للإنسان أو سببها له الطرف الآخر، وتخليه طواعية عن رغبته برد الأذى وأخذ حقه ليس ضعفًا منه وإنما من التسامح، وهذا أحد أهم الأساليب التي تجعل الحب قويًا بين أي طرفين وتمنحه الاستمرارية والدوام.
فإن أعظم ما يهديه المحب لحبيبه هو مسامحته على أخطائه لتعود المياه إلى قلوبهم بعد أن انقطعت في فترات الغضب والحزن، فتزهر الورود من جديد بعد مرور العاصفة التي كادت أن تقتلع الحب من القلوب.
فالحب يعني العطاء السخي غير المشروط فهو ساحر كالروح ليس له وزن أو كم أو شبيه. وتذكري دائمًا يا حبيبتي كلمات معلمنا الحكيم جبران عندما كتب للمحبين نصائحه حتى يستمر الحب إلى ما لا نهاية وتتوارثه الأجيال دون كلل:
قد ولدتم معًا وستظلون معًا إلى الأبد
وستكونون معًا عندما تبدد أيامكم أجنحة الموت البيضاء
أجل وستكونون معًا حتى في سكون تذكارات الله
ولكن فليكن بين وجودكم معًا فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض، حتى أن أرياح السماوات ترقص فيما بينكم
أحبوا بعضكم بعضًا ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحرًا متموجًا بين شواطيء نفوسكم
املأوا كل واحد منكم كأس رفيقه ولكن لاتشربوا من كأس واحدة
أعطوا من خبزكم كل واحد لرفيقه ولكن لا تأكلوا من الرغيف الواحد
غنوا وارقصوا معًا وكونوا فرحين أبدًا، ولكن فليكن كل منكم وحده كما أن أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنها جميعًا تخرج نغمًا واحدًا
أعطوا كل منكم قلبه لرفيقه ولكن حذار أن يكون هذا العطاء لأجل الحفظ
لأن يد الحياة وحدها تستطيع أن تحتفظ بقلوبكم
قفوا معًا ولكن لايقرب أحدكم من الآخر كثيرًا:
لأن عمودي الهيكل يقفان منفصلين
والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها.