آليات النظام القمعية ضد النساء تستخدمها الحقوقيات!

معركة الوعي بين حرية التعبير وبين التحريض علي العنف

أمس فوجئنا بتقديم بلاغ ضد المذيعة ياسمين عز من محامية حقوقية، يحمل رقم 1958 لسنة 2023، لمطالبة النائب العام بحبسها، وجاء نص البلاغ:  «تطالعنا يوميًا المبلغ ضدها ببرنامجها (كلام الناس) المذاع على قناة إم بى سى مصر الفضائية، تبث من خلاله خطاب تحريضي لممارسة العنف ضد المرأة المصرية, وأن على النساء أن تقبل العنف والإهانة. كما يتضمن خطابها تهكم وسخرية وتنمر على حال الأسرة المصرية، الزوجة والزوج المصري تحديدًا، مستغله أحداث ومواقف فردية لوقائع وأحداث تنشر على مواقع السوشيال ميديا لتطبيع إهانة وضرب الأزواج للزوجات، لتنشر بذلك أفكار تهدم الأسرة المصرية التي تعد نواة المجتمع، ضاربة بعرض الحائط أحكام الدستور المصري والقانون، وتوجهات الدولة المصرية في إرساء مبادئ حقوق الإنسان، من خلال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واستراتيجية مصر 2030، فضلًا عن استهداف هدم جهود الدولة في تمكين المرأة المصرية اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، والتي تبذل الدولة المصرية جهود كبيرة في مشروعات قومية متعددة، منها المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية ».

هذا البلاغ غير مذكور فيه أي مواد قانونية للجريمة، أو أي وصف وقيد قانوني، ولكن تم كتابة وقائع مطلقة وليست قانونية، كما تعلمنا في القانون كيف نؤسس دعوانا ونثبتها بكافة طرق الإثبات. وتعليقًاً على الفقرة المعنية بالدستور والاستراتيجية الوطنية المذكورة في البلاغ،  أتذكر حين فوجئنا بقضية هدم قيم الأسرة المصرية ضد فتيات التيك توك، لأنهن قاموا بعمل فيديوهات لا تضر أحد، وإنما تعبيرًاً عن حريتهم تجاه جسدهم، لكن أصبحت تهمة تم حبسهن مقابل حريتهم، مما دعى جميع النسويات والمتضامنين بالدفاع عن الفتيات في حرية التعبير، فهل الاستراتيجية الوطنية كفلت حقوق فتيات التيك توك وهل الدولة في بلاغ المحامية أرست مبادئ الحقوق كما جاء في الدستور المصري؟

الإجابة لا. إن من ضرب بالدستور عرض الحائط هو الآلية التي تم استخدامها ضد فتيات التيك توك وحبسهن، وكيف عمل المحامين في تلك القضية للدفع بعدم الدستورية في مصطلح هدم قيم الأسرة المصرية، وهو ما نجح فيه المحامين في خطة دفاعهم، وحكمت المحكمة بعدم الدستورية.

إن الأسلحة القمعية المستخدمة لسنوات ضد النساء، نقوم باستخدامها اليوم، فنجد احتفاء عارم من أشخاص من المفترض أنهن حقوقيات بحبس المذيعة. ومن الغريب أنني فوجئت بمقارنة بينها وبين عبد الله رشدي، الذي كان يدعو لاغتصاب الزوجات وضربهن، هنا نقف أمام جريمة تحريض على العنف مكتملة الأركان القانونية، ولكن هل ما تقوم به ياسمين عز تحريض؟ أم أنها آراء تخلق ثقافة معادية لنا كنسويات نحاربها في ظل بلادنا العربية من سلطة الرجال على النساء وجعل الرجل إله؟

كنسوية أنتقد ما تفعله ياسمين عز بشكل واضح وصريح، ولكن هل أقوم بحبسها كمحامية مقابل آراء معادية لنا؟ كان من الممكن صياغة بيان في أبسط الأدوات لإيقاف البرنامج، مع جمع توقيعات وانتقاد المحتوى الذي يقدمه البرنامج الذي يقنن السلطة الذكورية، أو تقديم بلاغ للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لإيقاف البرنامج. كان هناك طرق كثيرة يمكن أن نستخدمها.

أخيرًا،ً إذا من الممكن أن ننظر في مثل هذه الحالة  يمكننا أن نوصي بخلق منهج توعوي، من خلال عمل جلسات توعية جندرية موازية للإعلاميات، أو نقدم للمجلس الأعلى للإعلام مقترح به معايير ومدونة سلوكية خاصة بالإعلام وبالمحتوى الذي يمكن أن يخلق توعية للحفاظ علي حقوق النساء. معركة الوعي أصبحت مخيفة في ظل عملنا على قضايا النساء من العنف المبني على النوع الاجتماعي، ووصولًا إلى حقوقنا كنساء في بلادنا العربية، ولذلك من الممكن أن نخلق مساحة نختلف فيها، ولا يؤدي خلافنا لحبس كل من يخالفنا الرأي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة